سياحة في المغرب ورحلة إلى عمق وآثار الحضارة

وارث الرومان والمدن القديمة وطيبة الناس

بدل رفو المزوري

[email protected]

المغرب

الحب والشوق والاحساس بالأمان والعودة للحياة البسيطة والطفولة وذكرياتها والفن وطيبة الانسان التي نفتقدها في عصر العولمة ،كانت الاسباب لسفري ورحلاتي المتكررة  الى بلاد المغرب العربي ..رحلتي الاخيرة كانت في خريف 2012 حيث التمتع بجمالية المغرب ومدنها القديمة وهدوئها حيث قلة السواح في هذا الموسم ،حملت حقيبتي الظهرية لاطرق ابواب قرية صغيرة على البحر المتوسط (تارغة)للتمتع بهدوء البحر وناس القرية من الصيادين البسطاء وتحيتهم ومازالت القلعة شامخة واثارها حيث كانت تصد الاستعمار الاسباني والبرتغالي ولكنها عاجزة اليوم  على ان تصد هجرة ابنائها الى المدن الكبيرة او العمل في سفن صيد ضخمة تعود للاسبان وغدت شبه مهجورة ومن هناك كان الطريق صوب (واد لو)و صادفنا السوق الذي يقام كل نهاية الاسبوع وفيه يقدم الباعة والفلاحين من المناطق الجبلية والقرى المجاورة لبيع بضائعهم من الخضروات والفواكه بالاضافة الى السجاد والصوف ويزدحم السوق بالناس وكذلك يعد الوجه الجميل لمنطقة الجبل في (واد لو)واما النساء فتردين قبعات كبيرة كأنهن من امريكا اللاتينية ومن هناك صوب مدينة شفشاون عبر الوادي والجبال الصخرية الحمراء والرومانسية التي لا حدود لها وفي الافق الجميل ،نجتاز القرى الصغيرة وضحك الاطفال وعواء الكلاب التي تنتشر بكثافة على طول الطريق ناهيك عن الباعة وحاجات الخزف والتين وزيت الزيتون ،لغاية وصولنا الى مدينة احمل هواها وطيبة ناسها واصدقاء لهم مكانة كبيرة في قلبي.. انها مدينة (شفشاون)والتي يبلغ عدد نفوسها اكثر من 50 ألف نسمة حسب اخر الاحصائيات وتبعد 60 كيلومترا جنوبا من مدينة تطوان ، شيدت هذه المدينة القديمة التي تقع بين الاسوار كقلعة عسكرية ضد تقدم الاسبان صوب المغرب وكمكان آمن للمسلمين الهاربين ايضا من الاندلس وشيدها مولاي علي بن راشد والمدينة القديمة الساحرة اشبه بحكايات الف ليلة وليلة ..مدينة رائعة من زرقة السماء تبهر الانسان بشكل مذهل واشكال منازلها بيضاء ناصعة وغطست مع اللون الازرق وكان السماء حطت في هذه المدينة وموقعها رومانسي وتسميتها قدمت من  انظر الى القمم وفيها القصبة والعديد من المساجد التاريخية ومن ناحية الموسيقى فهي مشهورة بالحضرة الشاونية وفيها تعرفت على معظم ادبائها وفنانيها ومنهم (محمد حقون ،عبدالمنعم ريان،المفضل الجيدي،محمد عسو،عزيز ريان،ومجموعة اخرى من الشباب )ايام وليال قضيتها في مخيم (ازيلاند)والعاملين فيه غمروني بحبهم .

انطلقنا من شفشاون صوب جبال الاطلس وهدفنا الرقود على هذه الجبال عدة ايام لما لها من شهرة وهواء نقي ،مررنا بمدينة افران ،حيث تضم 31 الف نسمة حسب احصائية 2004 وتقع على ارتفاع 1650 متر فوق مستوى سطح البحر وتبعد 63 كيلومترا جنوبا من فاس وبمشاهدة هذه المدينة ينتاب الانسان شعوراً بانه قد غادر ارض المغرب والبعض يقول بان الفرنسيين شيدوا المدينة الحديثة وطابع البناء كله اوروبي من الطابوق الاحمر بعيدا عن الطابع الاسلامي الذي يستخدم في المدن المغربية القديمة.تعد مدينة افران مركزاً للسياحة الداخلية للمغاربة ومن احب اماكن الاستجمام وجبال الاطلس الغلابة تدعو لقضاء صيف مريح وكذلك الى رياضة شتوية ،فالكثير من الزوار ياتون من مكناس ،فاس،الدار البيضاء،،الرباط لقضاء نهاية عطلة سعيدة وفي افران المدينة تستعد على قدم وساق لاستقبال السواح المغاربة وتكثر فيها الفنادق والمقاه والمطاعم واما السواح الاجانب فهم يبحثون عن اصالة المدن القديمة في مراكش وفاس وشفشاون ووليلي وبعد قضاء ليلتين في خيمتي على جبال الاطلس واذا بي ارى ليلا بان القردة قد التمت حول خيمتي ولكنها كانت لطيفة وهربت لمجرد رؤيتي وعلى جبال الاطلس كانت استراحة للانسجام مع النفس والروح بعيدا عن المدن والضوضاء والانفراد بالتمتع بالشروق والغروب وكتابة الشعر .

الطريق صوب مدينة (ازرو)لأبحث عن الصديق الشاعر والناقد (حسن العابدي) ليحدثني عن تاريخ الامازيغ كما وعدته ولكن الحظ لم يحالفني بان التقيه ،فهذه المدينة تعد المركز التجاري للامازيغ ومشهورة بتاريخها العريق وأزرو تعني بالامازيغية الصخرة ولهذا يواجهك قبل الدخول الى وسط المدينة جبل صخري وعليه تاج الملك .عدد سكان المدينة يبلغ 50 ألف نسمة حسب احصائية 2004 وتبعد 17 كيلومترا في الجنوب الغربي من مدينة افران .تعد مدينة ازرو للامازيغ من اهم الاسواق واحبهم الى القلب وتشتهر بالصناعات اليدوية وفي جلسة مع السيد عبدالمالك وقد كرمنا مشكورا وهو صاحب اهم محلات السجاد اليدوي ومن صناعة الامازيغ وتحدث لي عن انواع السجاد اليدوي وكيف يلتجا عشاق السجاد من العالم الى هذه المدينة وحديثة وشوقه في السرد اقنعني بان اشتري سجادة عمرها يتجاوز 80 عاما من اجل ان اجلبها هدية لوالدتي في كوردستان من بلاد الامازيغ ووزنها 10 كيلوغرام.تقع ازرو على ارتفاع 1250 متر مربع فوق مستوى سطح البحر ..لقد شيد مولاي اسماعيل القصبة في المدينة من اجل السيطرة على الامازيغ وخلال فترة الاستعمار شيد الفرنسيون المدينة الجديدة بعد الحرب العالمية الاولى  لقضاء عطلة الصيف فيها ولهذه المدينة مكانة كبيرة عند الامازيغ ..في مدينة ازرو حيث الجامع يقع في مركز المدينة وحوانيت متراصة لبيع السجاد والهدايا والصناعات اليدوية وبعدها تكثر المقاه وانا ابحث عن الشاعر حسن العابدي ولكن اتضح لي بأنه ليس من رواد المقاه ودعت ازرو وناسها الطيبين وجبال الاطلس والقردة وربما ارجع لها في المستقبل.كان الطريق صوب ارث الرومان وعروس المغرب وشمال افريقيا مدينة وليلي التي ابهرتني بما رايته من مدينة شيدت بقرون قبل الميلاد من قبل الرومان وازدهرت بعد ذلك ولكنها اليوم اثار واطلال للسواح والزوار والباحثين عن المدن القديمة .

