أدونيس.. ليس سوى الخميني! وعودة الحجيج اللبناني إلى دمشق

راشد عيسى

clip_image001_baf1f.jpg 

من أبرز ما قال أدونيس في مقابلته لبرنامج «حكايتي» مع المذيعة اللبنانية رابعة الزيات: «كنت أتمنى أن أرى كتابات لرجال دين أضعها على الطاولة مع كبار كتاب الغرب عن الدين». وأضاف «ليس هناك مفكر مسلم واحد. لا أجد في المليار ونصف مليار مسلم مفكراً واحداً».

إنْ خطرَ للمرء أن يتفق مع هذه النظرة، مفسّراً إياها بتطلّب استثنائي ومواصفات خارقة لمعنى المفكر، فسيصطدم على الفور بكلامه التالي حول نوعية المفكر، الذي يريده الشاعر السوري، حين قال إن الخميني «عمل ثورة داخل الفقه الشيعي. فولاية الفقيه شيء جديد كلياً، وعلى مستوى ثوري».

بحسب أدونيس فإن الخميني فعل ذلك «بسؤال واحد: ماذا نفعل إلى أن يأتي المهدي المنتظر؟ وأجاب: ولاية الفقيه».

يضيف أدونيس: «أنا لا أنتقد، ولا أمجّد، لكن لو لم يفعل الإمام الخميني ذلك لما كان هناك دولة مثل اليوم».

وبالطبع يمكن لأي مواطن عربي، ومسلم، أن ينظر حوله ليجد ما حال «دولة الفقيه»، يكفي النظر إلى ملف حقوق الإنسان الرهيب، الصحافة، السينما (نجاة بعض الأفلام يؤكد أن سمعة السينما الإيرانية تنهض على عدد قليل جداً من الأفلام)، أحوال العيش، الحروب التي تديرها «دولة» الخميني في العراق وسوريا واليمن وسواها.

هل هذا هو نموذج المفكر، الذي يرنو إليه أدونيس في أمة المليار ونصف مسلم!

أسئلة إيحائية

لا يمكن لأحد أن يغبط أدونيس على مقابلته مع رابعة الزيات، فكمّ الجهل محزن، وكان في الإمكان ستره بجهد وتحضير استثنائي، لكن المذيعة تفضل أن تتنطّح وحدها للإعداد والتقديم.

لكن الجهل، ليس وحده المشكلة، فسعي الزيات لأخذ المقابلة في اتجاه «البروباغندا» سيكشف عمن تكون هي وبرنامجها والقناة التي توظفها. فانظر مثلاً إلى هذا السؤال الإيحائي المكشوف الغرض:

-هل من قائد ما، شخصية سياسية دينية تتوسّم فيها في هذا العالم أو تأثرتَ بـ…؟

*لا. أنا أتوسم خيراً بالناس. لا بدّ من أن يجد البشر العاديون، المهملون، المعذبون، المهمشون، حلولاً لمشكلاتهم..

– بعض هؤلاء الناس المهمشين المعذّبين صاروا قادة اليوم؟

*أتمنى أن تدلّيني عليهم.

– مثلاً سماحة السيد حسن نصر الله طلع من بيئة مهمشة؟

*سماحة السيد، أنا أحترمه جداً، بأنه لازم هذه البلاد يكون فيها صوت يقول لا للظلم والطغيان والعدوان وفي وجه كل تبعية، وأنا معه في قول كلمة لا، فقط. لكن ما عدا ذلك في ما يتعلق بالقضايا السياسية والدولة لا يمكن أن أويّد نظاماً يقوم على الدين والطائفية والعائلية أو القبيلة. إذاً أفق السيد حسن محدود، أنا معه لحدّ.

لندع جانباً محاولة المذيعة استجرار المديح لنصرالله، فقد كان كذلك جواب أدونيس مراوغاً، إن لم نقل إنه جواب ضحل لا يليق بمفكر، كيف يفهم أدونيس ويفسّر أن يكون أحد ما ضد العدوان في مكان (وهو بالطبع يقصد إسرائيل) لكنه لا يتورع أن يكون في مكان آخر، بل تحديداً إزاء شركائه في الوطن، طائفياً وعدوانياً وقاتلاً؟ ثم كيف يتسامح أدونيس مع سماحة رجل الدين الشيعي المعمم في كل اعتداءاته وتجاوزاته بسبب «لائه» تلك ضد الطغيان، ولم تسعفه روحه المتفهمة للتسامح مع شبان بلده الذين أشهروا لاءاتهم السلمية بحجة خروجها من الجوامع؟!

حجيج دمشق

إذا كان ما زال هناك من لديه شكوك بخصوص ثورة سامي كليب على النظام الممانع وآفاقها، بعيد استقالته من «الميادين» والالتحاق بساحات التظاهر في بيروت، ما عليه إلا أن يذهب إلى دمشق ليشهد الندوة والحفل اللذين أقيما أخيراً لإطلاق كتاب «الرسائل الدمشقية»، المعدّ من قبل الباحثين والإعلاميين اللبنانيين فيصل جلول وسامي كليب. هناك سيوقع الباحثان، ومعهما فيرا يمين، عضو المكتب السياسي في تيار المردة اللبناني، ولها نص في الكتاب، «الرسائل» في حفل بهيج، مليء بالعاطفة تجاه دمشق، وفيه سيبوح جلول أن لعلاقته بدمشق «سبباً عاطفياً وشخصياً، كنت كلما أصبت بضائقة كبيرة متصلة بحياتي أجد الحل في دمشق».

كما سيؤكد كليب أن «مسعاه لإعداد كتب ترصد الحرب، التي استهدفت سوريا بهدف أن يوفي جزءاً من حق هذا الوطن في أعناقنا مع ضرورة أن يواكب النتاجات الفكرية المدافعة عن الحق السوري اهتماماً واسعاً، ولا سيما إعلامياً لتصل إلى أكبر شريحة في كل الدول».

الكتاب (بحسب فيديو وخبر لـ سانا) هو من نوع «انطباعات ومشاعر إحدى وعشرين شخصية سياسية وثقافية وإعلامية من أقطار عربية شتى عن مدينة دمشق ليكون بمثابة شهادة وتحية ورد الوفاء من أفراد آزرتهم الفيحاء في محنتهم واحتضنتهم كالأم الرؤوم»، أي أنه ليس موسوعة تاريخية أو ثقافية ضخمة، هو شكل من أشكال تقديم الولاء والطاعة، كما في أزمنة الوصاية السحيقة.

في تلك الأزمنة، حين تمكّن نظام الوصاية تماماً من لبنان، كانت واحدة من أبرز مظاهر السيطرة والخضوع حجّ اللبنانيين إلى دمشق، وأقلّه إلى عنجر، مقرّ استخبارات النظام المعروف.

اليوم يحاولون استئناف السيطرة على نحو معاكس، يبدأون من تنظيم رحلات الحجيج، للإيحاء بأنهم عادوا. لكن الزمن لا يعود. ليس القدر، ولا التاريخ، ما يقول ذلك، بل أصوات اللبنانيين في الشوارع، على الأقل.