الرحلة الأند

نوال السباعي

[email protected]

(1)

"الموريسكيون: حقيقة تاريخية ودرس إنساني موجع"

هذه هي المرة الأولى منذ ثلاثين عاما التي أقصد بها منطقة الجنوب الإسباني آتية من مدريد، وبالقطار، وهذه هي المرة الأولى التي أعيش فيها هذه التجربة الغريبة، مواكبة خطوط خروج سكان شبه الجزيرة الإيبيرية من المسلمين الذين طُردوا من هذه البلاد واستؤصلوا عن بكرة أبيهم منها، وهذه هي المرة الأولى التي أستمع فيها خلال ثلاثين عاماً في إسبانيا إلى برنامج إذاعي مدته ساعة ونصف الساعة يتحدث جملة وببعض التفاصيل عن حياة "الموريسكيين"، ومعاناتهم، والطرق القذرة البشعة التي اتبعتها محاكم التفتيش لإبادتهم واجتثاثهم من أرضهم ودينهم ووجودهم الإنساني والحضاري، تلك الطرق التي نجحت بها مملكة "قشتالة" أيّما نجاح في إبادة شعب كامل ومحوه من الحاضر والمستقبل -حيث لم تكن إسبانيا في حينها تسمى إسبانيا أصلاً، ولم تكن حدودها الإنسانية والثقافية والجغرافية معروفة كما هي عليه اليوم- نجحت إلى درجة قررت فيها الإمبراطورية القشتالية بقيادة الكنيسة الكاثوليكية في حينها تجربة حظها مع شعوب أميركا الجنوبية وبنفس الطرق "الناجعة" التي اتبعتها مع مسلمي البلاد الذين كانوا سكان هذه المنطقة من العالم خلال 800 عام لا أكثر ولا أقل، أي عشرة أجيال، هكذا استطاع الاستعمار القشتالي القضاء على حضارة "المايا" كما حضارة "الأندلس"، وبطريقة فريدة من نوعها في التاريخ، حيث لم يستطع أي استعمار أو استيطان أو غزو -أو سَمِّه ما شئت- وعلى مر التاريخ، استئصال العنصر الإنساني الديني الحضاري لشعب من الشعوب على الطريقة "القشتالية" كما حصل في كل من الأندلس وأميركا الجنوبية. 

في الطريق من "ألكانتة" إلى "بنيدورم" أحد أهم المنتجعات الإسبانية شرقي إسبانيا على شواطئ المتوسط، كانت الإذاعة الوطنية الإسبانية الأولى -راديو ناثيونال1- تقدم برنامجا وبالوثائق التاريخية، وباستعراض آراء العديد من المؤرخين الإسبان والفرنسيين والإنجليز، عن "الموريسكيين"، وهم المسلمون واليهود الذين بقوا في الأندلس بعد أن سقطت بيد القشتاليين، ومعاناتهم خلال 300 عام بعد سقوط غرناطة (ثلاثة قرون)، تحدث المذياع عن ذلك الإرهاب المنظم الذي كان يمارَس ضد الناس لإرغامهم على تغيير أسماء أولادهم وحاراتهم وشوارعهم ومدارسهم، إرهاب بقوانين حكومية، تدعمها الكنيسة، يحمل الناس على تغيير ملابسهم: ألوانها وأشكالها، ويجبر الناس على ترك عاداتهم الدينية؛ فلا ختان، ولا أعراس إسلامية أو يهودية، ولا غسيل للموتى، ولا دفن على الطريقة الإسلامية أو اليهودية، ولا غسل من جنابة أو حيض أو نفاس، ولا صلوات علنية ولا سرية، الأبواب يجب أن تبقى مفتوحة ليُراقَب كل ما يجري في بيوت القوم، ولا تكفي العين والأذن للاتهام والريبة والشك ثم تقديم البلاغ، فلقد دخل الأنف كذلك حيز العمل في المخابرات القشتالية تلك، فكل من تفوح من بيته رائحة القلي والطبخ والنفخ بالزيت هو مسلم أو يهودي لا محالة، لقد صدر أمر بإرغام الناس على الطبخ بدهن الخنزير وحسب، وكل من يُضبَط متلبسا بالطبخ بغير هذا الدهن يُساق إلى محاكم التفتيش ليُحرق في الساحات، لقد حُرّمَت في مملكة قشتالة كل روائح العطر والطيب سواء خرجت من طعام أو إنسان أو دار، وعاشت مملكة الرعب تلك على رائحتين فحسب: رائحة دهن الخنزير ورائحة شواء اللحم الإنساني!! 

لا عجب إذن أن المستعمر الأميركي في غوانتانامو لجأ إلى حرمان المعتقلين من حواسهم الثلاث، ولكن لم يبلغ به الحال أن حرم الناس من حاسة الشم والذوق، فهذه طبقة من التوحش لم نسمع عنها إلا في مملكة قشتالة التي كان ملوكها قد وقّعوا وثيقة "شرف" يوم تسليم غرناطة لحماية أعراض الناس ودينهم وعدم الإساءة إليهم في عاداتهم المعيشية والحضارية، لقد كان حبر الغدر على ورق النصر!! 

قرأت كثيرا عن محاكم التفتيش الكنسية في مملكة قشتالة ولكن أن تسمع تلك المعلومات في الراديو القومي الإسباني ولمدة ساعة ونصف الساعة في تحقيق علمي موثق، فهذا أمر آخر مختلف تماما، يقال إن مدينة ألكانتة الإسبانية الشرقية السياحية سُمِّيَت بهذا الاسم بسبب رجل مجنون يدعى "علي" كان يتجول مؤذناً في الشوارع فظنه المستأصلون مُغنياً، وسميت البلدة باسمه، "ألي كانتِه"، تعني بالإسبانية "علي غنِّ". لا أريد أن أحرّف الأسماء على الطريقة الليبية فأنسب كل لغات الأرض إلى اللغة العربية، ولكن مما لا شك فيه أن %11 من الكلمات في اللغة الإسبانية الحالية المعاصرة هي كلمات عربية باللفظ والمعنى، وحتى منتجع "بنيدورم" السياحي على الشاطئ يحمل اسما عربيا "بني دورم" ولو أنني لا أعرف أصل اشتقاق "الدورم" وإن جاءت من إضرام النار كرما أو فراراً بدينهم، وأترك المهمة للباحثين المشتغلين في هذه الآثار اللغوية والكنوز المعرفية التي تمنحنا بين الحين والحين مبررات حقيقية لاستئناف التفكر والتدبر في موضوع التاريخ الإسلامي في الأندلس: نشأته، قيامه، انحساره، ثم سقوطه واستئصاله بأبشع طريقة ممكنة. 

هل تُعلّمنا هذه الاكتشافات شيئا.. هل نفيد مما نتعلمه.. هل استطاع "العرب" إدراك أبعاد ذلك الدرس التاريخي الرهيب وما علاقة ذلك التاريخ بنا اليوم، وما زلنا وبعد مرور 500 عام عليه نعيشه وكأنه ماثل اليوم بأشخاصه وأحداثه لا يكاد يغيب عنها؟

لفت نظري ما كتبه الدكتور زروق في "العرب" القطرية يوم الثلاثاء 6/4/2010 تحت عنوان "رمزية المكان بين العقل والعاطفة"، إذ قال: "إن مسجد قرطبة الذي نشبت فيه مشادة بين سائحين من الشباب النمساويين المسلمين وبين قوى الأمن الإسباني ليس أولى القبلتين ولا ثالث الحرمين"، لقد صدق في هذه الملاحظة التاريخية إلى درجة وجب معها أن نقف لديها وقفة مراجعة شاملة مع أنفسنا في زمن لا يتجرأ فيه مسلم غير فلسطيني على اختراق الحصار الإسرائيلي الصهيوني والإقدام على الصلاة في أولى القبلتين وثالث الحرمين الأسير، وفي وقت زالت فيه مملكة قشتالة وأصبحنا نعيش واقعا تاريخيا مختلفا عن ذلك الذي كان سائداً قبل مئات الأعوام، كثير من الكنائس القديمة أصبحت اليوم مساجد، وكثير من المساجد القديمة صارت اليوم كنائس، بفعل الأعراف الحربية التي كانت سائدة في حينه رغم أن عمر بن الخطاب كان قد تنبه قبل نحو 1400 عام إلى هذا الخطأ الإنساني الفاحش، فرفض أن يصلي في كنيسة القيامة خشية أن يتخذها المسلمون مسجداً من بعده فيغصبون النصارى حقا تاريخيا دينيا، لقد تبدلت أجيال وأجيال من بني البشر، فلا الإسبان اليوم هم جند قشتالة ورجال دينها القساة المتوحشون، ولا شعبها اليوم هو ذلك الشعب الخانع الذليل المصفق للطغاة المجعجع للغالبين الواشي بالضعفاء والمساكين، ولا المسلمون المقيمون فيها اليوم هم من الموريسكيين الذين غُلبوا على أمرهم، وساقتهم أقدارهم إلى مصير يستعيذ من مثله أهل الأرض جميعا! 

"لماذا وكيف حدث ما حدث في قشتالة بعد سقوط غرناطة؟".. أظن أن هذا هو السؤال الذي بقي يتردد منذ 500 عام على أذهان كثيرين جدا ومن مختلف أصقاع الأرض، ولعل هذه الحال من الألم التاريخي الموجع لدى المسلمين كلما ذكروا الأندلس تتعلق بعدم وجود إجابة شافية واضحة على هذا السؤال، إنها حالة "ألم أندلسي" قديم، اختلط فيه الحابل بالنابل، فلا ندري ونحن نتحدث عنه عمّ نتحدث بالفعل: عن استئصال ذلك الشعب، عن إبادته عن بكرة أبيه، عن توحش الإنسان –والجماعة– باسم الدين وتغوّله إلى درجة تحوله إلى مصاص دماء يقوم بجرائمه بتفويض من السماء.. أم عن الحرب الأهلية الإسبانية التي أحيت ما أحيته في ثلاثينيات القرن العشرين من آلام وجراح ووحشية بين الأخ وأخيه في "إسبانيا".. أم أننا في واقع الأمر ونحن نتحدث عن الأندلس إنما نتحدث عن فلسطين اليوم التي نعيش مأساتها دقيقة فدقيقة وعلى الهواء مباشرة في حال من العجز والوهن والخذلان تشبه إلى حد بعيد ما واجه به المسلمون قبل 500 عام محنة إخوانهم في الأندلس؟ 

تغير الزمان وتغير المكان، ولكن المرض لم يتغير، مرض تسليم الأخ أخاه إلى الذبح صمتا وخذلاناً. 

تحكي الوثائق التاريخية أن بعض الموريسكيين بذل كل ما يملك من مال لتغيير اسم عائلته وتاريخ شجرتها، حتى لا يُعرَف له أصل ولا فصل يمت إلى الإسلام أو إلى اليهودية بصلة، ولكن، ورغم ذلك، فإن الكنيسة لم تشفع له ولا لذريته، وبعد مائة عام استؤصلت تلك الأسر التي يُشتبَه في أنها من أصل غير كاثوليكي من البلاد، وطرد الناس عبر معابر مخصصة عن طريق بلنسية وألكانتة وجبل طارق، ولما تم الخروج الكبير والأخير –الذي احتفلت به مقاطعة "بالنثية" قبل أشهر باعتباره عيدا وطنيا– خرجت إلى المطرودين في الطريق عصابات منظمة من القشتاليين من قطاع الطرق واللصوص لتغتصب نساءهم وصبيانهم وتذبح أطفالهم ورجالهم، ثم أغرقت السفن التي استطاع البعض أن يستأجرها بشكل سري ونهبت الأموال، وتم خطف الأطفال الذين تم بيعهم إلى الأسر القشتالية لاحقا. 

يتحدث التاريخ عن فظائع البربر والمغول والرومان والأتراك والقياصرة سابقا، وعن المذابح التي ارتكبها اليهود والصرب والإنجليز والفرنسيين والأميركان والهوتو حاضراً، يتحدث التاريخ عن الجند الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعالي أهلها أسافلَ.. فهل يمكن للتاريخ أن يحتمل قدرة الإنسان على إعادة الخطأ ألف مرة، قاتلا ومقتولا، ظالما ومظلوما، طاغية وراضخا للطغيان؟ 

رحم الله الموريسكيين، وغفر لهم، وأعاننا على استيعاب الدرس التاريخي الأليم الذي يحلو للبعض أن يدندنوا به متلاعبين بعواطف الجيل المعاصر الذي يجب عليه أن يقرأ التاريخ قبل أن يبحث عن مكان له فيه في الجغرافيا الخطأ والزمان الخطأ. 

كانت هذه أول محطة لي مع "الرحلة الأند..."، التي لا أستطيع أن أسميها "الرحلة الأندلسية"، لأنها كانت أي شيء إلا أندلسية!!

الرحلة الأند......2

"الأجوبة التي تقدمها محاكم "التفتيش الاسرائيلية العسكرية"

اليوم عما حدث في الأندلس قبل 500 عام!!"

المتباكون على الأندلس وحضارتها ، الحريصون على رثائها والصلاة في مساجدها التاريخية السياحية ، الرائحون الغادون إلى اسبانيا بحجة زيارة الآثار الأندلسية ، وأولئك المجعجعون باستعادة الأندلس بين الحين والحين ، المدلون ببلاغاتهم الغبية عبر الفضائيات التي تجيد الدندنة بهذه البيانات والتصريحات التي تعتبر أغبى من أصحابها ، الخارجون على القانون والأخلاق والمنطق باسم "الجهاد" الذي تم الإجهاز عليه على أيديهم !، أين هم هؤلاءالقوم جميعا  اليوم مما يحدث تحت صمم العالم وعمى بصره وبصيرته فيم يُطَبَق في فلسطين من تفاصيل المسرحية القشتالية القديمة ؟، التي نشهد هولها في أرض فلسطين الضائعة المستباحة على أيدينا وأيدي الصهاينة ، الذين خلت أمامهم الساحات من المجاهدين الحقيقيين إلا من رحم ربي ، وباع الحكام القضية بأبخس الأثمان وجلسوا يتفرجون على حوبة الشعوب وتخبطها في أقذارها الاجتماعية لايحيرون جوابا ولايحركون ساكنا ، اللهم إلا التنديد غير شديد اللهجة ، والاعتراض غيرعالي النبرة ، ورفع الأمر إلى هيئة الأمم المتحدة ، ولية الأمر ، التي لاتحل ولاتربط إلا بأمر من الصهيونية العالمية التي تحكم الدول الخمس التي تتمتع – ولاندري لم ؟؟!- بحق "الفيتو" من دون سائر بني البشر القصر العاجزين عن الحل والربط.

