النسوية دعوة مفتوحة للدعارة

د. أحمد محمد كنعان

النسوية (Feminism) : تيار اجتماعي ولد من رحم مجموعة من النظريات الاجتماعية والسياسية والفلسفية المادية التي تدعو للمساواة التامة بين الذكر والأنثى والقضاء على كل أشكال التمييز على أساس الجنس، وذلك بدعوى إنصاف المرأة التي يرون أنها ظلت عبر العصور معرضة للقهر وانتهاك حقوقها من قبل الرجل (؟!)

ومن أجل تبرير هذه الدعوة المخالفة لكل دين، ابتدع دعاة "النسوية" فكرة عجيبة مفادها أن هوية الإنسان ينبغي أن تبنى على أساس اجتماعي لا على أساس عضوي (ذكر وأنثى) ووضعوا لهذا التعريف المبتدع مصطلح "النوع الاجتماعي" وأطلقوا عليه اسم الجندر (Gender) بدلاً من مصطلح الجنس (Sex).

و"النسوية" تيار مخاتل مثل بقية المذاهب ذات الصبغة الرمادية التي لا يتفق أصحابها على مضامين محددة، فكذلك "النسوية" يختلف أصحابها حول مضامينها وحول تعريفهم للنوع الاجتماعي (الجندر) ويختلفون كذلك حول حدود القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة (؟!)

وقد نشط دعاة "النسوية" سياسياً حتى ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس، فنظموا حملات عالمية ومؤتمرات دولية لترويج دعوتهم التي سريعاً ما تحولت إلى دعوة مفتوحة للدعارة وحرية الجنس، ومعها حرية الإجهاض، في محاولة مفضوحة للتخلص من ثمرات الحرية الجنسية، دونما حساب لحقوق الأجنة التي تأتي نتيجة هذه العلاقات الآثمة، وهذا ما يفضح دعاوى النسويين في الدفاع عن الحقوق !

ولا يمل دعاة "النسوية" في اتهام التاريخ بالانحياز لصالح الرجال على حساب النساء، واصفين التاريخ البشري بـالذكوري أو "الأبوي" للتعبير عن رفضهم هذه الصبغة للتاريخ، متجاهلين عن قصد وسابق إصرار أن هذه الصبغة للتاريخ - التي ظهر فيها أثر الرجل أكثر من أثر المرأة - ترجع إلى تقدير الخالق سبحانه الذي فضل بعض خلقه على بعض، ليقوم كل منهم بوظائف مختلفة مما تتطلبه أمانة الاستخلاف في الأرض، ولهذا منع سبحانه أن يتمنى بعضهم مكان بعض، مع التأكيد أن كل من يؤدي ما خلق من أجله – ذكراً كان أم أنثى - فلن يبخس شيئاً من حقه، وفي هذا يقول تعالى (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) سورة ، النساء 32 ،

وفي موضع آخر يبين سبحانه أن الاختلافات العضوية والنفسية بين الجنسين، لا تعطي أحدهما حق انتهاك حقوق الآخر، فقال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة البقرة 228 .  وأما هذه الدرجة التي اختص بها الله عز وجل الرجال على النساء فهي "درجة تكليف" ، لا درجة تشريف؛ فالتفضيل في ميزان الله عز وجل يبنى على العمل لا على الجنس، ولهذا حذر سبحانه أن يتمنى أحدهما ما قدر للآخر، ظناً بأن الجنس هو مناط التفضيل والتشريف (وفي منع التمني إشارة إلى تحريم عمليات تغيير الجنس التي شاعت اليوم في بعض البلدان ! )

وقد بين سبحانه في آيات عديدة أن ميزانه الحكيم يقوم على العمل لا على الجنس، وهو ميزان عدل لا يضيع أجر الإنسان، ذكراً كان أم أنثى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) سورة آل عمران 195 .

نسوية لا دينية :

وأعجب ما في النسوية أنها تتجاهل عن قصد وسوء نية ما في الدين من تكريم للمرأة، فنرى دعاتها ينادون إلى "نسوية لادينية" ظناً بأن الدين مصدر رئيس لاضطهاد المرأة؛ فيطالبون بحقوق متساوية بين الجنسين في كل شيء، بينما يدعو الدين إلى ما هو أفضل وأكرم؛ فيدعو إلى "التكامل" لا المساواة، لأن المساواة المطلقة لا تخلو من ظلم للمرأة، بينما التكامل يراعي طبيعة المرأة فيحملها ما فطرت عليه، ولو ساواها بالرجل مثلاً في الجهاد وفي كسب المعاش والنفقة إلى جانب الحمل والولادة والرضاعة ونحوها لكان في ذلك ظلم لها بلا شك، وتعالى الله عز وجل عن ظلم خلقه علواً كبيراً، بل هو أرحم بخلقه منهم بأنفسهم، ولهذا نجده سبحانه يكرم المرأة فيضع عنها تكاليف شاقة عديدة كلف بها الرجل، وهو تكريم إلهي عظيم للمرأة دونه كل تكريم تدعيه "النسوية" !

ولا تتوقف النسوية عند مخالفة الفطرة الإلهية والتشريعات الإلهية الحكيمة، بل تتمادى النسوية حتى بلغ بها الشطط والتطرف خلال عقود قليلة من عمرها، أنها لم تعد تدافع عن حقوق المرأة بقدر ما صارت تنادي بعزل الرجل وإقصائه، ما جعل العلاقة بين الطرفين علاقة صراع ، بل بلغ التطرف ببعض النسويات دعوتهن إلى عدم ممارسة الجنس مع الرجال ! بدعوى أنه أحد أدوات السيطرة الذكورية، وهذا ما حول معظم النسويات الى "سحاقيات" بدعوى أنَّ المرأة تستطيع أن تعيش حياتها دون رجل، ومن أشهر النسويات اللواتي دعون لوقف الجنس مع الرجال هي الأديبة الفرنسية الوجودية سيمون دي بوفوار (1908 - 1986) التي كانت تدعو جهاراً للامتناع عن معاشرة الرجل، لكنها عاشت طوال حياتها على علاقة جنسية مفتوحة مع عشيقها جان بول سارتر (1905 - 1980) وافتضحت ممارستها للسحاق مع طالباتها في المدرسة الثانوية كما جاء في مراسلاتها الخاصة التي لم تكشف فقط شذوذها، بل فضحت كذلك تكلس مشاعرها واحتقارها لعشيقاتها الشابات اللواتي كانت تستغل أجسادهن متجاهلة مشاعرهن !

ويبلغ الشطط والانحراف الجنسي مداه عند دعاة النسوية فيتجاهلون تكريم كل الأديان للعلاقات الزوجية التي وصفها سبحانه بالميثاق الغليظ (سورة النساء ، الآية 21) تعظيماً لها، بينما يستخف دعاة النسوية بهذه العلاقة العظيمة واصفين إياها بأنها "مؤسسة فاشلة" ساخرين منها، منفرين عنها !

وأدهى من هذا انتقادهم "تعدد الزوجات" في الإسلام، وترحيبهم في المقابل، بالممارسات الجنسية المفتوحة، بمختلف أشكالها حتى الشاذة !

رموز الحركة النسوية :

تعد المذكورة "سيمون دي بوفوار" رائدة النسوية في العالم بكتابها الجنس الآخر (Le Deuxième Sexe)  الذي اعتبر "إنجيل النسوية" بالرغم من وضعه على قائمة الكتب المحرمة من قبل "الفاتيكان" ! 

أما الحركة النسوية في العالم العربي فقد انطلقت من مصر، بتأسيس "الاتحاد النسائي" المصري في عام 1923 سابقاً بهذه الخطوة أول اتحاد نسائي أوروبي، ومن الجدير بالذكر أن تأسيس الاتحاد المصري جرى بحضور رئيسة الاتحاد الدولي للحركة النسوية في العالم لمساعدة المصريات في بناء الاتحاد ودعمه !

وقد صار للنسوية في العالم العربي رموز مشهورات، من أبرزهن : المصريات "هدى شعراوي" و"صفية زغلول" والكاتبة المعاصرة "نوال السعداوي" صاحبة كتاب (الجنس والمرأة) الذي سارت فيه على خطا عرابة النسوية سيمون دي بوفوار في كتابها (الجنس الآخر) !

ومما يلاحظ على دعاة النسوية العربيات، وبخاصة منهن نوال السعداوي عدم الوقوف عند حدود ما تقول به "النسوية" بل تجاوزن ذلك إلى النيل من الإسلام نفسه، كما تفعل بشكل سافر نوال السعداوي التي انتقدت مراراً الشعائر الإسلامية كالحج وغيره، وأنكرت بعض الأحكام القطعية التي وردت في القرآن الكريم مثل تعدد الزوجات والميراث .. وغيرها، واستخفت من فكرة "البكارة" واصفة إياها  بالفكرة الغبية !

ومن أكثر الأفكار التي تلح عليها نوال السعداوي حرية الجنس بما فيه الجنس الشاذ ومما قالت فيه : "الجنس عادة وتعود، والمثلية لها أسبابها .. والأمر يتطلب تحليله .. وليس وضعهم في السجون، لأن هذا ليس الحل، ولازم يكون فيه حرية، فالمجتمع والدين لا دخل لهم بالجنس .. نحن لم نتربى على حرية الجنس، فالعلاقات الجنسية أمر شخصي"!

وقد بلغت الحماقة بهذه النسوية المصرية حد التطاول على الذات الإلهية في كتابها "الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة" وهو مسرحية تصور الخالق سبحانه في صورة زعيم متسلط يناقش أنبيائه بمحضر الشيطان !

ومما يجدر التنبيه إليه سلسلة المؤتمرات الدولية التي عقدت خلال السنوات القليلة الماضية تحت شعار "قضايا السكان والتنمية" لكنها انكشفت عن دعارة دولية لنشر الحرية الجنسية في العالم، بعد أن صار للنسوية سلطان فرض نفسه على كبرى المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وأضرابها من حيتان هذا العصر (؟!)

وقد وجهت هذه المؤتمرات أكبر سهامها المسمومة نحو العالم العربي والإسلامي، بهدف تغيير اتجاهات المسلمين المحكومين بكتاب الله وسنة رسوله، وبخاصة منها ما يتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة !

تونس الأولى في النسوية :

ومما يلاحظ أن الحركة النسوية في تونس قد تخطت مرحلة الكتب والصحف والطروحات النظرية، فوصلت إلى نصوص الدستور، وقوانين الأحوال الشخصية بتأييد ودعم مباشر من الرئيس السابق "الباجي قائد السبسي" الذي صرح قبيل نهاية العام الماضي 2018 قائلاً : إن تونس دولة مدنية ودستورها يفرض المساواة بين الرجل والمرأة في جميع النواحي، بما في ذلك المساواة في الميراث، ولم تتوقف دعوة الرئيس إلى المساواة بين الجنسين، بل دعا كذلك إلى تعديل العديد من الأحكام الفقهية المتعلقة بالمرأة، متجاوزاً كل المؤسسات الدينية والمراجع الفقهية، مصراً على متابعة "النسوية" حتى وإن دخلت جحر ضب، غير عابئ بتحذير النبي صلى الله عليه وسلم : (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه) !

ويحضرنا في هذا السياق كذلك تحذير آخر من النبي صلى الله عليه وسلم فيما ورد عن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَال : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ : "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً " رواه البخاري (4425)، والنسائي (8/227) . فهذا التحذير من النبي لقوم ولوا امرأة واحدة، فما بالك بمن يولي جملة نساء بهذه "النسوية" الداعرة ؟!