الشاعر الداعية عبد الرحمن طيب بعكر الحضرمي

عمر العبسو

( 1364- 1427ه)// (  1944- 2007م)

clip_image002_1eb69.jpg

تمهيد:

لم يكن محمد عبد الفتاح الحضرمي يعلم أنه بتركه مرابع صباه في حضرموت وانتقاله إلى مدينة حيس في تهامة على موعد مع الضوء والإبداع اللذين سيتفجران يوماً ما في أحد أحفاده...

ويستقر المهاجر الحضرمي في مدينة (حيس)، وتبدأ مسيرة الأسرة الكريمة في هذه المدينة العريقة بولادة الطفل (بعكر)، الذي فتح عينيه على الشمس الملتهبة، وروائح الفل، والنسيم القادم من تلك الشواطئ القريبة المسحورة.

وفي مدينة حيس تتفتق سلسلة الأسرة الكريمة، فيولد لـ(بعكر) جملة من الأبناء، منهم (علي)، ويولد لعلي عدد من الأبناء، منهم (طيب)، وينبلج الضوء في منزل (طيب) بولادة ابنه (عبد الرحمن)، فتبدأ مدينة حيس رحلة جديدة من العطاء والإبداع.

السيرة والموقف :

لقد ودعت الساحة الأدبية والتاريخية والفكرية العربية والإسلامية علماً من أعلامها البارزين من ذوي الفكر الثاقب والإبداع المتجدد، إنه الأستاذ عبد الرحمن طيب بعكر الحضرمي الذي أفنى عمره بحثاً وتنقيباً، وتأليفاً، وهذه الصفحات سوف تتكفل برصد بعض الملامح في حياة، وفكر، وثقافة هذا الرجل الموسوعي -رحمه الله- .

مولده، ونسبه:

هو عبد الرحمن طيب علي بعكر بن العزي محمد بن محمد بن عبد الفتاح الحضرمي.

ولد سنة 1364هـ/ الموافق 1944م في مدينة حيس التاريخية -أقدم مدن تهامة –ونشأ في ظل أسرة مسلمة ملتزمة بتعاليم الإسلام وقيم الدين الحنيف .وينتسب إلى أسرة من أصول حضرمية, انتقلت، وعاشت في تهامة مدينة " حيس" محافظة الحديدة. 

دراسته، ومراحل تعليمه :

لما بلغ عبد الرحمن بعكر أشدهُ تلقى مبادئ دروسه بالإملاء والخط والحساب وحفظ متون الزُبد في فروع الشافعية وملحة الإعراب في النحو، والرحبية في الفرائض، وعقيدة العوام في العقيدة، وكان من أبرز شيوخه وفي مقدمتهم والده القاضي الطيب بعكر، والأستاذ العلامة محسن محمد القليصي، والفقيه طالب عطـا رحمهم الله ..

ثم تلقى تعليمه النظامي في المدرسة الأحمدية، وكانت ملازمته لأستاذه أحمد قاسم دهمش الخولاني من أسرة كريمة في خولان، وعلي يده تفتحت ذهنيته، وأخذ في حب اللغة مفردات وقواعد، ورافقه بعد انتقاله من حيس إلى زبيد حيث واصل دراسته في مدرسة الفوز وهناك تعرف على الشخصية الثانية ذات الأثر المستمر في تثقيفه وصقل مواهبه وهو الأستاذ الشاعر الناثر - الخطيب المربي عبد الله محمد عطية، وقد تواصل الود بينهما حتى وفاته، وتعرف على شيخ زاهد متواضع وهو الأستاذ / دبوان العديني، فأخذ عنه في النحو والفرائض والفقه، واتفق له أن رأى مفتى الشافعية بزبيد العلامة العامل الزاهد محمد سليمان الأهدل .

ثم انتقل إلى مدينة صنعاء، والتحق فيها بالمدرسة الثانوية، ودرس في (الجامع الكبير) على عدد من العلماء كالقاضي احمد بن قاسم العنسي، والقاضي على بن محمد يسر الإنسي .

وحول شخصيته الأدبية - ومؤهلاته الذاتية يقول د/عبد الولي الشميري:    (( ما أندر وأقل الأقلام العربية حرفاً الإسلامية ولاءً، وأندر من ذلك أن تجد من يجمع بين الموهبة الخصبة، والثقافة الواسعة ، والهدف النبيل ، ولقد أجدبت الساحة من هذا النوع تماماً إلا من أعلام يعدون بالأصابع بل وأقل من الأصابع ، وكنت أرمق بإعجاب كبير وإحساس مرهف كل حرف خطه قلم لأدبائنا الكبار الإسلاميين مثل الأميري، والعظم .. ومن على شاكلتهم بيد أني ترصدت في الأفق . بزوغ كوكب جديد في سماء الأدب يحي الله بقلمه في ربوع اليمن الميمون ما أماته أصحاب الأقلام الحمراء من عبَّاد المادة، والفرج، والغرائز حتى لاح وميض متلألئ جذاب يشرق في ثنايا مدينة حيس المتواضعة من لواء الحديدة مشعلُ فذ، وهو عبد الرحمن بعكر )، وهنا نرى أن الشميري يقرنه بالأميري، والعظم شاعرية أو تماثل وتقارب فى الرؤى الفكرية .

إن حياة بعكر الأدبية يمكن تفسيمها الى ثلاث مراحلة هى: 

أ/ مرحلة التأسيس : 

وفيها تلقى علومه ومعارفه على أيدي مشايخه في حيس وصنعاء وزبيد، وتميزت بالتحصيل المتنوع في العلوم التراثية، حيث حفظ المتون في النحو والفرائض والفقه .... وقد شكلت هذه المعارف أرضية أقام عليها الناقد ثقافته في مراحل لاحقة . 

ب/ مرحلة الانطلاق : 

حيث عاصر الناقد أحداثاً مهمة في حياة الشعب، وبدأ يتخلص من أساليب التلقي التقليدي للعلوم التراثية، وبدأت الثقافة العصرية تستهويه، وقد رافقت هذه المرحلة سني التوثب والطموح الفوَّار، هنا بدأ بعكر يصوغ ثقافته النظرية، ويحاول إنزالها على هيئة مؤسسية تتلاءم والروح الجديدة، فشرع في تأسيس الأندية، والإسهام في تبنى المشروعات التعليمية والخدمية، وكان يتطلع إلى غدٍ مشرق يخيم عليه العدل والسلام، وكانت له اهتماماته السياسية، وقد فاتشته عما إذا كان يحمل انتماءً سياسياً، فأفصح لي بأنه كان معجباً بشعار " العدل " الذي ترفعه الاشتراكية، ولم يكن يعتنقها كأيدلوجية وفلسفة، فلما تبين له زيف ادعائها العدل عدل عنها .

ج/ مرحلة التكوين المنهجي : 

عندما بلغ بعكر الثلاثين من عمره، مرَّ بأهم وأخطر منعطف في حياته - من وجهة نظر الباحث - وهو إصابته في بصره إذ تحول التوثب المنطلق راسياً إلى همود من ورائه توثب آخر، حتى كان " عماه " بمثابة محطة حاولت الذاكرة فيها، استعادة مكوناتها في المرحلة .

أعماله، ومسؤولياته :

ثم عاد إلى بلدة (حيس)، وعمل سكرتيرًا لمركز الناحية، ثم قائمًا بأعمال المديرية، وذلك سنة 1386هـ/1966م، وظل في عمله هذا حتى فقد بصره عام 1973م، وهو في الحادية والعشرين من العمر، حيث كان على موعد مع القدر ليبدأ مرحلة جديدة من حياته... مرحلة فيها الكثير من الابتلاء لكنها كانت بوابة واسعة ولج منها إلى عالم الإبداع.

لقد فقد حبيبتيه في هذا العام، وانطفأت شعلة الضوء في عينيه.. لكنها اشتعلت في كيانه جذوة من الإبداع لا تخبو، ولا ينطفئ لها أوار.. ولم يعش (عبد الرحمن بعكر) إثر ذلك رهين المحبسين، لأنه كان يؤمن تمام الإيمان أن العمى ابتلاء من الله، وأنه ليس نهاية العالم، ولكنه مرحلة جديدة أتاحت له أن يتحسس جوانب العطاء والإبداع في جوانب روحه المشرقة، فتحولت بذلك المعاناة إلى طاقة جبارة من العمل المتواصل، والبحث الدؤوب، والسير الحثيث، والتنقيب المستمر في كل ما أبدعته العقلية الإسلامية من فنون الفكر والأدب والمعرفة، فتحولت مرارت كده وتعبه في هذا المضمار إلى سياحات حلوة، تحدوها حلاوة الاكتشاف، ويكتنفها الرضاء المطلق بقضاء الله وقدره.

ورغم أن الحزن متأصل في النفس البشرية بكاء من الإنسان على تلك الجنة السماوية التي أخرج منها ذات معصية, إلا أن الله جعل شعلة الحزن في كثير من النفوس البشرية انطلاقة فاعلة نحو العودة.. انطلاقة تنشد الكمال في كل مناشطها وتجلياتها، فكانت حياتها بذلك سلسلة من العناء المستمر لإصلاح ما فسد، وجبر ما انكسر، وتقويم ما اعوج، فلا يهدأ لها بال حتى تعطي جهدها في تصحيح مسيرة الإنسانية نحو العودة...

وكذلك كان أستاذنا عبد الرحمن بعكر، ساحة من الجهاد المثابر، ملأ أيامه بالهموم النبيلة، والطموحات الكبيرة، وشعر أنه جندي في ثغرة الفكر والأدب والتاريخ، فراح يصول، ويجول ساهرا على حمى أمته، منافحاً عنها تارة، وباكياً عليها تارة أخرى، ومصححاً أخطاءها تارة ثالثة، ومشيداً بمآثرها تارات وتارات، وهو في كل ذلك لا يمل من قلم المفكر إلا ويلجأ إلى شبابة الشاعر، ولا يمل هذه إلا ويذهب إلى يراعة المؤرخ، وما بين تعدد هذه المسارح تعددت التجليات البعكرية في أكثر من خمسة دواوين شعرية، وأكثر من ثلاثين كتاباً في النقد والفكر والتاريخ والأدب.

وعلى الرغم من واقعنا الثقافي المزري الذي واجه إشراقات هذا المبدع القادمة من سهول تهامة بألوان من التهميش والتجاهل، إلا أن ذلك لم يؤثر في عطائه، فقد كان يعلم أن ذلك التجاهل، وذلك التناسي أمدهما قصير، وأن الكلمة الطيبة باقية، لأنها تستمد قوتها من قوة الله الذي جعل (أصلها ثابت وفرعها في السماء)، وأنه إن لم ينصفه هذا الجيل، فلا بد أن تنصفه الأجيال القادمة.

كان أستاذنا الجليل -رحمه الله- يرى في البحث والتأليف جنته الخضراء، ومتعة روحه، وجماع أنسه وملذته، فإذا ما أحس أن الكتاب الذي يؤلفه قد أخذ حقه من التنقيح والتعديل والإضافة والحذف أطلق تنهيدة عميقة راضياً بما وفقه المولى لتأليفه، لكنه كان يعلم أنه لا يزال بينه وبين القارئ أمد بعيد، فكانت تأتيه الهموم تترى بسبب عدم وجود من يرعى هذه المؤلفات المخطوطة طباعة ونشراً، وكان يتعب كثيراً في البحث عن جهات النشر الرسمية منها والأهلية، فإذا ما صدر له كتاب تنفس الصعداء، وأحس أن بنات فكره ووجدانه أخذت حظها من الحرية والانعتاق من الأدراج المظلمة إلى فضاءات الفكر والثقافة، وأنها أصبحت في متناول القارئ.

لقد التفت بعكر إلى عدد من عظماء التاريخ اليمني قديمه وحديثه، فراح ينقب في سيرهم عن أعراش الضوء، ومخايل العظمة، فألف كتابه (كواكب يمنية في سماء الإسلام)، الذي ترجم فيه لكوكبة كبيرة من أعلام الإسلام في اليمن، وحين أحس أن هذا المؤلف الجماعي لم يرو غليله في إعطاء أعلام اليمن حقهم من التعريف والتقدير؛ بدأ مرحلة أخرى من التراجم الموسعة تفرد كل علم في كتاب مستقل يأتي على كل ما عُرف من مآثره، فألف بذلك عن العلامة (أحمد بن علوان)، والفقيه المحدث (محمد بن إسماعيل الأمير)، والفقيه المجتهد (محمد بن علي الشوكاني)، والمجاهد الشهيد (محمد محمود الزبيري)، والمفكر المسلم (مالك بن نبي)، وغيرهم.

وبعد أن يكمل أستاذنا (عبدالرحمن بعكر) رحلته في عالم الكتب والمؤلفات، أغمض عينيه عن ظلمات هذه الدنيا الحالكة، ليفتحها هناك على أنوار الرضى والسكينة في جوار الملأ الأعلى عند مليك مقتدر، مخلفاً وراءه خمسة عشر من الأبناء، فيهم التربوي والأديب والمثقف، ومكتبة عامرة بفنون المعرفة تدعونا إلى تجاوز مجالس التأبين التقليدية، ورسائل العزاء الميتة إلى احتفاء فاعل بهذا الميت الحي، والاهتمام بتراثه وفكره، وإيصالهما إلى الأجيال... فتلك حياة أخرى.

لقد وجد شيخنا الجليل بموته بغيته من التحرر والانطلاق في فضاء الله الواسع فكثيراً ماكان يتغنى بالحرية مردداً:

قيدها الأول لذات الجسدْ

قيدها الثاني انشغال بالولدْ

قيدها الثالثُ مالٌ لا يعدْ

قيدها الرابعُ جاه لا يُردْ

فإذا جاوزتَها أجمعَها ـ مسلماً وجهَكَ للفردِ الصمدْ

ذقتَ حرّيةَ ذاتٍ أشرقتْ ـ من فيوضاتِ (هوَ اللهُ أحد)

مؤلفاته:

إن قدرة المرء على التأليف في أكثر من فرع من فروع المعرفة لتدل على موسوعية ثقافته، وسعة إطلاعه، وقد كان للناقد بعكر حظ وفير من غزارة المادة العلمية المتنوعة، مكنته من العزف على أكثر من وتر، والتغريد على أكثر من غصن، ومما ألفه ..

أولاً : الكتب المطبوعة وأهمها : -

1- أشذاء من الأدب اليمني:

كتيب صغير الحجم، إلا أنه يحتوى على مقالات متفرقة ومهمة أبرزها : مقال حول الأدب الإسلامي، وقد شارك بهذا البحث في مؤتمر الأدب الإسلامي " بجامعة عين شمس " ، وقد صدرت الطبعة الأولى منه عام 1997م .

2- أجراس:

ديوان شعري يضم قصائد تثويرية، وقصائد مناسباتية مختلفة من الشعر الإسلامي العمودي، وقد صدرت الطبعة الأولى منه عن دار البشير 1985.`

3- الأنموذج الفائق للنظم الرائق:

وهو تحقيق لديوان عبد الرحمن الآنسي . 

4-ثمانون عاماً من حياة النعمان:

كتاب يتناول سيرة الأستاذ أحمد محمد نعمان وأهم مواقفه .

5- جمرات نثرية :

كتاب في فن النثر ضم ثلاث وقفات :

الأولى مع ثلاثة أدباء من اليمن، والثانية مع ثلاثة أدباء عرب، والثالثة مع ثلاثة أدباء مسلمين من شبه القارة الهندية .

6-حسم الموهبة:

كتاب نقدي تخصص في دراسة نتاج أربعة من الشعراء اليمنيين هم عبد الله البردوني وعبد الله محمد عطية، وعبد الله عبد الوهاب نعمان، وحسن عبد الله الشرف. 

7-الرجل الذي أحبه الحرم والهرم :

كتاب خص به المؤلف " بطل الجمهورية " الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر . 

8- سجادة الخضر :

( ديوان ) يضم أشعاراً في الطبيعة .

9- شاعر التوحيد والعدل والجمال :

دارسة عن عبد الرحمن الآنسى في عدة محاور.

10-عناقيد أدب وفن :

وهو كتاب نقدي أدبي تراجمي يحتوي على مادة وفيرة هدف الناقد من خلالها إلى بيان مزايا الأدب العربي عبر العصور.

11- كواكب يمنية في سماء الإسلام :

كتاب تراجمي لأعلام من اليمن كانت لهم أدوار في مجال الدعوة والجهاد والعلوم منذُ مجئ الإسلام حتى منتصف القرن 14هـ .

12- المجاهد الشهيد محمد محمود الزبيري :

كتابٌ يتناول حياة الشهيد الزبيري وأدبه . 

13-مصلح اليمن محمد بن اسماعيل الأمير :

يتكلم على حياة المجتهد محمد بن إسما عيل الأمير وبيان مكانته العلمية، وآثاره كما توقف عند أدب ابن الأمير بشئ من التفصيل . 

14- ملامح اليمن والضمادات المطلوبة :

أول كتاب للناقد ألفه في عام 1984.

15-نظرات في التاريخ العام لليمن :

وهو كتاب تاريخي لليمن منذ العصور القديمة حتى التاريخ المعاصر .

16- كيف غنت تهامة :

كتاب توثيقي للشعر التهامي وسماته الفنية والموضوعية .

17- شاعر المخاء: حاتم الأهدل :

وهو كتاب يتناول تعريفاً لهذا الشاعر ويورد عدداً من القصائد الشعرية له .

20- في ركاب ابن علوان :

كتاب عن العلامة الصوفي أحمد ابن علوان يتناول شعره ونثره .

ثانياً : المؤلفات المخطوطة :

1- تشظيات أندلسية.

2-غمامات قرحية من محمع البحرين 

3- مبدعون . 

4- أمزان نيسان: ديوان شعر . 

5-في بلاط صاحبة الجلالة اللغة العربية :

كتاب لغوي أدبي، في الجزء الأول منه دراسة لخصائص العربية. وفي الجزء الثاني دراسة لنصوص أدبية تثبت مقدرة اللغة على الاستيعاب والوفرة والتنوع .

6- مجتهد القرن الثالث عشر الهجري محمد بن علي الشوكاني :

ترجمة للإمام الشوكاني: - حياته ، ومؤلفاته ، ومجالات تفرده .

7- دعاة من اليمن:

يتناول دعاة من اليمن عبر العصور .

8- سلام يا شام: 

9- مالك بن نبي :

دراسة عن المفكر الإسلامي الفيلسوف مالك بن نبي، موطنه ومواهبه، واهتماماته .

10-جلجلان قلبي .

11- يتسآلون عن سبتمبر :

تحدث فيه عن ثورة سبتمبر وواقع اليمن في ظلها، سلباً وايجاباً .

12-لعلهم يذكرون :

يحوي نقدات أدبية وتاريخية ووقفات مع "إنباء ابن حجر العسقلاني" .

13- في منتدى أبي الطيب :

تأريخ لأسرة الناقد .

14- زبيد والمهير :

تحقيق ديوان الشاعر أبي بكر المهير .

15-ألا يا صبا نجد : ديوان شعر .

16- نجمة التبع الأكبر :

كتاب تاريخي يؤرخ لليمن قبل الإسلام وبعده .

17- لله واليمن :

يتناول تاريخ اليمن، والمدن اليمنية، وفيه تقديم دعوة لإصلاح أوضاع اليمن في مختلف مجالاتها .

18- إلى المثقفين في الصميم :

بحث منشور يحدد مهمة المثقف اليوم، ويتناول الحداثة من زواياها الثلاث أيدلوجياً، أخلاقياً، إبداعياً، من خلال الشعراء: أدونيس، أمل دنقل، درويش، صلاح عبد الصبور .

19- رمضان والقرآن . 

20- إلى الذين يحسُّون:

مجموعة مقالات متفرقة متنوعة بين السياسة والاجتماع والثقافة والفكر .

21- سياحة:

عبارة عن سياحة في التاريخ الإنساني وجغرافيا العالم في أربعة مجلدات .

22- فقه المسيرة البشرية طيافة واستشراف:

خلاصة للأربعة المجلدات السابقة .

23- الأحداث وانحراف الناشئة:

يعالج قضية انحراف الصغار وهو كتاب توجيهي تقويمي .

24- بؤرة هزائمنا . هزيمة المثقف .

25- للأمة:

نوافير الإدهاش اليمني .

26-حوليات النعمي:

تحقيق عبدا لله بن حسين العمري وعبد الرحمن بعكر .وهو محقق مكن العمري سابقاً .

27- الفستق الخالدي:

طيافة واقتطاف وتنسيق .يتحدث عن حياة الأمير خالد الفيصل وشعره .

28- قصتي مع الثقافة والحياة .

29- اليمن في ديوان شاعر : محمد بن حمير.

30- ديوان الحكاك كثير عزة اليمن : أبو بكر إبراهيم بن يوسف الحكاك المزعي أصلا الجوزي الحيسي إقامة ووفاة . : ( تحقيق  .( 

31-الشيخ علي محمد سعيد أنعم، حب خير وبطولة تنمية .

32- المسلمون والآخر. 

33- ثريا الخليج وحراسة الهودج:

عن الخليج العربي قديما وحديثا ً تأريخاً وثروات وأدب .

34- المساجد التاريخية في اليمن .

35- طواويس وصقور .

36- حيس وآل أبي الحيا .

37-وعجلت إليك ربي لترضى:

كتاب عن القرآن الكريم . 

38- حرية أشرقت فكانت قداسة:

دراسة عن الشيخ عبد الله علي الحكيمي. 

مكونات الرؤية النقدي .

هناك منطلقات عدة تتضافر في تشكيل الرؤية النقدية لدى الناقد عبد الرحمن بعكر ، وتقف وراء النظرات النقدية لديه، فهو يرى "أن الشعر المعاصر اليوم قد أعشت عينيه ضبابية الرمزية والإغراق في الغموض وتردى به المتشاعرون في أماكن هابطة من الجنسية المكشوفة، والركاكة المبتذلة والعبثية المسرفة بالمفردات والتفعيلات وحدود النغم من جهة، وبانتهاك المقدسات ومحاكات الوطاويط الأجنبية والغربان الناعقة حقداً على العربية ودينها من جهة أخرى ".

ولهذه الأسباب ينطلق الناقد في كثير من أعماله النقدية " كشفاً للمكابرين ، وهداية للضالين، وتحفيزاً لهمم الطامحين لانبعاث شعر عربي يوائم بين جوهر الأصالة وتجديدية المعاصرة "

ويحاول الناقد أن يفضح أساليب الهجمة على الأمة وأبعادها والشيات التى تنطلق منها، ويرى أنها تنطلق عبر دروب أربعة يجمعها أنها تنتهي إلى نبش الماضي السحيق والعكوف عليه والانطلاق منه، وهي: 

أ- استنبات الموميات فراراً من جذور الأمة الجامعة لعروبتها وإسلامها ودينها والموحدة لغابرها وحاضرها ومستقبلها لتحل محلها الفينيقية والأشورية والبابلية .

ب- اجترار دخان الباطنية وسلوك دهاليزها المفضية إلى الإباحية والهدم . 

جـ- اتخاذ التراث الصوفي مدخلاً إلى مراميهم السيئة . 

د- الكتابة بالحروف اللاتينية تسجيلاً، وتعييراً باللهجة العامية إمعاناً في التفتيت والعدمية".

ويتساءل بعكر " إذا ذهبت الشريعة، ومحي التراث، وزالت الفصحى واستبدلت الحروف فما الذي يبقى؟ لا شيء غير العدمية ذلك ما يريدون "

ومما سبق نرى أن المنطلقات التي ينطلق منها الناقد لتقييم الأدب وتشكل رؤاه النقدية يمكن أن تتمثل في : 

أ- الدين والأخلاق .

ب- التراث . 

جـ- اللغة .

د- ثقافة العصر .

هـ- البيئة . 

ركائز المشروع الثقافي لدى بعكر :

عن الأستاذ عبد الرحمن طيب بعكر الحضرمي ينطلق في مؤلفاته من مشروع ثقافي يتغيا تأسيسه والانطلاق منه وهذا المشروع له عدد من الملامح أبرزها : 

1- الأصالة: أي أن الأستاذ بعكر أصيل فيما يكتب غير مقلد وفاعل غير منفعل، والأصالة هي الحفاظ على الخصوصية والبصمة الذاتية التي لا تذوب في الآخر . 

2- وضوح الرؤية: فذ إذ أنه يمتلك رؤية واضحة تنطلق من رؤية الإسلام للإنسان والكون والحياة .

3- التنوع: ويتجلى هذا التنوع من خلال مؤلفاته التي تتنوع بين التاريخ والفن والإبداع والتربية والفكر . 

4- الغزارة في الإنتاج: ويدلل على هذه الغزارة العدد الكبير لمؤلفاته التي تبلغ سبعة وخمسين مؤلفاً ما بين مطبوع (20) و مخطوط (37 .(

5- التطور: إذ أن الأستاذ بعكر تطور في نظرته للقضايا ، كما تطورت مساحة نظرته من المخلية إلى العالمية . 

6- سعة الاطلاع: فالمؤلفات تشير إلى موسوعية ثقافته وثرائها .

مادة هذا الموضوع أخذت من محاصرة لدكتور عبد الحميد الحسامى أستاذ النقد والآداب المساعد بكلية التربية جامعه اب القاءها فى منتدى تنمية التقافة فى مدينة تغزئ .

زواجه، وأولاده:

تزوج من أكثر من امرأة، وله من الأولاد خمسة عشر، سبعة ذكور، وثمان إناث.برز منهم: النعمان، وهو أكبر أولاده، وبه كنيته، ومحمد، وأنور، وحمزة، وإيمان التي كانت بمثابة سكرتيرية لوالدها، وأحب أولاده إلى قلبه ( العزّ)، وعمره سبع سنوات، ولكنه تخطى عمره، فهو يتحدث كالكبار.

جهوده في العمل الخيري والإنساني:

له مساهمات خيرية لخدمة منطقته منها:

سعيه في إيجاد كثير من المنشآت الثقافية والصحية والرياضية في المديرية، وإنشاء المعهد العلمي، في وادي (ضمين)، المعروف اليوم باسم ( مدرسة سعيد بن جبير)، ومدرسة (النهضة) الابتدائية الإعدادية في مدينة (حيس)، ومدرسة (القعقاع بن عمرو التميمي) في مدينة (حيس)، وإدخال الكهرباء إلى مدينة (حيس) لأول مرة.

الجوائز التي حصل عليها:

فاز في العديد من المسابقات الشعرية داخل اليمن وخارجها، وجاء الفائز الثاني في مسابقة النشيد الوطني للجمهورية اليمنية، والفائز الثاني في مسابقة إذاعة لندن بمناسبة دخول القرن الخامس عشر الهجري . .ومن بين عشرات الآلاف من القصائد فازت مشاركة «قيثارة الحياة» بالمرتبة الأولى:

الدجى وصنع ودار الأرقم

وابتهالات الرسول الأعظم

كما فاز في مسابقة رابطة الأدب الإسلامي العالمية .

لقد استحق الأستاذ عبد الرحمن طيب بعكر الإشادة والتكريم والتقدير من عددٍ من المؤسسات الأدبية والثقافية كـ"مؤسسة العفيف الثقافية، والسعيد للعلوم والثقافة، والفضائية اليمنية من خلال برنامج فرسان الميدان الشهير، وجامعة الحُديدة عن دراسته ((زبيد أكسفورد اليمن )) .

وفاته:

وتوفي في مستشفى الأقصى بمحافظة الحديدة في الساعة التاسعة من صباح يوم الخميس 29 ذي الحجة 1427هـ/ الموافق 18 يناير 2007م، عن عمر يناهز / 64/ عاماً، وكان بعكر أدخل المستشفى قبيل عيد الأضحى إثر إصابته بجلطة دماغية تعرض إثرها لشلل نصفي في الجانب الأيسر منه .

ودفن الفقيد عبد الرحمن طيب بعكر الحضرمي بمسقط رأسه في مديرية حيس بمحافظة الحديدة .

وقد بعث الأخ الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب برقية عزاء ومواساة إلى الأخ/ أنور عبد الرحمن طيب بعكر وإخوانه وكافة أفراد أسرته بوفاة ...  الوالد عبد الرحمن طيب بعكر . 

اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ينعي وفاة الأديب والمؤرخ بعكر :

نعى اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين إلى جماهير الشعب اليمني وإلى الأسرة الأدبية رحيل المؤرخ والأديب والكاتب اليمني الكبير عبد الرحمن طيب بعكر 

وقالت الأمانة العامة للإتحاد في بيان نعي صادر عنها أن الأديب بعكر أثرى الحياة الأدبية بوافر عطائه الأدبي والفكري طوال نصف قرن من الزمان، وكان الفقيد نموذجاً للإبداع والمثابرة والإخلاص للوطن والإبداع والفكر والثقافة، وسيظل عطائه على مدى الزمن إضافة مهمة للثقافة الوطنية .

رابطة الأدب الإسلامي العالمية تكرم عبد الرحمن طيب بعكر، ومحمد كامل الأني:

خصصت رابطة الأدب الإسلامي - مكتب اليمن- ملتقاها الشهري لإقامة أربعينية لاثنين من قاماتها الأدبية في اليمن والذي نفذته الثلاثاء 27/2/2007م، متذكرة لسمتهم ومستحضرة بعد غيابهم إبداعهم الثقافي والفني في تجمع متواضع قال عنه مدير مكتب اليمن محمد العبيد بأنه الأكبر من نوعه        

عبد الرحمن طيب بعكر ومحمد كامل قامتان أدبيتان لطالما كانتا حاضرتين في مواسم ومواقع أدبية كثيرة واليوم باتا في عداد الذكرى في تلك المواسم والمواقع الأدبية.

قالوا عن الشاعر عبد الرحمن طيب بعكر:

نجل بعكر محمد يقول واصفاً أباه "إنه كان جامعة العلوم والفنون والآداب وكشكول جمع فأوعى بين العلوم التراثية والمعطيات العصرية الحضارية"، مضيفاً أن والده" خلد كواكب اليمن الساطعة في سماء الإسلام ونقش ملامح اليمن، وحلق مع النسر السبئي الزعيم علي عبد الله صالح، وكتب عن الرجل الذي أحبه الحرم والهرم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر"

ويفاخر محمد بأن أباه الراحل" وهو القابع في أقصى زاوية جنوبية ورهين المحبسين في منطقته التهامية النائية أن سابق باسم اليمن في أرقى الجامعات العالمية 

ويقول عبد الحميد الحسامي أحد المعجبين بكتب بعكر والذي ألف رسالته العلمية الماجستير في أدب بعكر ليسرد على حاضري التأبين عددا من الصفات الخلقية للأديب الفقيد مثل التواضع والألفة والصدق والصبر والشجاعة وغيرها، منتقلا بعدها إلى تصنيف مؤلفاته والتي عددها في التوثيقية والتاريخية والدينية والإنسانية، مشيرا إلى أن الفقيد الأديب الراحل كتب عن رموز القرار السياسي ولكن مع ذلك عاش بعيدا عن اهتماماتهم .

وأشارالحسامي أن الفقيد بعكر كان ينطلق في كتابته من رؤية واضحة وأن الأصالة واضحة في كتبه فهو ينطلق من ذاته وليس من غيره، وساق عدداً من المميزات التي يتميز بها في كتاباته مثل الثلقايئة وغزارة الإنتاج واليمننة والتطور والمرونة والتنوع والأصالة . 

مدير مؤسسة سيف للإبداع عبد السلام عثمان قال أن هناك شهادة تكريمية للفقيد بعكر من صالون غازي الأدبي في السعودية ، ومصر .

وكتب أحمد الزيلعي يقول عنه بأنه: يرى في الحق والصدق والموهبة والزخرفة البلاغية عناصر مجملة تفجر ينابيع الشاعرية، وتجعلها إعصاراً بـاعـثـــاً للحياة ،ومدمدماً على أعداء الحياة لأن الحق والصدق يبهرك الأول بجلاله والثاني بجماله، وهما قيمتان ، والقيم في هذا الكون بمكان العظام من هيكل الإنسان.

حج بيت الله، وعاد إلى بلده، مُـكبـــًّا على تلاوة القرآن الكريم وحفظه، وقراءة العلوم الشرعية، وكتب الأدب والتاريخ، في عزلةٍ تذكرنا بعزلة (ذي المحبسين ) ( أبو العلاء المعري ) مع الفارق في أن الأول انعزلَ لأجل العزلة بينما الأخير ليخرج لنا عشرات المؤلفات ، ولينفض الغبار عن عشرات الأعلام الذين عزلتهم بعد الشقة وطمسهم تكالب الأيام .

له ستةَ عشر كتاباً مطبوعاً أكثرها نافد، وله أكثر من عشرين كتاباً مخطـــوطاً -بعضها تحت الطبع - ورغم عزلة المكان بأبعاده المتعددة من فقدان بصره ونأي بلدته ، إلا أن ذلك لم يحل بينه وبين الإقبال بنهم على كل ما تقع عليه يده أو يصله من كتب ومطبوعات وغيرها، متوكئاً على أبنائه ليوصلوا إليه ومنه كل ما يختلج في وجدانه، ويمور في أضلاعه في دأبٍ لا يعترفُ بتراكم وهن العمر أو نحت مرض السكري في تواضعٍ جم ، وفي كوخٍ ناءٍ في أقصى ريفٍ لا تصل إليه سوى ذبذبات موجات الإذاعة والقليل من ترددات البث الأدبي.

مستشار رئيس الجمهورية الثقافي شاعر اليمن الدكتور عبد العزيز المقالح قال "يعد الراحل العزيز الاستاذ عبد الرحمن بعكر واحداً من العباقرة المبدعين القلائل الذين تحدوا ظروفهم ومعاناتهم واستطاع أن يكون واحداً من المبدعين في مجالات عديدة وهو شاعر وناقد ادبي ومؤرخ ومحقق لم تجتمع له كل هذه الصفات إلا بالجهد والمتابعة والاطلاع الدائم . 

وأضاف المقالح " كان رحمه الله يذكرني بكثير من العباقرة المبصرين الذين فقدوا البصر ولم يفقدو القدرة على الرؤية كالشاعر الكبير عبد الله البردوني وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وغيرهم من المبدعين المعاصرين الذين لم تتمكن الإعاقة من أن تشكل حجر عثرة في طريق تطورهم العلمي والأدبي. 

واستطرد " أدعي أنني كنت على صلة دائمة بما يكتبه وينشره وقد لفت اهتمامي تحقيقه العلمي الدقيق للديوان الفصيح للشاعر الحميني المشهور عبد الرحمن الأنسي، وأهمية هذا التحقيق تأتي من منطق مايحتاج إليه هذا النوع من البحث من سعة إطلاع للمخطوطات ومن قدرة على المقارنة والمتابعة اللغوية. 

وقال" حقاً لقد فقدنا برحيل الأستاذ عبد الرحمن بعكر أديباً كبيرا و شاعرا ومحققاً مبدعاً عاش في عزلته العلمية و الأدبية باحثاً ومؤلفاً وقارئاً متميزاً ولم يغادر هذه الحياة الفانية إلا بعد أن أثرى دنيا الأدب بأعماله الإبداعية والنقدية تغمده الله بواسع الرحمة. 

الكاتب الأديب القاص خالد عبد الله الرويشان عضو مجلس الشورى يقول " عرفت بعكر عبر الدوي الذي تحدثه مقدماته ونقده الفني والأدبي في بعض ما يكتب من دواوين شعرية واهتمامات أدبية بشكل عام، ثم كان اللقاء به في منزله بحيس في زيارة قمت بها بعد أن علمت أنه يعاني الأمراض المعينة،وكانت المفاجأة التي في الواقع لم  أكن اتخيلها قبل ذلك اللقاء حيث كان لدي تصور عن مدى علمه و موسوعيته التي تتجلى في الكتابات المتعددة والاهتمامات فهو يكتب في التاريخ وفي النقد الأدبي وحتى يكتب في سيرة العظماء من الرجال لكن الذي فاجأني في تلك الزيارة هو تلك الطفولة الملائكية إن صح التعبير.. 

وأضاف :لم أر في حياتي رجلاً في تلك البراءة وتلك الطفولة البديعة الرائعة التي تتجلى في ملامح رجل شديد في علمه والمتنوع في ثقافته وتجربته الحياتية أيضاً، لكني شعرت بهذا الملمح وأعجبت كثيراً في الواقع بتلك البساطة و التواضع في بيته المبنى بطابعه التهامي،فبيته كأنه خلية ملائكة ترف في البيت علماً و درساً و بحثاً. 

وتابع : أرى أني لن أنسى أبداً ذلك اللقاء الذي تجلى فيه عبد الرحمن بعكر الخفي البعيد عن الأضواء أضواء الإعلام تلفزيون وصحافة، ليعيش في مدينة حيس البعيدة عن الأضواء أيضا رغم أنها مدينة تاريخية وفيها رجل هو محطة أضواء حقيقية شمس تشع أدباً و فنوناً، فالنشاط الذي ختم به بعكر عمره المنتج نشاط نادر في ظروف صعبة في منزله البسيط في حيس يتوالى فيه إصدار الكتب والمؤلفات. 

واستطرد :أنا أظن أن أهم معلم من معالم الروح أو هذه الشخصية بالأحرى هو أولاً موسوعية بعكر بمعنى اهتماماته المتعددة في الأدب والفنون والتاريخ حتى الأمثال.. ثانياً اهتماماته التاريخية وهو ما يجب أن يتوقف عنده الكثير كون تلك الاهتمامات التاريخية قائمة على اعتزازه باليمن وتاريخيه،وله مؤلفات كثيرة و الذي يذكرني بشخصية المؤرخ الكبير محمد عبد القادر بامطرف فيما يتعلق بالاهتمام برجالات اليمن المؤثرين الذين اثرو في تاريخ العالم العربي و أثروا في التاريخ بإنجازاتهم العلمية والأدبية والفنية وحتى الفتوحات. 

وأضاف "إن هذا الملمح نادر في رجالات اليمن المعاصرين لأن اهتماماتنا عادة في كتابة تاريخ اليمن بشكل عام دول تذهب وأخرى تأتي ودول تحل محل الأخرى ..ولكن أين الدور التاريخي لليمن عبر تاريخ رجاله وإنجازات هؤلاء الرجال لا أحد يهتم كثيراً في الواقع فالاهتمامات معظمها على انساق تاريخ الصراع السياسي في اليمن عصر الأئمة ومن وقف معهم ومن ضدهم، ولكن هناك رجال قلة دخلوا في هذا الاهتمام أحسب أن ثلاثة من ابرز من اهتموا وهم محمد عبد القادر بامطرف، عبد الرحمن بعكر، محمد حسين الفرح رحمهم الله جميعاً. 

وأردف: في كل الأحوال أحسب أني لابد ان أحمدُ الله تعالى أن مكنني، وسهل لي رؤية هذا العالم الكبير قبل وفاته بأسابيع، وكنت سأندم ندماً شديداً إن لم أر هذا الرجل المهم في تاريخنا الأدبي والفكري المعاصر. 

وعن مؤلفات بعكر التي لم تطبع حتى الآن دعا الرويشان المؤسسات الثقافية الرسمية و الأهلية المحلية والعربية وكل من أحب بعكر تيسير طباعة هذه الكتب الهامة و قال" أنا أظن انه من الصعب أن نتحاور على طباعة مخطوطات الرجل التي لم تطبع على اعتبار انه لا أحد مسئول عن ذلك حتى الآن و أنه لايمكن طباعة كل تلك المخطوطات على قرب الوفاة .. ثانياً فإن كتابات بعكر مطلوبة أصلا، وكان كثيراً منها تصدر عن جهات رسمية وخاصة باهتمام بالغ ولم يمهله القدر كي يرى ونرى جميعاً هذه الكتب مطبوعة. 

ولفت الرويشان إلى أهمية إنشاء جمعية باسمه الراحل تقوم بجمع وتجهيز هذه الأعمال والمخطوطات ومعرفة ما اكتمل منها وما لم يكتمل،ومتابعة طباعتها عبر المؤسسات الثقافية الأهلية والرسمية المحلية والعربية. 

وقال الأستاذ عبد الباري طاهر:كنت على تواصل مع الأستاذ عبد الرحمن بعكر منذ السبعينيات منذ تأسيس مجلة الكلمة، و صدور مجلة الحكمة التي كتب فيها بعكر كثيراً، وكانت كتاباته وأبحاثه محل اهتمام كبير جداً، واذكر إنني كنت على تواصل مستمر عبر مجلتي الكلمة والحكمة في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين . 

وأشار طاهر الى ان بعكر من الجيل المؤسس للحياة الثقافية والفكرية لأهم مرحلة من المراحل السياسية اليمنية بداية السبعينيات، وقال" أنا قرأت كثيرا من مؤلفاته وأبحاثه التي أغنت المكتبة اليمنية،ويستحق الأستاذ بعكر لفته كريمة من المؤسسات الثقافية والرسمية وفي مقدمتهم وزارة الثقافة، كونه من المؤسسين للثقافة والأدب المعاصر في اليمن، الذي أثرى المكتبة اليمنية بالعديد من مؤلفاته ولعب بكتاباته ومؤلفاته دوراً كبيراً في الحياة الأدبية والثقافية والفكرية اليمنية.. 

وقال : أتذكر أن جامعة القاهرة كانت تعتزم منحه درجة الدكتوراه الفخرية لكثرة دراساته وأبحاثه العلمية والأدبية، إلا أن بساطة الرجل الذي اعتقد انه كان يتطلب المتابعة أو الذهاب للقاهرة حالت دون ذلك..فكان رحمه الله من الناس الطيبين الذين يمشون على الأرض هوناً و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلام. 

وأضاف لقد أرخ و درس بعكر أهم الشخصيات اليمنية ولم يكرم في حياته إلا من إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بحسب اعتقادي فقط،فبلدنا للأسف الشديد قليلة الوفاء و خصوصا للأموات، و لذا ادعو الجهات الشعبية والرسمية للاهتمام ببعكر كعالم ومفكر حقيقي أعطى اليمن الكثير. 

أستاذ الأدب المقارن بجامعة إب الدكتور عبد الحميد الحسامي قال : " قرأ بعكر لأبي الحسن الندوي، و جلال الدين الرومي، و ابن علوان، والغزالي،وسيد قطب، ومحمد الغزالي،وحسن البنا،وسعيد حوى، والقرضاوي، ومالك بن نبي، ويحي بن حمزة، وابن الوزير، والمقبلي، والشوكاني، ومن الأقدمين ابن القيم، والذهبي، وابن حجر العسقلاني، وابن خلكان. 

وأضاف : كما أحب شعراء العربية ولعل أحبهم إلى نفسه كما ذكر بعكر له طرفة والأعشى، وجرير، وبشار، والبحتري، وعمارة اليمني، وإقبال، وأبو ريشة، وبدوي الجبل، ونزار قباني، وغازي القصيبي، والزبيري. 

ويرى الحسامي، وهو من حضر رسالة ماجستير في تجربة بعكر،أن بعكر ينطلق في مؤلفاته من مشروع ثقافي له عدد من الملامح أبرزها، الأصالة بمعنى أن الأستاذ بعكر أصيل فيما يكتب غير مقلد وفاعل غير منفعل، و الأصالة هي الحفاظ على الخصوصية والبصمة الذاتية التي لا تذوب في الآخر، وانطلاقاً من رؤية الإسلام للإنسان والكون والحياة، وكذا التنوع الذي يتجلى من خلال مؤلفاته التي تتنوع بين التاريخ والفن والإبداع والتربية والفكر، إلى جانب غزارة الإنتاج التي يدلل عليه 

العدد الكبير لمؤلفاته التي تبلغ سبعة وخمسين مؤلفا ما بين مطبوع(20) و مخطوط (37)،إضافة إلى التطور في نظرته للقضايا، وتطورت مساحة نظرته من المحلية إلى العالمية، وسعة الاطلاع التي تشير فيه مؤلفاته إلى موسوعية ثقافته وثرائها. 

وحول شخصيته الأدبية، ومؤهلاته الذاتية يقول الدكتور عبد الولي الشميري في مقدمة ديوان "أجراس" : ما أندر و أقل الأقلام العربية حرفاً الإسلامية ولاءً، و أندر من ذلك أن تجد من يجمع بين الموهبة الخصبة والثقافة الواسعة، والهدف النبيل، ولقد أجدبت الساحة من هذا النوع تماماً إلا من أعلام يعدون بالأصابع بل وأقل من الأصابع، وكنت أرمق بإعجاب كبير وإحساس مرهف كل حرف خطه قلم لأدبائنا الكبار الإسلاميين مثل الأميري والعظم .. ومن على شاكلتهم بيد أني ترصدت في الأفق بزوغ كوكب جديد في سماء الأدب يحي الله بقلمه في ربوع اليمن الميمون ما أماته أصحاب الأقلام الحمراء حتى لاح وميض متلألئ جذاب يشرق في ثنايا مدينة حيس المتواضعة من الحديدة مشعلُ فذ، وهو عبد الرحمن بعكر". 

فيما نجل الراحل محمد عبد الرحمن بعكر، الذي تكلم بلهجة حزينة قائلاً :لم يجد والدي إنصافاً في حياته، وهو الكفيف ورب العشرين من الأبناء،وحتى بعد وفاته سواءً في طباعة ما تيسر من كتبه، وحتى إحياء ذكراه الطيبة التي تمر مروراً لايأبه بها ،مشيداً بالدور الذي اسهمت من خلالها مؤسسة الابداع للثقافة والاداب والفنون في خدمة الراحل من خلال الاسهام المتميز في نشر بعض نتاجاته والتعريف بكثير من دراساته. 

الذكرى الأولى لرحيل الأديب والمفكر بعكر  :

بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الشاعر عبد الرحمن طيب بعكر قام الأخوان حمزة الحضرمي، ويوسف الجمري بمقابلة عائلة الراحل والاستماع إلى تفاصيل حياته ففي

20 / يناير/2008 م جرى اللقاء التالي :

سعدت بحمله داخل أحشائي، واستبشرت فيه الخير والبركة, وسماه والده قبل أن يولد عبد الرحمن , كان محبوباً منذ طفولته , يرتاح له الصغير ويأنس معه الكبير من فقهائه ومعلميه .بهذه الاستهلالية تتحدث والدته عنه وتصفه ليس كما يصفه الآخرون بالأديب الحصيف ولكن بوصف الطفل والابن، تختلف رؤيتها له عن رؤية الآخرين. 

عبد الرحمن بعكر عرفناه وعرفه الجميع بالأديب الجهبذ والعلامة النابغة في مجالات الأدب والنحو والشعر واللغة ، ولن قليلون والقليلون جدا من عرفه كإنسان.

نحاول هنا أن نسلط الضوء على عبد الرحمن بعكر الأب والابن والصديق ، و نحاول أن نعرف بعض الخبايا عن طفولته وشبابه وعاداته ونمط حياته الخاص ، ومن البديهي أن يكون أفضل من يعطينا بصيص الضوء الذي يمكننا من خلاله رؤية بعكر من الداخل هم المقربون منه والمقربون جدا وهم أمه وأبناءه والمحيطون به في حياته العادية الخفية على الجميع. 

مات البدر يا مكية :

لم نكن لنقفز على حاجز طفولة الراحل لتذكرنا والدته التي برغم كبر سنها وألم حزنها لفقدها خيرة أبنائها بحسب قولها, أن تعطينا تفاصيل من طفولته العالقة في ذاكرة حبها لولدها بعكر الذي ملئ حياتها برً ورفع رأسها شرفاً بعلمه وأدبه, وكيف وقد استبشرت به، واستعجلت قدومه أثناء حملها به .. تقول والدته.. أخبرتني عمته الصالحة مكية بنت على بعكر قبيل ولادته بأيام قلائل أنها رأت في منامها هلالاً في ساحة البيت، فتلمست هلال السماء، فوجدته مكانه لم يتزحزح, فلما أصبحت أخبرتني لنرسل للشيخ الزاهد " حسن الوحيدي آل أبو الحياء "رحمه الله في جامعه الذي لا يبعد كثير عن البيت، والذي فسر الحلم بارتزاقنا ولد مبروك تسعد به أسرته .

وتضيف أمه " فسعدت بحمله بقية الأيام، واستبشرت فيه الخير والبركة, وسماه والده قبل أن يولد عبد الرحمن . 

وتقول كان محبوباً منذ طفولته, يرتاح له الصغير، ويأنس معه الكبير من فقهائه ومعلميه, فقد لزم معلمه أحمد قاسم دهمش الخولاني الذي أحبه كثيراً، وعدّه ولده الذي لا يفارقه, بل إنه اصطحبه معه إلى زبيد وهناك نهل العلم من علمائها ومشايخها, كما أحبه القاضي علي بن محمد نسر الآنسي الذي كان قاضياً على مدينة حيس مسقط رأس بعكر, وكان والده الطيب بعكر كاتباً وأمين سر للمحكمة, وعندما انتقل القاضي الآنسي إلى صنعاء اقنع والده باصطحابه معه إلى صنعاء؛ ليكمل دراسته في المدرسة العلمية بصنعاء وجامع الوشلي .

وتذكر والدته موقفاً من مواقفه المضحكة, التي كان يقوم بها بعكر كرد فعل عندما يضربه معلمه " قاسم دهمش " تقول " كنت أعطيه أثناء ذهابه إلى معلمه للدراسة في الجامع القريب من البيت فطيرة من الدخن الذي اصنعه بيدي لأبيه وإخوانه " وذلك إكراماً للمعلم لتعليمه للولد, وهو الأمر الذي ربما أعتاد عليه المعلم دهمش في تهدئة جوعه حتى ينتهي من تعليم الأولاد ليعود إلى بيته ليتغذى, فكان بعكر يعطيه الفطيرة يوم سلوه وسلامته من معلمه, ويدفنها خلف سور الجامع عندما يضربه ويشد عليه, إلى أن كشف معلمه أمره من زملاءه, وأقر بفعله مبرراً ما دفعه لفعل ذلك .

ما عاش وحيداً من عاش للناس جميعاً : 

يرى بعكر أن الخيرة والأفضلية هي لمن ينفع الناس، ويحرص على مصالحهم وشئونهم , فمن خلال عمله سكرتيراً للمديرية في صباه انطلق بعكر يصلح بين الناس، ويقرب بعضهم من بعض, يترافع للفقير ويتحامى للقاصر والأرملة والمطلقة يقارب ما استطاع مقاربته, فرزقه الله جاهاً، ووهبه علماً وحكمة .. 

تقول عنه أمه " لقد كان حتى بعد أصابته بالعمى ولزومه البيت محبوباً يقبل عليه الناس إلى البيت ليحكم بينهم, حتى أن العامل " مدير المديرية حالياً " والذي كان بعكر بمثابة سكرتيراً عاملاً لديه يغار من شعبيته, وإقبال الناس عليه والقبول بصلحه وفصله في قضاياهم, وتضيف أمه " كان الناس إن لم يجدوه في إدارة المديرية " التعاونية حينها " يأتون إليه في البيت ليحكم بينهم . " 

ولم يتغير ولزم الراحل الحفاظ عليها عبادة وتقرباً لله عز وجل بل زكاة حافظ على تأديتها عن جاهه وعلمه، يذكرنا أحد أبناءه، وهو النعمان بقصة حاول فيها الراحل أن يصلح بين رجل في المنطقة وابنه الذي آتى إلى الراحل رحمه الله يشكي رفض أبيه مساعدته في الزواج , رغم استطاعته وقدرته في ذلك, وعندما استدعى الراحل ذلك الأب الذي أبدى بعض الحماقة والاندفاع في اتهام الراحل بتقوية ابنه وتحريضه عليه دون أن يفهم ما المطلوب منه والسماع إليه .. وكيف تعامل معه، وامتص غضبه مستهدية بالله, وطالباً من الابن الركوع بين قدمي والده ليرضى عنه, بحكمة بليغة في الحوار والخطاب مع الجهلة وقليلي العلم .. لينصرفا الأب والابن صديقين لبعكر يعودانه ويزورانه, بل اعتبراه كبير أسرتهم يستشيرانه في قضاياهم, وشئونهم العامة والخاصة, ويعملون بمشورته, وينتصحون بنصيحته . 

كان بعكر إن رأى باستطاعته نفع أحد لا يتواني عن قضاء حاجته, ولا يدخر جهداً في ذلك رحمه الله, بل كان يحب كل من يتصدر لقضاء حوائج الناس وشئونهم, فيشيد بهذا, ويأخذ على يدي هذا, ولم يقف عند ذلك ليشتغل بتدوين وتوثيق المصلحين ممن أخذوا الصدارة في البر والإصلاح بين الناس, فكان كتابه مصلح اليمن علي محسن .. , وأخر رجل أحبه الهرم والحرم والذي خص به الراحل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الذي اشتغل بالحكم والإصلاح بين معظم القبائل اليمنية, ونزاعاتهم التي أعيت الحكومة، وأثقلت كاهلها إلى قريب، ومازالت  وغيرها من الكتابات التي تخللت مؤلفات الراحل بعكر، والتي تناولت مناقب الأفذاذ من المصلحين والاجتماعيين . 

..          وبعد أن ابتلي -رحمه الله- بالعمى، وكان حينها في التاسعة والعشرين من العمر، لزم بعكر بيته, متفرغاً للقراءة, والجلوس مع الكتب مرحباً بمن يقرأ عليه، ويحكي له أخبار الصحف, ونوادر الأجداد وتحف وبداهة الأحفاد, يقرب ويدني إليه من يجيد اللغة العربية، ويعطيها حقها في اللفظ، ويبغض من يلحن، ويكسر اللفظ، ويتعالى على العلم، ويرفض التعلم . ولم تثنيه عن منافع وخير الأمة أي إعاقة, فجعل من الكتب التي جمعها في طفولته وأثناء تلقيه للعلم على أيدي الفقهاء والعلماء من زبيد والتريبة وصنعاء نبراساً له, ليخلف الله عليه بدلاً عن بصره بصيرة القلب وفتح عليه من علوم الدين والشريعة واللغة، فهو كما وصفة الدكتور عبد الولي الشميري في كلمته التي قدم بها أول ديوان شعري لراحل بعكر ( لقد آلان الله لآل بعكر اللغة كما آلان لداوود الحديد) . 

يومه يبدأ بالقرآن، وينتهي بلندن: 

لقد كان للراحل( بعكر) برنامجاً يومياً ألزم به نفسه لا يحول عنه قيد أنملة, وكيف وهو الإداري الذي قاد مؤسسة بيته الكبير .. وصنع من أسرته جواً ثقافياً بأقصى ما يمكننا أن نتصور، ليكون منه مكتبة ثقافية وموسوعة أدبية حوت التاريخ والأدب أصيله وحديثه, وفاح من أوراقه وسطوره عبق فكره وكتاباته الرائعة .تقول ابنته وقارئته الدائمة "إيمان" عندما أتكلم عن حياة والدي ومعلمي وقدوتي أسكنه الله فسيح جناته فإني لا أستطيع أن أعبر عن كل ما يختلج بداخلي، فأنا قد أتوه في متشعب أمواجه الكثيرة والمتلاطمة بالمعرفة والفكر والأبوة والحنو, لقد كان رحمه الله يقضي يومه بكامل نشاطه، حيث يبدأ يومه من صلاة الفجر وقراءة ما تيسر من القرآن الكريم ومن ثم يناديني لأصطحبه للمكان المعد للقراءة والكتابة وهو المكان المحبب له, وهناك أقوم بقراءة بعض المواضيع عليه من مجلة العربي الكويتية التي يتابعها باستمرار أو بعض الصحف المحلية التي تصل إليه من ابنه وسفيره في صنعاء " محمد ", وفي السابعة صباحاً أحضر له المذياع ليستمع إلى أخبار إذاعة لندن والتي يتابعها هي الأخرى باستمرار, وانصرف لإعداد وجبة الفطور التي كان رحمه الله يفضلها على وجبات الغداء والعشاء, ومن ثم يأخذ قسطاً من الراحة لتناول الشاي ، وبعدها يطلب مني إحضار بعض الكتب الأدبية، وأقوم باستئناف القراءة حتى التاسعة والنصف صباحاً, ومن ثم يغفو بضع الوقت حتى الساعة الحادية عشر صباحاً ـ ذلك لأنه لا ينام في المساء لكثرة الأفكار أو لكثرة المشاغل التي تدور في خاطره كتأليف كتاب أو مقال أو قصيدة ليقوم في الصباح بإملائها علي لكتابتها ـ وعندما ينهض يناديني لأحضر له بعض الخضروات الموجودة في البيت كالخيار أو بعض الفواكه كالخوخ , ويتهيئا بعدها لصلاة الظهر، وأكون قد أحضرت له المذياع مجدداً لسماع أخبار الواحدة من إذاعة لندن, وحينها يكون ولده النعمان قد عاد من السوق وأحضر له القات وعادة ما تدور بينهما المناظرات في إقناعه بنوعية القات كون الوالد رحمه الله بصيراً، ولكنه يعرف جودة القات من تحسسه له بأصابعه و"قرحه" عوده وليونته, وتكون أخواتي قد أعددن الغداء بينما تتولى إحداهن غسل القات وعصره لأنه رحمه الله كان قد فقد جل أسنانه, وبعد الغداء أقوم باصطحابه إلى المكان المخصص لتناول القات وسماع بعض الأغاني للفنانين اليمنيين, والتي يعيش مع كلماتها المغناة كأغاني الآنسي, وأبو بكر، وأيوب، والكبسي, والبدجي . 

تقول إيمان " لقد استمع رحمه الله إلى أغنية أهلاً بسيدي وسيد الناس، وأعجب بها بشدة فأعد قصيدة لفؤاد الكبسي، وأرسلها له . 

وتضيف يواصل الوالد -رحمه الله- مقيله بعيداً عن ضجيج الأطفال, وذلك في ديوانه الذي يستقبل فيه الناس والزوار الذين لا تنقطع زيارتهم له لتناول الأخبار والأحاديث والمستجدات، وكذا الحديث عن الأدب وأخباره والتي يسعد عند إثرائه وتناوله كما يسعد بزيارة هواته ومحبيه من أكاديميين أو مثقفين أو أناس عاديين, وحينها أكون في الغرفة القريبة منه منشغلة وبعض أخواتي بتبييض مقالاته ومؤلفاته التي لا تنقطع وتكاليفه التي يلزمنا بالبحث عنها في مكتبته التي تزيد عن الألف عنوان . 

وبعد أن يصلي المغرب يستأذن الناس، وينصرف نحوي لأستأنف له القراءة حتى السابعة قبيل العشاء يطلب مني أن أتركه مع أفكاره وإلهاماته, وبعد صلاة العشاء يجلس في مكانه يقرأ القرآن، ويسبح حتى التاسعة مساءً عندها 

آتيه بوجبة العشاء, وحينها ينادي بقية أولاده للجلوس معهم, ومناقشة أوضاعهم المدرسية ومتابعة واجباتهم التي يسألهم عنها أولاً بأول, كما يتبادل معهم بعض الحديث عن قضاء يومهم, وحينها يحكي لهم بعض الحكايات المسلية والمضحكة التي يتفجر فيها الإخوان ضحكاً . واتركه في الساعة العاشرة، وهو يدعو لي بتمام الصحة والعافية, قائلاً خذي راحتك لقد أتعبتك اليوم كثيراً, وانصرف أنا إلى النوم , وبيده المذياع يتنقل بين الإذاعات الإخبارية, وأكثر ما يقف على تقارير إذاعته المفضلة إذاعة لندن . 

وتواصل إيمان حديثها " في إحدى الليالي وبينما هو يقلب الإذاعات إذا به يسمع دخول القيادة الجماعية في يوم مشهود العاصمة الأفغانية كابول ظافرة ومنتصرة على الاحتلال السوفيتي ، فكان رحمه الله في فرحة شديدة, وما أن انتهى الخبر وقف وبيده طفله الرضيع " حمزة " منادياً لأخي الأكبر أنور ليحضر وبيده ورقة وقلم, ليملي عليه بعض الأبيات الشعرية التي ولدتها نصرة الأفغان وظفرهم، ومنها ما يلي

وساجلت عند الصباح ..          غناءً فناغى وغنى واطرب

صباحك يا حمزة أنت صباحي .. ففتح شبابيك قلبي المعذب 

صباحك والفجر في قندهار ..     وكابول حيا و بيا ورحب. 

وكان رحمه الله متابعاً للأخبار السياسية والثقافية والأدبية, تقول إيمان " كان إذا سمع خبراً أهمه سواءً سياسياً أو ثقافياً يناديني لأدونه في دفتر خاص بذلك إلى أن يحين وقته، فيطلب مني أن أحضره له، واقرأه عليه مرة أخرى . 

بعكر .. يحب كل جميل : 

وعندما سألنا ابنته وسكرتيرته الملازمة له إيمان عما كان يحبه بعكر، وعما يزعجه !! أجابتنا في اختصار شديد وإيجاز بليغ لا تخلوا منه أنفاس الراحل الأديب رحمه الله " أحب القراءة إليه بعد صلاة الفجر, وكان يحب كل شيء حسن مثل صوت الرعد والبرق والمطر, وكذا الأخبار السارة من الأسرة وأخبار الزراعة . 

وكان يحب سماع صوت أصغر أبناءه وهو العز " 7 سنوات ".. والذي يحظي ببديهية وطرافة عجيبة قفز فيها على حاجز طفولته , وتصرفاته كالكبار وهو ما أسر قلب والده حباً وعطفاً - رحمه الله 

تقول إيمان " ذات مرة والعز جالس إلى جانب أبيه بصمت , ضن الراحل أنه قد انصرف من المجلس فناداه يا عز يا عز ربما لغرض كان يريده منه، وكان العز متأملاً عينيي أبيه بصمت, ليقول له مباشرة وعن قرب منه وحب صادق وبريء " لو تتبدل العيون شاهب لك عيوني يابه " أي لو تتبدل العيون لأعطيك عيناي ترى بها وتبصر. فكان موقفاً مؤثراً على الوالد رحمه الله ليتعامل مع العز بمعاملة خاصة يأنس بجلوسه معه ومرافقته معظم الوقت . 

وكان مما يغضبه تصرف أولاده الأطفال وعدم محافظتهم على الصلوات والتقصير في مذاكرة دروسهم, وحل واجباتهم المدرسية ,وجلوسهم لوقت طويل أمام التلفزيون. 

وأفضل الأيام المحببة لبعكر ـ حسب إيمان ـ هي أيام العطل المدرسية ووجود أولاده لديه, وإلزامهم بالمهام المكلفون بها. وتضيف " كان يخص أخي الأكبر أنور بتبييض أعماله من مقالات ومؤلفات لحسن خطه وتمكنه في اللغة, ويكلف بعض بناته البحث في الكتب, ومنهن من تكتب ما يملي عليها الوالد, ومنهن تقوم بتلخيص بعض الكتب، بينما يختصني للقراءة عليه, وهكذا دواليك ... وكان رحمه الله يفضل الحديث عن الزراعة والحديث عن أيام شبابه وجلوسه في صنعاء وتعز و زبيد وإب أثناء تلقيه للعلم ... وكانت أكثر المأكولات التي يحبها، ويفضلها هي الكبان والكدر، والحقين والنسنس والسمك المشوي بالتنور، والجبن والحلبة .. وعنب الفلفل . ... 

صاحبة الجلالة .. الحبيبة الخالدة : 

ولعل الصورة التي يقدمها أبنه نعمان توضح أكثر اهتمام عبد الرحمن الإنسان بقضايا من حوله والمشاكل العامة التي يسعى لحلها بما حباه الله من جاه لدى الجميع وعلى رأسهم أهل الحل والربط وأصحاب السلطة التي لم يسع يوماً لاستغلالها لصالحه الشخصي بقدر ما كان يسخرها لمنفعة الآخرين، ويرى نفسه فرداً من مجتمع لا يكتمل كلا منها دون الآخر . 

يقول نعمان: كان والدي صريحاً واضحاً يكره المحاباة والمداهنة والكذب .. وأذكر هنا واقعة حصلت في المنطقة " حيس" قبل فترة فقد انقطعت المياه عن المديرية لخلافات بين المتنفذين والقائمين على مشروع المياه. 

وبطبيعة المنطقة الحارة واشتدادها أكثر في الصيف، فارتفعت الحرارة، وارتفعت معها أصوات الأهالي دون جدوى, فبادر الوالد رحمه الله بالكتابة إلى مدير المديرية, ومن ثم كتب إلى عضو مجلس النواب عن المنطقة وأصحاب الشأن الذين تجاهلوا  

رسالته برغم صداقتهم له, إلا أن مصلحتهم غلبت على مصالح الناس وإغاثتهم بالماء, مما اضطر الوالد للاتصال بمحافظ المحافظة, وشكا إليه حال المديرية, ووضع الأهالي المزري من انقطاع المياه, والذي وجه حينها بإصلاح المشروع على الفور وإغاثة الناس بالماء .. حينها استاء المجلس المحلي من اتصال بعكر بالمحافظ, وإبلاغه بالمشكلة التي تكتموا عليها لأسباب ومصالح ذاتية, ليأخذوا منه موقفاً معارضاً ,ولكن الوالد لم يعبا لهم . 

ويضيف نعمان برغم معرفة الوالد وشهرته من خلال أدبه وكتاباته .. وحتى من خلال زيارة كثير من الصحفيين والإعلاميين وكتابة كثير من الكتاب عن فكره لم يتطرق الوالد رحمه الله إلى بعض حقوقه التي لم يحصل ولو على جزء يسير مقارنة بما تقدمة الحكومة وبالذات وزارة الثقافة لفنان أو فنانة لاتسمن ولا تغني من جوع، ومع الآسف لم يقم أي إعلامي بتسليط الضوء على حياته ووضعه في أقصى البلاد ويقول نعمان " أكثر من زائر تلفزيوني وإعلامي صدموا بواقع وحال " عبد الرحمن بعكر " الذين يعرفونه من خلال كتبه ومؤلفاته وقصائده .. وأتذكر أن أحد زائريه الذي لم يخف مشاعره ليصارحني بعد فراغه من مجلس الوالد رحمه الله ليقول " كنت لوقت طويل أتابع قراءات الأستاذ بعكر في كثير من الصحف اليمنية والدولية، وأسمع عن جوائزه العالمية التي نالها في الأدب والشعر وكنت حينها اعتقد أنه شخصية غير يمنية .. وعندما سألت عنه، وأتيت لأقابله صدمت مرة أخرى بمعرفتي لوضعه المعيشي البسيط . 

ويضيف " رغم كل ذلك كان الوالد رحمه الله يحثنا على الاهتمام باللغة العربية, وبالأخص ملحة الإعراب للحريري, والذي ألزمني بحفظه, وبعدها خصني بدرس يومياً منه لشرح الملحة والإعراب . 

ويختتم نعمان" كان الوالد بسيطاً في حياته، ولا يأبه للمال، ولكنه كان شديداً ومتعمقاً ومعطاءً في العلم والأدب والفكر، ولم نشعر أن هناك من ينافسنا على حبه سوى معشوقته الأبدية " اللغة العربية " التي خصها دوننا جميعاً بكتاب لم يزل مخطوطاً باليد أسماه " صاحبة الجلالة .

ندوة بالحديدة عن المؤرخ والأديب بعكر في ذكرى وفاته الثانية:

نظم منتدى الدهني للثقافة والفنون بالحديدة ندوة احتفائية في 20 يناير 2009م بالذكرى الثانية لوفاة المؤرخ و الأديب الكبير عبد الرحمن طيب بعكر بعنوان ( بعكر .. فصول من سيرة الضوء) :

وفي الندوة التي أدارها أمين عام المنتدى عبد العزيز عجلان تحدث نجل الفقيد أنور عبدالرحمن بعكر، والدكتور العزي البرعي، والباحث عبدالجبار باجل وعدد من الحاضرين مقدمين شهادات وتذكرات لأيام عاشوها مع الفقيد الكبير كأب تتلمذوا على يديه ومربٍّ ناجح ومعلم قدير يرقى إلى مصاف الشخصيات الإنسانية، و استشهدوا بعدة مواقف تعكس اهتمامه بقضايا مجتمعه .

وسلط المتحدثون الضوء على نواح ٍ متعددة لشخصية المحتفى به أديباً وناقداً ومؤرخاً ومساهماً في الحراك الثقافي على المستوى العربي والإسلامي .. مشيرين إلى مراحل تكوينه الثقافي والأدبي ورؤيته الثقافية . ..

ترجمـت له العديد من الموسوعات منها:

1-موسوعـة الأعـلام الصادرة عن مؤسسة الإبداع للثقافة والآداب والفنون – صنعاء – اليمن .

.2-الموسوعة اليمنية الصادرة عن مؤسسة العفيف الثقافية – صنعاء – اليمن 

. 3-معجم البابطين الصادر عن مؤسسة البابطين – الكويت

كتــب عــنه وعن أدبه :

1-رسالة ماجستير بعنوان (( ملامح الإبداع في نقد عبدالرحمن طيب بعــكـــر )) للدكتـــور عبد الحميد الحسامي .

2-بعـض المقالات في بعض الصحـف والمجــلات . 

شخصية الشيخ عبد الرحمن طيب بعكر في الشعر الإسلامي المعاصر

شخصية الأستاذ الشاعر الإسلامي عبد الرحمن طيب بعكر شخصية محببة ودودة ، تحظى باحترام العامة، وتقدير الخاصة لذا كان لوفاة الشاعر أصداء مدوية في الشعر اليمني المعاصر، حيث رثاه العديد منهم:

وداعاً أيها المعلم :

حيث كتب الشاعر ( عبدالقادر طيب بعكر) قصيدة في وداع الراحل الكبير، يقول فيها:

للحبيب الذي توارى سلاما_       كيف نوفيك يا أبانا المقاما

عفو هذا المقام من عبث الصبية      إن هذرمت وسفت كلاما

كيف نرقى إلى سماك ومن دون               علاها عوالم تترامى

وألوف من المجرات يمتد مداها               فتحسب اليوم عاما

ويتمنى لو أنه التقى بذلك الشاعر النادر المثال، ولكن ماذا تفيد عسى، والأيام قد فرّقت بينهم:

فمتى نلتقيك يا طائر العنقاء                  لو لحظة لماماً لماما

فرّقت بيننا الليالي والأيام                 واستنفذت قوانا التهاما

فإذا بي أرى بواكير عمري             منذ أن عشتها صبياً غلاما

كل عام لها وداع وتأبين                    أباً وأخاً وجلَّ النداما

لقد فجع الشاعر بشيخه عبد الرحمن طيب بعكر، فهو يطلب من السماء أن تبكي حزناً عليه، ولكن كيف يبكي، وكيف يقضي عليه الأسى، وهو الذي تعلم من الراحل كيف يحول الحزن إلى أنغام سعيدة، وكيف يحوّل الجراح إلى طاقات إبداع :

وأنا اليوم قد رزئت بشيخي                وأبي ياسماء سني الغماما

لم يعد لي إلا بقايا صبابات                 من الدمع فتها لليتامى

كيف نبكي و أنت علمتنا بالأمس       أن نعكس الأسى أنغاما

نحيل الجراح طاقات ابداع                تضيء الدروب و الآكاما

وملك ليس في رعاياك فرد          يشتكي الضعف أويبالي الحماما

يالها من مبادئ تغسل الحزن         وتحيي في القلب روض الخزامى

من خزاماك بوركت من خزامى       قد تضوعت وارتشفت مداما

أى روض انزلتنيه فاثريت سلالي                   قرنفلاً و بشامى

وقواف كأنها شعب بوان             من الحسن قد غدت بانوراما

وأشاد بجهود الشاعر الملهم في اليقظة والصحوة والنهضة، حيث نشر العلم والمعرفة، وأحيى موات الأمة:

موقظ الفجر و الجميع رقود              في تلابيب جهله يتحامى

أيها الملهم المبشر بالنور                      معاذ الإله أن نتعامى

نهضة أنت كنت باعثها الفذ            مواتاً أحيت ورّوت عظاما

ورياض فينانة من علوم                       وفنون تفتقت أكماما

لك من خيرها ظلال و انداء           ونور في القبر يجلو الظلاما

وبقرب من الله ورفد                        ومقام هناك يرفع هاما

فوداعاً يا عالماً من شموس                  كالمجرات زاخراً يتسامى

أبو النعمان في ذمة الله

كتب الشاعر أحمد عبد الله قاره قصيدة رثاء للشاعر عبد الرحمن بعكر، قال فيها:

وماذا بعدُ يا قدرٌ إلامَا              تُعَاوِدُ موتنا عاماً فعاما؟

فمضى الأهلون و الأحباب تمضي  قوافلهم ولا ندري إلَامَا

سيبقى الدّمعُ نسكبهُ حنينا          ونكتبهُ قصيداً مستهاما

كأنّكِ يا المنيّةُ ليسَ يحلو          لديكِ العيشُ إلّا بالنّدامى

أحِبّاءٍ لنا عاشوا كراما             فَهَلّا اخْترتِ غيرهمو كراما؟

لقد خلّفت المنية جراحاً في قلب الشاعر لا تندمل، وصرعت ضياء الفجر، لقد جفت يراع الشاعر الراحل، الذي كان عبقرياً مبدعاً:

هُنا في القلبِ خَلّفْتي جراحاً         ينزَّ بدمعِ أوجاعِ اليتامى

هُنا في الدّربِ خَلّفْتي صباحاً  صريعاً ضاقَ في الدّنيا انْقساما

هُنا في "حيس" خَلّفتي يراعا         يَجِفَّ الحبرُ في فِيهِ إذاما 

"أبو الإبداعِ" قَدْ وارَى ثراهُ          فأيُّ الفكرِ نلقاهُ اْلتزاما؟

أخلاق الشيخ وسجاياه:

ويتذكر الشاعر أخلاق الراحل الكريم الذي لم تغادر البشاشة وجهه، وكان صدوقاً وشهماً:

هُنا كنّا نلاقيهِ بشوشاً                 يبادلنا التّحيةَ والسلاما

هٌنا كنّا نلاقيهِ صدوقاً               وشهماً في موتقفهِ إذاما

أتيناهُ من الأيّامِ نشكوا             وقدْ أضْحَتْ لياليها زؤاما

هًنا في كلّ زاويةٍ وركنٍ            "أبو النَّعمان" يسألنا عَلَاما   

ينامُ العشقُ والمعشوقُ موتاً         ويبقى العاشقون ولاهُياما

وكان شاعراً شعره يروي ظمأ الروح، ومفكراً تفتخر به الفضيلة، أمضى عمره في الإلتزام والتحقيق والتأليف، وهذه آثاره ومؤلفاته الكثيرة تدلنا عليه:

هُوَ الشِعرُ الذي كمْ عاشَ يروي ظَمَاً في الروح أضناها سُقاما

هُوَ الفكرُ الذي كم كانَ يزهو   بهِ سِفر الفضيلةِ كم تَسَامَى

هُوَ العُمرُ الذي أمْضَاهُ بحثا             وتحقيقاً وشِعراً والْتزاما

عرفناهُ "أبَا الإبداعِ" فينا               يُعَتْقِدُ في ثناياهُ الكلاما

سَلَوا عنهُ "الكواكبَ" كمْ تَدَلّتْ      تسامُرني هواجسهِ المناما

سَلُوني عنهُ أخْبركمْ بأنّي             بهِ كمْ زدتُ للشعرِ احْتراما   

هُوِ الوطنيَّ كمْ يحلو هواهُ             إذا ما امْتَدَّ ميمنةً وشَاما

هو العربيَّ يأبى الضّيمَ دوماً               ويأبى أنْ يَرفينا انْهزاما

قضى عُمراً وفي جنبيهِ قلبٌ          شبابٌ كم يطارحهُ الغراما

هُنَا في "حيس" كمْ غَنّى لِحُسنٍ       برئ الطّبعِ من ألَقٍ تَنَامى

وكمْ للبحرِ والشَّطآن أهدى      لذيذَ الصّيفِ لا يخشى الملاما

فَمِنْ ثمراتِ نخلاتِ "السّحارى"         يُذَوِّبُ في قوافيهِ المُدَاما

ومنْ عَبَرَاتِ طائرِهِ المُغَنّى               لواعجَ شوقهِ أعلى مَقَاما

تَغَنّى الصَّبُ مفتوناً بِحُسنٍ          وهل كانَ الهوى يوماَ حراما؟

وها هي الطبيعة تشارك الشاعر في حزنه على الشيخ الراحل:

سَلُوا "وادي بنا" كمْ راحَ يشدو        به شِعراَ وعشقاَ فيهِ هاما

وحسناوات "وادي مُور" كمْ ذا احْتَكَمْنَ إليهِ في الحبِّ احْتكاما

سَلُوا "الوردانيه" أو "بُوسْ عَينه"     سَلوا "بُو زَهر" كمْ فيهِ أقاما

سَلُوا الحقلَ الذّي يَخْضَرَّ نَبْتَاً        سَلُوا الأعشاشَ عنهُ والحماما

سَلُوا الثمراتِ تنبيكمْ وتروي         لكمْ عنهُ الحكاياتِ العِظاما

سَلُوا "أيولْ" في ذكراهُ كمْ قَد           أتاهُ الشعر يحتدمُ احْتداما

سَلُوا "مايو" ووحدتها بلادي      "حبيبُ الشعرِ" كمْ غَنّى التْئاما

سَلُوهُ الفارسَ السّبئي عنه                سَلُوا الدنيا عليه والأناما

هُوَ الإنسانُ من خُلقٍ رفيع              حبَاهُ اللهَ في الدنيا مُقاما

وفي الأخرى نعيماً ليس يبلى         عليك الله من قلبي السلاما

ترنيمه:

ورثاه الشاعر اليمني (محمد حسين علي) في قصيدة يقول في مطلعها: 

أصارع نفسي ولازلت قهارا           على كل أمار على الأرض أمارا

يقيدني عن أي رشد أئمه               ويقذف بي فيما أحاذر منهارا

فأنهض مغموم الفؤاد مرزئاً               أساقط أحزاني دموعاً وأشعارا

يباركها من غاب عني مشيعاً             بقلبي فتتلوها المحاريب أذكارا

لقد صارت الدنيا بعد رحيل المفكر الإسلامي مقبرة موحشة، وتبدل أهلها وكثر النفاق، فهي تصرخ في وجه النبي، وتعلق أحذية الطواغيت:

فأصبحت أحيا بعده في مقابر           أجالس أمواتاً وأنشد أحجارا

أبا أنور خلفتني في زعانف                    تسبح أفاكاً وتعبد دينارا

وتزئر في وجه النبي وتنحني                 أمام نعالات الخنازير أبقارا

أهنيك أم أبكي بقائي معذباً      على الأرض يا صقراً إلى وكره طارا

عليك سلام الله فتحاً وفاتحاً          توارى حميداً ماجد الذكر مغوارا

وخلفها في الأرض أسفار رائد         تطل على الدنيا شموساً وأقمارا

(كواكب) إيمان و(أجراس) منذرٍ و(أنفاس) مسكي الصبابات معطارا

فطب خالداً طيباً على الأرض خالداً        يغني بأبرار فيصنع أبرارا

وطب نازلاً في روضة برزخية        "تحفك حُسنى واسع العفو غفارا

وتحفظ من خلفتهم في كرامة            وتطلعهم يا نير الحرف أنوارا

عليك سلام الله فتحاً وفاتحاً            إلى حين لقيانا هنالك أحرارا

هكذا ناحت تهامة:

وكتب الشاعر الحارث بن الفضل قصيدة يرثي فيها عبد الرحمن طيب بعكر، يقول فيها :

وتلوح من حول الجراح جراح            ناحت تهامة والنواح مباحُ  

خلف الذي ملأ السحاب قصائداً          ورياحه ما مثلهن رياح

عصفت فاثمرت العقول معارفاً           فمها لأفكار الكبار لقاح

وثب الظلام على الظلام فلم يكن        إلا صباحاً يرتديه صباح

ويصور حزن العائلة وبكاء ابنه حمزة عليه، وكذلك حزن القبيلة زبيد، وانتحاب الطبيعة:

يا صاحبي مازال حمزة شاحباً             يبكي عليك، وما عليه جناح

فقد الذي لفراقه انتحبت زبيد            ورددت رجع النشيج (جُبَاحُ)

(وشمير) مزقه الفراق ولاح لي               جبل عليه من الحداد وشاح

حسمت مواهب حزنها (حيس) وقد   عصرت عناقيد الدموع (ملاح)

ونخيل (نخلة) كل باسقة هوت            ثكلى...عليه عويلهن صياح

هل هكذا ناحت تهامة مرة                  وعلا لَها فوق التلال نواح

لقد حزنت الأمم والبلدان على فقد الشاعر الراحل، ويشتكي الشاعر، ويتألم مما أصاب العراق على يد المستعمرين، أما فلسطين فهي ما تزال أسيرة ترسف في القيود:

يا صاحبي غادرت فانتفض الردى           وبمقلتيه على العراق رماح

فغدى مسيلمة يصول منظراً        وغدت تبول على الذقون سجاح

فاحت روائح جيفة عربية                     لمذاهبٍ أتباعهن سفاح

أما فلسطين الاسيرة لم تعد                يوماً تؤمل ان يعود صلاح

أجراسك السمراء حول قبابها        احتشدت حروفاً حبرهن سلاح

يا صاحبي والحزن يطحنني متى          ألقاك ضاقت بالجريح بطاح

زمن بلا زمن يمر، مزاحه                    جدّ، وجدّ المجرمين مزاح

قتل الأحبة للأحبة وارد                 فالموت في مدن العراق متاح

لقد أعدم الطغاة الشهيد صدام حسين صبيحة العيد، فجفت مياه الفرات ودجلة حين تكشفت الوجوه وزال اللثام عن اللئام:

صدام تشنقه اللئام صبيحة ال          أضحى، فيفتك بالزئير نباح

دفن الفرات وجفَّ دجلة عندما          هبط الغزاة وللقناع أزاحوا ـ

حرفك لا يدفن:

وكتب الشاعر ( هائل سعيد الصرمي ) قصيدة يرثي فيها الشاعر بعكر يقول في مطلعها:

بكتك المنابر والأعين                 وأفئدة الكون والموطن

لأنك روح لهذا الوجود                فمن لفراقك لا يحزن

ترجلت عن ظهره راشداً                وكنت بآفاقه تقطن

وغادرت صهوته بعدما            بذرت من الخير ما يمكن

فنون يراعك تطري المدى         فأنت بحب الهدى مدمن

نثرت الضياء بروض الحياة         لتزهو الأزاهر والسوسن

لقد بكت المنابر والمساجد على الراحل، وحزنت الأكوان والأوطان عليه، لأنه روح الوجود، بذر الخير في كل موطن نزل فيه، ونشر الضياء، ودعا إلى الفضيلة، فباهى الله به الملائكة:

يباهي بك الله أملاكه           لأنك بين الورى محسن

فأنت المؤرخ في عصرنا          وأنت به الشاعر المؤمن

وفضلك يمتد عبر الدهور       دفنت وحرفك لا يدفن

طواك الردى بعد مجدٍ سما      فحقك في الناس لا يُغبن

بحرفك فاض الهدى أبحُرا         وانهار عِلمِك لا تأسن

وجذوة قلبك لا تنطفي        وأنفاس فكراك لا تسكن

فما نبض الحرف يوماً لمال       ولا حركت فكرة لندن

وإن حاولوا ستر ضوء النهار    فمن بشموسك لا يؤمن

وكان زاهداً عفيفاً لا تغريه مطامع الدنيا: 

زهدت وكان الرضا حادياً        وقلبك بالملك لا يفتن

ستبقى وإن غيبتك المنون     لا تغنيك بين الورى ألحن

فما بلغ المجد ملك الذرى     ولا لهجت بالثنا الألسن                            

ولا حدثت عنكم الكاينات  ولا التفتت نحوك الأعين                            

إذا لم تكن قد بذلت النفيس   وأرخصت لله ما يثمن                                 

فلله درك أنت الحياه           وغيرك تطويهم الأزمن                               

تغمدك الله في الصالحين            برحمته إنه المحسن

إلى رحاب الله:

وقال الشاعر ( حسن عبد الله الشرفي) في قصيدة الرثاء تحت عنوان ( إلى رحاب الله)، ومطلعها:

إلى هنا، ثم مضى مسرعا           ما استأْذن الدنيا ولا ودعا

لأنه ماشاء ها مسلكا                إلا إلى حين لكي ينفعا 

إلى هنا، ثم أتاه الذي                  صيرنا من بعده أدمعا

يا حزن، يا حزن، وما قلتها     إلا ليدري صاحبي من دعى

من هاهنا مر حثيث السرى         لكنه قد قال لن يرجعا 

أهكذا ياسيدي فجأة               تتركها من حولنا بلقعا؟ 

الشوط قدامك لم يكتمل            لكنه، لكنه (الأربعا)

يوم بلون الفقر ساعاته       صارت لغير الضوء مستودعا

لو كنت أفقا لم أدع شمسه    حتى لبعض الوقت أن تطلعا

لقد مضى الشيخ إلى ربه مسرعاً ولم يلق كلمة الوداع الأخيرة، ورحل فجأة ولم يكمل الشوط، فصارت الأيام بعده مملة كالحة كلون الفقر:

أهكذا ياسيدي قبل أن       تسمع ما في النفس أو أسمعا؟

وأنت من أبصر أقمارها             بقلبه من قبل أن تلمعا

أطفأت عينيك مثل الضحى        أطلت من كل فن معا 

أحلت علماً بمعاني العُلى         فجئت منها شاعراً مبدعا

وجاءك التأريخ والفقه من         أقطاره يسعى وياما سعى

فأنت في الدنيا وفي الدين ما شاء الهدى، لا مثل من ضيعا

فظنها أقرب من أذنه           وما وعى إلا الذي ما وعى

أحبك العلم و أحببته              في كل ما أصل أو فرعا

لقد جمع الشيخ الراحل فنون العلوم، حيث كان شاعراً مبدعاً، ومؤرخاً عبقرياً، وفقيهاً متمكاً، شملت علومه الدين والدنيا، أفنى حياته كلها في طلب العلم ونشره:

يا وساع الشطئان ما قلت لي  كيف تعجلت النوى مسرعا

كأنك استسمجتها عيشة      صارت بقبح الحال مستنقعا

في زمن لو كان باباً لما          كان إلى غير الأسى مشرعا

في وطن كل عناوينه                  تمثل المخجل والموجعا

جحافل الفئران في سده         ما شبعت بطنا ولن تشبعا

ويسأل الناس لماذا غدا           لكل أسراب الدبى مرتعا؟

طال شتاء العقم ياسيدي         وقل أن ينصر أو يسمعا

أنظر إلى بغداد في نعشها     كانت خلاصات المنى أجمعا

وها هي اليوم كأن لم تكن        لكل أمجاد الورى مصنعا

أنظر إليها بين أشلاءها             والموت مازال بها مولعا

كرم الشيخ:

لقد كان الشيخ كريم اليد طيب القلب، وبرحيله مات الندى والسخاء:

يا صاحبي مُتَّ فمات الندى  والعطر في المرعى وفيمن رعى

نوارس الشطئان في مأتم           وحتى للشطئان أن تجزعا

مثل حمام "الجاح" ما فكرت   بعد غياب الحب أن تسجعا

كم طيب "يا حيس" ودعته           وداع نهر فارق المنبعا 

وجاء في نفسي الذي لم يعد       في نفسها حلواً ولا ممتعا

عناقيد بعكر :

وكتب الشاعر: محمد نعمان الحكيمي قصيدة تحت عنوان ( عناقيد بعكر) يقول فيها:

المُريدونَ من كوانينَ جــــــــــــــاؤوا        يُقرِئونَ الشجونَ إهلالَ (مَبْكَرْ)

كان وقعُ الشتاءِ فيهم فظيعاً        غير أنَّ انسيـــــــــــــــــــــــــــــابَهم ما تَخَثَّرْ

وَيْكَ (باهوتُ)..حين هاتفتَ قلبي     سَبَّح الوجدُ طائعاً..ثم كبَّرْ

جئتُ أحدو ارتعاشَ قلبٍ وهَدْب  فاعذُرِ الغِرَّ- سيدي - إنْ تعثَّرْ

زَمَّلَ الطالعُ البهيُّ التياعي              كنتُ بالبرد والدياجي مُدَثَّرْ

فَازْيَأنَتْ آفاق وجدي وروحي      وإذا بي ضوءاً من الوجد أخضرْ !

أنتَ في الشِّعرِعارضٌ من خيالٍ         فوق ما ظنَّ مبْدعٌ أو تصوَّرْ!

يستقي من حديثِكَ العذبِ قلبي     خَنْدَرِيْساً ، ومِنْ معانيكَ يَسْكَر

من سجاياك - حالَ قُربٍ وبُعدٍ        تحفظُ الودَ معشراً بعد معشرْ

طابِعُ الدمعِ في أ سارير بوحي            ليس إلا دُخَان قلبٍ تفجَّرْ

مُطْرِقٌ للبلاءِ ..عَمَّ البرايا            هل قضى اللهُ ذا الشقاء وقدَّر ْ!؟

ويشتكي هوان الأمة، ومسارعة الوصوليين وأصحاب الفكر المريض إلى بلاط الطواغيت وتمسيح الجوخ ولعق الأحذية:

ما عساني أقولُ يا رَوْحَ رُوحي          عن جبينٍ في نعل وغدٍ تَعَفَّرْ

ملءُ طُرْسِ الدجى أفاعٍ وغو              والحنايا بوافر الزيفِ تزخر

سخروا للوصول فكراً عقيماً               ولهذا ، فكُلّ وصلٍ تعذَّرْ

واستباحوا على مدى كل وهْجٍ            أيَّما ناظرٍ تسامى..وفكَّر

شيعوا الفجر ، رغم ما في الأقاصي من قلوبٍ بمهجةِ الضوءِ أجدر

بَلَّةً زاد "طِينَةَ" الشؤمِ قومٌ               افتدوا كأسهم بكأسٍ مُظَفَّر

وارتأوا- عن تعصبٍ لا يُجارَى        أن يشدوا للجهل مليار مئزرْ

بالغثاء العقيمِ يزهون جوراً        يا لزهو ٍ بالجهلِ..والجهلُ منْكَر !

كيف لا يستخف حلمٌ بِصَبٍّ    للغواني شجونَه ُالسُّمْرَ صَعَّر !؟

ويعجب لحال قومه الذين يرتعون في حالك الجهل والضلالة، أفعالهم أفعال البربر،

أي قومٍ هذا الذي لا أُسَمِّي         إنْ تَذكَّرْ أخطاءَهُ السودَ نَصَّرْ

لا يزالونَ في خضم الدياجي        يرشقونَ المُنى بخُوذاتِ عسكر

ترتجيهمْ ..فإنْ قربتَ قليلاً         خِلْتَ أفعـــــــــــــــــــــــالهم أفاعيل بربر

فلتدعهم.. على هواهم يهيموا       سَرْحَة الجِنْ..يجزعوا معوَرْوَرْ

أي ذوق قد ترتجي في بلادٍ         كافأتْ بالصَّوى عناقيد َبعكر

ليس يغني عن جوعه ما سيلقى        في زوايا كنيسةٍ بطنُ عِكْبَر

"خِيْرَةَ اللهِ" ..نبْتَلَى بقلوبٍ          تنبذُ الأنسَ والنسيمَ المعطر !؟

والمواجيد في القلوب الحيارى         ما لها في حقيقة الأمر جوهر !

ويتهم كبراء العرب بأنهم باعوا كرامة الأمة بثمن بخس، وقبضوا الأثمان، وتعانوا مع الطغيان:

باع أقطابُنا الكِرامُ مُنانا               يشهد الليلُ: كان بيعا ًمُدَبَّر

ما لديهم من أنجمٍ فارعاتٍ      كلها من "سُهَيلَ" أدنى .. وأقصر !

كل أرباب جهلهم وعداهم      في يد( القطُبِ )لا يساوون بَنْصَر !

ليس في جعبة الذي ليس يُرْجَى          غير صعرورةٍ ووجهٍ مكرر !

شاقتِ النفسُ للقِرَى والتماهي         في مدارٍ مغايرٍ..ليس أكثر !

لا أظن الوجودَ أدرى بوجدي           وحده الغيمُ بالمواجيدِ أَخْبَرْ

شعر عبد الرحمن طيب بعكر الحضرمي: دراسة موضوعية:

صدر للشاعر عدة دواوين شعرية، منها:

1-أجراس :

ديوان شعري يضم قصائد تثويرية، وقصائد مناسباتية مختلفة من الشعر الإسلامي العمودي، وقد صدرت الطبعة الأولى منه عن دار البشير 1985.

2-سجادة الخضر : ( ديوان ) يضم أشعاراً في الطبيعة .

كما يبدو من العنوان " سجادة الخضر" هو ديوان صوفى كتبه صاحبه وفرش سجادته إلى جانب الحلاج وابن عربى وابن الفارض وغيرهم. ويضم الديوان واحد وأربعين قصيدة .

والديوان كله عبارة عن بساط سندسي أخضر فرشه نيسان-شهر الخصب والنماء- من حوله وفرشه خياله الجامح فى شاعريته فأنبت دوحة شعرية ذات واحد وأربعين فرعاً ولكل فرع منها حظه من الثمار ومن الزهور .

وقد هرب الشاعر من المدينة إلى الريف مربع الأحلام ومرتع الطفولة ليغسل عن شاعريته هرع الشوارع، وضجيج الأسواق ،وليشاهد على مدى أكثر من أربعين نصاً شعرياً قصة تلاقى قطرة المطر الطاهرة بأديم الآرض المعطاء...إنها قصة الحياة كلها

والطبيعة لدى بعكر ليست تلك المظاهر البيولوجية المبثوثة فى عالم الله الواسع ولكنها نشوة روحية تتشكل فى وجدانه بصورة فريدة متنوعة تنوع الفصول والمواسم يرسمها بمفردات قد تتكرر فى القصيدة الواحدة، ولكن تكرارها يأتى بصورة مختلفة، مما يعطيها نوعاً من الجدة الآدبية وهذه المفردات هى "المطر-العشب-البرق-الأرض-السحاب-الحقل-الرعد...إلخ"

وقد استطاع الشاعر الوصول إلى سياق مبتكر بديع تضمحل فيه الحدود التقليدية التى تفصل بين الأغراض الشعرية. فهو يصف الطبيعة ويتغزل بها فى نفس الوقت حتى لتتماهى لديه صورة الطبيعة الجميلة بصورة المرأة الحسناء وتتداخل الصورتان فى إطار واحد مكونة لوحة فريدة لمعشوقة أسطورية أشبه بعروس البحر .

قصائد الديوان:

قصيدة الفجر

قصيدة سجادة الخضر

قصيدة يا رحمة الله

قصيدة لوحة

قصيدةالرعد

قصيدة الضفدعة

قصيدة السيل والليل والجيل العاشق للأرض

قصيدة أقمار البرتقال

قصيدة القطن

قصيدة الفل

قصيدة عدت يا فل

قصيدة نخيل السحاري

قصيدة مروحة تموز

قصيدة الطائر الزائر

قصيدة ما اعتذارى لعصافيرى

قصيدة النحل القتيل

قصيدة أقوى من المحن فى استقبال وفود الفلاحين العرب

قصيدة الأرض

قصيدة كلمات لأبى على الأزيب

قصيدة تعز فى صيف 1971م

قصيدة وادي بنا

قصيدة تهنئة هامسة للهضبات الوسطى

قصيدة من باقات الصيف

قصيدة الصيف والزهور

قصيدة شمس كانون ثان

قصيدة المحاجن المحبشية

قصيدة حرية

قصيدة إلى غازى القصيبى

قصيدة حريقة الخليج

قصيدة قيامة صدام

قصيدة عين شمس يا كل النجوم

قصيدة وبعد...أفتأسى يا صيف ألا ترانى؟

قصيدة وأما بنعمة ربك فحدث

-قصيدة إلى مطوق نخيل السحارى - عجل الله خلاصه

قصيدة من خطاب المطوق""

قصيدة من خطاب المطوق ""

قصيدة من خطاب المطوق""

قصيدة من خطاب المطوق""

قصيدة من خطاب المطوق""

قصيدة من خطاب المطوق ""

قصيدة تهامة والخريف

3- أمزان نيسان ، ديوان شعر . 

4-ألا يا صبا نجد .ديوان شعر .

شعر الحداثة:

قال الأديب والمفكّر اليمني عبد الرحمن طيّب بعكر الحضرمي-  يرحمه الله - ناقداً شعر الحداثة على حساب القصيدة العمودية :

(إن إلغاء القصيدة العمودية يمثل إرضاء لنزق مجموعة من العاجزين الذين قد يجدون في ملكوت النثر محضناً كريماً وأفقاً عالياً، ولا يكلّفون أنفسهم بالتجني على ذوقيات الأمة وهدم مجدها الشعري .(

تسبيحة شكر :

بحمد الله أكملتُ حفظ القرآن الكريم بعد جهد ثلاث سنوات .

كتابكَ حين تُطعمني ثمــــــــاره      وتُذكي في دجى قلبي مناره

يُعيد ولادتي خلقاً جــــــــديداً       ويمنـــــــــــح عمري الغافي نهاره

بأيّ سمـــــــــــــــــــــــائه أرتاد أفقــــــــاً       من الإشراق دفّاق الطهاره

وأي كنوزه وبكل حــــــــــــــــرفٍ        سموٌّ أو وعيدٌ أو بشــــــــــــــــاره

ترى الأزلَ القديمَ به سديماً        وأمر الكون ينتظر الإشارة

لقد صوّرت سورة التكوير مشاهد القيامة أبرع تصوير ، فكانت صورة أخّاذة تخشع لها القلوب :

وفي التكوير لوحةُ ذي جلالٍ تُريك الكونَ إذ يلقى احتضاره

وما قبل الحياة وما وراها           وما فيها فخاراً أو حقاره

حواه الذكرُ في إعجاز معنى        وأسلوب وفي أوفى عباره

هو الشمس المضيئة للمعاني            وأسرارُ المجرّة والمحاره

إن القرآن هو معجزة البيان الإلهي، وهو كتاب جميع العصور، دعا إلى المساواة:

تعالى أن يكون كتابَ جيلٍ      وعصرٍ أو يكونَ كتابَ قاره

ولم يحفل بعرقٍ أو بلون             ولم يُعنى بقومٍ أو حضاره

ولكن كان كوناً في كتابٍ         جلا أسراره وحوى مساره

رماني الطيشُ عنه في متيه             بهيميٍّ النوازع والإثارة

أرقتُ به الشبيبةَ في مَواتٍ      وعدتُ تئود كاهلي الخساره

وكانت ومضةً من ذي جلالٍ تولّتْ جذبَ من أقصى مَزاره

وتمّ بعون رحمـــــــــــــــــــــــن رحيمٍ        بلوغُ النبع فضلاً لا جداره

ويحمد الله الذي أجرى الماء الزلال من قلب الصخور، ويرجوه أن يخفف عذابه ومعاناته، وأن يرحم ضعفه:

فحمداً للذي أولى وأعطى  وأجرى العذبَ في صُمّ الحجاره

وتمجيداً لوجهك يا قديراً          مجالي الكون تعلنُ إقتداره

فيا من لا سواه يرى عذابي           من الرّان المثبّط والمراره

ويا من لا سواه يفكُّ ما بي        وقد عانيتُ أعواماً إساره

ويا نورَ الوجود وكلّ نورٍ        فعنك ومنك يلتمسُ الإناره

إليك رجاء قلبٍ أثقلته              عثارٌ أن تُقيلَ له عثاره

دعوتكَ يا عفوُّ فجدْ بعفوٍ         وتوفيقٍ وجّددْ لي الزياره

أما فطن القطيع:

لقد فرّ شاعرنا من شقاء الدنيا، وقد أثخنت قلبه الجراح، فوجد كفّ الله تمسح على تلك الجراح ، فتلتئم وتشعر نفسه بالرضا والسعادة:

نشيدك أيها الزجلُ الصدوحُ       وغيثك أيها الغَدقُ السَّموحُ

ففي ترجيعكَ المِرنان رَوحٌ            وفي تسكابك المِدرار رُوحُ

إليك فررتُ من دنيا شقاء          وقد نزفتْ بأضلعي الجروحُ

وفيك وجدتُ كفَّ الله تأسو           فتلتئم المواجعُ والقُروحُ

فعاودني الرضا من بعد ضيقٍ          بدنيا شاقني عنها النّزوحُ

رضيتُ خصاصةً منها وخصاً          تزمجرُ أو تُدندنُ فيه ريحُ

ويغادر الشاعر مسجده الذي تتجلى فيه رحمة الله، فيغدو في البحث عن الرزق وهو نقي الفؤاد، طاهر القلب، ويحذر على ذلك الفكر الإسلامي المنير من مطاردة قوى الظلام له ومحاصرته، فيقول:

أغادرُ بابَ ذي الملكوتِ فجراً       وفي رحبـــــــــــــــاتِ رحمته أروحُ

نقيّ القلبِ لا يُقذيه ذنبٌ           ولا يؤذي غضـــــــــــارته فحيحُ

على ألا أرى فكراً منيراً            يطارده الدجى العاتي القبيحُ

وقطعاناً على أرزاء جيلٍ            مضتْ والدرب مُربدٌّ يصيحُ

قناديلٌ من الشهداء حفّتْ           حنايا الدرب هاديةً تلوحُ

فما بالُ القطيع ورا ذئابٍ        أما فطِن القطيعُ من النصوحُ ؟

ويعجب الشاعر من ضلال القطيع بالرغم من قناديل الشهداء التي تنير دروب الأجيال، ويحس الشاعر بالألم من تلك القطعان الضالة التي راحت تلهث وراء الذئاب البشرية، وتتنكب الطريق المستقيم.

عندما يصبح الفكر استشهاداً :

يتحسر الشاعر المسلم عبد الرحمن طيب بعكر على الوطن الإسلامي المخدر بالوعود، ويبكي مجد العرب الذاهب الذي كان فضيلة تنشر عطرها في الكون، وأصبحوا بعد ترك قيم هذا الدين ركاماً من العفن، وبعد أن كانوا سادة الأمم وقادة الفتح أصبحوا خنافس تهرب من طيران اليهود، وصاروا أذيالاً للشرق والغرب:

أغامر بالكتابة عن وجودي           عن الوطن المخدّر بالوعودِ

عن العُرب الألى بالدين كانوا          وجوداً للفضيلة في الوجودِ

فعادوا بعد أن طرحوه أرضاً             رُكاماً من عُفونات العهودِ

وبعدَ الفتح للدنيا تواروا             خنافسَ تحت (ميراج) اليهودِ

وأذيالاً لشرقٍ أو لغربٍ                      تذمرنا بأخلاق العبيدِ

وأعلمُ أنها ستظلُّ رَدحاً        بكهف الصمت في قفصٍ حديدي

لأن القومَ حُكاماً وشعباً                عباقرة ُ الحواجز والسُّدودِ

ولكني سأتركها خطاباً                 لإبنيَ حينَ يأتي أو حفيدي

ليعلمَ أننا والحقُّ مُرٌّ                   نُجيدُ السبحَ في بحر القصيد

يا صيف لن تراني:

كتب الشاعر قصيدة تحت عنوان ( ياصيف لن تراني) يقول فيها:

.أترى الصيف عارفاً كيفَ ألقاه .... بشوقِ الساعاتِ توقِ الثواني

أفيدري آذار كم أتمنّــاه ....            ويدري نيسانُ كم أضواني

رعدُهُ كالحنينِ في مهجةِ الصبّ      .... وإيماضُهُ كلمعِ الأماني

يتشظّى يهزُّ أجزاءَ ذرّاتي ....             وينداحُ عنْبراً في كِياني

مُطْفئاً جمرةَ العناءِ بقلبي ....          واحْتراقاتِ واقعي ودُخاني

عابراَ بي خمائلاً عارشاتٍ ....          عابقاتٍ بالروحِ والريحانِ

عندها كم أحسُّ أنّي وليدٌ ....     من جديدٍ على يدَي نيسانِ

وهذا الربيع الذي يغمر الأرض بالخضرة والزهر الجميل إنما هو صدى الربيع الذي في القلب، وهو خضرة الوجدان، وملهم الشعراء، وعطر الوجود، إنه فيض الفن، ونبع الخصب، وعنفوان الشباب :

إيه نيسانُ... يا نضارةَ عمري ... واخضرارَ الجديبِ من وجداني

إيه نيسانُ... ياتنفّسَ شعري ....    وارتفاعي على لظى أحْزاني

ماالذي من شذاكَ ينسابُ في النفسِ   انسيابَ الغذاءِ في الأبدانِ

ماالذي منكَ في الليالي الوضيئاتِ ...     يحيلُ المساءَ بحرَ افتتانِ

أنتَ فيضُ الفنِّ الذي علّم الطير ....     فيشدو عرائسَ الألحانِ

أنتَ نبعُ الخصبِ الذي طرّز البيدَ ....   أفاويفَ عبقري حسانِ

كلّما عدتَ عادَ لي من شبابي ....       عائدُ العنفوانِ والريعانِ

أنا آسى ألا أراك ضحوكا ....    أفتأسى ياصيف أنْ لنْ تراني ؟

ومن شعره؛ قوله :

في سياجٍ يلُّفنا وصدى الصـــــو 

ت وبحر الأشذاء والألحـــــــانِ

وانسيابُ القلبين خلف قرينيـــــ 

ـن يُجيدان خمرةَ الافتتـــــــانِ

وتركنا على التباعد مظفــــــو 

رين انظفار الأشواق والأشجـــــانِ

ليكادُ الجسمان يلتصقـــــــان 

ويكاد الرُّوحان يمتزجــــــــانِ

نعمت بي وأنعمتني كأنـــــــا 

من نسيج الأثير مخلوقـــــــانِ

غيَّرت في فمي مذاق الحســــان 

وأعادتْ صياغة الوجـــــــدانِ

لونُها والشميمُ فُلَّةُ نيســـــــا 

ن وفي الذوق أصفهاني الأغانـــي

كيف جاءت؟ مع الكرى استوطنت قلـ 

ـبي وباللُّطف والذكاء اليمانـــي

وقوله من قصيدة أخرى بعنوان: (الحناء):

ولشمسي كلّ يوم منزلــــهْ 

وهي اليوم ببرج السُّنبلــــــهْ

غمستْ قضَّتها في ذهــــبٍ 

فكسى الفلَّة ثوبَ البصلــــــهْ

قلتُ: ما هذا؟ ففكَّت درعهـــا 

دوَّختني بالأفاعي الخَضِلـــــه

بردقوشٌ، هينماتٌ، شرشفــي 

قبوة الكاذي فصارتْ بسملــــه

من تُرى يرفعُ عنه سُحبًـــا 

كلَّلتها بالطيوب الثَّمِلــــــه؟

إيه حنّاها أريجٌ زعــــزعٌ 

منك هزَّت ثكناتي المقفلــــه

أنا في عاصفةٍ من عرفهــا 

نورس لفَّته ريحٌ مُرسلــــه

للشذى أشرعةٌ إن جمحــتْ 

تسحبُ المرسى وتُلغي البوصله

وأما بنعمة ربك فحدث:

الرجل الذي ترك مؤلفات تربو على الخمسين مؤلفاً والذي جعل اسمه يسبق بالشاعر والناقد والمحقق والكاتب والمفكر..لم يكن رجلاً عادياً بل كان رجلاً عظيماً بكل ماتعنيه العظمة من معنى فعلى الرغم من كل تلك الحواجز والقيود التي كانت تكبل تحركاته وتعيق طموحاته والتي كانت تتمثل في إصابته وهو في ريعان شبابه بالعمى وظروفه الاجتماعية القاسية «سكنه في مدينة حيس النائية وظروفه المعيشية الصعبة..والقيد المقيت الذي فرضه عليه زبانية الإعلام والثقافة بعزلة وأقصاه عن كل مؤسساتهم الثقافية والإعلامية.. 

«مساحة الضوء لهم وحدهم...وليخرس الأبدع والأجود«2»

إلا أن كل ذلك ماكان ليقف في طريق قيثارة الحياة فعلى مدى ثلاثين عاماً ماسمعته شكا أو تذمر «فقده بصره، بل اعتبر ذلك الابتلاء فضلاً كبيراً ونعمة عظيمة وكان يرفض كل العروض التي عرضت عليه من بعض أصدقائه لعلاجه خارج اليمن.

«أوما أمسيت في ظلمائها

قمراً ترشف الأقمار حسنه

خالق الأكوان ألقاك على

فوهة البركان نفساً مطمئنه

إن من ألقاك في أعماقها

كم تولاك بإلطاف ومنه» «3»

قنع من الحياة بالفتات وكم من الليالى والأيام بات طاوياً..واتخذ لنفسه مبادئ صارمة ماحاد عنها ولامال تمثلت هذه المبادئ في معرفته لنفسه وكثيراً ماكان يردد هذا البيت للطفرائي..

فمالي بنفسي عرفاني بقيمتها 

فصنتها عن فسيلة در مبتذل

لكن هذا لايهمني أنه كان مغروراً أو نرجسياً إنما كان لايغمط نفسه حقاً عرف حجم كل تلك البراهين والأوزاغ وعرف قدر نفسه فاعطاها حقها ومابخسها شيئاً

فدع الأوزاع لاتحفل به

وأصبو للعلياء في أرفع قنه

بين ألحانك زرياب فهب

للمدى قيثار زرياب ومزنه «4»

ثاني تلك المبادئ: التفرغ للعلم فمابقي من العمر لايضيع في مقايل وثرثرات وخصومات

«إن غبن العمر أن تهدره

في إشاعات وثارات وإحنه» «5»

وثالث تلك المبادئ نمي موهبتك ووسع اهتماماتك فالمرء حيث يضع نفسه والموفق العارف هو الذي لايرضى بالدون وتنامى بمواهبه وقدراته إلى الأفق «6».

«2»

قرن هجري جديد «عام هجري حزين»

والعالم الإسلامي يستقبل القرن الرابع عشر الهجري أقامت B.B.C أو مان يسمى بهيئة الإذاعة البريطانية مسابقة شعرية بهذه المناسبة ومن بين عشرات الالاف من القصائد فازت مشاركة «قيثارة الحياة» بالمرتبة الأولى:

الدجى وصنع ودار الأرقم

وابتهالات الرسول الأعظم «7»

ولقد كان لهذا التكريم الموفق أثره الطيب في نفسيته..الأمر الذي شجعه على مواصلة الشذو..وفي ذات مناسبة والعالم الإسلامي يحتفل بالعام الهجري الجديد «1428هـ» كان يرحمه الله مشغولاً باستقبال عالم آخر ويستعد لتكريم مختلف تكريم طالما رجا الله عزوجل وتوسل إليه بأن يكون من أهله.

«3»

الأزيب الذي لايرحم وأبو علي الأزيب:

أول مانشرت له من مشاركات أدبية كانت قصيدة بعنوان «إلى الأزيب الذي لايرحم» في مجلة الحكمة اليمانية آواخر الستينات «قبل إصابته بفقد للبصر والأزيب الذي قصده هو تلك القوى الغاشية التي وقفت في طريقه وعرقلت جهوده في إنشاء ناد ثقافي بمديرية حيس:

ماذا تريد من الفراس النامي

تهوى بهامته إلى الأقدام

اهذرت زرعاً كان أبسط حقه

حق البقاء كعوسج وثمام «8»

واسجل هنا ملاحظتين هامتين الأولى: إنه باستثناء القصيدة السابقة فإن كل كتابات المرحلة الضبابية «وقد أطلق هذا الاسم على الفترة التي عاشها قبل إصابته بفقد البصر» قد أحرقها بنفسه ولم يكن يتحرج يرحمه الله منها ولهذا سمحت لنفسي هنا بالحديث عنها..الملاحظة الثانية: الأزيب هي ريح موسمية تهب من الجنوب الغربي تقتلع ماتستطيع عليه ولكنها مع ذلك رياح يتفاءل بها المزارعون فهي تعني لهم بداية موسم خير حافل بالعطاء..وسوف تطالع في ديوان سجادة الخضر قصيدة تحكي هذا الجانب «إلى أبي علي الأزيب» وهو اسم الأزيب السابق..يقول في مطلعها

ليخفقك يااخا تشرين رس

له في نفس ذي الأشجان نفس «9»

وواضع للمتأمل لاتضاد بين القصيدتين فهناك تحدث عن جبروت الأزيب وهنا عن نفه.

«4»

أنها الأشياء الصغيرة

«وشاي يقدمه أنور

هو العطر والمسك والعنبر

وسل عبد قادرنا إنه

يناديه من مصره الأزهر

ومثل علي الفتي اللالمعي

وياليته عندنا يحضر»

حكاية الأبيات السابقة ترجع إلى تلك المرحلة الجميلة من عمري أيام الطفولة..والصفاء! فبعد أن فرغنا من تناول طعام غداء ذهبت في حاجة لي واحضر أنور «10» الشاي فقال على البداهة البيت الأول فقال عبدالقادر «11» وأنا فقال ايضاً على البداهة البيت الثاني فقالا له وعلي «3» فقال البيت الثالث وعلى بساطة الأبيات إلا أنَّا نستشف منها أريحيته وبساطته مع تلامذه وأولاده وسرعة بداهته ومثل هذا كثير في حياته كأتي إليه ابن اخته حاملة ابنها منصور فيقول على الفور

«قمر في يد القمر

جاء كالطل كالزهر

قلت مالاسم قيل لي هو منصور بن علي» وصديق رزق مولود اسماه سيبويه يرسل إليه يخبره فيجيبه على الفور

مبارك رائحة التفاح

وبهجة الصباح والمساء

«سيبويه باللغة الفارسية»

ومن الأشياء الصغيرة في حياته أنه كان يحب سماع أم كلثوم إلا أنه في الفترة الأخيرة عدل عن ذلك بحجة تفاؤله بها فكان يقول لنا «إنني بعد سماع أم كلثوم أتوقع أحداثاً مزعجة».

كان يتفق مع سقراط في مقولته «تكلم حتى أراك» ليست تلك الرؤية البصرية بل تلك الرؤية العقلية وكان يصدر أحكاماً غالباً ماكانت موفقة على شخص من أول لقاء.. ومن الأشياء الصغيرة التي نحب أن نشير إليها هنا أنه كان لاينام الليل إلا قليلاً ومعظم نومه كان بعد تناوله طعام الصبوح في السابعة صباحاً وحتى وقت أذان صلاة الظهر.

وكان يفرح كثيراً برؤياه المنامية وكثيراً ماكان يلتقي أحباءه وأصدقاءه الروحانيين وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة.

وعندما كان يسجل أفكاره وقصائده كان يسجلها على باطن أصابعه ثم عند الأملاء يبدأ بإفراغ حمولتها واحدة بعد أخرى تماماً مثلما تتفتح أزهار البرقوق«13».

«5»

صديق المتنبي صديق الحقيقة:

المتنبي شاعره العظيم والذي لاتفتر لسانه عن ترديد أبياته في كل موقف ومناسبة حتى لتخاله حافظاً لديوانه ـ وعلى ذكر ديوان المتنبي ـ فلقد كان أول ديوان اقتناه ـ ولقد رفض استبدال تلك النسخة المهترئة بنسخة أخرى جديدة أهديت له وأهداها بدوره إلى أحد تلاميذه.

من حبه لهذا الشاعر أدرج اسمه ضمن موسوعته التأريخية «كواكب يمنية في سماء الإسلام».

على الرغم من عدم وجود مايبرر ذلك سوى نسب جعفي بعيد»

هذه الصداقة والمحبة لهذا الشاعر لم تكن لتجعله يبرر له غروره ونرجسيته وتصرفاته الحمقاء «كان المتنبي طامعاً في الحكم وعجز أن يحسن معاشرته لزملائه في بلاط سيف الدولة وحالة نرجسيته المهووسة بذات عن حسن تخاطبه مع غيره قال عن العبدالصالح كافور شر ماقاله ضيف عن مضيفه.. لاشيء أقبح من فحل له ذكر

تقوده أمه ليست لها رحم

ولا يخجل بعد ذلك أن يخاطبه:

أبا المسك هل في الكأس فضل لنا له

فإني أغني منذ حين وتشرب

معرضاً بطلبه إمارة وأغلب الظن أنه لو أعطي مقاطعة صغيرة في الصعيد لما أحسن إداراتها «14» ماأردت أن أقوله هنا إن تلك القيثارة ماشذت إلابالحق ماتزلفت ولاتملقت في شذوه أعطت كل ذي حق حقه حتى عند حديثها عن الأعلام السياسية «الرئيس صالح والشيخ الأحمر والعميد علي محسن» وهو الأمر الذي عابها الكثيرون عليه من محب وحاقد ماشططت وماجاوزت الحق ماقصدت إلا توثيق مرحلة تأريخية «15» وسد ثغرة نقص في المكتبة اليمنية «16» وإعطاء كل ذي حقه «17».

«6»

ألبستك الغيوم ياصنعاء سندساً أخضر

من المدن التي كان لها الأثر الكبير في حياته حيس مسقط رأسه وزبيد وتعز و..و.. ولكن تبقى صنعاء معشوقته الأولى من بين المدائن عرفها وهو لايزال غضاً طرياً في حوالي الرابعة عشره من عمره وقد حدثنا عن مرحلته تلك بشيء من التفصيل في كتاب شاعر التوحيد والعدل والجمال من صـ 182 ـ 188 ومماقال عن تلك الرحلة ولو كنت امتلك بلاغه الريحاني لقلت عنها ماقاله عنها في مثل ذلك «18».

وبعد هذه الرحلة والتي أعقبتها رحلات وكانت آخرها تلك التي شرفت برفقته والتي زار فيها كل من الشيخ الأحمر والعميد علي محسن الأحمر..وغيرهم مافترحبه لها بل زاد وكبر وأحب الإشارة هنا إلى أنه في أول زيارة له لصنعاء بعد إصابته بفقد البصر كتب عن تلك الزيارة قصيدة جميلة عن صنعاء ومحمديها الأربعة الإمام محمد بن علي الشوكاني والإمام محمد إسماعيل الأمير ومحمد محمود الزبيري ومحمد بن إبراهيم الوزير وقد نشرت هذه القصيدة في ديوان أجراس ومنها

إليك قطعت شاسعها المجيد

وجاوزت المفاوز والنجودا

إلى أن أبرزت صنعاء جبيناً

وأبدت كانبثاق الفجر جيداً

«7»

في ركاب الصوفية:

عند تقديمه لديوان سجادة الخضر أعتقد الدكتور الشميري «20» أن صديقه بعكر قد انضم بديوانه هذا إلى ركب الشعر التصوفي وأنه قد فرش سجادته إلى جانب الحلاج وابن عربي وتفاجأ عندما وجد هذا الديوان ماهو إلا بساط سندسي أخضر.. فهل كان يرحمه الله صوفياً؟

المتأمل في بيئة الفقيد الاجتماعية سكنه في مدينة حيس تلك المدينة التي تسكنها الصوفية وكانت كما يظهر من كثرة التكايا الصوفية الموجودة فيها وأسماء بعض مساجدها مسجد ابن علي الدقاق ومسجد أبو علي الدقاق ومسجد البحيلاني ومسجد الشيخ أبو الحيا ومسجد ا لخامري والهتاري و... لن يستغرب مثل هذا الوصف لكنه ما إن يستعرض قراءة كتبه الأخيرة «جمرات نثرية، رمضان والقرآن» مناقب آل ابن الحيا، في ركاب ابن علوان..» حتى يتأكد له صحة هذا الوصف.

ويزداد يقيناً كلما سبر أغوار تلك الكتب فهنا يدافع عن الحلاج ينبري للدفاع عنه « ولقد تشدد عليه الإمام الشوكاني في أول شبابه ثم عاد يحسن الاعتذار والتوقف عن القول فيه..» «21» وهنا يحس وهو يتحدث عن تجربة الإمام أبي حامد وكأنه يتحدث عن تجربته الروحية «22» جلال الدين الرومي والحديث عن مثنويه وأقواله عنه تفوق كل ماقاله مالك عن الخمر «23» أما عند حديثه عن قطب الصوفية في اليمن ابن علوان والذي وجده من المدلجين الذين بلغوا المنزل وذاقوا ماهنالك ذوق يقين وليس بالشطح والتخمين «24» وعن نصوصه يصفها بأنها نور على نور ومن نور «25» وأفرد له مؤلفاً خاصاً به تناول حياته وكتبه بشيء من التفصيل ونحب أن ننوه هنا إلى أن الصوفية التي اعتنقها وسار في ركبها ليست تلك الشركيات والشكليات وللطلممات والخزعبلات..الصوفية التي نقصدها هي تلك الصوفية الإصلاحية التي أصحابها مربون للمجتمع داسن عنه..وهو مانستشفه من تقديمه لنونية ابن علوان الشهيرة والتي خاطب بها الإمام المنصور بن عمر بن رسول:

هذي تهامة لا دينار عندهم

ولجح أبين بل صنعاء بل عدن

عار عليك عمارات تشيدها

وللرعية دور كلها دمن «26»

«8»

أفتأسي ياصيف ألا تراني؟

قبل اختتام هذه الشذرات لابد لنا من أن نستمع من قيتارة الحياة إلى سيمفونيته المفضلة ونغمها الأصيل الصيف ومفرداته الأرض الرعد المطر السحاب الفل هذا النغم الذي يكاد أن يكون كل دواوينه الشعرية الثلاثة «27» وسوف نكتفي هنا بمقطوعتين الأولى عن الرعد وأثره الساحر في نفسه لآراه بين أحبابه وأصحابه ما أن يسمع صوت الرعد حتى يطلب الاختلاء بنفسه وقد يكون في أوج غضبه ما أن يسمع صوت الرعد حتى يهبط مؤشر غضبه إلى الصفر وترتاح أعصابه..

اعطيت انمل هذا الرعد أعصابي

يريحها من عذاباتي وأوصابي

ينساب دندنه تنداح ممرعة

ترش جدبي وتحيى ميت أعصابي «28»

أما المقطع الثاني المختار من هذه السيمفونية الخالدة فإن الفضل في اختياره يعود للأستاذ عبدالغني المقرمي فهو أول من لفت الأنظار إليه «29»

أترى الصيف عارفاً كيف القاه

بشوق الساعات توقع الثواني

ايه نيسان يانضارة عمري

واخضرار الجديب من وجداني

أيه نيسان ياتنفس شعري

وارتفاعي على لظى أحزاني

ماالذي من شذاك نيساب في النفس

انسياب الغداء في الأبدان

أنا آسى أن لا أراك ضحوكاً

أفتاسى ياصيف الأتراني «30»

إنه ليأس ونأسى جميعاً معه يرحمك الله ياوالدي الغالي ومعلمي الأول ويسكنك فسيح جناته ويجعل مانقلك إليه خيراً مهما كنت فيه أنه سميع مجيب.

مراجع البحث:

1-المفكر والأديب عبد الرحمن بعكر.. سيرة بلون الضوء وطعم الإبداع – مقالة الأستاذ/ عبدالغني المقرمي – منشور على موقع الصحوة نت تعيش مفردات حياته المفعمة بالعطاء .

2-الرحمن طيب بعكر الحضرمي: السيرة والموقف – إعداد تيسير محمد السامعي.

3-محاصرة لدكتور عبد الحميد الحسامى أستاذ النقد والآداب المساعد بكلية التربية جامعه إب ألقاها في منتدى تنمية الثقافة في مدينة تعز .

4- عبد الرحمن طيب بعكر: البصير في الزمن الأعمى – عبد الله كزيح .

5-شذرات من كتابات قيثارة الحياة عبدالرحمن طيب بعكر- علي بعكر أحمد عزي.

1ـ مقطع من قصيدة للشاعر الهندي «أسد الله غالب» من ديوانه المسمى ديوان غالب.

2ـ عن قصيدة بعثها الفقيد إلى أحمد عبدالغفور العطار رئيس تحرير جريدة عكاظ.

3ـ من قصيدة بعنوان وأما بنعمة ربك فحدث ديوان سجاده الخضر- ص77.

4ـ نفس المصدر.

5ـ نفس المصدر.

6ـ جمرات نثرية ص15.

7ـ ديوان أجراس.

8 ـ مجلة الحكمة اليمانية العدد.

9ـ سجادة الخضر ص46.

10ـ ابنه الأكبر وبه يكني.

11ـ اخو الشاعر وصاحب ديوان مرآة قلب.

12ـ كاتب هذه الأسطر وابن اخته.

13ـ الأشياء الصغيرة كثيرة في حياته ويصعب استقصاؤها وقد أفردنا لها بحثاً خاصاً سيرى النور قريباً.

14ـ النسر السبئي ص142 وانظر ترجمة المتنبي في كواكب يمنية.

15ـ النسر السبئي.

16ـ الرجل الذي أحبه الهرم والحرم.

17ـ مصلح بين الناس.

18ـ شاعر العدل والتوحيد والجمال -عبدالرحمن الآنسي : ص188.

19ـ ديوان أجراس.

20ـ د/عبدالولي الشميري صاحب موسوعة أعلام اليمن كانت ومازالت اياديه البيضاء على الفقيد وأسرته وله الفضل بعد الله سبحانه في طبع معظم كتبه.

21ـ جمرات نثريه.

22، 23ـ نفس المصدر.

24 ، 25 ـ في ركاب ابن علوان.

26ـ نفس المصدر.

27ـ وهي على التوالي أجراس مطبوع، سجادة الخضر مطبوع، أنفاس تحت الطبع.

«28» سجادة الخضر: ص23.

29ـ وذلك بنشر هذه القصيدة في الصفحة الأدبية بجريدة الصحوة العدد.

30ـ سجادة الخضر:  ص74.