محمد الفاتح في دافوس

أ.د. حلمي القاعود

محمد الفاتح في دافوس

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

كان محمد الفاتح شاباً قوياً عبقرياً سمع من أجداده قصة الصحابي الجليل "أبو أيوب الأنصاري " - رضي الله عنه - الذي أصر في عهد يزيد بن معاوية على الخروج للجهاد مع الجيش الذاهب لفتح القسطنطينية . كان أبو أيوب قد جاوز الثمانين ، وراح يزيد يقنعه بعدم الخروج ، وقال له : إنا نكفيك يا عماه ، ولكنه لم يتراجع ، وأوصى إذا بلغه أجله أن يدفن على أبواب المدينة المستعصية .

وكان له ما أراد ، فقد توفاه الله والجيش الإسلامي يحاصر المدينة فتم دفنه كما أراد ، وعاد الجيش دون أن يحقق أهدافه !

في عهد محمد الفاتح استطاعت جيوشه بفضل الله ، ثم بإيمانه وشجاعته وعبقريته أن يفتح المدينة التاريخية في ظل ظروف قاسية ، وتربّص القوى الكبرى ، ولكن الدرس العسكري الذي قدمه الفاتح ما زال يدرس حتى اليوم ، فقد حقق إنجازاً عسكريا تاريخياً بتحويل المدينة التي روّعت العالم إلى مدينة سلام وإسلام حتى يومنا .

ولم يكن " رجب طيب أردوغان " بعيداً عن محمد الفاتح ، ومن قبله " أبو أيوب الأنصاري " ، حين أعلن أنه حفيد العثمانيين ، فقد كان بحق ينتسب إلى محمد الفاتح في شجاعته ورجولته ونخوته ، وقبل ذلك إيمانه ، حين واجه السفاح النازي اليهودي " شيمون بيريز " في منتدى دافوس ، وذكره بإجرامه وإجرام قومه الذين قتلوا الأطفال والنساء في غزة ، كما ذكره بما أعلنه بعض رؤساء وزرائه الذين كانوا يكشفون عن نشوتهم حين تدوس الدبّابات النازية اليهودية شعب غزة وأهلها ، وكان انسحاب أردوغان من جلسة المنتدى صفعة داوية على قفا الموتى العرب الذين ما زالوا على ولائهم للعدوّ النازي اليهودي ، وسيده الاستعماري الأمريكي المتوحش . كما كان صفعة للمنافقين الأوروبيين الذين صفقوا للسفاح النازي اليهودي القاتل في أثناء خطبته بالمنتدى ، فقد أخبرهم أردوغان أنهم يُصفقون لقاتل .

أردوغان يدرك قيمة نفسه وقيمة قومه ، وقيمة بلاده ، وأعلن بكل جهارة أنه ليس رئيس قبيلة ، ولكنه زعيم دولة عريقة لها حضورها ووزنها التاريخي والجغرافي والثقافي ..

بكت أمينة زوج أردوغان ، وهى تصفق لزوجها ، وتصف السفاح النازي اليهودي " بيريز " بالكذب ، وقالت إن كيانه الغاصب لم يكن يدافع عن نفسه كما يدعى ، ولكنه كان يقتل الأطفال والنساء عمداً وبكل وحشية .

الأتراك خرجوا في الفجر وتحت الثلوج يرفعون أعلام تركيا وفلسطين ، ليهتفوا للبطل التركي العائد من دافوس ويعلنون " تركيا معك " .

الشعوب العربية المقهورة ، وجدت في أردوغان بطلها الحقيقي ، فهتفت له ، وصفقت بعد أن مات زعماؤها الأشاوس والنشامى موتاً سريرياً ، واكتفى بعضهم بهجاء إيران وسوريا وحزب الله وحماس وخالد مشعل وقناة الجزيرة ، وسلطوا النائحات المستأجرات والرداحات الفاجرات للتقليل من قيمة ما فعله " أردوغان " بوصفه سيجلب مشكلات سياسية واقتصادية على تركيا في المستقبل المتوسط والمستقبل البعيد ، ووصلت الخسّة ببعضهم إلى السخرية من دموع السيدة أمينة زوج أردوغان ، ووصفها بالدموع المزيفة التي تشبه دموع الجيليسرين في التمثيليات والأفلام ، كما سخر القلم الخسيس من دعاء الزوجة لزوجها وقولها : فلينصرك الله على الأعداء . وراح يؤكد على العلاقة العميقة بين رئيس الوزراء التركي والكيان النازي اليهودي الغاصب ، ويذكرنا بأن أردوغان اعتذر للسفاحين القتلة اليهود عن وصف بولنت إيجيفيت ، رئيس الوزراء التركي السابق ؛ لشارون بـ " الإرهابي " !

ويبدو أن النائحات المستأجرات والردّاحات الفاجرات لا يجدون في موتاهم الأشاوس والنشامى إلا الحكمة وبعد النظر والعقلانية وإدارة الخد الأيسر بعد الخد الأيمن للقتلة النازيين اليهود وغيرهم ، ولذا يستغربون أن يجدوا رجلاً في الدائرة الإسلامية ، يواجه القتلة ، ويقول لهم : أنتم قتلة . لم تنزعج الأقلام غير المتوضئة من قصف الحدود المصرية من جانب طائرات العدوّ ولكنها منزعجة لموقف أردوغان الذي أخبر القتلة والمنافقين أن ما يفعلونه إجرام وعدوان وتجاوز للقوانين والأعراف ، وراحت هذه الأقلام تكرس عدوّ اً آخر لا يقتل الفلسطينيين حتى الآن على الأقل ، وتصف حماس التي قدمت الأرواح والممتلكات فداء لفلسطين ، بأنها ذراع إيران على الحدود المصرية .. يا للعار يا عصابة العار !

ما فعله رجب طيب أردوغان لم يكن نوعاً من الخطب الإنشائية التي يلجأ إليها بعض الأشاوس والنشامى ، من حكام الممانعة أو الاعتدال الموتى ، ولكنه كان موقفاً حقيقياً نابعاً من إرادة شعبية عبرت عن نفسها في صناديق الانتخابات ، فمنحته الشرعية وحق الكلام باسم الشعب التركي كله ، لذا فإن أردوغان كان يقف الموقف الذي يؤيده شعبه وزاده تأكيداً باستقباله الحافل في مطار استانبول لدى عودته من دافوس .

لقد كشف أردوغان موقف المتواطئين العرب من الممانعة والاعتدال جميعاً ، وأكد لهم أن السياسي  الحقيقي والحاكم الشرعي يستطيع أن يتحرك على مستويات عديدة ليؤثر في الموقف السياسي دون أن يحارب بالسلاح والجيوش الجرارة ، وأن يكون لرأيه وتصوّره الأهمية التي تجعل الطرف الآخر يفكر كثيراً قبل أن يرتكب جرائمه في ميدان القتال ، وهو ما وعته العصابة النازية اليهودية في فلسطين المحتلة وعملت له حسابا ، وحرصت أن تصلح علاقتها مع الأتراك وأن يقوم السفاح النازي اليهودي بيريز بالاتصال بأردوغان ليشرح له موقفه ويعتذر ، وإن كان القتلة قد قالوا إنه لم يعتذروا ، ولكن مجرد الاتصال اعتراف بأهمية الآخر الذي تمرّد عليهم وواجههم بالحقيقة المرة أنهم قتلة !

ثم إن السفاحة النازية اليهودية " تسيبى ليفنى " كانت أكثر حرصاً على استمرار العلاقات مع تركيا ، وليس كما توقع الخانعون الأذلاء ، ومع أنها لا تخفى قلقها وانزعاجها من الغضب التركي والمظاهرات الشعبية التي عمت أنحاء تركيا في أثناء المجزرة النازية اليهودية لشعب غزة ، فإنها تدعو إلى إصلاح ما فسد من العلاقات وتحدثت عن إمكانية إصلاح كل شيء، ووضع كل القضايا على مائدة الحوار من أجل ما تسميه المصالح المشتركة .

إن موقف أردوغان يختلف عن موقف السيد " عمرو موسى " ، ممثل الموتى في دافوس ، فقد كان المتوقع أن ينصرف مؤيداً ومؤازراً لأردوغان ، ولكنه لم يفعل وانصاع لرغبة بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة ، الموالى للخارجية الأمريكية و الناطق باسمها في مجلس الأمن (!) ، وكان الناس يتوقعون أن يقف عمرو موسى وقفة تعبر عن الصورة التي رسمتها له الدعاية اليسارية في مصر ولكنه خيب ظن اليسار واليمين جميعاً ، وادعى أن خروجه كان سيترك الساحة خالية للغزاة اليهود .. وإني اسأل ماذا حقق استمرار وجوده في الساحة ؟ هل غير من الأمر شيئاً بالنسبة للقضية الفلسطينية ؟ هل تعاطف المنافقون الأوربيون والأمريكان – وهم أصحاب القول الفصل في دافوس – مع الشعب الجائع المحاصر ؟ لقد أثبت عمرو موسى أنه ممثل الموتى من الأشاوس والنشامى بحق !

أما أردوغان ، فقد استعاد سيرة " محمد الفاتح " الخليفة العظيم الذي أسس دولة الإسلام في قلب القارة الظالمة المظلمة ، وجعل منها مركزا للسلام والنور والأمل ؛ ومن المفارقات أن دولته احتضنت اليهود الهاربين من محاكم التفتيش التي أقامها الصليبيون المتوحشون الهمج في الأندلس ، بعد أن كان الفناء مصيرهم المحتوم .. ولكن اليهود ينسون الفضل ، ويحرصون على النكران والغدر والإجرام .. والأيام دول !

              

هامش :

قبل أكثر من أربعين عاما كنت مجندا تحت رداء العسكر ، وكنا نحن الجنود نتوق ليوم لقاء العدو، فكانت حرب الاستنزاف ، ثم العبور ؛ فرح الثأر وكسر الذراع اليهودية الغبية . ذكرني أبو أيوب الأنصاري بنشوة الجهاد حين أصر على الخروج وهو فوق الثمانين، وتمنيت لو استطعت أن أكون مع أهل غزة لأسعد بالشهادة ، ولكن ماذا أفعل ولم أعد قادرا على مجرد حمل القلم؟ معذرة أبا أيوب!

صبيان الكنيسة في صحافة التعري والسيراميك يجاهدون لتحسين صور قادة التمرد الطائفي ، ويدافعون عن الجرائم الخطيرة مثل تجارة الأطفال التي كشفتها السفارة الأميركية ، ولا يستحون من ربهم ولا شعبهم . يا ويلنا من هؤلاء الصبية !