السوبرمان بوتين يتفقد غنائم موسكو في الشرق الأوسط

رأي القدس

في قاعدة حميميم العسكرية كانت ثلاث ساعات هي كل ما احتاجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإيصال ما سعى إلى تثبيته من رسائل إلى ثلاث جهات على الأقل. فقد أبلغ مواطنيه الروس أولاً أنه، وقد أعلن ترشيح نفسه لدورة رئاسية رابعة تطيل حقبة هيمنته في روسيا إلى 24 سنة، الأجدر بقيادة البلد، بدليل مغانم موسكو في سوريا، وتحقيق حلم القياصرة القديم في الوصول إلى شطآن المتوسط الدافئة. صحيح أنه ذرّ بعض الرماد في العيون حين أعلن بدء التحضير لسحب «معظم» القوات الروسية المنتشرة في سوريا، كما سبق له أن فعل في ربيع 2016، إلا أنه حرص على التذكير بأن موسكو باقية في قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية.

الرسالة الثانية تتوجه إلى العالم خارج روسيا، وإلى الولايات المتحدة بصفة خاصة، وإلى القوى العالمية والإقليمية الأخرى المعنية بالملف السوري، ابتداء من إيران وميليشياتها المختلفة، وليس انتهاء بالمملكة العربية السعودية واستثماراتها في صفوف فصائل المعارضة المسلحة. والرسالة بسيطة وقاطعة في آن معاً، مفادها أن روسيا باتت سيدة المشهد هنا، وهي التي تضع قواعد اللعبة السياسية بعد أن أرست قواعد الشطر العسكري من اللعبة و»أنجزت المهمة».

الرسالة الثالثة تخاطب الداخل السوري، معارضة وموالاة على حدّ سواء، وهي هنا أيضاً بسيطة وصريحة، مفادها أن موسكو وقد أنقذت النظام من السقوط عن طريق تدخل عسكري واسع النطاق يتواصل منذ 27 شهراً، فإنها فعلت ذلك لكي تضمن سقوطه تحت إمرة القيصر الروسي في المقام الأول. وهذه رسالة حملت طرائق إبلاغها مقداراً لافتاً من الجلافة والإذلال، فاستدعي رأس النظام إلى موسكو أو سوتشي أو حميميم عندما شاء سيد الكرملين، وأمكن لضابط مراسيم روسي عادي أن يهين بشار الأسد علانية وفي عقر داره وأمام أنصاره.

وحين تفاخر بوتين بدور الجيش الروسي في «هزيمة الإرهابيين»، فإنه تعامى عامداً عن حقيقة الدور الاهمّ الذي أنيط بالطائرات الحربية الروسية، أي قصف مواقع فصائل المعارضة المسلحة، وما أسفر عنه من مجازر دامية في صفوف المدنيين، واستهداف التجمعات السكانية والمشافي والأسواق الشعبية. كذلك توجب أن يغفل بوتين الإشارة إلى وجود آلاف المقاتلين الروس المتعاقدين مع أجهزة النظام المختلفة، خارج وزارة الدفاع الروسية وعبر شركة «فاغنر» التي تعتبر النظير الروسي للشركة الأمريكية «بلاك ووتر».

وبعد ساعات الصباح في حميميم، سافر بوتين إلى القاهرة ليقضي الظهيرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فكان جمع غنائم موسكو الاقتصادية، وتوقيع اتفاقية المحطة النووية في مصر التي ستتولى تنفيذها مؤسسة «روس أتوم» الروسية، على رأس جدول الأعمال. وأما في فترة المساء فقد توجه بوتين، وقد صار أشبه بالسوبرمان الطائر، إلى أنقرة فالتقى بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان لإعادة التأكيد على دور أنقرة لتسهيل ما يسمى بـ»مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي. وهنا أيضاً تضمنت المغانم صفقة صواريخ إس ـ 400 وبناء محطة نووية واتفاقات ائتمان لصناعة الدفاع مع تركيا.

والأرجح بذلك أن مرشحي رئاسات العالم، أجمعين، يحسدون بوتين على هذا الطراز الاستثنائي من افتتاح الحملات الانتخابية!