ملتقى الجولان.. دولي أو وطني

زهير سالم*

ملتقى الجولان.. دولي أو وطني!!!

زهير سالم*

[email protected]

(1)

ينعقد في حبيبتنا سورية في فضاء دمشق و القنيطرة المحررة، أو المهجورة منذ الرابعة والسبعين (لا ندري لماذا؟!) في 10 و11 / تشرين الأولى ملتقى (الجولان العربي والدولي). يشارك في فعاليات المؤتمر ما يقرب من ألف وخمس مائة مشارك من أكثر من خمسين بلداً، ينتمون إلى قارات العالم الخمس. ويمثلون كل ألوان الطيف الفكري والسياسي والاجتماعي (في الأمة والعالم وليس في الوطن، ولا ندري لماذا؟!)..

يعتقد المشاركون أن ملتقاهم، الذي يعانق مخيماً شبابياً يقام في نفس المنطقة، أنهم يدفعون على طريق التعبئة الشعبية العربية والإسلامية والعالمية لاستعادة الجولان لهويته العربية والسورية ولاستعادة سورية أرضها المحتلة منذ اثنين وأربعين عاماً..!!!

وبالمقابل يعتقد السوريون المبعدون عن الوطن وعن قضاياه، في الداخل والخارج، أنهم الأولى بالإعلان عن تمسكهم بأرضهم، والتعبير عن إجماعهم في الالتفاف حول تحريرها.

 فأهلاً بكم  يجهر بها أبناء سورية أجمع لوفد النصرة العربي والإسلامي والدولي، نذكركم أنكم لستم أفراداً في هذه الأمة أو في هذا العالم. أنتم أولاً وقبل كل شيء، رجال فكر، وقادة رأي، وصناع قرار.وهذه حقيقة لا نريدها أن تغيب عنكم

ومن هنا فإن دوركم في الأمة، لئلا تزداد عوامل إحباطها، أن تشاركوا في التفكير والتدبير وصنع القرار. وليس أن تنتدوا فتخطبوا أو تنددوا أو تؤيدوا ثم ينفض السامر غزوة كغزوة أبي زيد..!!! وعلى الرغم من هباءة الحصاد، مازلتم تكررون التجربة، وتبدئون وتعيدون في لحس المبرد الذي يحمر أرجوانياً تحت لهيب ألسنتكم، دون أن تتفكروا مجرد أن تتفكروا (أن تأطروهم على الحق أطرا..)

نعم طبتم وطاب مسعاكم، فتحرير الجولان همّ وطني سوري وهمّ قومي عربي وهمّ إنساني جامع لا يختلف عليه من أبناء سورية الحرة الأبية ولا من أبناء أمة العرب والمسلمين ولا من أحرار العالم اثنان. ولكن كيف تفهمون أو تتفهمون أن يتم تحرير الجولان وأبناء سورية الأحرار البررة بين سجين وطريد؟! سؤال أولي جوابكم عليه في أنفسكم يوضح عبث الحركة، وضياع الجهد، بل إن جوابكم عليه يؤكد أن حصاد اللقاء سيذهب في عكس الاتجاه الذي تطلبون..

تعلمون ونعلم أن لتحرير الجولان أسساً ومقدمات ومتطلبات فهل يمكنكم وأنتم رجال الفكر وقادة الرأي، وصناع القرار في الأمة أن تتجاوزوا ما يوجبه الفكر ويقرره الرأي، ويقتضيه العقل في التأسيس والحشد لمشروع جماعي في حجم تحرير الجولان؟!

ثم أليس من حقكم، أيها السادة من أصحاب النوايا الطيبة، وأنتم تعاينون ما أوصلت طريق الموادعة الأمة إليه من ذلة ومسكنة وانكسار وانسداد أفق وعجز حتى عن نصرة المصلين يمنعون من دخول الأقصى؛ أن تقرروا ليس تغيير الطريق فقط بل أن تفرضوا محطة يتوقف فيها (الجميع) للمراجعة. وأول المراجعة ألا يظن أحدٌ أنه كان دائماً على صواب. وأنه وهو ينكسر (ينتصر). أوليس الانتصار للجولان ينبغي أن يكون من هناك وما هو وراء هناك.

مرة أخرى إن الفراغ الفكري والسياسي الذي تعيشه الأمة يصنعه عجز حكامها وقصور قادة الرأي فيها. وهو بعض جريرة الذين قصّروا أول ما قصّروا في إدراك الحقيقة التي يمثلون، والدور الذي يطلب منهم، والموقف الذي ينبغي أن يبادروا إليه، وقد كان حصاد جهدهم لعقود هذا الهشيم الذي تذروه رياح الغزاة الطامعين..

إن تحرير الجولان مطلب شعبي ووطني سوري. إنه مشروع تأسيس وبناء وعمل وتضحية وليس مشروع منتديات وخطابات وملتقيات. و شعب سورية بأبنائها الغر الميامين لن يعجزوا أن يحرروا الجولان كما حرر أبناء لبنان جنوب لبنان. وإنه لن يكون تحرير إلا عندما ينعقد الملتقى الوطني الأول في القنيطرة المحررة، الملتقى الوطني الأول الذي يمثل كل تلافيف اللحمة السورية الواحدة لوضع أساس حقيقي لمشروع التحرير، ولما يتطلبه هذا المشروع من مقدمات وآليات وتضحيات. 

وقبل أن يجتمع في ملتقى الجولان الدولي ممثلون لأكثر من خمسين دولة، من قارات العالم الخمس، على هؤلاء قبل أن يحطوا أقدامهم على أرض سورية أن يتأكدوا أنهم سيستقبلهم أبناء سورية أجمع. بشرط كهذا يكون لهم دور في صنع الدعم الشعبي لشعب مشارك موجود. وإلا فهم مع الترحيب بهم، والاعتراف بطيب نواياهم يؤدون دوراً آخر نربأ بهم أن يكونوا منغمسين فيه.

               

(2)

لم نزل مع منتدى الجولان العربي والدولي.. الذي رحبنا به في الرؤية السابقة. والذي أحببنا أن نلفت أنظار القائمين عليه والمشاركين فيه إلى أهلية الشعب السوري، لو أتيح له، أن يتحمل مسؤولية مشروع تحرير أرضه. وأنه في تغييب صاحب القضية الأصيل، أو عزله عن القيام بما عليه من أجل التحرير فإنه من العبث بمكان أن يُستحضر أو أن يحضر المشايعون والمساندون من أقطار الأرض، ومن قاراتها الخمس لكي ينتدوا بما سمعنا بعضه على شاشة التلفاز من شرق أومن غرب.

 ولأننا نعتبر همَّ الجولان هماً وطنياً حقيقياً يستحق جهداً وطنياً صادقاً، فإننا نعود مرة أخرى للحديث عن نقطة للبداية. نذكر بالسادس من تشرين أول سنة 1973. نستمع من جهاز (الترانستور) الصغير صوت الرئيس حافظ الأسد ظهر ذلك اليوم ينادي على أبناء الشعب السوري ورجال القوات المسلحة: يا أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. هل كان لهذا النداء في تلك الساعة الحرجة، وقبل أن تندفع القوات السورية لتصل إلى شطآن طبرية أو لتعانق قمة جبل الشيخ، من معنى. ذاك المعنى الكامن في ذاك الخطاب هو نقطة البداية الأولى. وهو الذي عبرنا عنه في مقال الأمس منتدى الجولان الوطني الجامع..

 ثم يكون ثانياً أن تُعطى المصداقية لكلام الرئيس بشار الأسد في خطابه بتاريخ الأول من آب سنة 2009 في يوم الجيش، المصداقية للإعلان أن خيار السلام لن يبقى خياراً استراتيجياً وحيداً، وأن الجيش البطل يمكن أن يتحول بقرار إلى جيش مقاوم. ما قيمة الكلام بدون مصداقية؟! بل ما أسهله وأهونه؟! إذن الخطوة الثانية ألا يبقى ذلك الخطاب الوعد الذي كان موضع تعليق المعلقين واستحسان المستحسنين، خطاباً إعلامياً. فنحن مع متابعتنا كل ما يجري على الأرض لم نجد لذلك الخطاب ظلا على الأرض حتى اليوم.

 يلومنا الكثيرون إذ نبادر إلى التوقف عند كلام مثل هذا، يتهموننا بالغرور وبالسذاجة وبأننا نصدق كل ما يقال!!! ولكننا دائماً نرد بأن أمر الوطن يستحق. يستحق أن نظهر من أجله بمظهر المخدوعين لأن موضوع تحرير الأرض وتحرر الإنسان يستحق التضحية، وعلى المواطن الحرّ الشريف أن يلاحق جديلة الحق والباطل حتى يتبين للجميع الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

 ويعني الموقف هذا أيضا إسقاط المعاذير، وإيجاب المقتضى؛ لئلا يزعم زاعم يوماً أنه كان قد فعل لولا تخوفه من خنجر في الظهر. أو يتذرع متذرع كنا قد بادرنا لولا معارضة المعارضين وشغب المشاغبين!!!

 إن أول ما يجب أن يتضمنه إعلان تحرير الجولان

أن يسقطوا من حساباتهم التمرغ في أوحال ما يسمى  خيار السلام الاستراتيجي.  فليس بيننا وبين من احتل أرضنا وشرد إنسانها أي أرضية للقاء. وما تبديه الأيام يوما بعد يوم على هذا الطريق يصدق هذا ويهيمن عليه.

 ثم لنبدأ بطرح المشروع الوطني لتحرير الجولان بقواعده وآلياته.

وقاعدة مشروع التحرير الأولية دولة حرة سيدة لجميع أبنائها. دولة بريئة من الاستبداد والفساد. والبرء من الاستبداد والفساد شرط التحرير. ولن يكون مع البلاء بأحدهما تحرر أو تحرير، ويبقى كل الصراخ في حضرتهما صراخا في واد سحيق.

 أما آليات المشروع الأولية فشيء من المقاومة اللبنانية التي حررت جنوب لبنان، وشيء من تجربة المقاومة الفلسطينية، وقبس من نور المقاومة العراقية والأفغانية، ثم قبل ذلك وبعد كل ذلك إرادة الشعب السوري الموحدة والمصممة على انتزاع الحق بالقوة التي لاتسترد الحقوق إلا بها.

 نقدر أن الإعلان عن مشروع التحرير، والسير في طريقه مجرد خطوات، سيغير الخارطة الدولية والخارطة الإقليمية، وسيعطي مشروع التحرير مصداقيته ومداه. وربما يختصر الكثير من لأواء الطريق. أما أن يكون احتلال بلا ثمن، احتلال بلا مقاومة، فلا نعلم لماذا يتنازل نتنياهو عن تراب الجولان، ومياه الجولان، وثمرات الجولان..؟ سؤال لم يجب عليه إعلان الجولان الذي حمل عبئه المنتدون..

               

(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية