الغارديان: سوريا أصبحت مع لبنان دولة مخدرات.. النظام وحلفاؤه في بيروت يتاجرون بالحشيش والكابتاغون

إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلها مارتن شولوف، تحت عنوان “تجارة قذرة: كيف حول نوع من المخدرات سوريا إلى دولة مخدرات”.

 وجاء في التقرير: “في صيف عام 2015 اتصل مسؤول أمن كبير برجل أعمال من محافظة اللاذقية طالبا منه خدمة. وكان المسؤول يبحث عن تاجر لاستيراد المواد الطبية، والتعامل مع كميات كبيرة من دواء اسمه “فينيثلين” من الخارج. وقال المسؤول الأمني إن النظام مستعد للمساعدة كثيرا”.

وبعد عملية فحص على الإنترنت، اتخذ التاجر قراره. وترك بيته في نفس الأسبوع مرسلا زوجته وأولاده إلى المنفى وتبعهم بعد ذلك بعدما أخذ ما استطاع من تجارته لبداية حياة جديدة.

وقال من منفاه في باريس “كنت أعرف ماذا يريدون مني” و”كانوا يريدون المكون الرئيسي كابتاغون، والمخدرات هي تجارة قذرة”. ولم يشترك تجار من الشمال معه في تحفظاته، فالكابتاغون أصبح قصة نجاح تجارية للنظام. عمل ناجح وصناعة ضخمة ومتقدمة بدرجة صارت تنافس الناتج المحلي العام للاقتصاد المتداعي نفسه.

فمن دمار سوريا إلى الانهيار الكارثي في لبنان حيث تم العثور على شحنات من كابتاغون مخبأة في الرمان المصدر من بيروت إلى السعودية تبين شيء واحد وهو أن كلا البلدين يتحول وبشكل متزايد إلى دولة مخدرات، إن لم يكن التعريف لم ينطبق عليهما أصلا.

وقبل العثور على ملايين حبوب الكابتاغون يوم الأحد والتي قادت لحظر السعودية لكل الاستيراد الزراعي من لبنان، تم اعتراض 15 شحنة أخرى للمخدرات في الشرق الأوسط وأوروبا وخلال العامين الماضيين.

ونقلت صحيفة “الغارديان” عن ستة مسؤولي أمن من الشرق الأوسط وأوروبا أن كل الشحنات نقلت من داخل سوريا أو عبر الحدود إلى لبنان، حيث توجد عائلات وميليشيات والرموز السياسية الذين لا يمكن لأحد المس بها، وشكلت عبر الحدود “كارتل” ينتج ويوزع المخدرات على قاعدة واسعة.

وقال مسؤول بارز في بيروت “إنهم خطيرون جدا” و”لا يخافون من أحد وظاهرون للعيان”. وكابتاغون هو اسم من الأسماء التي تطلق على مركب فينثيلين هايدروكلوريد. وهو منبه يحتوي على عناصر تقود للإدمان ويستخدم كمادة للترفيه في الشرق الأوسط ويطلق عليه أحيانا “كوكايين الفقراء”.

وتستخدمه القوات المسلحة في أوضاع عسكرية حيث يحتوي على عناصر تدفع للشجاعة وتقتل الخوف.

 ومهما كان هدف الحدود بين البلدين، فهي ليست مهمة، وتعتبر منطقة خارجة عن القانون يعمل فيها المهربون بالتعاون مع المسؤولين في البلدين. وينقل المهربون المواد الخام والنهائية التي تتكون من الحشيش والكابتاغون عبر كل الطرق التي تقود إلى سهل البقاع في لبنان والطرق إلى بلدة القصير الحدودية وحتى معاقل العلويين في مينائي اللاذقية وطرطوس.

وأصبحت اللاذقية تحديدا تحت رقابة شديدة من وكالات الشرطة والاستخبارات الأمريكية والأوروبية. ويعتبر قريب لبشار الأسد، سمير الأسد، من الشخصيات المؤثرة في الميناء. وبحسب التاجر المنفي وثلاثة رجال أعمال من اللاذقية فأي شخص يريد العمل عليه دفع مبلغ مالي كبير من العائدات مقابل الحصول على منفذ للشبكات والحماية.

