إسرائيل تشجع عسكر السودان على الانقلاب؟

رأي القدس

أظهرت زيارة وفد إسرائيلي إلى السودان الشهر الماضي الصدع المتزايد بين العسكريين والمدنيين في «مجلس السيادة» الانتقالي الحاكم في السودان.

تفاجأت الحكومة السودانية، بداية، بإعلان مسؤول إسرائيلي أن وفدا قام بأول زيارة من نوعها منذ إعلان اتفاق التطبيع إلى السودان، وحين قال المتحدث باسمها فيصل محمد صالح إن «لا علم لمجلس الوزراء بزيارة الوفد الإسرائيلي ولا علم لنا بزيارة وفد سوداني إلى إسرائيل» كانت المفاجأة الثانية، حين قال أحد أعضاء مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، وهو الناطق الرسمي للمجلس، بأن زيارة الوفد الإسرائيلي «كانت عسكرية بحتة» وأنها «ليست سياسية» مع العلم أن سليمان، هو من الأعضاء المدنيين للمجلس، فكيف يكون الرئيس المدني للحكومة على غير علم بزيارة الوفد، ويكون الناطق باسم المجلس، وهو مدني أيضا، على علم بها، وبمضمونها «العسكري» الذي «لا يمكن الحديث عنه في الوقت الحالي» على حد تعبيره؟!

أحد ردود الفعل التي كشفت أثر هذا الصدع، كان طلب وزارة الخارجية من جميع طواقم بعثاتها الدبلوماسيين من السفراء والدبلوماسيين عدم إجراء أي لقاءات أو مقابلات مع نظرائهم من الدبلوماسيين الإسرائيليين، لأن التطبيع مع تل أبيب والخرطوم «لم يعلن رسميا» وأنه «لا توجد علاقات دبلوماسية بين البلدين» كما أن لجنة التحقيق في فض الاعتصام خاطبت أعضاء عسكريين في مجلس السيادة للإدلاء بشهادتهم.

لا يبرر الطابع «العسكري» لزيارة الوفد الإسرائيلي حصوله من دون علم الحكومة السودانية، والأولى أن يثير الأمر حفيظة المدنيين في الحكومة بدل خروج أحدهم لتبريره وادعاء العلم بمضمونه، فإذا كان العسكريون في مجلس السيادة يرون أنفسهم غير ملزمين بإعلام الحكومة السودانية بأمر على هذه الدرجة من الخطورة، فما هي الحدود التي يمكن ألا يتجاوزوها في العلاقة مع هذه الحكومة؟

الواضح أن الحادثة الأخيرة شجعت العسكريين على التطاول على الحكومة والمدنيين في «مجلس السيادة» وتمثل ذلك بإعلان رئيس المجلس، الفريق عبد الفتاح البرهان، رسميا عن تشكيل جديد باسم «شركاء الفترة الانتقالية» وهو ما اعتبره عدد من القيادات السياسية في الشق المدني من الحكومة الانتقالية غير مقنع، وقد وصفته جهات سياسية بأنه «انقلاب عسكري من الداخل» وقد تحدثت مصادر إعلامية وسياسية عن خلافات حادة بين البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

البرهان، قال في تصريحات صحافية، إن التشكيل الجديد تمت إجازته من قبل مجلسي السيادة والوزراء، مؤكدا إنه «ليس أداة للوصاية على أجهزة الدولة» فيما أكدت مصادر سودانية على أن حمدوك يرغب في اقتصار دور «مجلس الشركاء» على العمل التنسيقي والتشاوري وليس التدخل في عمل السلطة التنفيذية.

من الطبيعي أن إعلان تشكيل المجلس الأخير التوتّر في السودان، وهو يعرض المرحلة الانتقالية للخطر، وإضافة إلى اعتراض ناشطين في «قوى الحرية والتغيير» عليه، فقد أعلن الحزب الشيوعي السوداني تشكيل المجلس «خطوة أخيرة للعسكريين لإجهاض الثورة».

هناك علاقة واضحة بين حماس الأعضاء العسكريين في مجلس السيادة السوداني للتطبيع مع إسرائيل واستقبال وفودها «العسكرية» وبين اتجاههم المتزايد لتقليل شأن المدنيين في الحكومة، والتلاعب بسلطاتها التنفيذية، والمعروف أن إسرائيل، التي تتغنى بكونها الديمقراطية «الوحيدة» في المنطقة، تفضّل دائما التعامل مع العسكر، الذين يحتقرون السياسة والجماهير، وتنزعج من فكرة تداول السلطات ديمقراطيا، ونشوء حكومات مسؤولة أمام شعوبها، وليس مستبعدا، أن نعرف، في قادمات الأيام، دورها في تشجيع العسكر السودانيين على الانقلاب على الحكومة الانتقالية، والعودة إلى الحكم الدكتاتوري، كما هو حال أغلب الأنظمة العربية.