في الجزائر بلد الشّهداء

جميل السلحوت

[email protected]

من الأيّام التي شعرت فيها بكرامتي وإنسانيّتي هي مشاركتي في أسبوع فلسطين الثّقافيّ في مدينة قسنطينة الجزائرية عاصمة الثّقافة العربيّة للعام 2015، وبما أنّ الجزائر رئيسا وحكومة وشعبا تعتبر فلسطين قضيّتها الأولى قولا وفعلا وثقافة وانتماء، فقد ارتأت أن تبدأ احتفالاتها بأسبوع فلسطين الثّقافيّ، والعربيّ الذي يزور الجزائر سيشعر وسيرى بأمّ عينيه ما معنى أن يكون عربيّا في قطر عربيّ اسمه الجزائر.

في الطّريق

صباح السّبت 25 نيسان- ابريل- شاهدنا حسن الترتيب والنّظام والمعاملة الحسنة في مطار الملكة علياء في العاصمة الأردنية عمّان....استقلينا طائرة شركة الخطوط الجوّية التّركيّة إلى استانبول التي وصلناها في حدود العاشرة صباحا، وما أن هبطت الطذائرة مطار استانبول الدّوليّ حتى أخبرنا قالئد الطّائرة أنّ هناك خللا في كهرباء الطائرة، وهذا سيعرقل فتح باب الطّائرة...لكنّه ما لبث أن فتح بطريقة يدوية فتنفسنا الصّعداء، ونحن لا نعلم إن كان ذلك الخلل قد حصل أثناء تحليق الطّائرة في الجوّ أم أثناء سيرها على مدرّج المطار!

وبعد انتظار حتى الرّابعة من بعد الظّهر صعدنا إلى الطائرة التّركيّة التي ستقلّنا إلى مطار هواري بومدين في الجزائر العاصمة، على أمل الوصول إليه في السّادسة مساء حسب توقيت الجزائر الذي يتأخّر عن توقيت القدس ساعتين، وبقينا داخل الطّائرة التركية من الرّابعة حتى الثّامنة والنّصف وهي رابضة في مطار استانبول بحجة اصطدام سيّارة باحدى طائرات شركة الطّيران التّركيّة على مدرّج المطار في اليوم السّابق، وهذا أخّر وصولنا الجزائر حتّى الحادية عشرة بتوقيت الجزائر العاصمة، حيث وجدنا في استقبالنا عددا من طاقة سفارة فلسطين في الجزائر، الذين أجلسونا في إحدى غرف الاستقبال نحتسي القهوة والعصائر حتى الانتهاء من اجراءات المطار. انتقلنا بعدها في باص سياحيّ إلى فندق "السّلطان" في العاصمة الجزائريّة، وهو فندق في بناية قديمة لا يشي منظره الخارجيّ بالفخامة والديكورات والأثاث الفاخر الذي في داخله، وهناك نمنا ليلتنا بعد أن تناولنا وجبات عشائنا كلّ في غرفته.

وصباح اليوم التّالي- الأحد- غادرنا في باص سياحيّ إلى مدينة قسنطينة التي تبعد عن الجزائر العاصمة حوالي 420 كيلومتر، وكان بصحبتنا شاب من وزارة الثقافة الجزائريّة اسمه محمد، وهو شابّ دمث طيّب الأخلاق. وأخذنا ننحدر في سلسلة جبال أاطلس الشّرقيّة في شوارع عريضة ذات اتجاهين...كلّ اتّجاه من ثلاثة مسارب، وهي سلسلة جبال طويلة ومرتفعة جدّا وتمتد لآلاف الكيلومترات....وتعلو قممها الثّلوج، في حين تغطّي منحدراتها الغابات الكثيفة بما فيها أشجار الزّيتون...مررنا خلالها بثلاثة أنفاق اثنان منها يزيد طول الواحد منها عن كيلو متر. وعندما وصلنا منطقة سهليّة عظيمة بدت من بعيد على يميننا سلسلة جبال وهران بينما استمرت سلسلة جبال أطلس الشّرقيّة على يسارنا، ومن المعلوم أنّ مساحة الجزائر حوالي مليونين وثلاثمائة واثنين وثمانين ألف كيلو متر. لكن اللافت أن المنطقة التي قطعناها جميعها خضراء وهي دائمة الاخضرار كما أفادنا الأهالي...وهناك سيول ماء في الأودية يبدو أنّها تتغذّى من الثّلوج التي تذوب على قمم الجبال.

مررنا بمئات القرى الجزائريّة... ولفت انتباهنا أنّها مبنيّة على طراز الفنّ المعماريّ الأوروبيّ...ولم أشاهد أيّ بناء حجريّ كما في بلادنا، وغالبيّة الأبنية مقامة من الطّوب الأحمر الجميل، وكثير من أسطح المنازل من القرميد الأحمر اللافت.

قسنطينة عاصمة الثقافة العربيّة للعام 2015

"مدينة قسنطينة (بالفرنسية :Constantine)، وتسمى مدينة الجسور وعاصمة الشرق الجزائريّ، وتعتبر من كبريات مدن الجزائر تعدادا. تتميز المدينة القديمة بكونها مبنيّة على صخرة من الكلس القاسي، مما أعطاها منظرا فريدا يستحيل أن يوجد مثله عبر العالم في أيّ مدينة.و للعبور من ضفة إلى أخرى شُيّد عبر العصور عدّة جسور، فأصبحت قسنطينة تضمّ العديد بعضها تحطم لانعدام الترميم، وبعضها ما زال يصارع الزّمن، لذا سمّيت قسنطينة مدينة الجسور المعلقة. يمر وادي الرمال على مدينة قسنطينة القديمة وتعلوه الجسور على ارتفاعات تفوق 200 متر.

دخلت المدينة بعدها تحت سلطة الرومان. وأثناء العهد البيزنطيّ تمرّدت سنة 311 م. على السّلطة المركزيّة فاجتاحتها القوّات الرّومانيّة من جديد، وأمر الإمبراطور ماكسينوس بتخريبها وتمّ إعادة بنائها في عهد قسنطينين.

أعاد الإمبراطور قسطنطين بناءها عام 313 م. واتّخذت اسمه وصارت تسمّى القسطنطينة أو قسنطينة. عرفت ابتداء من سنة 429 م غزوات الوندال، ثم استعاد البيزنطيّون السّيطرة عليها.

مع دخول المسلمين إلى شمال أفريقيا عرفت المدينة نوعا من الاستقلال، فكان أهلها يتولّون شؤونهم بأنفسهم، وحتى القرن التاسع. وفي القرن الثاني عشر عرفت المنطقة قدوم القبائل الهلاليّة."

عادت المدينة للأمازيغ عن طريق الإمارات الأمازيغيّة الإسلاميّة، ومنها الزيريّين ثم الحمّاديّين و الموحّدين، وبعد سقوط الأندلس استوطن المدينة الأندلسيّون كباقي مناطق شمال أفريقيا، كما استقرّت بها جالية يهوديّة، وتعامل معهم أهل المدينة بالتّسامح.

قسنطينة مدينة الجسور:

تتميّز مدينة قسنطينة الجزائرية او "سيرتا" وهو الاسم القديم لها، عن جميع المدن العربيّة جغرافيا ومعماريا، بكونها مدينة الجسور المعلقة، ويمكن القول إنها تستحق عن جدارة لقب عاصمة الشّرق الجزائري.

