المسلم المعاصر .. محددات وتحديات

زهير سالم*

وكان " المسلم المعاصر " عنوانا لمشروع .

وعندما وضع حسن البنّا رحمه الله في أول تراتبية مشروعه " الفرد المسلم " إنما أراد طرازا من المسلمين ، يفهمون الإسلام ويعيشونه واقعا حيّا في أسرهم ومجتمعاتهم وأوطانهم . وكان المسلمون حول الإمام البنّا يوم أطلق هذا القول ، وحدده هدفا كثير .

وحين ننصب " المسلم المعاصر " عنوانا لمشروع إسلامي فإننا لا ننشد أن ننزع صفة الإسلام عن أقوام ما زالوا يجدون الدين كل الدين أن يعيشوا في التاريخ٠

المحدد العريض للمسلم المعاصر أن نقول فيه: هو الذي يجهد ويجتهد لينزل نصوص الدين وشرائعه بتقوى وعلم وحكمة على واقع الحياة والنَّاس . وليس بالذي يريد أن يبحر بسفينة الإسلام والمسلمين عميقا في غابر العصور .

 

ونعتقد أن المسلمين قد دخلوا في طريق مسدود منذ غابت عن عقولهم وقلوبهم صورة الرسول القدوة المترفع عن طقوس الكهنوت ، الذي يعروري ظهر فرسه بلا سرج، ويسابق زوجته فيسبقها وتسبقه، ويجعل لها كفه متكئا تستمع بساعة لهو بمباراة للأحباش يلعبون في مسجد رسول الله وأمام عينيه وعينيها .

وارتسم في أذهانهم بعد ذلك الأنموذج الواقعي الحيوي أن " المسلم الأنموذج " هو الشيخ صاحب العمة والجبة فقط ، ومن يأوي إلى بساطه من مريدين وتلاميذ . وبتعدد العمائم والجبب تعددت علينا مدارس الإسلام والمسلمين !!

ومن هنا تلخبطت علينا الأمور بين ديني ومدني ، دعوي وسياسي، وتراثي ومعاصر ، وعود أراك أو فرشاة أسنان ..

ويقعد ببعض المسلمين خيالهم أن يتصورا شيخهم صاحب العمامة الذي يريدونه جليلاً مهيبا ثقيلا وئيدا يعروري ظهر فرسه بلا سرج ، ويسابق زوجته مرة بعد مرة في مضمار .

كلنا يردد ليس في الإسلام رجال دين ، ولكنهم في الحقيقة موجودون ، ودور كل واحد منهم في معركة الهدم والبناء على قدرين ، قدر تقواه وهذا الأهم ، وقدر عقله أيضا . وسنظل نردد وأسوأ العقول تلك التي تختفي وراءها النفوس .

 عندما كتبت عن المفهوم الزمني للعودة للإسلام ، بما يقتضي العودة إلى البيئة بظروفها الواقعية، رد عليّ أحدهم ، ويلقب نفسه خادم العلم ، وما أجمله من لقب ، أنني مبتدع وأنني أسعى مع الساعين إلى التشكيك في الإسلام، وفِي السنة النبوية ومنها قولي إن الزمن قد تجاوز استعمال الجمار في الاستنجاء !!

وأنا لا أذكره هنا لأرد عليه ، بل لأتمثل به كتعبير عن فقه ، وعن حالة ، علينا فيما يقول صاحبها حق الاحترام .

ولا أرد عليه بمثل ما رد عليّ بل أعتبر حالته جزء من المشهد الأزمة التي نعيش . منهجيةٌ ما ، شيخٌ ما ، خرجت لأمتنا مثل هذه العقول . وليس للإغراب أقول إن بعض هؤلاء كانوا إذا جاؤوا إلى الغرب حملوا معهم إلى لندن جمارهم لأن الاستنجاء بالجمار سنّة ، فيما يرون . أنا لا أسخر ، وليس من طبيعتي ، ولكنني أرصد ، وهؤلاء أيضا جزء من المشهد ، الذي بجب على الراشدين أن يستوعبوه ، وأن يعالجوه .

"المسلم المعاصر " هو كما قلت عنوان لمشروع ، وكان عنوانا لمجلة راقية عايشتها في القرن الماضي . ولم يصدر منها سوى أعداد محدودة ثم اختفت .

المسلم المعاصر هو المسلم الذي يعيش الإسلام والعصر معا ، وكان هذا العنوان لدى الحركات الإسلامية مشروعا ، وأصبح بعد ما يقرب من قرن على تأسيسها ، موضع ريبة ، عند جمهورها وعند الكثير من الذين باسمها يتصدرون.

" المسلم المعاصر " مشروع ولا بد لكل مشروع من حامل . وأصبح اليوم أو كاد هو المشروع الموؤود أو المفقود ، وهو عنوان عريض يفرض على حملة لوائه جملة من التحديات ، تحديات متعددة الرؤوس والمسارات ، ومنها ...

التحدي الحضاري وبشكل خاص تحدي الحضارة الغربية ، وهنا سنؤكد عل أمر طالما أكد عليه الآباء بل الأجداد المؤسسون : نحن المسلمين لسنا ضد الحضارة الغربية بإطلاق ، ولسنا ضد ثقافة حقوق الإنسان بإطلاق . وحتى الشعوب الغربية نفسها ، تمتلك عبر برلماناتها المنتخبة ، والمعبرة عن إرادتها ، حق الانتقاء من هذا وذاك . في رؤية المسلم المعاصر مع الجيل الذي عايشناه، ما زلنا نعتبر الحضارة في كل تجلياتها الزمنية والمكانية ، حضارة إنسانية ، وهي خلاصة أو زبدة ما وصل إليه عقل الإنسان وجهده ، لعيش هذه الحياة . هي حضارة إنسانية ، لكل الناس الحق في الاستفادة من إبداعاتها ومعطياتها ، وتحديد مواقفهم من تلافيفها وفق أولوياتهم القيمية والعقلية والمجتمعية.

و هذا كلام قديم مقرر منذ القرن التاسع عشر وما بعده ، مما يسمى عصر النهضة ، ولكن أقواما أحبوا أن يتقووا علينا فصنفونا أعداء الغرب ، وأعداء الحضارة الغربية . وفرح أهل البساطة والسذاجة بهذا التصنيف .

ونحن هنا باسم المسلم المعاصر الذي نعرفه نقول : نحن لا نعيش هاجس الثأر من حروب الفرنجة ، الحروب الصليبية " ولكن على الطرف الآخر أقوام يعيشون هذا الهاجس ، منذ دخل النبي إلى فلسطين وغورو إلى دمشق ، ونعتقد ان هذا فتيل يجب على المسلم المعاصر أن ينزعه ، لمصلحة الحضارة والعالم والإسلام والمسلمين ..

ثم يعيش المسلم المعاصر تحديا ثانيا في أوطانه مع مشروع الاستبداد والفساد بكل امتداداته ومستنداته وقسوته ، ومنذ البداية اعتقد العقلاء أن إدارة هذه المعركة تحتاج الى الحكمة أكثر مما تحتاج الى العضلات ..وبعد تجربة وحروب طويلة استنتجت العرب " أن أجرأ الناس على الحرب أجرؤهم على الهزيمة " وأن أمور القبيلة لا يصلحها إلا " الرجل المكّيث"

وأن الرأي إذا غب كان أصلح له .

والتحدي الثالث الذي يواجه المسلم المعاصر تحدي المناوءة مع من يمكن أن نسميهم الإخوة الخصوم ، أو الإخوة الأعداء . شركاؤنا الجبريون الذين ليس لهم من شراكتنا مفر ، ولا لنا من شراكتهم مفر . والعقلاء أمام هذا التحدي هم الذين يحسنون توسيع دائرة المشتركات ، ويجيدون إدارة المقاربات . يهيج بعض الناس الرأي العام مجرد أن يسمعوا مسلما يتحدث عن الإسلام بلغة العصر باتهام هذا يريد " أن يعلمن الإسلام " ولعله هو الذي ينزع قناع الثيوقراطية الكهنوتية عن وجه الإسلام الجميل .

والتحدي الرابع والأصعب أمام مشروع المسلم المعاصر ..

مشروع التصحيح و البيان والتوضيح على مدرجة المنقلة المسلمة حيث على كل درجة يقعد قوم يدعون إلى نهج ، ويقدمون إسلاما ، كل واحد منهم يدعي انه صاحب الدين الحق ، والداعي إلى الصراط المستقيم ..

حالة من الفوضى ، ولا يصلح الناس فوضى ، تعم على مستوى الشعور ، ومستوى التصور ؟ ومستوى السلوك ..تقول العرب : كيف يستقيم الظل والعود أعوج ؟!!

والمخرج من كل هذا ......

ليس لها من دون الله كاشفة .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية