هل دولة الإسلام قائمة ، أم غائبة .. وماذا عن الخلافة الإسلامية ؟؟

الشيخ مجاهد الرفاعي

دار الإسلام أو دولة الإسلام هي : كيان يشتمل على ( الإقليم ، الشعب ، والسلطة ) والذي يجري عليه أحكام الإسلام ويأمن من فيه بأمان المسلمين ، كالذميين ، والمعاهدين .. فهي كيان سيادي قانوني .. يقوم على التشريع الإسلامي ( الكتاب ، والسنة ) ويهتدي به في أمور الدين والدنيا .. بحيث يبين الحقوق ، ويحدد الواجبات، ويرسم  القواعد الكلية والمبادئ العامة .. التي تنظم شؤون الأفراد ، وتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، وبين الحاكم وربه ( بحيث تكون البيعة على كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ) فهي كيان لا يفصل بين الدين ، والسياسة .. وهي كيان له دستور ( النظام الأساسي للحكم ) يشتمل على قواعد ، ونظم .. تقوم بتوضيح نظام الحكم ، وطريقة تنظيم السلطات العامة ( التشريعية ، والقضائية ، والتنفيذية ) وارتباط بعضها ببعض .. وكذلك القوانين المفصلة للدستور .

والسؤال الملح الآن .. هل دولة الإسلام بهذا المعنى المذكور .. قائمة ، أم غائبة ؟؟

إن من المؤشرات التي يمكن الاستناد عليها ، مع تعذر المعيار الشرعي .. لاستيضاح إن القيادة السياسية لدولة ما تُعرف دولتها بأنها دولة إسلامية .. هو مؤشر العضوية  في منظمة التعاون الإسلامي .. فهذه المنظمة تظم في عضويتها الدول التي اختارت أن تعرِّف نفسها بأنها دول إسلامية ، طبقًا لميثاقٍ مكتوب .. يشترط في الدول طالبة العضوية أن تكون ( دولة إسلامية ) .

ولكن في الحقيقة هناك بعض الدول التي تعرِّف ذاتها رسميًّا على أنها ( دولة إسلامية ) تنص دساتيرُها على أنها ( دولة عَلْمانية ) فكيف يمكن تفسيرُ هذا التناقض ؟ وفي المقابل هناك دول يتطابق إعلانها الرسمي (كدولة إسلامية) مع ( دستورها القائم على الكتاب والسنة )

والآن يمكننا أن نجيب على السؤال المشروع .. هل دولة الإسلام قائمة ... نقول ( نعم ) دولة الإسلام قائمة هنا وهناك  ولكن درجة التفاوت بين هذه الدول الإسلامية يعتمد على تطبيقها لشرع الله ، وعلى تطابق القول مع العمل ، والمعلن مع قانونها الأسمى الدستور .

وماذا عن الخلافة الإسلامية .. ؟  الخلافة في معناها اللّغوي .. تأتي من فعل خلف .. أي تعاقب وتبع بعضه بعضًا في أمر مُعيّن .. فيقال خلف الابن أبيه في حكم البلاد .. معناه جاء بعده ، وأعقبه في هذا الأمر .. والخلافة اصطلاحًا .. تعني وجود خليفةٍ في الأرض .. يحكم بين النّاس وفق نظام سياسي ، ويتعاقب على هذا الحكم عدّة أشخاص ، يكونون مؤهّلين لذلك .. وقد خاطب الله تعالى نبيّه داود عليه السّلام ووصفه بالخليفة مع أن داوود عليه السلام كان ملكا نبيا .. فقال تعالى ( يا داود إنّا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين النّاس بالحقّ ولا تتبّع الهوى فيضلّك عن سبيل الله، إنّ الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذابٌ شديدٌ بما نسوا يوم الحساب ) .

 

وعليه فإن فمصطلح الخلافة جاء لوصف حكمة ، ومنهج الاستخلاف الرباني في الأرض .. فهي وصف دقيق لطريقة الحكم بما أنزل الله ، وليس تحديدا لنظام الحكم كما يتوهم البعض ..  فالخلافة بمعناها الشّرعي لا تطلق إلاّ على         ( الحاكم المسلم ) الذي يقوم بتطبيق شرع الله تعالى على النّاس وفق أسس العدالة والمساواة ، ويحفظ حدود الله تعالى ويقيم الشّعائر الإسلاميّة من صلاةٍ وصيام وحج .. وسميت ( بالخلافة الإسلاميّة ) لأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام خلّف من بعدهِ .. من يقود الأمّة على المنهج والفكر الإسلامي  ..  فالخلافة ، والإمامة العظمى ، وإمارة المؤمنين ثلاث كلمات لمعنى واحد .. ألا وهو ( رئاسة الحكومة الإسلامية .. الجامعة لمصالح الدين والدنيا ) .

الخلافة وفتنة المصطلحات

 

أجل .. إن مصطلح ( خلافة ) ليس مسمى لنظام الإسلام كما يدعي البعض .. ولم يستخدم قط على هذا النحو .. إنَّ عبارة (خليفة) مسمى ربانِّي أطلقه الله تعالى على الإنسان عندما اقتضت إرادته ومشيئته أن يكون خليفة في الأرض لقوله تعالى :"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً " فالإنسان مستخلف في الأرض بصفته إنساناً فحسب .. بصرف النظر عن هويته الدينية والعرقية والجنسية واللونية والثقافية .. فكل إنسان هوخليفة (أي مستخلف) في الأرض مُكلَّف ٌبعمارتها وإقامة الحياة فيها هذا بشكل عام .. أما إذا آلت مقاليد الحكم لأي إنسان أي (أصبح وليّاً لأمر الأمة) بأي طريق كان أصبح فإنا يأخذ اسم الحاكم الذي يرتضيه لحكمه مثل : ( إمام ، أمير، ملك، سلطان ، رئيس ، زعيم ، قائد إلخ ).

فالحكام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم وأرضاهم كان مسماهم ( أمير المؤمنين ). فكان يُقال : "خليفة رسول الله أمير المؤمنين أبو بكر الصديق" وعندما جاء عمر بن الخطاب قيل : خليفة خليفة رسول الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب" فعبارة ( خليفة ) هنا ليست مسمى للحاكم وليست مسمى لنظام الحكم .. فهي مجرد إشارة إلى عملية الاستخلاف التي اعتمدها المسلمون في اختيار حاكمهم .. وعبارة         ( الخلفاء الراشدون ) لا تغير شيئاً من حقيقة ما ذكر أعلاه من توضيح .. فهي مجرد وصف لعهود أمراء المسلمين بعد عهد رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد أكد ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:  ( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ).

ويوم السقيفة حيث احتدم الجدل بين المهاجرين والأنصار بشأن من يتولى أمر حكم المسلمين .. حسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأمر قائلا مخاطباً الأنصار : "مِنَّا الأمراءُ وَمِنْكم الوزَرَاءُ " ثم قال : مد يدك يا أبا بكر وبايعه .. فبايعه الأنصار والمهاجرون راضين بقاعدة عمر "مِنَّا الأمراءُ وَمِنْكم الوزَرَاءُ" فأصبح مسمى الحاكم إذاك "أمير المؤمنين" يُستخلفُ الواحدُ منهم عقب الآخر وفق مبدأ البيعة وأشتراطها .. لأن منهج الحكم ومنهج كل العلاقات في الإسلام تقوم على مبدأ التعاقد .. والبيعة هي عقد المسلمين بينهم وبين ولي أمرهم .. أجل الخلافة بكل تأكيد ليست مسمى لنهج ونظام الحكم في الإسلام .. وَ(خليفة) بكل تأكيد كذلك ليس مسمى للحاكم أو لولي أمر المسلمين .. وإنه لمن الفتنة بمكان استخدامها على النحو المدعى والمفترى الجاري اليوم .

ومن الفتنة الأعظم والأخطر كذلك القول بغياب دولة الإسلام من الأرض .. فدولة الإسلام لم تغب ولن تغيب بعون الله تعالى وحاشا لله جلَّ جلاله أن يُغيِّبَ سلطانه من الأرض لقوله تعالى" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "ولقوله تعالى : "وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ".

والإنسان الحاكم المستخلف يمكن أن يكون عادلاً ويمكن أن يكون ظالماً .. فَيُقال ملك عادل مثل الملك عمر بن عبد العزيز ومثل الملك عبد العزيز آل سعود وغيرهم .. ويُقال ملك ظالم مثل الحجاج ومثل السلطان جمال باشا السفاح العثماني وغيرهم .. وبعد : فإن ما تقدم يؤكد باستمرار أن فتنة اضطراب المصطلحات وفوضى استخدمها تبقى مصدراً أساساً من مصادر الدمار والهلاك التي تعاني منها الأمم.

وسوم: العدد 701