الجلاءُ جلاءُ الروسِ والمجوس

د. محمد بسام يوسف

سينتهي عصر المجوس، وأشياعهم، ومُـمَالئيهم، وأوغادهم، وأذنابهم.. ليس في الشام وحسب، بل في المنطقة العربية والإسلامية كلها.. فقد انكشفت مخطّطاتهم لكل ذي عينٍ وقلب، وباتت سافرةً في عدوانيّتها للعرب والمسلمين، كما باتت مواجهتهم للشعب السوريّ وثورته المباركة.. قضيةَ حياةٍ أو موت.. لن تنتهيَ إلا بموتهم وموت مشروعهم الشعوبيّ العدوانيّ المـُدَمِّر، وقَبْرِ أحلامهم الإجرامية في تراب سورية الحرّة.

سينتهي عَصر المجوس، وسورية لن تكونَ –كما أراد لها الأسديّون- مَسرحاً واسعاً للشعوبيّين أصحاب المشروع الصفويّ الفارسيّ التبشيريّ الاستئصاليّ، ولن يستطيع هذا النظام الطائفيّ الأسديّ –بعد اليوم- أن يُمَهِّد السبل أمام الاجتياح الإيرانيّ الشيعيّ الفارسيّ.. فتُستَقدَم قُطعان الشعوبيّين وأنصارهم وأذنابهم وحلفائهم إلى شام الأمويّين، لينشروا دينهم الصفويّ المجوسيّ، ويشتموا الخلفاء المسلمين في عقر دارهم، تحت سَمْعِ السوريّين وبصرهم. لقد سقطت شعارات القومية العربية التي يرفعها دجّالو النظام المجرم منذ أكثر من نصف قرنٍ حتى هذه اللحظة.. إذ ما الذي يجمع بين الفُرس الشعوبيين وحزب البعث، القوميّ العربيّ؟!..

*    *    *

قبل جلاء المستعمر الفرنسيّ عن سورية، ماكان يجرؤ المحتلّ على فَرْضِ إرادته على شعبنا الحرّ، ولم يتمكّن من ارتكاب ما ارتكبه أصحابُ ما يُسمى بـ (ثورة الثامن من آذار لعام 1963م)، بحق سورية وأهلها، ولم تكن هناك سجون صحراوية، ومعتقلات مغروزة في كل زاويةٍ من زوايا الوطن.. ولم يكن هناك قتل للأطفال والنساء، ولا ذَبح بالسكاكين على طريقة المجوس، ولا تعذيب حتى الموت، ولا مقابر جماعية، ولا اختفاءٌ للمعتَقَل وانقطاعٌ لأخباره عشرات السنين!..

قبل الجلاء، كانت أي معركةٍ بين المجاهدين وجنود الاحتلال، يمكن أن تنتهيَ عند باب أي مسجدٍ يأوي إليه الأحرار، لأنّ المحتلّ كان يحسب ألف حسابٍ لعواقب انتهاكِ مُقَدّساتنا.. أما بعد الجلاء، فقد أصبح القول الفصل لدبابات الطائفيين، التي تقتحم المساجد من أبوابها، لتخرج من مَحاريبها، فإن لم تظفر بمن ترغب من روّادها، تكون الكلمة الفصل لراجمات الصواريخ، التي تحوّل المسجدَ إلى أثرٍ بعد عَيْن!..

قبل الجلاء، كان المجاهد يمتطي صهوة جواده وهو أشعث أغبر، لا يهدأ حتى ينالَ من المحتل مع طلوع شمس كل يوم، لا يَحولُ بينه وبين ذلك ناطورٌ من أبناءِ جِلدته.. وبعد الجلاء، أصبح تحرير الأرض المغتَصَبَة لا يتم، إلا على إيقاع النظرية الوهمية الأسدية الخبيثة الخيانية: (سنردّ في الوقت المناسب والمكان المناسب)!..

قبل الجلاء، كان إذا غضِب على المحتل حُـرٌ في شماليّ سورية.. غضب لغضبته مئات الآلاف أو يزيد من الأحرار، في الساحل والجنوب والشرق والمنطقة الوسطى، لا يعلمون فِيمَ غضب!.. وبعد الجلاء، أصبحت غضبة الشريف عاراً عليه، تجد لها جحافل من المتفيهقين والعبيد التاريخيين، يستنكرونها ويحاربونها بيد، ويقبضون ثمن تدليسهم وعبوديتهم باليد الثانية!..

قبل الجلاء، لم يعرف الجهاد حدوداً ولا أسلاكاً شائكةً ولا حامياتٍ حدودية، فكان المجاهد من سورية يفرض إرادته على الرغم من إرادة المحتل، فيقاتل العدو، -وربما يستشهد- على أرض فلسطين أو لبنان أو غيرهما من بلاد العرب والمسلمين، من غير أن يُكبّل نفسه بنظريات (التوازن الاستراتيجيّ) وخرافات (الخيار الاستراتيجيّ).. ولهذا كانت الرغبة بالتحرير وجهاد المحتل مبادرةً ذاتيةً شعبيةً ناجحة، ولهذا، روّت دماء ابن جبلة السورية الشيخ (عز الدين القسّام).. أرضَ فلسطين، ولهذا كذلك، زرع ابن حمص الشيخ (مصطفى السباعي) –رحمه الله- ورفاقه من أبناء المحافظات السورية.. زرعوا القدسَ وفلسطينَ، بالجهاد والبأس والقتال والرباط والدماء الطاهرة!..

قبل الجلاء، كانت إذا نزفت فلسطين.. أُصيبت سورية بفقر الدم، وإذا تألّمت القدس أو حيفا أو يافا أو الخليل أو.. تأوّهت دمشق وحمص وحلب وحماة و..!.. أما اليوم، فإذا سالت جداول الدماء في فلسطين أو العراق.. أُصيبت الشام -تحت حُكمِ النواطير الخونة الأغراب- بأعراض (المقاوَلة الأسدية)، أو (المماتــعة الصفوية المجوسية).

قبل الجلاء،كانت (الوحدة) واقعاً بين أبناء الوطن على الأرض، وكانت (الحرية) هدفاً سامياً تَـحقَّقَ بالكفاح والدم والتضحية، وتشرّبته العقول والقلوب، ولم تكن هناك (اشتراكية) من صنع (لافروف وبوتين وحافظ) وأجدادهما، مخصّصة للنهب والسلب وانتفاخ جيوب المتنفّذين.. لكن بعد الجلاء، صارت كل معاني (الوحدة والحرية) شعاراً من شعارات الزيف الجوفاء، بلا لونٍ ولا طعمٍ ولا رائحة، تُرَدَّد صباح كل يومٍ، في مدارس الحزب الحاكم الواحد القائد، والمؤتمرات البهلوانية لمرتزقة (العَلَق) القوميّ العربيّ!..

خلال مرحلة الجلاء والاستقلال، كانت الجمهورية جمهورية.. وبعد الجلاء، أصبحت الجمهورية عائليةً وراثيةً دكتاتورية!..

قبل الجلاء، كان هناك محتلّ لصّ مَكشوف معروف، ولم يكن هناك نفطٌ ولا لصوصُ انفتاحٍ، ولا حرامية العشرة بالمئة باسم خدمة الشعب.. وبعد الجلاء، أصبح النفط رصيداً خاصاً في بنوك سويسرة لعصابة الأسرة المجرمة المتسلّطة، وصارت للنهب والسمسرة قوانين وقرارات وأحكام خاصة رسمية!..

قبل الجلاء، لم تكن هناك نياشين عسكرية كاذبة تملأ الصدور، ولا وزراء يمسحون القدور، ولا استغلالٌ رسميٌ -باسم الشعب- ولا بُثور، ولا نضالات تلفزيونية، ولا تحرير من وراء الميكروفونات، ولا بيانات استنكارٍ، ولا مؤتمرات قومية صاخبة للعبيد الخونة.. وبعد الجلاء، أصبح كل ما ذُكِرَ أمراً عادياً بل ضرورياً.. وفوقه: التزامٌ صارمٌ، واتفاقُ الذين لا يتّفقون، على مكافحة الشعوب باسم مكافحة الإرهاب!..

*    *    *

في ذكرى يوم الجلاء، الذي دفع السوريون ثمنه وثمن حرّيتهم جداولَ من الدماء، وأرواحاً طاهرةً عزيزة.. يضع الأسديّون الطائفيون المحتلّون سورية، لقمةً سائغةً سهلةً في حَلْقِ المجرم الروسيّ الصليبيّ، وفي فم الوحش الفارسيّ الإيرانيّ وأشياعه من الطائفيين الموتورين، بعد أن قدّموا (الجولان) لقمةً –على الحساب- في فم الوحش الصهيونيّ!.. فهل يستوعب هذه الحقائق، المغفَّلون السفسطائيّون المتفلسفون، من الغافلين عن خطورة الهمجيّ الروسيّ الإجراميّ، والمشروع الفارسيّ المجوسيّ الشعوبيّ.. على سورية وشقيقاتها، بل على بلاد العرب والمسلمين كلها؟!..

الثورة السورية المباركة: ثورة الحرية والكرامة، ترسم -اليوم- معالمَ الجلاء الحقيقيّ، يومَ يُقبَر الاحتلال الأسديّ الفارسيّ الصفويّ، وصنوه الاحتلال الصليبيّ الروسيّ، في أعماق أرض الشام، التي ابتلعت –قبلهما- الاحتلالَ الفرنسيّ، والاحتلالات كلها، على مَرّ التاريخ.