كثيرا جدا من الأسئلة يمكن أن تطرحها عليك رحلة تقوم بها بالقطار من مدريد وحتى " الخثيراس" أو كما كان اسمها بالعربية "الجزيرة الخضراء" مرورا بقرطبة وغرناطة وماربييا، قبل أن تعبر المضيق باتجاه مدينة السبتة أو مليللة المتنازع عليهما منذ خمسمئة عام بين الطرفين ، شمال المضيق وجنوبه ، كثيرا جدا من الأسئلة ، وهي نفس الأسئلة التي اكتظت بها رواية الأديبة المصرية الدكتورة رضوى عاشور "ثلاثية غرناطة" ، أسئلة لم تخل منها صفحة واحدة من صفحات الرواية التي حكت حياة ثلاثة أجيال متتالية من أسرة "موريسكية" ، والأسر الموريسكية هي تلك التي ثبتت في أرضها ولم ترض الرحيل أو لم تقدر عليه على الرغم من الاستئصال والاقتلاع والزلزلة والامتحان في الارض والعرض والمال والنفس والدين!، كيف ؟! ولماذا؟! ومن؟! وبأية طريقة ؟! إنها أسئلة كبيرة وخطيرة تلح على أي إنسان يسافر في ذلك الطريق ويدخل تلك المخاضة ، لأن مجرد درس الشأن الأندلسي أو التفكير فيه أو استحضاره يعني أنك تبحث عن إجابات ليس لما حدث في الأندلس قبل مئات الأعوام فحسب ، بل لما يحدث في فلسطين والمنطقة العربية كذلك .

ومن المدهش المعيب حقا أن تقدم لنا بعض هذه الاجابات الصورة الماثلة أمامنا في بث حي ومباشر لما يجري في فلسطين الجريحة ، فلسطين العزيزة ، فلسطين الضائعة بين تشرذم أبنائها ، وتركهم الجهاد المشروع وتمسكهم بكراسي السلطة التي لم تمنحهم لاأَمنا ولاراحة ولاوطنا ولاكرامة ولاحرية لا في الضفة ولا في غزة ، فلسطين المضيعة على أيدي عرب القضية الذين قضوا نصف قرن يندبون باسم القضية ، ويتسولون باسم القضية ، ويذبحون شعوبهم باسم القضية ، اِلتصقوا بالكراسي باسم القضية ، نهبوا أموال الشعوب باسم القضية ، سرقوا حرية الإنسان باسم القضية ، هتكوا عرض الأمة باسم القضية ، استلبوا كرامة الشعوب باسم القضية ولكنهم لم يفعلوا شيئا للقضية ، اللهم إلا بعض المساعدات وبعض الدفع نحو خطط السلام المستعصية بعد أن فقدوا كل شيء ودمروا العباد والبلاد ولم يعد أمامهم أي شيء يقايضون عليه باسم القضية إلا ولاءهم لأصحاب الشأن في واشنطن ولندن وباريس!!.

 أما عن الشعوب فحدث ولاحرج ماذا فعلت الشعوب في المنطقة العربية بالقضية وأهل القضية ؟ وحتى لحظة كتابة هذه السطور مازال الزواج أو التزويج من وإلى الفلسطينيين عارا في أكثر من بلد عربي تقدمي أو رجعي ، وهذا أمر لاعلاقة للحاكم فيه ، إنها أخلاق المحكومين ، إنها أخلاقنا نحن الذين نأكل ونشرب ونتندر بالقضية مجترين ليلا ونهارا أخبار الجزيرة ليقول الناس عنا أنا مثقفون كبارا نفهم في القضية !!. لن أتحدث عما فعله "العرب" حكاما ومحكومين بالفلسطينيين لدى نزوحهم الأول والثاني والعاشر والمليون ، وكيف استقبلوهم وكيف عاملوهم وعاملوا نساءهم وأطفالهم وعزيز قومهم الذي ذلّ ، ولن نستعرض هنا الهجرة بعد الهجرة ، وكيف استخدمت دول المنطقة الفلسطينيين ورقة للتفاوض والضغط ، يلعبون بأقدارهم من فلسطين إلى فلسطين إلى دول الطوق إلى الخليج ومصر وليبيا ، ثم من دول الخليج وليبيا ومصر إلى حيث لايعلم إلا الله.

هذه هي أندلس اليوم ، فلسطين، التي تُنتَهب من ضمائرنا ، وتستل من شرايين عروقنا ، وتنزف من خلايا أدمغتنا ، ونحن نتفرج ببلاهة منقطعة النظير ، غارقون في تخلفنا وتمزقنا وارتكاسنا إلى الأرض ، ثم ..ودون ذرة من حياء ولا خجل نسأل ونتساءل كيف ضاعت أندلس الأمس؟، وكيف دمرت حضارتها ، وكيف محي العنصر الإنساني فيها ، من ؟ وكيف ؟ ولماذا؟ ، لاتكمن الكارثة في عجزنا عن الإجابة على الأسئلة المطروحة حول ماحدث قبل 500 عام ، ولكن الكارثة حقيقة كامنة في عجزنا عن الإجابة على الأسئلة المطروحة أمامنا اليوم فيم يتعلق بالبحث عن طريق الخلاص ووقف المذبحة والتطهير العرقي واستلاب التاريخ والمقدسات مما يجري تحت سمعنا وبصرنا  ونحن نتفرج!. أمة فقدت الإحساسا بالزمن ، أنظمة دمرت كل قدرة ممكنة لدى الشعوب للانتفاض والكفاح ، بل هو الدفاع عن النفس ومقارعة العدو ، شعوب استسلمت لأقدراها وفقدت إحساها بالحياة  ، تعيش على الاجترار ، اجترار التاريخ ، اجترار العادات والتقاليد العفنة ، اجترار ماتقوله الجزيرة كل صباح ومساء !دون أية قدرة ولاإرادة للفعل والتغيير ، جيوش نزع منها فتيل الكرامة ، وأصبحت صورا متحركة لتقديم السلامات والتحيات على أولياء الأمر كلما ذهبوا إلى أوربة للتفسح أو أمريكا للعلاج ، وكلما أتوا من رحلاتهم ولقاآتهم الشخصية مع قادة العالم الذي يضحك عليهم وعلينا معهم . جيوش وقوى أمن لاتصلح إلا للعروض العسكرية والتمثيلات التهريجية أيام الأعياد الوطنية والمناسبات الأميرية والملكية والسلطانية ، و...بالطبع قمع الشعوب وقهرها واستعبادها وقطع ألسنتها وكسر أيديها ، هذا إذا لم نتحدث عن صفقات الأسلحة التي تنفق عليها المليارات إرضاء لرؤساء الدول التي تدعم "إسرائيل" والتي تحمي "إسرائيل" والتي ترفد "إسرائيل" بالقوة والمال والسلاح  ، ليتم تكديسها لاحقا في أقبية الإهمال والتضييع .

، المثير للألم والحسرة فعلا أنك تجد كل الإجابات مجتمعة فيم يجري اليوم فيم تبقى من فلسطين ، ومايجري اليوم أعني به مايجري يوما فيوما منذ ستين عاما وحتى الساعة ، "الكيان الاسرائيلي" أقيم على بقايا الشرف "العربي" السخيف ، وبنى دولته على مخلفات الضمير "العربي" المتفسخ ، وزحف باتجاه الفرات والنيل على جثة الكرامة "العربية" الزائفة!، ماكان لهذه الدويلة صنيعة الغرب بامتياز أن تقوم في قلب الأمة لولا أن الأمة كانت قد تفسخت وانهارت ، وبلغ بها السقوط أنها مازالت تهوي منذ سبعين خريفا في هذا الجبّ دون أن تصل قعره ولا أن تمتد إليها يد تنتشلها من هذا السقوط!.

استغلت "اسرائيل" غليان الساحة الأوربية بقضية المهاجرين والهجرة غير الشرعية ، فأصدرت محاكم التفتيش العسكرية الاسرائيلية "قرارالترحيل الثالث" الذي يعتبر عارا في ضمير المجتمع الدولي ، هذا إن كان لهذا المجتمع من ضمير في زمن السطوة الإعلامية الرهيبة التي تذل من تشاء وتعز من تشاء ، مررت "اسرائيل" قرار محاكم تفتيشها هذا على هامش واقع أوربي أصبحت فيه الهجرة غير القانونية شغل الناس الشاغل ، وفي ظل تعتيم إعلامي مذهل ، بحيث لاتكاد تجد الخبر إلا بصعوبة شديدة ، وفي تغافل مقصود عن التذكير بأن هؤلاء المرّحلون اليوم هم أبناء الأرض وأصحابها وأبناء أصحابها الشرعيين ، ولم يكن هذا الخبر  ليرد أصلا لولا حياء بعض أجهزة الإعلام وخاصة من كبرى الصحف الأوربية التي كانت معروفة قبل الانتفاضة وقبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحادي عشر من آذار ، بمناصرتها للقضية الفلسطينية ، فأصبحت من الصامتين حتى لاتحسب من أنصار الارهاب العالمي أو الدولي أو الاسلامي !! سمه ماشئت ، فلقد تسبب أولئك القوم بطعن القضية في ظهرها ، وتشويه الجهاد ، في معارك سخيفة لاتسمن ولاتغني من جوع ، لم ترد للأمة كرامة ، ولم تردع العدو وترهبه ، ولم تسترجع حقا ، ولم تهب أحدا حرية ولاأَمْنّا !.. ثم نرى ساحة المعركة الحقيقية منهم خالية ، سمعنا كثيرا من جعجعتهم المضحكة المبكية حول "استعادة الأندلس" ، ولكننا لم نر منهم أي طحين يطعم أحدا من جوعنا للانتصار لقضية فلسطين وشعب فلسطين المغلوب على أمره .

إنه زمن أندلسي بامتياز ، ليس أندلسي العزة والحضارة ، ولكنه أندلسي الانكسار والهزيمة والرحيل والاستسلام والانبطاح ، أندلسي التمزق والتشتت والسقوط ، أندلسي ملوك الطوائف الفرحين بكراسيهم وسلطاتهم الورقية الهشة ، اندلسي الشعوب التي أصابها الوهن والضياع بحثا عن هويتها وبحثا عن نفسها وبحثا عن مستقبلها، إنه زمن أندلسي بامتياز ، مضى منه ستون عاما وبقي ل"موريسكيو الشرق" مائتي عام في نزعهم ومواتهم الأخير ، للبحث عن الإجابات ، ولينهضوا ، فهنا لامرابطون ينقذونهم ، لأنهم هم المرابطون حول أفنية المسجد الأقصى ، هذه الأمة هي أمة الرباط فإن تخلت عن رباطها وأسلحتها تداعت إليها الأمم ، وهاقد حصل فهل من رجال تقود الناس إلى الخلاص وتوقف عجلة الانهيار العظيم هذه التي ندور منسحقين بين فكي رحاها ولانحسن طرح الأسئلة المؤلمة لنستطيع ايجاد الأجوبة الصادقة الملائمة؟!.

مضى ستون عاما على محنة الفلسطينيين ، وبقيت أمامنا 200 عام لنتفرج ، ومن ورائنا أجيال أخرى ستشهد نهاية هذه المأساة الجديدة  التي ستتباكى عليها الأمة ألف عام أخرى كما نبك اليوم بدموع التماسيح ماضاع من أندلس مازالت تنبض في الضمائر ألما وجراحا.

الرحلة الأند... (3)

«برتقالة واحدة على شجرة في قرطبة»

لم أكن أعرف أن الطريق بين مدريد وقرطبة بالقطار السريع يستغرق ساعتين فقط، وهذه هي المرة الأولى التي أمر فيها على قرطبة منذ ثلاثين عاما، فأنا لم أدخلها من قبل ولم أزر مسجدها الشهير، ساعتان فقط.. شيء عجيب، كنت أظن أن قرطبة وغرناطة بعيدتان جداً عن مدريد، فإذا بهما قريبتان، قريبتان إلى درجة أنني لا أستطيع أن أسمي رحلتي هذه رحلة أندلسية، فموضوع الأندلس لم يبدأ في مدريد، ولكن في دمشق، والرحلة الأندلسية بدأت بولادة حضارة أذهلت العالم قروناً، وشكلت جسراً ضخما للمعرفة بين الشرق والغرب قبل أن تأفل نجومها وتنطوي صفحاتها، وتصبح أحاديث وأشعارا وحنينا غامضا في صدور قوم لا يفقهون حركة التاريخ إلى درجة تكرار مآسيها بحذافيرها وبنفس آلياتها. 

منذ أسابيع وأنا أعاني "حياة" دون "إنترنت"، ولا هاتف، ولا بث تلفزيوني، لا أرضي ولا رقمي إسباني ولا فضائي عربي أو أجنبي، ما شجع بعض الأحبة أن يطلبوا إليَّ مرافقتهم في رحلة إلى جامعة في مدينة "السبتة" لإجراء حلقة بحث جامعي في سياق التحضير لدرجة الدكتوراه في علوم ونظريات التربية، أغراني العرض لأنني لم أزر السبتة من قبلُ ولم أسافر في هذا الاتجاه، إنها فرصة فريدة من نوعها للكتابة عن "موضوع الأندلس"، بعد سنوات متطاولات لم أرغب فيها في تناول هذا الموضوع؛ لأن التاريخ مارد هاجع يمكن لنا أن نرمقه، أن نلاحظ حركاته وسكناته، أن ندرس إشارات الحياة والموت لديه، أن نحاول فهم طبيعته، أن نهدهده، أن نتعلم مما نعرفه عنه، أن نستحضر إيجابياته وسلبياته، ولكن الذي لا يجب فعله أبداً هو إيقاظه! إيقاظ التاريخ يعني عودته إلى الحاضر بأخطائه وجرائمه وزلازله، واستحضار آلامه لتقوم بفعل تدميري من جديد، وهذا ما حدث في البوسنة والهرسك بعد 700 عام، وهذا ما حدث في عراق القرن الحادي والعشرين، وهذا ما يحاول البعض ومن أكثر من طرف إحداثه في "إسبانيا" وفي أوروبا اليوم. 

الطريق من مدريد إلى قرطبة حبلى بالمشاعر المتوثبة والمشاهد، باللوحات التي لبست حللا قشيبة من السندس بعد سنوات عانت فيها إسبانيا الجفاف والقحط، سهول خضراء تمتد، هضاب تغطيها أشجار الزيتون، سماء زرقاء مطرزة بالغيوم، قرى متناثرة، وصمت تفرضه طبيعة الرحلة بالقطار، فلا تماسّ مع الطبيعة، أنت تلاحظها من وراء الزجاج السميك الذي يحجب عنك رائحة النسيم الذي تظنه في هذه اللوحة عليلا! كما تحجب عنك زقزقة العصافير، وأصوات المحركات الضخمة التي تنتشر في كل مكان، تنبئك بأنك في أوروبا؛ حيث لا تقتصر المدنية على الأسواق التجارية، ومحلات بيع الوجبات السريعة، ومئات الآلاف من السيارات التي تكتظ بها المدن وتنوء بها البيئة. أنت في أوروبا يعني أن العناية بالزراعة هي كالعناية بالمدينة، وأن الأرض الخضراء تعني حضارة وازدهارا وأمنا غذائيا، وتفكيرا بالمستقبل والأمة والإنسان. 

عشرون كيلومترا تفصلنا عن قرطبة، بقايا قلاع وحصون متناثرات هنا وهناك على حدود القرى البيضاء، بيوتها ناصعة البياض، يحدّثك هذا البياض عن أناس نشطاء لا يرضون مرور يد الزمن على بيوتهم، فهنا تقوم النساء والأولاد كل عام بطلاء تلك البيوت القروية لتجديد مظهرها ونظافتها، ولتكون القرى موحدة الألوان، عادة إسبانية ثابتة عرفتها في كل قرية مررت عليها وفي جميع مقاطعات هذا البلد. 

قطعان من الخرفان الكسلى، البقر يرعى في سلام وأمن، أشجار الزيتون تمتد إلى ما لا نهاية، وأتساءل: كم هو عمر هذه الأشجار؟ وواجهة معبد يهودي ضخم بنجومه المسدسة، هي أول ما يستقبلك في قرطبة، وبرتقالة واحدة على شجرة في مدخل المدينة، هذا ما بقي من قرطبة تلك! المملكة التي هزت أوروبا وزلزلتها بعلمائها وحضارتها ورائحة طيبها وعبق بهائها. 

وأجد نفسي أسأل: كيف حدث ذلك الذي حدث؟! كيف تم استئصال أولئك القوم؟ وتدمير هاتيك الحضارة؟ إنها دورة التاريخ التي وقفت عجلتها في ضمائر المسلمين، لم يستطيعوا الدفاع عن إخوانهم في حينها فأورثهم الله ندامة وألماً يجترونهما قرونا جيلا إثر جيل!

أين كانت جيوشهم المسلحة، وقوتهم وخيلهم ورجالهم الذين كان يُنتظَر أن يقوموا بحمايتهم والذود عن وجودهم وحياتهم وأعراضهم وأموالهم؟! كانت في حماية الأنظمة الغبية الملحقة بملوك الطوائف! تحمي كراسيهم وملكهم وثرواتهم المنهوبة من شعوب غافلة شاخرة مستكينة متماوتة متكلة مرتكسة إلى الأرض، لقد تُركت البلاد والعباد مستباحة لكل طامع، واستسلم الناس لملوك طوائفهم، بل كانوا أشد منهم طائفية وعنصرية وكراهية وتشتتا وتمزقا واختلافا ورفضا لبعضهم بعضا! لا يمكن لك على مشارف قرطبة إلا أن تذكر "وليد سيف" و "حاتم علي"، الرائدين ودون منازع اليوم في باب استحضار التاريخ لا إيقاظه! 

ورغم هذه الحقيقة المؤلمة، ثبت الناس في الأندلس، وجاهدوا وثاروا وقاتلوا مئتي عام، لم تُجْدِهم فتيلا؛ ذلك أن كل تحركاتهم وثوراتهم كانت فردية، روح العصبية والأنانية كانت قد دكت كل حصونهم الداخلية وأُتوا من حيث لم يحتسبوا.. من عند أنفسهم. 

كم هو عمر أشجار الزيتون هذه التي تعد بالملايين تحيط بقرطبة وتعانقها وتحضنها، ولا شيء غير الصمت يحدثك، أم أنه في واقع الحال لا يحدثك بشيء؟! هذا السؤال عن عمر أشجار الزيتون أرهقني وأرغمني على الخوض في رحلة لم أجد لها اسماً مناسبا إلا "الرحلة الأند..."، رحلة لا اسم لها ولا صفة، رحلة لا علاقة لها بالماضي الأندلسي ولا الحاضر الأندلسي، رحلة منبتّة عن ذلك التاريخ الإنساني المؤلم، ولا تُعنى بهذا الحاضر المدني القلق، رحلة دعاني إليها بعض الأحبة من طلبة الدراسات العليا في كلية التربية في جامعة الكومبليتنسة في مدريد، ومن طلبة الطب في جامعة سان خوان في ألكانتة، رحلة لم أكن أعلم أنها ستحملني إلى آفاق جديدة في رؤية الأشياء والأحداث قديمها وحديثها. 

طريق سريعة، عشرات الشاحنات المحملة بالبضائع من وإلى قرطبة، تقنيات زراعية حديثة تنتشر في هاتيك الحقول التي تبدو وكأنه لا نهاية لها، كل شيء يدل على أنك في إسبانيا ولست في الأندلس. بدأت تظهر معالم المدينة البيضاء، فوهات مداخن المصانع الضخمة، هذه القرطبة ليست هي تلك، ولأول مرة وبعد أعوام الجفاف أرى السواقي والأنهار الصغيرة على جانبي الطرق ملأى بالماء، والأرض تهتز وتربو، هل هي هي؟! هذه السواقي والجداول؟! لماذا تلح علينا الأسئلة بهذا الشأن؟! هل لأننا نعيش واقعا يكاد يكون متطابقا، ونخشى مستقبلا نكاد نجزم بأنه سيكون مماثلا؟! 

بدأت تظهر معالم المدينة البيضاء، عجيبة هي هذه المدينة، تحيط بها سهول ممتدة إلى حيث يبلغ بك البصر، لا جبال ولا غابات، ولا أسوار لحماية المدينة، فلا عجب أن لم يجد الناس ملجأ أو مغارات يختفون فيها أوان وقوع الكوارث! جسور حديثة معلقة، جبال بدأت تتراءى عن بُعد، ممرات وإشارات لتنظيم السير عبر سكة القطار، جبال نُحتت أجزاء منها لاستخدام صخورها في البناء، وتُركت وراءها بقع بيضاء ضخمة تحدثك عن أن هذا الجبل جريح، جراح هذه الجبال بيضاء ناصعة، سهول وسهول، زيتون وبرتقال ونارنغ على طرفي الطريق، لم ندخل المدينة، ولم نرها، ولم أستطع تمييز رائحة نارنغاتها عبر لوح الزجاج السميك، لم أزر ذلك المسجد التاريخي، الذي صار كاتدرائية ولكنه ما زال يُدعى لدى كل سكان الأرض مسجد قرطبة الذي أثيرت فيه قبل شهر مشادة عنيفة بين شباب مسلمين أتوا من النمسا لزيارة سياحية في مقاطعة أندلوثيا الإسبانية الجنوبية، وبين رجال الأمن الذين تصرفوا بوحشية لا مبرر لها بإيعاز من رجال الكنيسة في قرطبة، الشباب يتصرفون بعواطف جياشة، يتمسكون بالأشياء والأماكن والذاكرة، والشيوخ يرون من خلال الذاكرة نفسها ما يمكن وما لا يمكن، شباب النمسا من المسلمين أرادوا الصلاة في مسجد قرطبة تشبثاً بالتاريخ الذي ولَّى، أما المسلمون في إسبانيا فهم يريدون الصلاة في أي مكان في حرية وأمن بحثاً عن مكانهم في الحاضر والمستقبل، الحدث نفسه والمكان نفسه والتاريخ نفسه، ولكنهما رؤيتان مختلفتان للحدث والمكان والتاريخ، رؤيتنا للأشياء دائماً تتغير بتغير الزاوية، حقيقة رياضية ناصعة! 

بدأت تغزو أنفي روائح العطر، عطر المدينة، ولم أدر أكان ذلك حقيقة أم أن عبق التاريخ أشد صلابة ونفاذاً من زجاج القطار السريع! السفر بالقطار لا يشبه السفر بالحافلة، القطار يلامس المدن، ويلتف حولها في لطف وأنس، ويريك الصورة عن بُعد، الحافلة تخترق المدينة بعنف مؤلم يؤذي البيئة، ويريك قطع الفسيفساء الصغيرة المتناثرة، وتحتاج إلى رحلة بالطائرة وأخرى بالسيارة وثالثة مشياً على الأقدام حتى ترى الصورة كاملة غير منقوصة. 

ما زالت السهول تمتد أمام ناظرينا، وبرتقالة واحدة على شجرة بالقرب من اللافتة التي أنبأتنا بأننا وصلنا قرطبة، وبدأت معالم جبال بعيدة بالظهور، جبال خضراء تكلل هاماتها الغيوم، وتغطي سفوحها الغابات، وأخيرا.. هاهو مكان يمكن للناس أن تلجأ إليه فراراً من جهنم!

-يتبع-