مشكلاتنا على ضوء الكتاب والسنة

أ.د. محمد سعيد حوى

خطبة الجمعة 10 / 2 / 2017م                                  13 جمادى الأولى/ 1438هـ

تقع مشكلات في مجتمعاتنا الإسلامية من أنواع شتى، فتجد بعضاً يغفل عن معالجة تلك المشكلات على ضوء هدي الكتاب والسنة، إما لغفلة عن عظم هذا الدين وما فيه من حلول ومعالجات، وإما تأثراً بمعطيات خارجية فنبحث عن حلول غريبة عن ديننا ومنهجنا.

فتجد بعضاً يفقد ثقته بدينه ومنهج الإسلام ويضعف أمام زخرف القول عند الآخر.

يروِّج الأخرون لأفكارهم بشتى السبل ويعتزون بها مهما كانت ضحلة، بينما تجد بعض المسلمين يزهد بالكنوز العظيمة في هذا الدين؛ وهو كله عظيم.

مصدر الحق والهداية:

إن كنَّا نبحث عن مصدر الحق المطلق والهداية المطلقة فلن تجدها إلا في كتاب الله ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120]، فهذه الآية تتكلم عن مصدر الحق، ولذلك قال في السياق (ولئت اتبعت أهواءهم ...).

ثم إذا أردتَ مضمونَ البيان وأن يكون هدى وحقاً أيضاً فهو من الله فجاءت الآية الثانية في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيـهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 73].

إذن الآية الأولى تكلمت عن مصدر الهداية، والآية الثانية تكلمت عن مضمون الهداية، وكل ذلك من الله.

وهذا مثل قوله تعالى: ﴿ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾ [الإسراء: 105]

فقوله: بالحق أنزلنه: بيان للمصدر، وكيفية الإنزال. وقول: وبالحق نزل: بيانٌ للمضمون.

خصائص الهدي الرباني:

هذا الهدى الذي له من الخصائص أنه جمع بين الروح والمادة والعقل والقلب، والجسد والنفس، والفرد والجماعة، وحقق التوازن والاعتدال والوسطية ونفى التطرف والغلو بكل ألوانه، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ [البقرة: 143]

وحذر من غلو الأمم السابقة ﴿ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ﴾ [النساء: 171].

﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77]

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ») البخاري، 39.

منشأ الغلو والتطرف:

في الأثر: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

فحدد هذا الأثرُ مصدرَ الغلو وطريقَ الخروج منه؛ إنَّ الوقايةَ منه إنما يكون من خلال العلماء الربانيين الراسخين في العِـلم.

إذن فإنَّ الغلو والتطرف منشأه الجهل وعدم الرجوع إلى العلماء الراسخين في العلم وقسوة القلب، وقلة الذكر، والتلقي من مصادر خاطئة ، ومن آثار ذلك أننا عندما تحدث المشكلات نبحث عن علاجات غير إسلامية، غير ربانية.

من يجسِّـد الغلو اليوم:

أليسَ من يعادون الإسلام ويقصون الآخرين ويقصون المعتدلين ويحاربون المصلحين ويرفضون سماع رأي من يقول بالمرجعية الإسلامية الصحيحة المعتدلة هم من أهل الغلو؟ والذين يرفضون شرع الله ويستكبرون على الله ومنهج الله فيتمردون على الله أليس هو أشد الغلو وأخطره، والذين جاءت الآيات تندد بهم كما سبق؟  أمَّـا الذين يَقتلون بلا حساب ولا رقيب، ويكفِّـرون الآخرين بلا منهج ولا حق فهؤلاء شأنهم مكشوفٌ مفضوح.

الإسلام يقدِّم الحلول الأرقى لمشكلاتنا:

ومن غلو أولئك الذين يتمردون على منهج الله أنَّـهم يريدون أنْ يحطموا أجملَ مافي ديننا ،وكل ديننا جميلٌ وعظيم، فتجدهم يريدون أنْ يحطموا النظام الأسري، انظر كيف عظَّـم الإسلام شأن الأسرة وجعل الزواج سكينة ومودة ورحمة وميثاقاً غليظاً، ولباساً ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، واللباس يدل على الستر والجمال والحفظ والوقاية، وجعل الزوجين من نفسٍ واحدة.

نعم توجد مشكلات أسرية اليوم، ولو رجعنا إلى أسبابها الحقيقية سنجدها في البُـعد عن منهج الله، وفي الحياة المادية المترفة، والتأثيرات الإعلامية الخطيرة، والخواء الروحي والفراغ العلمي والتلقي الثقافي غير السليم، ومن ثم ضعف العبادات، فيصبح الإنسان فريسة سهلة للغزو الشيطاني أو المادي أو الإعلامي، لذا من عظمة هذا الدين الذي نفتخر ونعتز به ونتمسك به النظام الأسري الذي يخطط البعض لتحطيمه ويثير حوله الشبهات.

إضاءة في النظام الأسري:

أمام هذه المشكلات نجد البعض يحاول الطعن في بعض تشريعات الإسرة في الإسلام؛ كالولاية على المرأة في الزواج، ويكذبون على الإسلام فيقولون الإسلام استعبدَ المرأة من قِبل أبيها ثم من قِـبل زوجها؛ بينما حقيقة الأمر الإسلام حفظ المرأة وكرّمها ورفع شأنها فلها أهليتها الكاملة في البيع والشراء والزواج والعقود في وقت كانت تباع سلعةٍ أو تحرم من ميراث؛ ولذلك لا يستطيع أبوها أن يزوجها جبراً لكنه بنظام الولاية تحفظ كرامتها ويرفع من شأنها ويحافظ عليها من أن تكون فريسة، ويحافظ على الأسرة ككل لأن المرأة أو الرجل جزءٌ من كل.

توازن الإسلام بين الحفاظ على الأسرة من حيث هي كيان مقدس وثيق، وحافظ على الفرد من حيث هو مكرم وله إرادته وحريته واختياره. فالنعمة العظمى التي نعيشها نحن المسلمين في ظلال أسرة متماسكة ونظام اجتماعي وثيق وصلة رحم وتزاور وتعارف على مشكلاتنا وتواصلنا في الأفراح والأحزان وبر الولد بأبيه وحَدَبِ الأب على ابنه، هذه المعاني قد نغفل عن عمقها وعظمها لكنها تفتقدها العديد من الأمم، نخدع أحياناً بالمظاهر المادية عند بعض الأمم وننسى أن هذه المظاهر مهما جلبت ترفاً وغنى وترفيهاً وراحةً مادية بدنية فلا تجلب سعادةً ولا طمأنينةً ولا أنساً.

فهؤلاء الذين يطعنون في نظامنا الأسري ويبحثون عن حلولٍ للمشكلات خارج المنهج الإسلامي ألا يشكلون مظهراً من مظاهر الغلو والتطرف؟ وهؤلاء الذين يريدون تفكيك الأسرة لتزداد الجريمة وينعدم التكافل والتراحم والتواصل وينتشر التحلل الأخلاقي، أليسوا من أهل الغلو؟