حرق القرآن .. زوبعة في فنجان

د. لطفي زغلول

حرق القرآن .. زوبعة في فنجان

د. لطفي زغلول /نابلس

[email protected]

قال تعالى "إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون"

هذه الضجة العالمية المفتعلة، والتي هي أشبه بفلم من إخراج وإنتاج أميركي، يعتمد الإثارة للترويج له، قد باء بالفشل، ولم يحقق مراميه. كيف والقرآن الكريم كان هو المستهدف. إنه القرآن الكريم الذي قال عنه رب العالمين" إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون".

لقد حماه الله من شر الكائدين والحاقدين، فأحبط ما كانوا له مدبّرين، وما القس الأميركي تيري جونس الذي هدد بحرق مصاحف من القرآن الكريم إلا واحدا منهم، ويكفيه هنا شهادة إبنته في حقه أنه مجنون، فقد عقله، وانجر وراء تسليط الأضواء عليه، والبحث عن الشهرة الإعلامية، في بلد يتحكم الإعلام بكل مقدراته. أما نحن فنقول إنها زوبعة في فنجان.

لقد ادعى هذا القس أن الإسلام والمسلمين، كانوا وراء أحداث الحادي عشر من إيلول/سبتمبر في العام 2001، فوصف الديانة الإسلامية السمحة بالشيطانية، دون أن يكلف نفسه عناء الإطلاع على تعاليم الديانة الإسلامية، أو معرفة ما جاء من تعاليم في قرآن المسلمين الكريم.

إلا أن هذه الحادثة النكراء تأتي في سياق ملف الإعتداءات الآثمة على المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وغيرها من الأقطار التي كان للإعلام الغربي، وبخاصة الأميركي الدور المحرض الرئيس في شن الحملات النكراء على المسلمين في كل أنحاء العالم، ووصفهم بأنهم إرهابيون.

لسنا هنا نتجنى على الحقيقة، أو أننا نلتف عليها. لقد أكدت منظمة العفو الدولية أن المسلمين قد تعرضوا وما زالوا في أوروبا وأميركا إلى اضهاد غير مسبوق في قسوته، أسفر عن معاناتهم جراء استهدافهم وملاحقتهم، فكانوا ضحايا في أفغانستان والعراق والصومال وباكستان واليمن وغيرها، إضافة إلى كونهم ضحايا في أميركا وأوروبا.

تذكيرا فإن مسلسل الحرب على الإسلام والمسلمين عقيدة ومقدسات ورموزا ليست جديدة. ثمة قائمة طويلة تختص باستهداف الإسلام والمسلمين. إن الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية المسيئة للرسول الكريم، والتي كرمت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية راسمها مؤخرا، ليست آخرها.

كذلك الحال مع الأفلام الهولندية، والتي كان أبشعها فلم الخضوع الذي كتبت قصته المرتدة الصومالية "إيان حرصي" وأخرجه المخرج الهولندي"فان كوخ" الذي دفع حياته ثمنا لهذا العمل العدواني ضد المسلمين والإسلام.

وهنا فإننا نتذكر ولا ننسى الكاتب الهندي المرتد عن الإسلام"سلمان رشدي" صاحب كتاب الآيات الشيطانية، والذي كرمته الملكة إليزابيث الثانية بمنحه وسام الفروسية الذي أهله لحمل لقب لورد.

مرة أخرى إن القائمة طويلة. وكيف ينسى المسلمون الإساءة الكبرى التي وجهها بابا الفاتيكان "بنيدكتوس السادس عشر" يوم تعمد البابا في خطابه اقتباس حوار دار في القرن الرابع عشر بين الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني وفيلسوف فارسي حول دور نبي الإسلام محمد عليه السلام. وقد اقتطف البابا من هذا الحوار ما قاله الإمبراطور للفيلسوف:" أرني ما هو الجديد الذي جاء به محمد. إنك لن تجد إلا الأشياء الشريرة وغير الإنسانية، ومثالا تبشيره بالدين الذي جاء به بحد السيف والإكراه".

إنها ليست المرة الأولى التي يتعمد البابا – والكلام لمجلة نيويورك تايمز الأميركية– لقد أحدث البابا شقاقا بين المسلمين والمسيحيين، وإن الإعراب عن الأسف لعدم فهم المسلمين هذه التصريحات غير كاف، وإنما يجب أن يكون هناك اعتذار شخصي عميق ومقنع للمسلمين. وأضافت نيويورك تايمز" وقبل أن يصبح بابا الفاتيكان، وتحديدا في العام 2004، أعلن أنه يرفض دخول تركيا إلى الإتحاد الأوروبي المسيحي لأنها مسلمة، والإتحاد الأوروبي مسيحي، والإسلام نقيض المسيحية على حد قوله".

وفي ذات السياق، والكلام لم يزل لمجلة نيويورك تايمز الأميركية،تذكير البابا بنيدكتوس السادس عشر بمواقفه وأفكاره المعادية للإسلام، وذلك يوم كان أستاذا للاهوت في بلده ألمانيا، قبل أن يتولى رئاسة الفاتيكان. ومما لا شك فيه أن هذه الهجمة على الإسلام لم تأت صدفة، وإنما هي امتداد لماضيه المعادي لكل ما هو إسلامي، كما وسبق أن أشارت نيويورك تايمز الأميركية .

إنه غيض من فيض. لقد تعمد الكارهون الحاقدون على الإسلام أن يستهدفوه. إلا أن ثمة ملاحظة أولى تتمثل في أن ردود الأفعال الإسلامية على مستوى أنظمتها السياسية لم تكن في كل المرات التي استهدف فيها الإسلام تتناسب بأي شكل من الأشكال مع هذه الهجمات الشرسة، وأن هناك تقصيرا وإهمالا ولا مبالاة على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي إزاء ما يتعرض له الإسلام وسبق أن تعرض.

والملاحظة الثانية ننطلق بها من الحديث النبوي الشريف"الساكت عن الحق شيطان أخرس". إن المسلمين لديهم من الوسائل والإمكانيات والموارد– إن أرادوا– ما يمكنهم من الرد على كل هذه الهجمات المعادية لعقيدتهم ومقدساتها ورموزها، وإسكات تلك الأبواق المعادية.

إلا أن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بإلحاح: في ضوء تعرض الإسلام عقيدة ومقدسات ورموزا،هل يتعرض الإسلام والمسلمون إلى الديانة المسيحية أو غيرها ليمسوها بسوء، كما يتعرض هؤلاء الحاقدون المعادون؟. الجواب عن هذا السؤال يأتي بالنفي، لأن دينهم يحترم كل الديانات السماوية، وكل الأنبياء والرسل الذين لا يذكر واحد منهم إلا بتسييده والسلام عليه؟. 

إلى هنا فإننا نرفع أيدينا إلى السماء داعين الله العليّ القدير أن يجنبنا جميعا عواقب التعنت والإصرار على الخطأ والخطيئة، وأن يبعد عنا شبح صراع الحضارات والديانات التي يعمل المغرضون والحاقدون على الإسلام في أوروبا وأميركا على إضرام نيرانها وإذكاء جذوتها. وصدق الله العظيم في قرآنه الكريم"إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون".