العيد الحقيقي لسوريّة الحبيبة

د. أبو بكر الشامي

د. أبو بكر الشامي

لا ننكر أن للعيد حقوقاً كثيرة على المسلمين ، ولعلّ من أهمها : إظهار البهجة والسرور بمقدمه علينا ، وإقامة مظاهر الفرح والزينة في ربوع بلادنا ، فمن أهم معاني العيـد : الفرح والزينة وإدخال السرور إلى قلوب الأهل والأحباب والأقارب والأصحاب . ولقد وصف القرآن الكريم ، يوم العيد ، بأنه يوم الزينة ، فقال تعالى في معرض حديثه عن موسى ( عليه السلام ) ، وهو يحاجج قومه : بسم الله الرحمن الرحيم (( قال موعدكم يوم الزينة ، وأن يُحشر الناس ضُحى )) طه ( 59 )

وكذلك وصفه بأنه يوم فرح وبهجة وسرور ، فقال على لسان عيسى بن مريم ( عليه السلام ) ، وهو يدعو الله أن ينزل على قومه مائدة من السماء ، استجابة لطلبهم : بسم الله الرحمن الرحيم

(( قال عيسى بن مريم : اللهم ربنا ، أنزل علينا مائدة من السماء ، تكون عيـداً لأولنا وآخرنا ، وآية منك ، وارزقنا ، وأنت خير الرازقين )) المائدة ( 114 ).

ولكننا يجب أن نعترف ، بأن في قلوبنا غصّة ، وفي نفوسنا حرقة ، وفي أرواحنا لوعة ، ربما عكَّرت على هذا الوافد الحبيب ، ما ينوي إشاعته فينا من هذه المظاهر الإنسانية النبيلة .

فعيدنا الحقيقي : هو في أن يتحرر بلدنا الحبيب سورية ، من أرجاس العصابة الأسدية الكافرة الفاجرة التي اختطفته بمن فيه وما فيه على مدار نصف قرن من الزمن ، فأهلكت الحرث والنسل ، وعاثت فيه تخريباً وإذلالاً وتدميراً ، ويُطلق سراح آلاف المعتقلين من أبنائنا ،  ويعود عشرات آلاف المهجّرين من أبناء شعبنا إلى الوطن المحرّر المعافى ، لنساهم جميعنا جنباً إلى جنب في بناء سورية الجديدة الحرّة العزيزة القويّة الموحّدة ، ونعوّض الشهداء الأبرار وأسرهم الكريمة المعطاءة بكل ما يستحقّونه من كرامة وتكريم  (( ويقولون متى هو .!؟ قل : عسى أن يكون قريباً )) صدق الله العظيم .

وعيدنا الحقيقي : هو في أن يتحرّر عراقنا الحبيب ، وتتوقف هذه المأساة المروّعة على أرضه منذ عدّة سنوات ، وتتوقف معها كل أشكال الظلم والقهر والقتل والتشريد والإرهاب بحق شعبه الصابر المجاهد ، ويعود شمالنا الحبيب إلى أحضان الوطن الغالي ، ويتعانق أبناء شعبنا الواحد ، بعربه وكرده وجميع مشاربه ومذاهبه  ويتعاونوا جميعاً لتحريره وإعادة بنائه ...

وعيدنا الحقيقي : في أن ترحل هذه الشرذمة ( الصهيونية ) الغادرة عن فلسطين الحبيبة ، ويتحرر الأقصى الشريف _ أولى القبلتين ، وثالث الحرمين الشريفين ، ومسرى سيد البشر ، وخاتم النبيين ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم _ ومعه الضفة الغربية و الجولان ، وجنوب لبنان ، وبقية الأراضي المحتلة ، من رجسها . ويرفع الحصار الظالم عن غزّة المجاهدة ، وتتوقف شلالات الدم النازفة من خاصرة أمتنا بسبب اعتداءات الصهاينة الوقحة ، وجرائمها الخسيسة المتكرّرة على أوطاننا وأبناء أمتنا  .

وعيدنا الحقيقي : هو في أن ترحل القوات الأمريكية الغازية عن خليجنا العزيز ، وتتحرّر الإرادة العربية  ومعها الخيرات العربية _ بما فيها النفط _ من الهيمنة الامبريالية والصهيونية ، وتصبح _ فعلاً _ أرض العرب للعرب ، وخيرات العرب ، للعرب والمسلمين .

وعيدنا : في أن تتوقف المذابح ، وتنطفيء نيران الفتن الداخلية ، ويستقر أهلنا في كل من السودان ، والجزائر ، والصومال ، وأفغانستان ، والشيشان ، وكوسوفا ، وغيرها من البلاد العربية والإسلامية الملتهبة.

وتنعم أمتنا  _كلها _ بنعمة الأمن والسلام ، لنفرح  _جميعاً _ بفرحة العيد السعيد .

وعيدنا الحقيقي أيضاً : يوم يتوحّد العرب ، وتكون لهم إرادة حرّة مستقلة عن أية هيمنة خارجية ، أو تدخّل أجنبي ، ولعل من أبسط مظاهر هذه الوحدة ، أن تكون لهم قمة عربية دورية ، يلتقون فيها على مائدة الود والوئام ، ويتحاورون بروح الأخوّة والصراحة ، لبناء أمة عربية مؤمنة وقوية ...

وعيدنا كذلك : يوم يتعاون المسلمون _ في مشارق الأرض ومغاربها _ على البر والتقوى ، ويكونون عند حسن ظن ربهم بهم ، إذ وصفهم فقال : بسم الله الرحمن الرحيم (( كنتم خير أمة أُخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر ، وتؤمنون بالله )) آل عمران (110) .

وقال مخاطباً لهم : (( وجاهدوا في الله حقَّ جهاده ، هو اجتباكم ، وما جعل عليكم في الدين من حرج ، ملة أبيكم إبراهيم ، هو سمّاكم المسلمين من قبل ، وفي هذا ، ليكون الرسول شهيداً عليكم ، وتكونوا شهداء على الناس ، فأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، واعتصموا باللــــــه ، هو مولاكم ، فنعم المولى ، ونعم النصير)) الحج78

عيدنا الحقيقي : في أن يربوَ الإيمانُ في صدور المؤمنين ، ويشيع السلامُ في ربوع العالمين ، وينتصر الحقُ المستمدُّ من شريعة ربّ العالمين ، ويندحر الباطل وجنود إبليس أجمعين ...

عيدنا : في أن يكثر الوفاء ، ويتعزّز الإخاء ، ويعم الرخاء ، وتسعد البشرية بمنهج ربّ السماء ...

عيدنا : في أن نعيش بسلام ، ونموت على الإسلام ، وندخل الجنّة دار السلام ...

بسم الله الرحمن الرحيم (( إنَّ المتقين في جنّات وعيون،أدخلوها بســــــلام آمنيــن))

الحِجر (46)             صدق الله العظيم

دمشق في أول أيام عيد الأضحى المبارك / 1432 هجري

الموافق : للسادس من تشرين الثاني ( نوفمبر ) / 2011 ميلادي