حضارة وثقافة:

وأهالي قسنطينة محبّون للثّقافة لذا فإنّ هناك عدّة قصور ومسارح ودور عرض للثّقافة في المدينة، أقيم في إحداها أسبوع الثّقافة الفلسطينيّة ما بين 27 نيسان- ابريل- و2 أيار-مايو- 2015 على هامش احتفالات المدينة بكونها عاصمة للثقافة العربيّة للعام 2015 ، حيث كانت أمسيات شعريّة شارك فيها كلّ من الشعراء الفلسطينيّين: مراد السّوداني رئيس اتحاد الكتّاب الفلسطينيّين، سميح محسن ونصّوح بدران، كما قدّم الزّجال الشاب عبدالله غانم أكثر من أمسية زجليّة. وكانت هناك محاضرات ثقافية حيث قدّم الأديب وليد أبو بكر محاضرة عن الفنّ الرّوائي عند الشّباب الفلسطينيّين، وقرأ القاصّ الفلسطيني المقيم في تونس توفيق فيّاض إحدى قصصه. وقدّم أسعد القادري رئيس جمعيّة الصدّاقة الفلسطينيّة الجزائريّة محاضرة عن العلاقة الأخويّة الحميمة بين الشّعبين الجزائريّ والفلسطينيّ، في حين قدّمت الروائيّة المقدسيّة ديمة السّمان محاضرة عن وضع التّعليم في مدارس القدس العربيّة المحتلّة، وحاضر جميل السّلحوت حول الصّراع الثقافي في القدس الشّريف والتّهويد الذي تتعرض له المدينة، وتحدّث موسى أبو غربيّة عن "القدس عاصمة دائمة للثّقافة العربيّة". كما حاضر الدكتور فيصل غنادرة عن المقارنة بين الرواية الفلسطينيّ والجزائريّة

وقدّمت فرقة "أوف المقدسيّة للرّقص الشعبيّ" أمسيتين واحدة في قسنطينة وأخرى في الجزائر العاصمة تجلّى فيها زهرات وأشبال الفرقة في عروضهم التي سحرت جمهور الحاضرين، ولاقت قبولا واقبالا منقطع النّظير.

وكان رئيس الوفد الثقافيّ الشاعر عبد السّلام العطاريّ، النعروف بدماثته وخفّة دمه زمبرك الحراك في هذا الأسبوع الثّقافيّ. في حين تابع الاعلاميّ احمد زكارنة نشر الفعاليات في وسائل الاعلام.

الفنّان أحمد الدّاري:

وهو فنّان مطبوع ينحدر من قرية العيسويّة المقدسيّة، ولد في الكويت، ويعيش الآن في باريس، وهو من كوادر وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة، قدّم عدّة أغاني وعزف على العود أكثر من مرّة. وقد كان لافتا بخفّة دمه، ودماثة خلقه وسعة ثقافته وهدوئه. ذكّرته بحلف الواديّة القبليّ" الذي يجمع قرى السّواحرة، سلوان، الطّور، العيزريّة، أبو ديس والعيسويّة" فضحك ملء شدقيه على ذلك.

في جامعة الأمير عبد القادر الجزائريّ:

وبترتيب من الأخ منصور المغربي مندوب سفارة فلسطين في قسنطينة، وبرفقة الأخت أمّ خليل زوجة الدّكتور لؤي عيسى سفير فلسطين في الجزائر، رتّب الدّكتور عبدالله بو خلخال رئيس جامعة الأمير عبد القادر الجزائري المسكون بحبّ فلسطين وشعبها. لقاء مع الرّوائيّة ديمة السّمان وجميل السلحوت حيث حاضرا عن التعليم والصراع الثّقافي في القدس.

السّفارة والسّفير:

سفارة فلسطين في الجزائر خليّة نحل لا تعرف الملل، لا تدّخر جهدا في عملها الدّبلوماسيّ، وخدمة فلسطين وقضاياها، وسعادة السفير الدكتور لؤي عيسى دينامو حركة وعمل، شعرنا برفقته في اليومين الأخيرين أنّه شخصيّة قياديّة دبلوماسية وشعبيّة، رجل لمّاح صاحب نكتة وابتسامته لا تفارق وجهه، فالرّجل المولود في مخيّم اليرموك قرب دمشق فلسطينيّ حتّى النّخاع، لا يرى نفسه موظّفا دبلوماسيّا بمقدار ما هو مواطن فلسطينيّ مكافح يعيش هموم شعبه وأمّته، ويخدم قضاياها عن طيب خاطر ودون تصنّع... لذا فقد جعل من السّفارة ملاذا لكلّ الفلسطينيّين الذين يعيشون في الجزائر، ومن يزورونها أيضا، تماما مثلما هي مفتوحة للأخوة الجزائريّين...والسّفير أبو خليل صاحب الشّخصيّة القيادية يعرف جيّدا كيف يمؤسس عمله، لذا فقد عمل عدّة دوائر في السّارة، ولكل دائرة مهمامها المعروفة والمحدّدة.

وزوجة السّفير السّيدة الفاضلة أمّ خليل ماجدة فلسطينيّة تعرف دورها تماما، لذا فقد رافقت الوفد الثقافيّ الفلسطينيّ في قسنطينة، وشاركت في وداعه في مطار هواري بومدين،  حضرت الفعاليّات جميعها...تعمل بصمت ودون ضجيج، لم تفرض رأيها على أحد، ولم تتأفّف من أحد أيضا. شعر الجميع بأنّها أختهم تماما مثلما أشعرت زهرات وأشبال فرقة "أوف" بأمومتها.

ومن العاملين بصمت الأخ علي الشّامي، وهذا الرّجل لافت بعمله الدّؤوب والمتواصل بصمت وابتسامته الدّائمة، وهو ينحدر من قبائل الأمازيج الجزائريّة، هاجر جدّه الأوّل إلى القدس وعاش فيها، وبعد حزيران 1967 هاجرت الأسرة إلى مخيّم اليرموك قرب دمشق، وعليّ المناضل طيلة حياته لا يتحدّث عن نفسه شيئا...هو قريب من قلوب من يعرفونه...ويواصل عمله في السّفارة وعلى أكثر من محور.

ومن الذين رافقوا الوفد الثقافيّ منذ دخوله الجزائر وحتّى مغادرته الأخ هيثم عمايرة الملحق الثقافيّ الذي شارك في كافّة الفعاليات وحتّى السّهرات...وكذلك الأخ حمزة الذي كان يرتّب طريقة الحضور والمغادرة أيضا ويرافق الوفود في دخولهم ومغادرتهم إلى المطار ومنه.

الأوركسترا:

مساء الخميس 30 نيسان دعينا لحضور حفل أوركسترا في دار الأوركسترا في قسنطينة، حفل موسيقي وغنائيّ غاية في الابداع، شارك فيه مئات الموسيقيّين وفرقة الكورال وفرقة النّشيد في الحرس الرّئاسيّ، وقدّموا رائعة "الوئام والسّلام" بقيادة المايسترو أمين قويدر، وقدّمت فيه الفنّانة الجزائريّة صاحبة الصّوت العذب منّة الرّيحان أغنية وطنيّة.

الأخوّة الجزائريّة الفلسطينيّة:

والشّعب الجزائريّ بأعراقه كافة، بعربه وبأمازيجه مجبول على حبّ فلسطين وشعبها، والحكومة الجزائرية تساعد فلسطين ولم تحاول يوما التدخّل في الشّأن الفلسطينيّ الدّاخلي، وهم يستشهدون بمقولة الرّئيس الرّاحل هوّاري بومدين " نحن مع فلسطين مظلومة أو ظالمة" و" استقلال الجزائر منقوص ما دانمت فلسطين محتلة" وغيرها. وممّا يتميّز به الشّعب الجزائريّ هو قول الأفراد العاديّين عندما يرحّبون بأيّ فلسطين" أنت جزائريّ وأنا فلسطيني" فلله درّك يا شعب المليون ونصف المليون شهيد.

بيت لكلّ أسرة:

ومن الأمور اللافتة تلك الأبنية متعدّدة الطّوابق والممتدّة أفقيا على مساحات واسعة، وفي أكثر من مكان، فكانت الإجابة عن استفسارنا حولها بأنّها مشاريع اسكانيّة تبنيها الدّولة وتوزع الشّقق مجانا على الأسر الجزائريّة، لأن من حق كلّ جزائريّ أن يكون له بيت مستقل.

الماجدات الجزائريّات:

للمرأة الجزائريّة حقوق تفوق مثيلاتها في الدّول العربيّة والاسلاميّة، وقد حفظ لها القانون الجزائريّ تلك الحقوق، ونسبة الجزائريّات المتعلّمات والعاملات مرتفعة جدّا، ومن الّلافت أنّ الغالبيّة العظمى من النّساء الجزائريّات يرتدين الّلباس الشرعيّ أو بالأحرى يرتدين الحجاب، وبعضهنّ منقّبات أيضا...وظاهرة الحجاب والنّقاب انتشرت في الجزائر منذ تسعينات القرن العشرين كما أفادنا بعض المواطنين. وعندما سألت أحد الصّحفيّين عن الحجاب بقولي:

 هل حجاب المرأة في الجزائر عبادة أم عادة أم خوف من التّيارات الدّينيّة؟

 أجابني ضاحكا: كلّها مشتركة!

العشرية الظلماء:

يتحدث الجزائريّون بمرارة عن المرحلة السّوداء التي أشعل فيها المتاأسلمون الجدد نار الفتنة في الجزائر ما بين الأعوةام 1992 و2002 والتي حصدت أرواح ما يزيد على مائتي ألف جزائري، عدا عن آلاف الجرحى، وعن الدّمار الذي ألحقوه بالبلاد ومسساتها واقتصادها، ويصفونها "بالعشريّة الظلماء" أو السّوداء أو المعتمة.

يتبع"

الجزائر مرّة أخرى

وفي أسبوع فلسطين الثقافي على هامش تظاهرة"قسنطينة عاصمة الثقافة العربية للعام 2015 كان الحضور متنوعا ولافتا، فقد ارتاد الجزائريّون قصر الثقافة شيبا وشبّانا ذكورا وإناثا...كلّهم يهتفون لفلسطين وعاصمتها القدس وأقصاها الأسير.

النشيد الوطني

وأشقّاؤنا الجزائريّون فخورون بتاريخهم وبانتمائهم القومي والدّيني، لذا فإن عمليّة "فرنسة" الجزائر ومحاولة الاستعمار الفرنسي فرض لغته وثقافته عليهم قد ذرتها رياح الثّورة العاتية، وبعد استقلال الجزائر أصبحت اللغة العربيّة لغة البلاد الرّسميّة، فقاموا بتعريب كلّ شيء في الجزائر، والجزائريون شديدو الفخر برموزهم الثقافية والتّاريخيّة والوطنيّة، لذا لا غرابة أن تجد أسماء المؤّسّسات والشّوارع تحمل أسماء شهداء الجزائر في حرب التّحرير وغيرها، لذا لا غرابة أن تجد جامعة في قسنطينة تحمل اسم المجاهد الأمير عبد القادر الجزائريّ. ولاغرابة أن يتصدّر النشيد الوطنيّ الجزائريّ احتفالات نشاطات المؤسّسات على اختلافها، وهذا نصّ النّشيد المكوّن من خمسة مقاطع ويستمر عزفه لمدّة ثماني دقائق:

قسما بالنازلات الماحقات

 والدماء الزاكيات الطاهرات

 والبنود اللامعات الخافقات

 في الجبال الشامخات الشاهقات

 نحن ثرنا فحياة أو ممات

 وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

 فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا...

2نحن جند في سبيل الحق ثرنا

 وإلى استقلالنا بالحرب قمنا

 لم يكن يصغى لنا لما نطقنا

 فاتخذنا رنة البارود وزنا

 وعزفنا نغمة الرشاش لحنا

 وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

 فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا...

 3يا فرنسا قد مضى وقت العتاب

 وطويناه كما يطوى الكتاب

 يا فرنسا إن ذا يوم الحساب

 فاستعدي وخذي منا الجواب

 ان في ثورتنا فصل الخطاب

 وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

 فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا...

4نحن من أبطالنا ندفع جندا

 وعلى أشلائنا نصنع مجدا

 وعلى أرواحنا نصعد خلدا

 وعلى هاماتنا نرفع بندا

 جبهة التحرير أعطيناك عهدا

 وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

 فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا

5 صرخة الأوطان من ساح الفدا

 فاسمعوها واستجيبوا للندا

 واكتبوها بدماء الشهدا

 وأقرؤوها لبني الجيل غدا

 قد مددنا لك يا مجد يدا

 وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

 فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا.

وفي أسبوع فلسطين الثّقافي على هامش احتفالات "قسنطينة عاصمة الثّقافة العربيّة للعام

2015" كانوا يقدّمون النّشيد الوطنيّ الفلسطينيّ على مثيله الجزائريّ، ويستمرّ عزفه حوالي ستّ دقائق:

بلادي بلادي

 

 

بلادي يا أرضي يا أرض الجدود

بلادي بلادي

بلادي يا شعبي يا شعب الخلود

***

بعزمي وناري وبركان ثأري وأشواق دمعي لأرضي وداري

صعدت الجبال وخضت النضال قهرت المحال عبرت الحدود

بلادي بلادي يا شعب الخلود

 

***

بعزم الرياح ونار السلاح وإصرار شعبي بأرض الكفاح

فلسطين داري فلسطين ناري فلسطين ثأري وأرض الصمود

بلادي بلادي يا شعب الخلود

 

***

بحق القسم تحت ظل العلم لأرضي وشعبي ونار الألم

سأحيا فدائي وأمضي فدائي وأقضي فدائي إلى أن تعود

بلادي بلادي يا شعب الخلود

 وعندما سألناهم عن أسباب تقديم النّشيد الوطنيّ وليس السّلام الوطني اختصارا للوقت! أجابونا بأنّ النّشيد الوطني رمز مقدّس لا يجوز التّهاون في بثّه.

إحياء ذكرى أمير الشّهداء

وسفارة فلسطين محظوظة بالسّفير المثقّف والعمليّ د. لؤي عيسى "أبو خليل" ومبنى السّفارة واسع جدّا وهو تقدمة من حكومة الجزائر لفلسطين وشعبها، وتتوسّطه قبّة تشبه قبّة الصّخرة المشرّفة في باحات المسجد الأقصى، وفي السّفارة قاعة للاجتماعات وأخرى للاحتفالات، ويجري ترميم واعداد قاعة مسرح في الطّابق السّفليّ من مبنى السّفارة. وقرّرت السّفارة إحياء ذكرى أمير الشّهداء القائد خليل الوزير يوم 2-5-2015، بحضور عدد من أبناء الجالية...وبحضور الوفد الثّقافيّ الفلسطينيّ الزّائر للجزائر، ألقى فيه سعادة السّفير كلمة تحدّث فيها عن مراحل النّضال الفلسطيني السّاعي إلى كنس الاحتلال وكافة مخلّفاته، وتمكين شعبنا الفلسطينيّ من حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطيّنيّ بعاصمتها القدس الشّريف.

وسفيرنا ابن حركة فتح ليس فئويّا، فهو يحترم كافّة الأطياف والاتّجاهات السّياسيّة والفكريّة الفلسطينيّة، وهذه من صفات القيادات الشّعبيّة السّياسيّة الشّموليّة، وهو يدعو إلى الوحدة الوطنيّة تحت راية منظمة التّحرير الفلسطينيّة. فقد جلس بين صفوف المواطنين، لم يجلس على المنصّة كما يفعل بعض القادة المسقطين على المواطنين من فوق وكأنّهم قدر إلهي، ألقى كلمته وعاد ليجلس بين المتواجدين في القاعة، ومثله تماما كانت زوجته بين الحضور بصحبة الرّوائيّة المقدسيّة ديمة السّمان والاعلاميّة آسيا الرّيّان المقيمة في هولندا. وتواضع السّفير هذا جعله قريبا من مواطنيه ومن زائري السّفارة من أبناء الشّعب الجزائريّ العظيم.

وأثناء تقديم فرقة"أوف" المقدسيّة عرضها التراثيّ الرّائع في إحدى قاعات العرض الثّقافيّة في العاصمة الجزائر، لم يجلس سعادة السّفير في قاعة الاستقبال كما فعلنا نحن، بل كان على باب القاعة الرّئيسيّ يستقبل المدعوّين من رسميّين والسّلك الدبلوماسي العربي والمواطنين العاديّين. وبعد انتهاء العرض صعد إلى المسرح ليصافح أعضاء الفرقة فردا فردا بحنان أبويّ واضح.

ديمة وآسيا وأمّ خليل

أديبتنا الرّوائيّة المتميّزة ديمة جمعة السّمان هي السّيدة الوحيدة التي كانت ضمن وفد الأراضي الفلسطينية المحتلة الثّقافي، وكان هناك عدد من الزّهرات العضوات في فرقة "أوف" المقدسيّة، وحضرت السّيدة آسيا الرّيان من هولندا، وهي فلسطينيّة تنحدر أصولها من منطقة حيفا، تعمل في مجال الاعلام والصّحافة والاخراج السّينمائيّ، أصيب بوعكة صحيّة منعتها من تقديم موضوعها حول السّينما الفلسطينيّة، وهي سيدّة مثقفة وتعي قضيّتها جيّدا، تنناقشنا وتحورنا وإيّاها أكثر من مرّة، وسعدنا بلقائها. ولا ننسى هنا أيضا دور السّيدة أمّ خليل زوجة سفيرنا في الجزائر، والتي شاركت الوفد في فعاليّات الأسبوع الثّقافيّ كاملة، فهي سيّدة فاضلة مثقّفة وفاعلة بهدوء أيضا.

أمّا زميلتنا الرّوائيّة ديمة جمعة السّمان، فقد كانت نجم الأسبوع الثّقافيّ بدون منازع، فبعد أن قدّمت محاضرتها حول التعليم في مدارس القدس العربيّة في قصر الثّقافة في قسنطينة وفي جامعة الأمير عبد القادر الجزائريّ، لفتت أنظار رجال الفكر والأكاديميّين ومراسلي وسائل الاعلام بغزارة معلوماتها وقوّة شخصيّتها،، وجمهور الحضور، فتسابقوا على مصافحتها والحديث واجراء المقابلات معها. وقد وصفها الدكتور عبدالله بو خلخال رئيس جامعة الأمير عبد القادر الجزائريّ بأنّها تحمل رائحة القدس، ممّا دفع عددا من المحاضرات وطالبات الجامعة إلى احتضانها وتقبيلها. وعرض الدّكتور أبو خلخال عليها وعلى جميل السّلحوت ترتيب لقاءات لهما لالقاء محاضرات عن القدس ومدارسها وصراعها ومعاناتها مع الاحتلال في مختلف الجامعات الجزائريّة.

الدّكتور عبدالله بو خلخال

هذا الرجل الذي يشغل منصب رئيس جامعة الأمير عبد القادر الجزائري، مجاهد يتحلّى بتواضع العلماء، يحمل هموم فلسطين وشعبها، ويمنّي النّفس بالصّلاة في المسجد الأقصى محرّرا من الأسر، استقبلني والأديبة السّمان صحبة زميله في الدّراسة الأستاذ منصور المغربي مندوب سفارة فلسطين في قسنطينة، والسّيدة أمّ خليل زوجة السّفير الفلسطيني، والأخ علي الشّامي بالأحضان، واصطحبنا بجولة في أقسام الجامعة، وقدّم لي وللأخت ديمة السّمان شهادة مشاركة تقديرية من الجامعة ممهورة بتوقيعه.

توفيق فيّاض

التقينا القاصّ الفلسطينيّ توفيق فيّاض الذي يعيش شيخوخته وأمراضه وأحزانه في تونس العاصمة، وقد عرفته أنا شخصيّا من خلال مجموعته القصصيّة " الرّصيف" و" الشّارع الأصفر" وسبق أن قدّم الفنّانان المقدسيّان كامل الباشا وعماد مزعرو قصّته "أبو جابر الخليلي" مسرحيّا على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، ولقيت نجاحا باهرا. وتوفيق فيّاض "يعشق الحياة ما استطاع إليها سبيلا على رأي صديقه الرّاحل محمود درويش، فهو لا يعترف بالشّيخوخة التي تغزو جسده.

عبد السّلام العطاري:

 كان رئيس الوفد الثّقافي هو الشّاعر الجميل عبد السّلام العطاري، وهو إنسان لطيف كريم الأخلاق مرح إلى درجة كبيرة، إنسان شعبيّ متواضع لا يؤمن بالرّسميات، همّه الوحيد تمثّل بحرصه الشّديد على إنجاح الأسبوع الثّقافي الفلسطينيّ، وقد عمل جاهدا على توفير الرّاحة لأعضاء الوفد وترتيب اللقاءات والفعاليّات مع الأخوة الجزائريّين، لم يضع لنفسه فقرة خاصّة، اللهم سوى قيامه بتقديم ديمة السّمان وجميل السلحوت وموسى أبو غربيّة للجمهور الجزائريّ أثناء حديثهم عن القدس تعليما وثقافة وتهويدا. وكان دور رئيس الوفد الفاعل سببا رئيسا في إنجاح هذه التّظاهرة الثقافيّة.

فرقة "أوف" المقدسيّة

لم يسبق لي أن شاهدت أيّة عروض لهذه الفرقة المقدسيّة المكوّنة من حوالي عشرين زهرة وشاب مقدسيّ، - وهذا قصور منّي طبعا- وعندما شاهدت عرض الفرقة الرّائع في الجزائر شعرت بنقصيري هذا، ومن خلال العرض تبيّن لنا الجهد الهائل والتّدريبات القاسية التي بذلتها الفرقة لاخراج هذا العرض الذي أظهر اهتمام الفرقة بتطوير الدّبكات والرّقصات الشّعبيّة الفلسطينيّة بشكل عام والمقدسيّة بشكل خاصّ، ولروعة ما قدّمته الفرقة فقد اتفق سعادة السّفير مع مدير عام وزارة الثقافة الجزائرية على استقبال الفرقة في عطلة الصّيف المدرسيّة القادمة للتدرّب مع شباب جزائري في فرقة مشتركة.

المخرج الجزائريّ محمّد عيّاط

التقينا المخرج التلفزيونيّ الجزائريّ محمد عيّاط، وهو مثقف غاية في اللطف والابداع، أبدى استعداده لاخراج رواية "رحلة ضياع للأديبة المقدسيّة ديمة السّمّان تلفزيونيّا أو فيلما سينمائيّا، وقال بأنّ أمنيته أين يقدّم عملا فنّيا عن فلسطين، كما طالب بالحصول على رواية"أميرة"لجميل السلحوت لنفس الغرض.

غادرنا الجزائر والفرح يغمرنا بمعرفة القليل عن هذا البلد الأصيل، ولولا ارتباطاتنا وأعمالنا لطالت إقامتنا فيه لنستنشق رائحة الحرّية في هذا البد العظيم بشعبه.