في جنَّة اليقين

إيمان قاسم

مرَّ ت سنوات تترى بما تحمله من أعباء ، وتتوالت أيام على عجل غير عابئة بما فيها قد كان  ، حاملة بطياتها صفحاتِ ماضٍ وحاضر كما نراه . و ككل بداية انتقال جديدة نسترجع أحداث سنةٍ كاملةٍ بكل مافيها من مرارات . وما في قبلها من أحداث ، أعوام فائتة تفرض المقارنة بينها وبين واقع جديد . نعم : أحداث ، إنجازات ، نجاحات ، إخفاقات ... وبين ما حدث وما لم يحدث نُمنّي أنفسنا أن باستطاعتنا فعل المزيد، طالما لازالت قلوبنا تنبض بحياة شاء الله سبحانه وتعالى لها أن تستمر إلى حيث يشاء . نحن لا نملك تصفير أرقام العداد. وليس بمقدورنا طي صفحة أحداث سنوات مضت بكل ماتحمله.وليس باستطاعتنا البدء من جديد والتغاضي عن أي شيء رحل عنّا رغماً عنّا أو بإرادتنا، فرحيله لا يعني موته ، وحتى من مات فعلاً ممَّن عاش في بيئتنا يتراءى طيفه أمامنا بين الحين والآخر .

كذبة أننا (ننسى) باتت مكشوفة. نحن (نتخطى) الأحداث لأننا لا نملك إلاّ خيار  المتابعة واستمرار المحاولة  . رغم غياب مَن نحب وقد رحل وقسوة ( مَن/ما ) بقي. فلازلنا قيد حياة نالت منّا ماشاء الله لها أن تنال .  ونحن قيد انتظار كلَّ آتٍ مع الأيام المقبلات  لامحالة . لهفتنا تشرئب إلى أعوام ملأى  بما يفرح قلوبنا ، وإلى سحائب خير  تسقي مغاني حياتنا الظمأى إلى رياح البشريات . وإلى انتقال محمود إلى أعوام لاتنصرم فيها أمنياتُنا بلا جدوى . فيقيننا بتوفيق الله الذي بيده الأمر كلُّه لنا يملأ أيضا أحناء قلوبنا التي كادت أن تتصحر لولا أملنا بربنا ، ويقيننا بغد أفضل قادم بمشيئة الله .    يردد آباؤُنا ماجاء في الآثار لو أن عسرا دخل جحرا لجاءه اليسر فأخرجه منه . فيأتي اليقينُ بالله بالفرج ، ويفتح الصبرُ له الأبواب ، فينقلب الفشل إلى نجاح  ، والضياع إلى إنجاز  ، والضيق إلى مخرج ، وتلك سُنة الله في حياة بني آدم . وكما يُقال : آخر الهمِّ أولُ الفرج ، ولعل من قيود العسر هو ذلك الجزع الذي يقود الإنسان إلى البوار ، فالصبر قوة لاتُقهر ، واشتداد المصائب يؤدي إلى قطعها أو تمزيقها وما أحلى ماجاء في معاجم التجارب والمكابدات عن الصبر  جذوره مُرَّةٌ  وقطوفه الدانيات حلوة . فلا يحمل الإنسان التعب على كاهله فيقعد مرهقا ، وينتاشه الشعور بالوحدة والإحباط ،  وكأنه يستقبل الأسوأ من الملمات . ولقد صدق الشاعر القائل :

كَمْ شِدَّةٍ جَاءَ في أَعقابِها فَرَجٌ ... عَن فَجْرِهِ انشَق لَيْلُ الحَادِثِ الجَلَلِ

وَكَمْ جَلا اللَّهُ مِن غَمَّاءَ أَدَركَها... بِلُطفهِ لا بِحَوْلِ المَرْءِ والحِيَلِ