ووجهكِ ضاحك القسمات طلقُ

خالص عزمي

[email protected]

انها الشام ؛ وحطت الطائرة على ارض المطار ؛ وما هي الا دقائق ؛ حتى استلمت حقائبي دونما اي تفتيش او صعوبات ؛ وبابتسامة غير زائفة قال لي ضابط الجوازات ( على الرحب والسعة  حللت اهلا ) ؛ وخرجت الى ساحة سيارات الاجرة ؛ ليشاركني  التاكسي احد ابناء الشام من الاكادميين الافاضل العائد توا الى وطنه و قد ابت شهامته الا ان يدفع كامل اجرة النقل كتحية لذلك الحديث الذي أخذنا على جناحي التعارف ونحن في طريقنا الى قلب العاصمة دمشق  .

في شقة متواضعة من عمارة انيقة ونظيفة تطل على حدائق مخضلة غناء ؛ كان لقائي بشقيقتي التي تركت بيتها المرفه في بغداد  بسبب ما اصابها من امراض مستعصية ليس لها من عناية او دواء هناك ؛ فجاءت تطلب العلاج في ربوع الشام وهي في شيخوختها المرهقة ؛ فكان عناقا حارا سالت فيه الدموع وتصاعدت الحسرات بين شهيق يحاول استرجاع الاطمئنان ؛ وزفير يطرد الفراق والخوف .

في حبكة من التلاحم ما بين الذكريات وبين ما رأيته من الواقع الدمشقي ؛ سأحاول الجمع والتقريب في المشاهدة معتمدا على حروف نقشتها في صفحات تلك الايام ؛وعلى لقطات مقربة لما تلألأ امام ناظري من مدهشات الصور الشامية الاخاذة على قصر المدة التي قضيتها في مباهج جنانها المخضلة ؛ وينابيع المعرفة المتدفقة التي لم تنقطع روافدها . ومن محصلة كل ذلك سأعود بالقاريء الى ما بدأت به :

اول ما سمعت بربوع الشام تفصيلا ؛ وهو غير ما قرأناه في كتب الجغرافية  ؛ كان مما شرحه لنا باسلوب عذب هامس ؛ احد ادباء ومدرسي  اللغة العربية السوريين الذين كانوا يعملون في سلك التعليم في العراق في اواخر الثلاثينات من القرن الماضي ؛ لقد كان هذا الاستاذ الجليل وهو من المقربين من المرحوم والدي ؛ الاستاذ عبد اللطيف يونس ؛ الذي اصبح فيما بعد نائبا وامين سر مجلس النواب السوري  في الخمسينات من ذات القرن واصدر العديد من الكتب منها( بين عالمين والمغتربون وشاعر عبقر )... كما اصدر صحفا في سوريا والمهجر كان اولها صوت الحق .

كان  الاستاذ عبد اللطيف  يونس  يصف لنا المواقع التأريخية والجغرافية في عموم ارض الشام وبخاصة ؛ اللاذقية ؛ وصافيتا ؛ و طرطوس ؛ وبانياس ؛ويعرج على حلب الشهباء ؛ وحمص وحما .. الخ ويقرأ علينا شعرا رقيقا نطرب اليه ونحفظ شيئامنه مع مجموعة من الامثال والحكم . فاحببت سوريا ؛ وأحببت الطواف في ربوعها و ظلت  تلك الامنية حلما طالما رغبت في تحقيقه .

 في الخمسينات من القرن الماضي ؛ شاء القدر ان اغادر بغداد متوجها الى الشام ؛ بغية الالتحاق بكلية الحقوق ـ جامعة دمشق ـ وكان ان تحقق الامل ؛( ولهذا الموضوع حكاية اخرى ليس هذا مكانها )؛ وكان  من متلطبات الاقامة ان ابحث عن غرفة بسيطة اسكن فيها كما هي حال الطلاب المغتربين يوم ذاك وكان ان وجدتها ؛ وهو ما سآتي على ذكره اثناء استعراضي لجولاتي الاستذكارية :

