أولويات الثورة السورية، على أجندة العالم و الإدارة الأمريكية الجديدة

زهير سالم*

وبينما يستمر الهرج والمرج في عالم المعارضة السورية ، تسيل مياه السوريين ودماؤهم تحت الجسر أو القنطرة . يلفت نظرك في مقالات وتحليلات بعض الكتاب السوريين ، أنهم يتطوعون مثلا بالشور على دولة مثل تركية ، كيف تخوض صراعها مع اليونان . أو يكتبون لأهل أذربيجان كيف يتماسكون ضد الأرمن . الحكمة البلدية التي أعشقها علمتني : ولو كنت طبيب الهوى لداويت جراحاتي .

وأعود إلى ساحتنا ، وإلى ما حلّ بنا ، وإلى ما نعيش من تشرذم وتفرق وخذلان ، ونختلف حتى على مستوى إدارة مدرسة أو جامعة ، نسميها جامعة بالمجاز المرسل على أجنحة التفاؤل الميمون؛ فأقول وقد آن للثوار والمعارضين السوريين أن يعيدوا صياغة ثوابتهم وأهدافهم ومطالباتهم، على ضوء واقع يعيشونه جديد . ..

وإذا كانت الواقعية لا تعني الخضوع للواقع أو القبول به ؛ فهي لا تعني أبدا تجاهله، أو إدارة الظهر له ..الواقعية هي اعتراف بالواقع والانطلاق منه ، والبناء عليه، في لولبية تراكمية صاعدة متفائلة، وعلى قاعدة مني زهرة ومنك زهرة منسوي بستان .

 

سيستقبل العالم بعد أيام إدارة أمريكية جديدة ، ومهما كان موقفنا منها ، ورأينا فيها ، وعلمنا بخلفياتها ؛ فإننا مطالبون أن نضع بين أيديها ، ومن ثم بين يدي العالم كله ، مطالبة عادلة متوازنة محقة ، ونصوغها بطريقة لو سمع بها صديق أو عدو أصغى وأصاخ .. مطالب جامعة ، وصلبة ، ومحددة ، وبلغة يفهمها المخاطبون ، وليس بالضرورة لغة تطربنا وتزدهينا .. ولو كان لي من أمر المعارضة السورية ، وهيئاتها وتجمعاتها وجماعاتها شيء؛ لاقترحت عليهم في المرحلة القادمة ، ثلاثة مطالب يعممونها على جماهيرهم ، ويغشون بها كل المحافل التي فيها ينتدون ، أو يطالبون أو يساجلون ..

المطلب الأول :

الإطلاق الفوري والعاجل لسراح جميع المعتقلات والمعتقلين السوريين ..

وهذا المطلب يقع موقع الشرط من جملة العملية السياسية. أي هو بموقع الوضوء من الصلاة . ولو كان للذين قادوا المعارضة السورية منذ اليوم قلب لما جلسوا على منضدة لا مع كوفي عنان، ولا مع الأخضر الإبراهيمي ؛ وفي سجون بشار الأسد معتقل واحد . وهذا مطلب ذو طبيعة إنسانية لا يستطيع أن يجادل فيه مجادل ، ولا أن يماري فيه ممارٍٍٍ.

كل الدموع التي ذرفها الذين شاهدوا الصور التي عرضها عليهم القيصر منذ سبع سنوات، لم تُجد المعتقلات والمعتقلين فتيلا . ونحن نتحدث عن مئات الآلاف من الأرواح والمهج ما تزال تتلوى تحت أساليب الجلادين ، التي يصعب مقاربتها على الخيال . ومن وراء هذه الأرقام أمثالهم ممن ينتظرون خارج المعتقلات من الآباء والأمهات والبنين والبنات.

بلا تردد ولا تلعثم ولا فأفأة ولا رأرأة : الإفراج عن المعتقلات والمعتقلين مدخلنا لأي عملية سياسية . مدخلنا إليها وليس جزأ منها . الملفات الإنسانية حسب القوانين الإنسانية ليست مادة للتفاوض ..

والمطلب الثاني الذي نريده على أجندتنا وأجندة العالم وأجندة الإدارة الأمريكية القادمة هو : هيئة حكم انتقالي مستقلة ومطلقة الصلاحيات . وكل ما نطلبه ، وكل منا نتمسك به هو ما أقرته المقررات الدولية منذ جنيف واحد وجنيف اثنين وفي أيام الرئيس أوباما ونائبه بايدن . وأهمها القرار 2254 . فقط . نتمسك به ، ونصر عليه . ولا نقبل لأحد أن يقفز عليه . ولا نساعد أحدا على تجاوزه أو القفز عليه . هيئة الحكم الانتقالية هذه هي التي نطمح أن تقودنا جميعا إلى الجمهورية العربية السورية الموحدة أرضا ومجتمعا . الدولة ذات السيادة الحرة المستقلة العزيزة، العزيز كل من يعيش على أرضها . الدولة المدنية الديموقراطية التي تكون السيادة فيها لكل أبنائها ، والتي تعتز بثقافاتها وتنوعها ...

والمطلب الثالث:

المطلب المهم والضروري ، الضروري لكي لا يُطوى الجرح على قيح ومُدة .... فيظل ينفجر بنا مرة بعد مرة . وكل إنسان سوري واع تؤذيه مخرجات انفجارات الظلم واليأس والشعور بالغبن نقول لا بد من تقديم برنامج دولي حقيقي للعدالة الانتقالية .. يدفع من خلالها كل من أجرم بحق السوريين ثمن جريمته. وكل مجرم بحسبه . وكل مجرم حسب موقعه . وكل مجرم حسب قراره . وعلى غير ذلك، لن تلتئم الجراح ، ولن يتجاوز السوريون المحنة التي كتبت عليهم ..

ثلاثة مطالب لو توحد الناس عليها لكفتهم وأغنتهم ... ولو عندي شاكوش لأعمّر فيه ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية