دوشيس والكلب

أ.د/ جابر قميحة

من قصص الأطفال الغربية

دوشيس والكلب

Duchess And The Dog

ترجمة: أ.د// جابر قميحة

[email protected]

من كتاب :

(The Big Story Book)

( 4 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لاحظت وشيس  (Duchess )  أن بوابة الحقل الذي تعيش فيه قد تركت مفتوحة ، فخطر لها خاطر :

ـ " إنها لفرصة سانحة لأرى جزءا من العالم الذي يحيط بي " .

ومشت تخب في سعادة إلى الشارع وفي وسط الشارع كان هناك كلب يمشي متثاقلا . وصهلت دوشيس " هاي ... " فرد عليها الكلب :

ـ " هالو ... إلى أين أنت ذاهبة ؟ " .

فقالت دوشيس ـ المهرة الصغيرة ـ :

ـ " لا أعرف فأنا لم أخرج بمفردي من قبل " .

فسألها الكلب :

ـ " وما اسمك ؟ " .

أجابت دوسيش :

ـ " وأنت ما اسمك ؟ "

فقال الكلب في أسى :

ـ " أنا ... أنا لا اسم  لي  ... فقد أهديت لبعض الناس ، وأنا جرو صغير ، واعتقدوا أنني سأكون ذكيا بارعا ، ولكن  أملهم قد خاب فيَّ فلم يطلقوا عليَّ اسما ... ولم يكونوا ينادونني إلا بكلمة كلب ، إلى أن جاء اليوم الذي تخلوا عني فيه وتركوني " .

فقالت دوشيس :

ـ " إنه شيء مؤسف حقا ، أما أنا فعلى الأقل لي اسم أنادى به ، ولكن ليس هناك مكان معين أذهب إليه " .

فسألها الكلب :

ـ " إلى أين تريدين أن تذهبي ؟ إنني أعرف كل مكان هنا وهناك " .

فردت دوشيس :

ـ " أولا ... وقبل كل شيء أريد مكانا فيه ماء ، فإني أشعر بالحرارة والعطش ".

فأجاب الكلب :

ـ " إنني أعرف المكان الذي تنشدين ... اتبعيني " .

وسارا معا عبْر أحد الحقول تحت أشعة الشمس القاسية .

ـ " هذا أفضل من الحقل بكثير ؛ ففي الحقل يقدمون لي جردلا واحدا من الماء ، ولكنني هنا أستطيع أن أشرب من الماء ما أشاء " .

وكان الكلب جاثما على ضفة النهر في ظل شجرة يراقب دوشيس ، لقد كان سعيدا لأنه عثر على صديق . وبدأت دوشيس تشق طريقها في الماء ، والماء يرتفع على جانبيها ... إنها تحب أن تكون حرة منطلقة ، كان الماء باردا منعشا فحرصت أن يغطي جسمها كله ، وبدأت تتقدم ، وتتقدم في الماء داخل النهر .

ونبح الكلب :

ـ " لا تذهبي أبعد من ذلك " . فهذا النهر هو أعمق أنهار المنطقة ، ولو ذهبت بعيدا لاتعرضتي للخطر " .

ولم تكن دوشيس تعرف ماذا يعني الكلب بكلمة الغرق ، لذلك واصلت تقدمها إلى داخل النهر .

ووقف الكلب خائفا مفزوعا ؛ إنه لا يحسن السباحة ، وهو لا يعرف إن كانت دوشيس تحسن السباحة أم لا ، لذلك بدأ ينبج في جنون :

ـ" إرجعي ... عودي يا دوشيس " .

ولكنها لم تلتفت إليه ، ولم تعطه أدنى انتباه .

وفجأة رأى الكلب أن دوشيس لم تعد تتقدم ، ومعنى هذا أن أرجلها قد وقفت في قاع النهر ، إنها تحاول أن تحفظ رأسها فوق الماء ، ولكن تيار النهر كان يشدها إلى الأعمق . وصرخ الكلب :

ـ" احفظي رأسك فوق الماء يا دوشيس  " .

إنه يخشى أن يحل بها الإعياء فتغرق ، إن الكلب يعلم أنه لم يعد يستطيع أن يساعدها ، لذلك جرى إلى الطريق ليطلب المساعدة ... جرى إلى الطريق الأول ... ثم الثاني ... ثم ساءل نفسه :

ـ " من أين أتت دوشيس يا ترى ؟ " .

آه  ... لقد تذكر أين التقى بها أول الأمر ، وجرى في اتجاه المكان الذي التقى بها فيه  . وبعد عدة دقائق رأى رجلا قادما في الطريق في اتجاهه ، وكان الرجل يصيح بصوت مرتفع :

ـ " دوشيس ... دوشيس ... " .

وتكرر نداؤه ، كان في يده حبل طويل على هيئة مِقود .

وجرى الكلب إليه وهو ينبح في جنون . ونظر الرجل إلى الكلب وصاح :

ـ " اذهب بعيدا أيها الكلب الآثم أنا لست في حاجة الآن لكلب يعضني ، اذهب بعيدا ... " .

وتأكد الكلب أن نباحه قد أفزع الرجل ، ولكنه كان يهدف من نباحه أن يفهم ماذا يعني لا أن يخاف منه ، فأخذ يتمرغ تحت قدميه ليظهر له أنه صديق ودود .

فقاال الرجل :

ـ " من أجل ماذا كل هذا ؟ " .

وانحنى على الكلب وأخذ يربت عليه .

ـ " حسنا يا صديقي ... يستحسن أن تذهب إلى البيت " .

وأخذ الكلب يعوي ويئن في الوقت الذي انطلق الرجل فيه من جديد وهو يصيح :

ـ " دوشيس ... دوشيس ... " .

فنهض الكلب وجرى وراء الرجل ، لقد كان الرجل مشغولا بمهرته الضائعة ، لذلك لم  يُبدِ  مزيدا من الاهتمام للكلب ، فواصل سيره بحثا عن مهرته .

وتمتم الرجل بينه وبين نفسه :

ـ " إنها لا يمكن أن تكون قد مشت بعيدا من هنا ؛ إنها كانت في الحقل من أمد قصير ... لقد رأيتها بنفسي " .

ومشى في طريقه ينظر في كل اتجاه .

وفكر الكلب فيما يفعل :

ـ " يجب أن أوقفه بأي ثمن " .

ووقف أمام الرجل وأخذ ينبح من جديد في جنون ، وجرى تاركا الطريق ولم يتوقف إلا في أحد الحقول .

وتوقف الرجل كذلك وقال :

ـ " شيء غريب أمر هذا الكلب !!! لماذا تنبح من جديد يا صديقي ؟ هل هناك شيء أفزعك ؟ " .

ونظر الرجل حوله ولكنه لم يجد شيئا .

وفجأة جرى الكلب نحوه ثم جرى إلى الحقل وكرر هذا العمل عدة مرات . وقال الرجل في نفسه :

ـ " إنه يريدني أن أذهب معه إلى الحقل " .

وتبعه الرجل عبر الحقل ، وفجأة رأى النهر أمامه مباشرة ، وهناك في وسط النهر رأى دوشيس ما يظهر منها إلا رأسها الذي كان يطفو فوق الماء مرة ويغوص أخرى ، وجرى الرجل نحوها بأقصى سرعته وهو يصيح :

ـ " أنا قادم يا دوشيس حاولي أن تجعلي رأسك فوق الماء  .

على الرغم من شعورك  بالإعياء وانهيار القوة ".

ونظر الرجل إلى الماء وخاضه بقدر ما يستطيع ، وقفز الكلب وأخذ يسبح بجانبه ، وصنع الرجل في طرف الحبل أنشوطة ورمى بها على دوشيس ، فطوقت عنقها : وأخذ يشد الحبل إلى أن وصلت المهرة إلى مكان ضحضاح ( غير عميق ) من النهر ، واستطاعت دوشيس أن تقف على بأرجلها على قاع هذا المكان الضحل ، وصاح الرجل :

ـ " تعاليْ تقدمي ... تقدمي يا دوشيس " .

وأخذت دوشيس تتقدم نحو الرجل ونحو الكلب ، كانت سيقانها تهتز ، وترتجف في شدة ، حينما وصلت إلى الشاطئ وصهلت صهيل الشكر والثناء ، وقالت تخاطبه في صوت يشبه الأنين :

ـ " إنني حزينة لك يا صديقي ؛ فأنا لي بيت ، وأصحاب يحبونني ، ولن أغادر بيتي بمفردي مرة ثانية ، وكم أتمنى أن يكون لك بيت وأصحاب مثلي " .

فهز الكلب ذيله وتبع الرجل وهو يقود دوشيس ، وفجأة رأى الرجل الكلب يتبعهما ، فقال :

ـ " يحسن أن تذهب إلى بيتك أيها الكلب ، فهناك من الناس من سيبحث عنك أيضا ... هيه . أنا لم أرك من قبل هنا . من أين أتيت يا ترى ؟ كم كنت أتمنى أن يكون لي كلب جميل مثلك ولكن يحسن أن تأتي معي الآن إلى البيت ، لأقدم لك غداء جميلا ، وبعد ذلك حاول أن تعثر على سيدك " .

وهز الكلب ذيله مرة ثانية ونبح قائلا :

ـ " لن تستطيع أن تجد سيدي ، ولكني بالتأكيد أتمنى أن أعيش معك ومع دوشيس " .

ولم يفهم الرجل طبعا معنى نباح الكلب ، واستمر في كلامه :

ـ" لو كنت كلبي لسميتك هيرو ( Hero   ) أي البطل  " .

وقفز الكلب وأخذ يطوف في سعادة حول الرجل ودوشيس وأخذ ينبح :

ـ " لقد أصبح لي اسم وبيت " .

وصهلت دوشيس في بهجة وسرور :

ـ " وأنا أصبح لي صديق عزيز مخلص " .