كُنا.. وسنبقى العظماء

ظلال موسى الإبراهيم

ظلال موسى الإبراهيم

كثيرون أولئك العظماء.. الذين تزخر بهم كتب التاريخ , وتسطر أمجادهم أقلام الرضا والوفاء لهذا العالم الكبير..

إلا أنّ عظماء الإسلام وأصحاب الرسالة القرآنية , لهم طابع خاص.. بل لهم مكانة خاصة في صدر التاريخ ..

نعم... لقد كنّا عظماء يوم أن بزغ في جبال مكة الشاهقة نور نبيّنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحوّل تلك النفوس العجفاء , والقلوب المتقعرة.. إلى نفوس كبيرة .. سمَتْ فوق جبال مكة, وارتقت إلى أعلى قممها, واتسعت في البقاع حتى فاق نورها نور الشمس, ذلك الكوكب الذي ارتفع وبعُدَ وتوهّج ليُضيء نصف الأرض فقط ! بينما سرى نور تلك النفوس وشعاعها على الكون كله وأصولها مستقرة بين الجبال ...!!

الله أكبر.. ما أعظم هذه النفوس ! وما أروع هذه القلوب وما أرقّها ..!

....كنا عظماء .. يوم سارت جحافل المسلمين تفتح البلاد شرقا وغربا .. تصرع الظلم والبغي والفساد.. وتنثر أزاهير الحب والإخاء .. والعلم والعدل والســــلام ...

لقد كنا عظماء .. يوم توالت الخلافة الراشدة , وحمل لوائها الميمون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , فأزهرت وأورقت دولة الإسلام وصارت الدولة العظيمة التي يُحسب لها ألف حساب ..ولمعت في آفاقها أسماء العلماء والأدباء وأرباب الفكر بعدما غذّ تهم ينابيع النفوس الراقية , وسقتهم من معين القرآن , فكانوا أعظم العلماء على الإطلاق .. لأنهم ربطوا عالم الأرض بعالم السماء .. ولذلك كنا عظماء .. وكنا قوّاد الأمم وروّاد الحضارات ..

وعلى أنوار فجرنا العظيم استيقظت الشعوب الغافلة لتنبهر بهذا الشعاع الهائل وتحدق بشدة إلى عجائب الكون  والتي كشفتْ عنها تلك الأيادي المؤمنة النيّرة ..

.... وإنّ أمة وُلدَتْ عظيمة , وعاشت كذلك , تأبى السقوط والانحدار ... فرغم ماحل بها من سنين طويلة , بقيت لها منارات شامخة , وقمم باسقة .. ترعى شئون الفئة المؤمنة التي ظلّت متعلقة بحبال الجيل الأول تنظر إلى الأعلى وتعيد للأمة ذكرى الأجيال المؤمنة.. لتبقى جذوة يستنير بها الباحثون عن الطرق المستقيم..

.... إنها الصحوة المباركة التي قدّمت شبابا عشقوا الموت لأجل الحياة .. !! وقدمت أبطالاً باعوا أنفسهم لله يتلمسون الخطى الناصعة .. ليعيدوا صناعة الأمجاد ...

... إنهم الشباب اليوم .. إنهم الجيل القادم .. الفاتح إن شاء الله .. جيلٌ يحمل في ضميره مشكاة النبوّة .. ويثبتُ للعالم أنّ في شباب الإسلام من سمَتْ مطامحهم , وعلَتْ مآربهم , وساروا في طريق الجد , وشمّروا عن سواعد الهمّة والعزم, حتى استحقّوا أن تُكتبَ أسماؤهم في سجل العظماء ... عظماء الإســـلام ..!!

نعم ....وهكذا يعيش العظماء .. وهكذا ترتقي الأمم , وعلى هذا الطريق العظيم تنشأ القيم .. وتحلو الحياة .. وتعذب التضحيات .. ويرتقي الإنسان إلى عالم الإنسان ...!!

.... وهكذا تبقى أمتنا صامدة .. رافعة رأسها العتيد .. مثبتة أن الإسلام هو الحقّ .. وأن هذه الأمة لن تندحر بإذن الله .. وستبقى مناراتها اللامعة والأيادي المتوضئة الشابّة التي بارك الله بها هذا الدين .. قائدة الركب .. وحاملة اللواء , تسير نحو النصر العظيم .. وتهتفُ خلفها الحشود الملتهبة : " الله أكبر .. ولله الحمد .. الله غايتنا .. والرسول زعيمنا .. والقرآن دستورنا .. والجهاد سبيلنا .. والموت في سبيل الله أسمى أمانينا ...!"

يا موكب النور هل تخبو مواكبنا            إني لألمحها موّارة   الحــمـم

ها ألمحُ الليل قد حانت  نهايتـه            لا يشرقُ الفجر إلا في دجى الألمِ

......... وبعد حين... وفي صورة في غاية الروعة والجمال .. تسير جحافل المسلمين المنتصرة في أرض واسعة الأرجاء تمتدُّ امتداد الأبصار .. ترتفع الرايات وتخترق صفوفها المنتظمة خيوط الشمس المرتفعة في الأفق .. تبعثُ الدفء في حنايا قلوبها الصادقة, تدفعها للمسير الجادّ حرارة الإيمان .. ويتردد من جنباتها بصوت خاشع مهيـب..( لا إله إلا الله وحده.. صدق وعده.. وأعز جنده .. وهزم الأحزاب وحده .. لا شيء قبله ولا شيء بعده )

... وهكذا حتى تصل إلى حصن منيع شامخ عظيم .. هناك عند الأفق المشع من بعيد.. تعبره القيادة الرائدة .. وخلفها الجيوش المؤمنة الصامدة .. ترفع أعلام الإسلام عالياً تغرسها فوق المآذن الشمّاء ..وحول القباب الساجدة بخشوع تخفق الرايات في السماء .. وتصهلُ الخيول .. وتخفق معها القلوب في الأرض .. وترسل الشمس شعاعها الطاهر المنير معلنة للوجود .. عودة الخلافة الراشدة إلى ديار الإسلام من جديد....!