الرئيس عزّت بيغوفيتش رحمه الله

م. هشام نجار

تولى الرئيس عزّت بيغوفيتش رحمه الله رئاسة الجمهورية الوليدة في أصعب الأوقات وأحلكها، ولم يكن رئيساً عادياً كسائر رؤساء الدول العربية والإسلامية، فقد نصر شعبه وقت أن تكالب عليه أعداء الأمة من الغرب وخذلهم إخوانهم في الشرق، لم يفر ويهرب من الحصار، بل ظل صامداً مصراً على البقاء مع بني قومه تحت الحصار في (سراييفو)، ولم يزل يبذل مساعي كبيرة لإنقاذهم، حتى اضطر تحت وطأة القتل والاغتصاب والتعذيب إلى قبول اتفاق “دايتون” الذي وافقت عليه قمة رؤساء الجمهوريات اليوغسلافية في فبراير ١٩٩١ م. لإقامة جمهورية فيدرالية متناسقة، وكان هذا الاقتراح كفيلاً بإنقاذ شعبه من المذابح وتخليص يوغوسلافيا من الحرب الأهلية بين الجمهوريات والأعراق، يقول الدكتور محمد حامد الأحمري: كان قوياً مع مرونة، وحرصه على إنجاز موقف عملي مفيد ولو كان أقل مما يطمح إليه، فقد كان يدرك توجهات العالم الغربي، وكراهته لكيان ذو صبغة إسلامية في أوروبا، فالتصلب هنا مهلكة، والصلح غبن، لكنه وازن وبسياسته حصل على  أخف الضررين،

كان الرئيس بيغوفيتش رحمه الله  سياسياً متمرساً، ومناضلاً عنيداً، وفيلسوفاً حكيماً ذا نظرة عميقة بعيدة المدى جعلته يتجاوز كونه مجرد رئيس، ليُعد وبحق زعيماً للأوروبيين المسلمين، ما أهَّله للفوز بعديد من الجوائز كجائزة “الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام” في العام ١٩٩٣ م.، وجائزة “مُفكر العام” من مؤسسة علي وعثمان حافظ عام ١٩٩٦ م.، وجائزة “جلال الدين الرومي الدولية لخدمة الإسلام” في تركيا، وجائزة “الدفاع عن الديمقراطية الدولية” من “المركز الأمريكي للدفاع عن الديمقراطيات والحريات”، وجائزة “شخصية العام للعالم الإسلامي” في العام ٢٠٠١م.

اهم ماذكره عن الرئيس عزّت بيغوفيتش لقاؤه مع حسن نصر الله عندما جاءه يعرض عليه دعماً مشروطا وهو انتقال مقاتلي حزبه للقتال في البوسنة ضد الصرب،  لقاء  ان يفتح له الحسينيات وزوايا لتدريس الفكر الشيعي ونشر كتب مترجم للشيعة باللغة البوسنية .

وكان رد الرئيس عزّت بيغوفيتش صاعقا ً فرفض رفضاً تاماً  قائلا له : لم تكن غايتنا هي تحرير شعبنا من الصرب لنقع بأيدي من هم أسوأ منهم . وعاد نصر الله الى جحره خائبا ً

اتذكر ذلك واتذكر  حكامنا الذين يتقلبون كل يوم في حضن الكبار يغيرون افكارهم بين عشية وضحاها حسب الاوامر . وحتى الان وبالرغم من  مرور عشر سنوات على مرور اعظم ثورة في العصر الحديث لانعرف ماهو الموقف الحقيقي لهؤلاء الرؤساء من ثورتنا!!! .

اتذكر ذلك ... واتذكر كيف وقف الرئيس عزّت بيغوفيتش مع شعبه في ميادين القتال بينما لم يقف حاكماً عربياً واحداً مع ثورة اي شعب عربي مستضعف  يريد الحياة .

اتذكر ذلك واقول لنفسي:

ماذا لو قبل الرئيس عزّت بيغوفيتش طلب نصر الله تحت الضغوط الغربية والصربية ماذا كان سيحصل ؟

سيحصل تحول اهل البوسنة الى دين جديد اساسه الحقد على الاسلام ورجالات  الاسلام .

سيحصل تجنيد شعب البوسنة الى عصابات مرتزقة ينشرونها في بلادنا لافسادها واحتلالها.

سيحصل تحويل  البوسنة الى مصنع كبير لصناعة المخدرات وتصديرها للعالم لافساده .وعلى الاخص دولنا العربية لاخضاع شعوبها ليصبحوا  اذلاء لهم كما فعل الانكليز قبلهم يوم احتلوا الصين فنشروا الافيون بين افراد الشعب لتسهيل اخضاعهم رجالاً ونساءاً واطفالاً.

ولكن الرئيس عزّت بيغوفيتش رحمه الله غير هؤلاء من شلة حكام العرب رغم حجم بلاده ووجودها في قلب اوروبا ، فكان الرجل الصلب الذي استطاع ان يحمي شعبه من كل الذئاب التي كانت تحوم حوله 

وكذلك كان شعبه ذكياً وذو عقيدة متينة فوقف  وحدة متراصه فقاتلوا وراء رئيسهم ..ووراء تلاميذه  فطردوا حسن نصر الله كما طردوا بقايا الصرب من بلادهم رغم الكوارث التي عانوها واغمض الغرب اعينهم عنها.

تخطرني واقعة لهذا الرجل  عندما حضر المسجد متأخراً لصلاة الجمعة فاراد المصلون في المقدمة ان يتركوا له مكانهم ، فقال لهم : اياكم ان تفعلوها ثانية فهكذا تصنع الديكتاتورية.

حدثني اخي الدكتور الجراح حسان يوم كان رئيسا لاتحاد الاطباء العرب في اوروبا حيث كان لاتحادهم ايادي بيضاء في فلسطين وافغانستان والعراق والبوسنة . قال لي:

جاءنا دعم من نقابة اطباء جنوب افريقيا  بإرسال مستشفى متنقل يحوي كل التجهيزات الطبية لنقله للبوسنة على ان نتكفل نحن بالطاقم الطبي لارارته ، وهم مستعدون لتوصيله لميناء هامبورغ .

كان خبراً مفرحاً  لنا ، ولكن كان لابد من اخذ الموافقة من الامين العام للامم المتحدة وكان يومها بطرس بطرس غالي . 

يقول اخي : سافرت لمقابلته وعرضت عليه هذه المساعدة القيمة ، فما كان منه الا ان رفض عارضا ان يقع موقع المستشفى في منطقة حيادية بين حدود البوسنة والصرب لاستفادة الطرفين منه اي استفادة القاتل قبل المقتول ، وان يكون تحت مراقبة الامم المتحدة!  .

فرفض اخي حسان الطلب وتوقف تنفيذ المشروع.

هذا هو الفرق بين العرب بكل حكامهم والفرق بين حكام بسطاء ولكن قساة كالالماس عندما يتعلق الامر بشعوبهم.

اخواني السوريين  كفانا فرقة 

لنجتمع على زعيم واحد لنا  كالرئيس عزّت بيغوفيتش ، ولنتخلى عن خلافاتنا ، فالرئيس بيغوفيتش عاصر ايضا حقبة صعبة فالمتسلطون والطامعون والدول الكبرى والمزايدين واللصوص كانوا كثر وموجودين حوله ، ولكن بقيادة الرجل المخلص استطاع الصمود والانتصار.