ما كاد المقام  في رحلتي الخاطفة الحديثة هذه  الأيام  يأخذ مداه وأطمأن تماما على صحة شقيقتي الغالية ؛ حتى وجدتها فرصة سانحــة لانفذ منهجا  طالما منيت نفسي به ؛ الا هو القيام  اولا  بزيارة قبور الاصدقاء العظام الذين دفنوا بعيدين عن الوطن . فتوجهت اولا الى مقابر الغرباء في حي السيدة زينب ؛ وما كدت اجتاز الباب الواسعة حتى واجهت قبر الشاعر اللامع والعروضي البارز  المرحوم مصطفى جمال الدين فقرأت سورة الفاتحة على روحه الطاهرة  ؛ وليس بعيدا عنه وقفت بخشوع واكبار امام عملاق الشعر ومفخرة العراق المرحوم محمد مهدي الجواهري فقرأت الفاتحة ايضا واستعدت شيئا مما احفظ من روائع ابياته في الموت والخلود  من قصيدته الشهيرة في الرصافي ومطلعها  سر الحياة وحيرة الالباب ــ ان يستحيل الفكر محض تراب ) ؛ بعد ذلك غادرت المقبرة متألما ومتحسرا ؛و توجهت فورا  نحو جبل قاسيون ؛ حيث مقبرة زين العابدين الجديدة لازور قبر الشاعر المبدع الصديق  عبد الوهاب البياتي ؛ كان مرقده ليس بعيدا عن ضريح الشيخ محي الدين بن عربي ؛ وقرب القبر استذكرت نصف قرن من الصداقة الحميمة والرابطة الادبية التي لم تنقطع اواصرها ؛ وبخشوع والم قرأت على روحه سورة الفاتحة ايضا  وغادرت المكان دامع العينين . بعد هده المعاناة ؛توجب علي القيام بمهمة انسانية اخرى الا وهي زيارة بعض المهاجرين او المهجرين من العراقيين الذين ارتبط معهم بعلاقات قربى او صداقة ؛ حيث اتجهت صوب ( جرمانه ) فقابلت اعدادا لا حصر لها من اسر عراقية تعيش دون مستوى الفقر ؛وباحياء مكتظة لايستطيع المرء شق طريقه خلالها الا بصعوبة بالغة . شاهدت اسرا كانت تعيش في بغداد في رفاهية وبذخ ؛ واذا بها  في حالة يرثى لها ؛ تعيش في غرفة واحدة هي للنوم والطبخ والجلوس ؛  ومع ذلك تتوجه بالدعاء والشكر لهذا البلد الآمن الكريم  الذي حماها من الخطف او السجن او القتل .انها مأساة حقيقية يندى لها جبين حقوق الانسان .

في اليوم التالي وفي  صباح دمشقي لا أجمل حثثت الخطى نحو حي الفردوس ؛ ومع ان كل شيء في هذا الحي الواسع قد تغير ؛ الا ان مواقع بارزة فيه ما زالت شاخصة الى هذا اليوم ؛ منظومة الكهرباء  المجاورة لكراج الترام ( سابقا )؛ ومقهى الكمال الواسعة ؛ وليس بعيدا عنها ؛ الحصن الدراسي الشامخ ( مدرسة التجهيز  الثانوية ) المشيدة عام ( 1931) ؛ والبيت الذي سكنته عام 1950 ( وقد حور الى عمارة سكنية بعد اضافة اكثر من طابق عليه ) وهو يحمل الرقم ( 37) من جادة بلقيس . كان باب العمارة مفتوحا ؛ فولجته ونظرت الى جهة اليسار ؛ حيث كانت غرفتي المطلة على تلك الجادة المليئة بالحركة والنشاط ؛  جلست على كرسي قد يكون  مخصصا للحارس ؛ واستعدت شريط الذكريات . كنت ابدأ صباحي بشراء الخبز الطازج الحار من دكان لا يبعد غير خطوات من سلسلة المقاهي الكثر المطلة على حدائق نهر بردى العذب ؛ لاعود الى البيت فأحضر فطوري المعتاد ؛ ثم اغادره نحو كلية الحقوق عبر جسر أنيق ؛ يا ما وقفت على جنباته استنشق عبير النسيم  المتعانق مع رذاذ الماء المتطاير في الهواء الطلق من ذلك النهر الساحر .

