حظر المآذن

زهير سالم*

لا بأس... إنهم حديثو عهد بالتعددية

زهير سالم*

[email protected]

نعم لا بأس، وعلينا أن نبتسم ونصبر ، والحذرَ الحذرَ أن يحاول أحد من بني قومنا أن يتعلم منهم، وسوف تظل أبراج الكنائس تصدح في صباحاتنا بحرية وطلاقة كما كانت منذ وطأ ابن الجراح الأمين أرض الشام، أو عمرو بن العاص أرض مصر، أو منذ انسحب ابن الخطاب من كنيسة القيامة ليصلي جانبا، لكي لا يكون أمرها في يوم ما، بيد (عامة) يسرهم أن يقولوا: مصلانا، ها هنا صلى عمر...!!

 نذكر هذه الإشارات لنذّكر الذين يحاضرون علينا صباح مساء بإعجاب المبهور بثقافة الآخر وقواعده للعيش، أنها ثقافة مستحدثة، وغراس غير متجذرة، علينا أن نصبر وأن نبتسم فما يعيشه القوم خارج عن نسق تاريخهم الحضاري، وعن مكونات عقلهم الجمعي.

 حين نعود إلى تاريخ الأفكار سنجد أن القوم لم يُسقطوا رسميا قانون الفرق بين الأبيض والأسود من بني الإنسان، في الولايات المتحدة، إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، أي منذ أقل من نصف قرن فقط !! فكرةٌ أو قاعدةٌ عمرها في حضارتنا ألفية ونصف. منذ ألفية ونصف تتذكر أبا ذر يقال له ( إنك امرؤ فيك جاهلية ) لأنه قال لأخيه الإنسان: يا ابن السوداء...

  وحين نتحدث عن الرجال والنساء...نعلم أن القوم منذ قرون قريبة فقط كانوا يتجادلون هل للمرأة روح إنساني أو إنها جسد فقط!! أو لعلها ذات روح شيطاني تضلل الرجال؟!! وكان جواب مجمع لهم مسكوني قريب هو الخيار الثاني أيضا. لا تحاروا وأنتم تعلمون أن الثورة الفرنسية صاحبة الشعارات الجميلة الثلاثة قد أكدت أن كل الرجال- دون النساء- يولدون متساويين في حين كانت قاعدة وجودنا الاجتماعي منذ ألفية ونصف:( النساء شقائق الرجال).

  لنتذكر حين نمر على حرية الاعتقاد والرأي والتعبير أن القوم حديثو عهد بمحاكم التفتيش التي طالت مخالفيهم في الدين من مسلمين ويهود، ومخالفيهم في المذهب أو في الرأي من مسيحيين. وأنهم قريبو عهد بالنازية والفاشية والستالينية أيضا.. و لنذكر أن الفاتيكان لم يلغ الحظر على قائمة الكتب السوداء إلا في الستينات من القرن العشرين. بينما كانت مساجد البصرة وبغداد تشهد المناظرات الحامية بين المسلمين والنصارى واليهود والثنوية والصابئة!! وما زالت مكتباتنا الحضارية تحفظ تجديف ابن الرواندي، وتجاوزات أبي نواس وهو يقول:

ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر     ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر

فعيش الفتى  في سـكرة بعد سكرة      فإن طال ذا عنده قصـر الدهر

فلا خيـر في لهـو  بغير مجانـة     ولا في مجون ليس يتبعه ......

نعوذ بالله من الكفر.

وربما الأهم من هذا وذاك أنهم بعد أن أسقطوا الدين من حياتهم أعلنوا ( وتضع خطا تحت أعلنوا) ألاّ تمييز بين البشر بحسب أديانهم وعقائدهم، فقد الدين في حياتهم كل قيمة فلا يذكرونه إلا في ساحة التعصب، الذي هو أبعد ما يكون عنها؛ لا تنسوا أن المسيح عليه السلام من بيننا خرج، وأننا بنينا حضارتنا على ( ولقد كرمنا بني آدم )، فعلنا هذا ونحن نبني حضارة ومجتمعات على الدين نفسه؛ ليجد اليهود في وثيقة المدينة مكانهم ومكانتهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ثم ليعطي عمر العهدة لنصارى بيت المقدس: لهم أنفسهم ونساؤهم وأطفالهم وعقائدهم وكنائسهم وصلبانهم لا يضارهم فيها أحد.

لا نزعم أن كل شيء في تاريخنا الفكري والحضاري كان كاملا، على مستوى التطبيق على الأقل. ونعتقد أن الإنسانية أو الحضارة الإنسانية قد أصابت الكثير من التطورات الإيجابية على صعيد التصورات وعلى صعيد التطبيقات والتنظيمات، على أيدي القوم هؤلاء أيضا؛ ولكننا نؤكد ونحن نتابع الساحة المعولمة في ميادينها العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية أن الخلفية الحضارية لمجتمعاتنا مع كل ما هي فيه من أميّة وتخلف أكثر قدرة على استيعاب معطيات الواقع بأبعاده المادية والمعنوية، وأعمق تمييزا وأجمل ردا على الإساءة وتحملها والتجاوز عن أصحابها...

أفضل ما جاء به المدافعون عن الموقف المنغلق للشعب السويسري من المآذن أنه ردة فعل على بعض التصرفات الفردية أو الفئوية المحسوبة على الإسلام بحق أو بباطل... وإذا كان هذا صحيحا فانظروا كيف ترد الشعوب الإسلامية بجملتها على فعل الدول الأوربية (المسيحية) وهي تسوم هذه الشعوب منذ القرن التاسع عشر سوء العذاب!!

 كيف كان سيرد علينا السويسريون إذن لو أننا نحن الذين انتزعنا منهم بعض أرضهم لنجعل منها رغم أنوفهم دولة لليهود؟! كيف كانوا سينظرون إلينا لو أننا وزعناهم على المخيمات كما فعلوا مع أهلنا في فلسطين؟ كيف كانوا سيردون علينا لو أننا نحن الذين قتلنا وهجرنا من شعب من شعوبهم كما قتلوا وهجروا من أهلنا في العراق ملايين الرجال والنساء والولدان؟!! أو لو أننا دمرنا لهم حضارة مجد كما دمروا تاريخ مجد بغداد؟!

لو طرح مجموعة من المنغلقين أو الحمقى في بلادنا مثلَ الاستفتاء السويسري على أصوات النواقيس أو أبراج الكنائس في مثل القاهرة أو دمشق أو عمان أو بغداد، لوجدوا موقفا جمعيا يقول لهم بصوت واحد: إن وجود الإنسان ودينه وعقله وعرضه وماله فوق إرادة الأكثرين والأقلين..

هل ننتظر بعد اليوم نتائج استفتاء على هولكست جديد تدور رحاه على المسلمين. لا تيئسوا إنه ناقوس خطر يقرع بشدة في عالم صمتت فيه مع الأسف النواقيس.

               

(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

للاتصال بمدير المركز

00447792232826

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية