جبهة النصرة أصبحت جزء من الماضي

زهير سالم*

( جبهة فتح الشام ) تقدم أوراق اعتمادها فصيل إسلامي سوري

بكلمات موجزة أعلن أبو محمد الجولاني زعيم تنظيم النصرة منذ قليل ، ( وقف العمل تحت عنوان تنظيم النصرة ) أي أن التنظيم بهيكليته وارتباطاته ومنهجيته السابقة لم يعد موجودا ، وأنه أصبح جزأً من الماضي ، وعلى التوازي أعلن الجولاني قيام تنظيم جديد تحت مسمى ( جبهة فتح الشام ) وقدم أوراق اعتمادها.

إن الشكر الأنيق الذي قدمه أبو محمد الجولاني لتنظيم القاعدة وقيادته ، لا يعني أن عملية ( فك الاتباط ) لم تكن حقيقية ، وإنما يعني أن الافتراق تم على قاعدة : ( ... أو تسريح بإحسان ). وهكذا قام نائب الظواهري قبل يوم بإعلان ( إطلاق السراح ) من طرف التنظيم الأم ، وقبول المسوغات والمبررات للفراق ، ثم تبعه اليوم الجولاني ليعلن ، أن تنظيما جديدا قد ولد على الساحة الشامية بأفق وأهداف محليين . بهذه الطريقة تجنب قادة التنظيمين الشقاق بعد الفراق ، وتجنب التنظيم ( طالب الفراق ) موجة من الاعتراضات الداخلية المحتملة في صفوفه وبين بعض أتباعه .

لا أحد يستطيع أن ينكر أن مراجعات عميقة تتم على مدى سنوات في صفوف التنظيم . ومنذ مقابلة الجولاني على قناة الجزيرة التقط المتابعون إشارات مهمة عن مثل هذه المراجعات . وإن الحديث عن مراجعات يعني حديثا عن تغير في القناعات لدى شرائح مهمة من أبناء التنظيم . نسطر هذا للذين يقولون إن التغيير الذي تم لا يعدو أن صاحب شركة غير اسمه التجاري.

إن من أهم ما في إعلان أبي محمد الجولاني في ( أوراق الاعتماد الجديدة ) التي تقدم بها ، أنه وضع مصلحة الأمة ، ومصلحة أهل الشام ( الشعب السوري ) في مقدمة المصالح التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار . وإسقاط كل الذرائع التي يتذرع بها الآخرون لإعلان الحرب على هذا الشعب المستضعف الذي تكاثرت على ظهره وصدره سهام العادين . وهو اعتبار يدوسه ما يسمى تنظيم الدولة تحت قدميه وهو يحاول أن يزلزل الأرض تحت أقدام أبناء الأمة في كل مكان .

إن على الذين توقفوا عند إعلان الجولاني أيضا ( إقامة دين الله ) أن يتوقفوا أيضا عند قوله في الفقرة نفسها : ( تحقيق العدل بين كل الناس ) . في إشارة واضحة إلى استيعاب كل المكونات الوطنية تحت عبارة ( كل الناس ).

إن حرص التنظيم على ( النُّصرة ) العملية للشعب السوري دفعها إلى التخلي عن عنوان النصرة الاسمي ، إدراكا منها أن النصرة الحقيقية تتطلب وحدة صف للمجاهدين والعاملين على الأرض . ومن هنا فقد أعلن الجولاني أنه يريد أن ينزع من أيدي المتذرعين في الخارج ذريعة العدوان على السوريين وعلى الثورة السورية ، وفي الوقت نفسه لتسكين مخاوف الفصائل الأخرى على الأرض من التوحد أو التنسيق مع هذا الفصيل الجهادي المهم ...

إن من أهم ما نصت عليه المبادئ الخمسة في بيان الجولاني هو إعلانه أن مطلب الجبهة : هو ( تحقيق الأمن والأمان والاستقرار والحياة الكريمة لعامة الناس ) .وهذا مطلب مهم لعامة الناس من السوريين وللقوى الإقليمية والدولية بشكل عام.

قد يقول البعض إن ما قدمه الجولاني غير كاف ، وإنه لن يقنع المتذرعين والمتربصين ، أقول إن هذا المنطق وإن امتلك بعض مستنداته المنطقية ؛ إلا أن ما أعلنه أبو محمد الجولاني من فك الارتباط بتنظيم القاعدة أولا ، ومن الانسحاب من تحت لافتة ( الجهاد المعولم ) الذي يعاني العالم من آثاره ثانيا ؛ يستحق التقدير والاعتبار والتشجيع .

إن مسارعة بعض المسئولين الأمريكيين ، وغير الأمريكيين ، إلى تهميش الخطوة ، والتقليل من شأنها ، وتصريحات بعضهم بمثل قول المروزي : لو خرجت من جلدك ستظل إرهابيا ليست من تصريحات الراشدين . الرشد مطلوب من كل الأطراف ، والحكمة مطلوبة من الأكبر والأقوى ...

نأمل أن يجد إعلان الجولاني صداه الإيجابي على كل المستويات الدولية والإقليمية والمحلية ، وان تتبع الخطوة الأولى حركة مكوكية حقيقية من المراجعات الراشدة ؛ تخفف عن الجميع رهق الشقاق ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية