إذا ما أحدثت جائحة كورونا تغييرا في العالم كما تقول نبوءات إخوان زرقاء اليمامة فإنها إن لم يعقبها خير فما هي بجائحة

محمد شركي

كثر المنجمون  بما سيعقب جائحة كورونا في المستقبل  ككثرتهم زمن الخليفة العباسي المعتصم وهو يحاصر عمورية . وكثر حديثهم عن أشكال التغيير الذي ستصنعه ككثرة  تنجيم منجمي المعتصم بخصوص أوان فتح عمورية . ولا ندري هل سيكذب المستقبل تكهنات منجمي كورونا من إخوة زرقاء اليمامة  كما كذب فتح المعتصم  تكهنات منجمي عمورية ؟

وإذا  كان لا مفر من تنجيم المنجمين  بما سيحصل بعد الجائحة ، فإننا نأمل أن يكون التغيير بالنسبة للعالمين عموما  للعرب والمسلمين  خصوصا نحو الأحسن لأنهم قضوا زمنا طويلا في الأسوأ ، وليس بعد الأسوأ ما هو أسوأ منه . وبعض المتكهنين المتشائمين يتكهنون بأن الذي سيأتي بعد الجائحة لن يكون بالضرورة  إلا الأسوأ بالنسبة لمجموع بلدان المعمور ،بينما يرى البعض الآخر من المتفائلين أنه ربما يكون حظها أسعد بعد عقود من وضعية ما بعد الحرب العالمية الثانية التي دخل بعدها المنتصرون فيها في حرب باردة  فيما بينهم بعيدة عن بلدانهم ولكنها  ساخنة في غيرها من بلاد الشعوب المستضعفة من أجل الحصول على أكبر نصيب من  الامتيازات المادية والسياسية .

ولن تكون الجائحة جائحة بالمعنى الحقيقي وقد أثبتت شيئا من ذلك حين عرّت الأسوأ في  بلدان المعمور بما فيها صاحبة الصدارة في القيادة والريادة إلا إذا أثبتت قدرتها على التغيير في بلاد يعرب خصوصا  في صحراؤها حيث أفسد ما تحت رمالها من ذهب أسود طباع  ما فوقها من بشر أنكد قد عاد إلى طبعه الأجلف والأشرس كما كان في الجاهلية ، وحنّ إلى أيام داحس والغبراء والبسوس والكلاب وحليمة ... فصار يشعلها حيث بلغت  سيوفه ورماحه النارية ، وخيوله  وصقوره الفلاذية الزاحف منها والطائر والتي يصرف عنها  بسخاء من ذهبه الأسود . ولم يترك بقعة من وطنه الذي كانت قبائله مزعا في صحراء قاحلة  والذي مدّه  عزّ الإسلام مدا حتى تجاوز اليباب وبلغ الخصيب من الأرض في كل اتجاه إلا وأوقد فيها نارا ذات لهب ، وأهلك ما فيها من حرث  ونسل، وهو يأتمر بأمر تجار الحروب في المعمور يبيعونه وقودها  المحرق ليدمر قومه وعشيرته رغبة  في  إحياء  أيام  أسلافه الخالية  بينما بنو النظير على مرمى حجر منه قد جثموا على صدر أرض المحشر والمنشر إلا أنه آثار التودد إليهم مهرولا ومنبطحا يستعجل زوال عشيرته منها عن طريق أشأم صفقة تصفق  في التاريخ .

ولن تكون الجائحة جائحة إن لم  يأت ما بعدها بنسف هذه الصفقة نسفا ليذرها خبرا من أخبار كان، ويستأصل الأعرابي المتهور الذي حنّ إلى أيام أسلافه الدامية في الجاهلية، وقد وجد في قبضة يده رماحا وسيوفا ونبالا وكلابا  وصقورا من نار تحرق الأخضر واليابس  وأخذ يجود بسخاء بها على السفهاء وقطاع الطرق لسفك الدماء وهتك الأعراض واستباحة ما لا يستباح .

ولن تكون الجائحة جائحة  إن لم يحي ما بعدها زهور الربيع العربي الذي أذبلها الأعرابي المستهتر وبال فوقها  ليدنسها ، وأنفق إلى حد الإفلاس  كل ما يملك لتصير حطاما يسر بني النظير .

ولن تكون الجائحة جائحة إن لم يصرف ما بعدها أطماع الطامعين في الربيع العربي لجعله خريفا لا ربيع بعده أبدا .

ولن تكون الجائحة جائحة حقا إن لم يخرج ما بعدها هذا العالم البائس من بؤسه الذي طال به حتى يصير أسمر البشرة فيه  مساويا لأبيضها ، ويصير الصعلوك المعدم فيه يشارك رب الثراء الباذخ ثراءه .

ولن تكون الجائحة جائحة إن لم يوقف ما بعدها  رأسمالية الكوارث المتوحشة التي تصنع الداء وتصف وتسوق له الدواء  لتثري الثراء الفاحش على حساب ملايين الضحايا .

ولن تكون الجائحة جائحة ما لم يبدل الآتي بعدها خوف  الخائفين في المعمور أمنا  وعوز المعوزين رخاء .

ونعوذ بالله ألا ترحل هذه الجائحة عن المعمور ، وألا يعقبها ما يسرّ ساكنته وهو الذي له سبحانه الأمر من قبل ومن بعد، و بيده الخير كله ، وهو على أن يأتي  بعد الجائحة بالخير العميم لقدير ، وما ذلك عليه بعزيز .