نداء وإهابة

د. عبد الله الطنطاوي

يا أحرار سورية الحبيبة:

ما لكم كيف تحكمون؟

تقتتلون على شعارات.. مجرّد شعاراتٍ متضاربة.. والحرائق في كلّ المدن والأرياف..

فهذا يريدها إسلاميّة..

وذاكَ يريدها مدنيّة ديموقراطيّة..

وثالث.. ورابع وخامس..

وأنتم كلّكم.. جميعكم.. حتى الخونة والمنافقون..

مُحتلّون.. مُذلّون.. مُهانون.. مُشرّدون..

يريدكم المُحتلّون الأسديّون المارقون..

يريدكم المُحتلّون الرّوس الكفرة الفجرة..

يريدكم الإيرانيّون الرّوافض أبناء الزواني..

يريدكم الصّهاينة الأنذال..

يريدكم كلّ الأشرار الذين تداعوا عليكم من كلّ مكان..

كلّكم يريدونكم عبيدًا لهم..

يعبثونَ بوطنكم: أرضًا، وشعبًا، وقِيمًا..

يُريدون تجريدكم من دينكم، ولغتكم، وأخلاقكم، وتاريخكم..

وأنتم ساهون عجزة غافلون عمّا يُراد بكم ومنكم..

ما هدفكم؟ بل ما أهدافكم؟

ما خطتكم لبلوغ أهدافكم الصغيرة والكبيرة؟

أينَ برُّ الأمان عندكم؟

متى تصلونَ إليه؟

يا أحرارَ سوريّة الحزينة:

هل تخلّيتم عن أمكم سوريّة الحرّة؟

هل هانت عليكم أمّكم سوريّة التي كانت وستبقى عصيّة أبيّة على أبناء الزّواني، شامخة؟

حديثي إليكم بسيط مُباشر، ليسَ فيهِ فذلكة ولا فلسفة، ولا لفٌّ ودوران..

دعوكم من الشّعارات..

وحّدوا كلمتكم..

وحّدوا قبلتكم..

وحّدوا صفوفكم..

واعملوا على إسقاط الزّمرة الأسديّة الفاجرة الباغية، وعلى ذنبها التافه بشار..

هذا هو الشّعار الوحيد، وهذا هو الهدف: إسقاط النّظام الفاجر، وطرد المحتلّين الرّوس والرّوافض، وتحرير سوريّة من هذه الاحتلالات الثلاثة أولًا.. هدمُ الوضع القائم في سوريّة، ثمّ بناء سوريّة من جديد..

اعملوا لهذا، واتركوا ما عداه من شعارات وأهداف.. ووحّدوا عدوّكم، واعملوا على سحقه بشتّى الوسائل والأساليب النّظيفة، معتمدين على الله الجبّار، ثمّ على أنفسكم.. أجل على أنفسكم، فقد جرّبت بعض الفصائلِ الاعتماد على الآخرين، فاخترقوها حتى العظم، وأذلوها، وقتلوا منها الكثير، وكانوا سببًا وجيهًا –وهم ليسوا وجهاء- في فشل الثورة السوريّة المباركة، وتأخير النّصر، لأن للنّصر رجاله، وخسئوا هم أن يكونوا أهلًا للنّصر.

أيّها الأحرار:

لقد يئس أبالسة البشر من الانتصار عليكم في ميادين القتال، فتوجّهوا إلى بذر بذور الفتن بينكم، وسقط من سقط في أحابيلهم، وكان ما كان من سقوط بائس، وانتصار أشدّ بؤسًا،  سقط الأشرار سقوطًا إنسانيًّا، وأخلاقيًّا، وباؤوا بعار الدّهر، وبعهر حضارتهم، فاغتنموا الفرصة يا أولي الألباب، وكونوا لهم بالمرصاد، على أرضكم الطاهرة، وفي عقرِ دورهم الملوثة بالخنى، اقتلوهم حيث ثقفتموهم، حيث كانوا.. على أسرّة العهر، وفي أوحال القذارات التي نشؤوا عليها، وشربوا من طمثها، حتى صاروا إلى ما هم عليه.

أيها الأحرار:

الثأر الثأر.. أناشد رجولتكم، مروءتكم، عروبتكم، إسلامكم.. أن تكونوا يدًا واحدة، صفًّا واحدًا، فالله يحبّ الذين يقاتلون أولئك الأوباش أن يكونوا صفًّا واحدًا، مؤمنًا، واعيًّا، قويًّا، تربّى على الثأر، ونادى مناديهم: يا لثارات سوريّة.. يا لثارات الأعراض الشّريفة.. يا لثارات الدّماء الطّاهرة.. يا لثارات الطفولة البريئة.. يا لثارات الكرامة التي لا تندمل جراحاتها إلا بهذه الأدواء القاتلة التي ترمي بهم إلى مزابل التاريخ، وجحيم جهنّم..

فهيّا إلى الثَّأرِ من أولادِ الزّواني..

هيّا إلى تحرير سوريّة المحتلّة من الأشرار الدُّعار..

هيّا إلى جنة لا يرتقي إليها إلا الأحرار الأبرار الأطهار..

فكونوهُم أيّها الثائرون الأبطال..

وهيّا إلى أن تكونوا من الخالدين.