رحلتي الى المغرب زيارة لمدن كثيرة ومنها المدينة القديمة صفرو والتي شيدها اليهود على اسلوبهم وازقتها الضيقة والاسوار التي تحيط بالمدينة والحياة البسيطة ويقول المؤرخون بان مدينة صفرو اقدم بكثير من مدينة فاس على ضوء كلام مولاي ادريس الثاني ومقولته المشهورة في صفرو بانه سيرحل مدينة صفرو الى قرية فاس  وكذلك مدينة وزان الجميلة  بالاضافة الى زيارة مدينة فاس وجامع القرويين والمدينة القديمة في فاس ذكرتني بطفولتي في ازقة الموصل القديمة ،مكناس واسوارها الجميلة الشاهقة تمنح الانسان الامان من الغزوات في عصر العولمة ..الشاعر والناقد المغربي (ابراهيم قهوايجي) والذي استضافني لايام عديدة في سفرتي الماضية وبين لي مدى كرم الانسان المغربي للضيوف ووقتها عرفني على عائلته ووالديه ومدينته الصغيرة سبع عيون و مجموعة من شعراء وادباء المغرب وما زلت على اتصال مع بعضهم وقال كلمة  بعد زيارتي لهم قائلا:

صراحة تعرفت على الادب والثقافة الكوردية عبر صديقي الاديب المتعدد بدل رفوالمزوري سواء تعلق الامر فيما كان يحكيه لي عن أعلام وأدباء كوردستان وفنانيها على الشبكة العنكبوتية، او ما كان ينشره من ترجمات للشعر الكوردي الذي يضج بالدهشة والجمال والانسانية الباذخة، لدرجة أحسست، داخليا، أن الادب الكوردي له وشائج وثقى مع الادب العربي من خلال قضاياه وظواهره الفنية، وقد كرّمني صديقي الجميل بدل بأن وضعت تقديما لاحد دواوين بدرخان السندي الشعرية الذي قام هو بترجمته الى العربية، فازددت من خلال قراءة هذا العمل عشقا للادب الكوردي، وكم كان سعادتي كبيرة عندما استقبلت بالمغرب صديقي بدل رفو ، وبرمجت له لقاءات شعرية في فعاليات ثقافية شارك فيها وتعرف على أدباء ومناطق مغربية تضرب بعمقها في التاريخ والحضارة المغربيتين، بل وتدبرت أمر دعوته ليكون ضيفا على اذاعة مكناس الجهوية حيث تحدث عن الثقافة والادب الكورديين وعن علاقته بالادب والادباء المغاربة واهتماماته بنشر الثقافة الكوردية والقيام برحلاته من اجل ذلك. وقد أسفرت لقاءاتنا عن مشاريع ثقافية نتبادل فيها الزيارات الثقافية والاحتكاك الثقافي والحضاري وبناء جسر المحبة الانسانية، ونحن في انتظار ان تُفعل تلك المشاريع لنفسح المجال لدعوة اخوتنا من الادباء الكورد قصد المشاركة معنا في الفعاليات الثقافية التي ننظمها بالمغرب.

رحلة الى مدن كثيرة في المغرب لغاية وصولنا الى الصحراء وبعد الانتهاء من الرحلة عدت الى شفشاون لاودع اصدقائي واتجه صوب الحدود المغربية الاسبانية لاودع المغرب وادخل الاراضي الاسبانية وبالسفينة اسافر من سبتة الى الجزيرة الخضراء ومنها الى مدينة ملكا الاسبانية والسفر منها صوب النمسا ..رحلاتي الى المغرب لها نكهة خاصة وفي الطريق وانا احدق في مضيق جبل طارق واتذكر مقولته الخالدة واما انا قلتها الغربة امامك ووراءك يا بدل رفو ليس لك سوى وطنك ان ترجع له ولكنه ادار ظهره لك وانتهت الرحلة.

الصور بعدسة الكاتب