ورغم الإجراءات الأمنية في الميناء إلا أن حظرا قليلا فرض على المصدر. وبدلا من ذلك فقد أظهرت قوائم النقل التي عثر عليها عام 2019 فعالية من ناحية الحجم والأداء تنافس كارتل سينولا المكسيكي في ذروة نشاطه. وتضم خمسة أطنان من حبوب الكابتاغون عثر عليها في اليونان وإيطاليا. وأطنان مثيلة عثر عليها بدبي وفي شهرين متتابعين وأربعة أطنان حشيش في ميناء بورسعيد المصري في نيسان/إبريل 2020 وتم تغليفها في علب تابعة لشركة “ميلكمان” التي كان يملكها في حينه رامي مخلوف، ابن خال الرئيس.

وكانت هناك شحنة كابتاغون مغلفة بين أوراق الشاي ومصادرات في رومانيا والأردن والبحرين وتركيا. وفي تموز/يوليو العام الماضي تم اعتراض شحنة مخدرات تصل قيمة سعرها في السوق إلى مليار يورو في ميناء ساليرنو الإيطالي والتي يعتقد أنها كانت في طريقها إلى دبي. وخبأت الشحنة في لفائف ورق وآلات أرسلت من شركة طباعة في حلب. واعتقد المسؤولون في البداية أن تنظيم الدولة هو المسؤول عن الشحنات. وتم حرف الانتباه في كانون الأول/ديسمبر إلى حزب الله الذي نفى أية علاقة بالتجارة الإقليمية والدولية للكابتاغون التي ترتبط بشكل متزايد بالدولتين الفاشلتين.

وأكدت دراسة نشرها هذا الأسبوع مركز تحليل العمليات والأبحاث والذي يركز على سوريا الدور الذي يلعبه الحشيش والكابتاغون في البلد الذي شلته الحرب والعقوبات الغربية والفساد المستشري وانهيار لبنان، حيث اختفت مليارات الدولارات التي وضعتها الدولة في البنوك هناك. وجاء في التقرير أن “سوريا هي دولة مخدرات باهتمام أساسي بنوعين من المخدرات الحشيش ومنبه الكابتاغون الذي يشبه أمفيتامين والذي يصنع على قاعدة واسعة ومتكيف ومتقدم من الناحية الفنية”.

وذكر أيضا “في 2020 وصلت قيمة الصادرات من سوريا في 2020 إلى 3.46 مليار دولار، بسعر السوق. ومع أن الأرقام تخمينية إلا أن سقف السوق هو أعلى من هذا بشكل واضح. وكان تهريب الكابتاغون في وقت ما حكرا على الجماعات المسلحة المناهضة للدولة، إلا أن فرض الدولة سيطرتها على هذه المناطق سمح لنظام الأسد وحلفائه الإقليميين بتقوية دورهم كأبرز مستفيدين من تجارة المخدرات”.

وقال مقرب سابق من النظام ويعيش في المنفى ولكنه على علاقة مع المسؤولين فيه “لم تؤد الحرب السورية إلى مقتل مئات الآلاف و6 ملايين لاجئ و8 ملايين نازح ومليون جريح وتدمير كامل للمدن والبلدات ولكن انهيار كامل للاقتصاد في أعقاب أزمة المصارف اللبنانية وتبعها الوباء وقانون قيصر مما حول البلد إلى دولة مخدرات، حيث بات عدد من تجار النظام وأمراء الحرب يتاجرون بالمخدرات”. وفي “بداية الحرب الأهلية كان سعر صرف الدولار 50 ليرة سورية. وانخفض سعر الصرف لكنه ظل يتراوح ما بين 500- 600 ليرة للدولار وحتى الأزمة اللبنانية في 2019. وعندها بدأنا نشاهد انهيار العملة في البلدين بشكل متعاقب، مما يظهر ترابط البلدين. وكان لبنان بمثابة منفس سوريا وفقد الأوكسجين فجأة”.

وبعد أشهر من هروب تاجر اللاذقية وصلت إلى لبنان طائرة خاصة من السعودية وعلى متنها أمير اسمه عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، في أواخر العشرينات من عمره. وعندما كان الأمير يجهز نفسه للسفر في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2015 اعتقل بزعم حيازته طنين من الكابتاغون في أمتعته. وظل معتقلا في السنوات الأربع التالية بغرفة فوق مركز شرطة بيروت بالحمرا حيث منح امتيازات أفضل من بقية السجناء في الوقت الذي استمرت فيه المفاوضات للإفراج عنه. وقال مسؤول أمني لبناني “خدعه حزب الله” و”مشى إلى المصيدة وقضت الرياض وقتا للإفراج عنه لأن الناس هنا كان يبحثون عن الثمن المناسب منه. ولم يكن للدولة دخل. وتم الدفع للأشخاص المناسبين وعاد الأمير إلى بلاده. ويمكن للكابتاغون إنجاز المهمة”.