بالرُّوح .. بالدَّم

د. محمد بسام يوسف

قصص أقصر من القصيرة (7)

وَضَعَ سمّاعةَ الهاتف، حَانقاً، مُتمتماً:

- متى سيفهم هؤلاء، أنّ فلسطين هي قضيّتي الأولى، وشرفي الذي لن أتنازلَ عنه؟!..

- المستشار: مَن هؤلاء يا سيدي؟!..

- الحاكم: لقد أرهقوني.. أرهقوني فعلاً يا (شعبان): الأصدقاء.. ورؤساء الأحزاب.. ونقباء النقابات.. وغيرهم.. كلهم يطالبونني بالتحرّك لنصرة فلسطين، وتحرير الأقصى الأسير!..

- المستشار: وَيْحَ هؤلاء جميعاً.. ألا يعلمون يا سيدي أنكم تبذلون كل إمكاناتكم في سبيل قضيّتنا الأولى.. والأخيرة؟!.. متى سيفهم هؤلاء الجاهلون حكمتَكَم، ويُقَدِّرون جهودَكم المبذولة للتحرير؟!..

- الحاكم: ألا تشهد لي يا (شعبان)، بأنّ فلسطين هي هاجسي الأول في حياتي، وأنني أفديها بدمي؟!..

- المستشار: طبعاً يا سيدي، ولو!.. أنا الذي أعرف، وأرى كيف تخطِّطون منذ خمسين سنة، لتحرير فلسطين، ولإنقاذ الفلسطينيين، لكن يا سيدي، أرجوك، أن تعذرَ أولئكَ الذين يُلِحُّون عليكَ للتدخّل هذه الأيام، فهم يعلمون أنّ لدينا جيشاً قوياً، ويتألّمون لِمَشاهد إخواننا أبناء الشعب الشقيق، الذين يَستبيحهم العدو، ويستبيح أرضَهم ووطنَهم وأرواحَهم ودماءَهم وأعراضهم وأموالهم.. ومقدّساتنا!..

- الحاكم: فما رأيكَ يا (شعبان)، ماذا نفعل لكي نُثْبِتَ صدقنا، لشعبنا وللشعب الشقيق المستَبَاح.. وللمسلمين؟!..

اقترب المستشار (شعبان)، وهمس في أذنِ الحاكم (شعلان) بضعَ كلماتٍ رسمَتْ على وجهه (أي وجه الحاكم) ابتسامةً عريضة، فانتصب واقفاً، قائلاً لمستشاره:

- تحرّك يا (شعبان)، اتصل بقادة الجيش، وبوكالات الأنباء، وبمكاتب القنوات الفضائية، وسيعلم أولئكَ الجهلة كم نحن صادقون وطاهرون.. لا تدّخر جهداً ولا وقتاً يا شعبان.. لنتحرّك بسرعة، فقد طفح الكيل، ونفد صبرنا!..

- شعبان: أمركَ سيدي، حاضر، سَيَرَى الناسُ كلهم صدقَ نواياكم ونضالكم، على الهواء مباشرةً!..

بعد ساعةٍ ونصف، نقلت القنوات الفضائية صورة السيد الحاكم، يلتفّ حوله قادةُ الجيش، التسعة، وعلى أعلى باطن ساعده الأيسر العاري.. قطعة من القطن الطبيّ، مُلطّخة باللون الأحمر، وكلهم خارجون من بابِ بناءٍ ضخم، تتدلّى من أعلاه لوحة ضخمة تكاد تلامس رؤوسهم، وقد كُتِبَ عليها بالخط الأحمر العريض: (بالروح.. بالدم.. نفديكِ يا فلسطين، نفديكَ يا أقصى.. "مع تحيات البنك الوطني للدم")!.. فيما ظهر المستشار (شعبان) إلى يمين الحاكم وهو يقرأ تقريراً طبياً، حرّره الطبيب المختص في (بنك) الدم، سُجِّلَ فيه الآتي:

- عفواً عزيزي الحاكم، نأسف لعدم قبول تبرّعكم السخيّ، فأنتم مصابون بفقر الدم المزمن يا سيدي!..