 والآن ؛ حينما دخلت رحاب كلية الحقوق التي درست فيها آنذاك ؛  اعتورتني هزة غالبت فيها دموعا تعثرت في اماقي عيني ؛ تذكرت كل شيء كأنه الامس القريب ؛ على يمين المدخل درج واسع يأخذنا الى قاعة تمــــتد على طول مائة متر ؛ وفيها  تبارى اساتذة قانون اجلاء سمعنا عن كفائتهم الاكادمية والقانونية قبل فترة من دخولنا الجامعة من زملاء درسوا على ايديهم  كالدكاترة الاســـــاتذة ( مصطفى الزرقا ؛ ومنير العجلاني ؛ ورزق الله انطاكي ؛ ومأمون الكزبري ؛ ومعروف الدواليبي ... الخ )  ووكذلك عن آخرين تتلمذنا نحن بعدئذ على فضلهم وعلمهم ك( الدكتور عبد الوهاب حومد ــ العقوبات القسم الخاص ) و(الدكتور مصطفى السباعي ـ التشريع الاسلامي وتأريخه وملاحقه .... الخ ) .

جلت في ارجاء الكلية وحدائقها ثم دخلت المكتبة  وجلست في احد اركان رفوفها القانونية ؛ مستنشقا عبير الكتب وعددا من المحاضرات القديمة المطبوعة والمجلدة باتقان  اعتزازا وتكريما لجهود اؤلئك الافذاذ الذين قدموا خلاصة معرفتهم وتجاربهم  الى الاجيال .

عدت ادراجي الى مقهى الكمال ؛ مستعيدا ـ على كأس من الشاي المخمر ـ ذكرياتي عن  بعض الشخصيات التي تعرفت عليها في هذه المقهى وما جاورها بالذات ؛ تذكرت الراحلين ؛ عبد الغني العطري ح صاحب  مجلة الدنيا ؛ والدكتور عبد السلام العجيلي ؛ الاديب الشاعر المشهور ؛ وعبدالله يوركي حلاق ؛ صاحب الضاد الحلبية ؛ والدكتور صلاح الدين المنجد عضو المجمع العربي ؛ والشاعر المصور احمد الصافي النجفي ( الذي اجريت معه سلسلة من اللقاءات نشرتها في جريدة الانقاذ عام 1950) ؛ والفنان محمد عبد الكريم ( أمير البزق ) الذي كان يحدثنا مرات ومرات عن الفنانين السوريين الرواد مثل ( ابو خليل القباني ؛ وعلي الدرويش ؛ وعمر البطش وأمين الجندي الحمصي ...وغيرهم ) اما المطرب الكبير رفيق شكري الذي طالما سمعنا اغنيته البديعة( بالفلا جمال ساري ) ؛ فقد كان لاينفك عن الالتقاء بنا في ذات المقهى وبخاصة للاستماع الى حفلات ام كلثوم الشهرية . وحينما عدت الى بغداد بعدئذ اتصلت بمن اعرف من رموز الدعاية العامة والاذاعة العراقية كالاساتذة خاشع الراوي ؛ واحمد كمونة ؛ ومدحت الجادر وحافظ القباني ومحمد علي كريم ؛ لتوجيه الدعوة له وتسجيل بعض اغانيه للاذاعة ؛ وقد كان ذلك وبقي في بغداد مدة طويلة ؛ حيث تعاقد مع ملهى ليالي الصفا في الكرخ ؛ فتمتعنا نحن اصدقاؤه باصالة غنائه .

لقد توطدت علاقتي بالاستاذ عبد الغني العطري ؛ بعد ما وصلته توصية من الشاعر الرومانسي ا لمبدع عبد القادر رشيد الناصري ؛ الذي كان يرتبط بعلاقة متميزة بالدنيا الدمشقية وصاحبها ؛فراح يحيل الي بعض المقالات والقصائد المرسلة من العراق للنظر فيها والتعريف باصحابها ؛ وقد لبيت طلباته بصدر رحب مما شد من اواصرنا على نحو من المودة والتواصل . ولقد اتاحت لنا تلك الرابطة الحميمة ؛ ان نجول سوية على كثـــــــير من دور الثقافة ومنديات الادب؛ وان نستمع الى مجمـــــــوعة من مهرجانات الشعر و الندوات  والمحاضرات  والحوارات التي كانت دمشق تحتضنها وبخاصة ايام معرضها الدولي الذي كان يجمع ما بين الاقتصاد  والثقافة والفن في اطار ثري من العطاء .

كنت انتظر اول الشهر بفارغ الصبر ؛ وكان  عليّ ان اذهب الى قرب ساحة المرجة ( الميدان ) وأركب الترام من قرب  فندق فكتوريا على خط يسمى ( الشيخ محي الدين ) على ما اتذكر لاتوجه الى السفارة العراقية او بيت السفير لكي اقابل الوزير المفوض الاستاذ موسى الشابندر وكان صديقا حميما لوالدي ؛ لاتسلم منه ما كان قد خصص الي الوالد  من مصروف شهري  .وكنت انتهزها فرصة لكي اتنقل بعد ان اتسلم ( المقسوم )  بين خطوط الترام لالقي نظرة على مواقع جميلة من حدائق ومتنزهات دمشق ؛ وكان اقرب خطوط الترام الى نفسي الخط رقم ( 6 ) الذي يأخذني الى الغوطة فاتمتع بروائح الاشجار والازهار ؛ واتلذذ بشرب المياه الرقراقة من ساقية تخترق كثيف البواسق . واتعرف على بعض الفنانين التشكيليين الذين كانوا يتخذون من اجمل الشرفات المزهرة مواقع أخاذة لاقتناص المناظر الخلابة للوحاتهم الغنية بالالوان المعبرة .

لقد كانت سن الشباب اليافع تساعد على السير لساعات ايام  عطلة نهاية الاسبوع ؛ كنا مجموعة من الزملاء الذين كان يروق لهم التجوال في احياء الشام للتعرف على اهم معالمها ؛ ومن خلال منهج محدد ؛ فقد  شاهدنا كثيرا مما رغبنا او ساعدتنا الظروف على مشاهدته ؛ كالجامع الاموي العريق الذي لم نمل يوما من تكرار التجول بفسيح ارجائه  ؛ وسوق الحميدية وتفرعاته من الاسواق التخصصية بحسب البضائع والمعروضات مثل سوق الحريقة وسوق البزورية  ؛ ثم القلعة  والسور وما تبقى فيه من ابراج كان اهمها برج نور الدين ؛ فاذا ما طاب لنا الاستمرار في  التجوال عرجنا على كثير من الاحياء القديمة ؛ كباب مصلى ( وفيه جامع مصلى العيدين ) ؛ وباب توما  وباب كيسان ... الخ بل اننا كنا نبرمج سيرنا بحسب المزاج والطقس والفترة الزمنية المتاحة ؛ فاذا ما تجولنا في الروبة او الاشرفية ؛ او القابون  في جمعة ما ؛ اتجهنا في جمعة اخرى الى الشاغور او القصاع او القيمرية او السليمانية حيث محطة الحجاز . ولم تكن تفوتنا زيارة المتاحف اوالبيوتات العريقة ( كقصر العظم ؛ او قصر كنج ؛ او قصر السعادة ) ؛ اما المكتبات فحدث عنها  ولا حرج فقد كانت الشام  ( ولم تزل ) تحفل بمكتبات عامة في غاية الاهمية ( كالظاهرية ) وهي من اقدم المكتبات العامة وتقع في زقاق ما بين الجامع الاموي وقلعة دمشق في دار واسعة تعود اصلا للعقيقي كما يشير الى ذلك المؤرخون  ؛  ومكتبات البيوتات العريقة والمعاهد العليا اضافة الى المكتبات التي تملأ الشوارع والازقة الفرعية من بعد سوق الحميدية فجادة سعد الله الجابري حتى نهاية التقاطع المؤدي الى مقر الجامعة السورية  ولعل اهمها يقع في منطقة الحلبوني  . ولا تقتصرمثل هذه المكتبات  على موقع محدد فقد تجدها منتشرة في اغلب احياء دمشق الواسعة .  هذا عن الكتب والمكتبات يوم ذاك ... اما اذا اردنا التنزه في الضواحي فما علينا الا التوجه نحو دوما ؛ والاشرفية ؛ والمزة ؛ بل ربما أخذتنا النشوة فصعدنا الى  احدى شرفات قاسيون ؛ لنتمتع بمشاهدة دمشق ؛ فنشير من هناك الى بعض معالمها البارزة ولطالما ذهبنا الى ابعد من ذلك ؛ حيث بلودان ؛ وتدمر ؛ وعين فيشة ؛ وغيرها كثير .

لقد كان اقرب المواقع الى دار سكناي يوم ذاك  ؛ هو كراج الترام  حيث مؤسسة الكهرباء ؛ وكان يقا بله تماما  مطعم يسمى ( القطة السوداء ) ؛ كان صاحبه في غاية اللطف والرعاية بالغرباء من الطلبة ؛ فقد كان يهديهم دفاتر تحتوي على بطاقات صغيرة تحمل اسعارا مخفظة يستطيع حاملها ان يتناول طعامه المفضل ثم دفع مبالغها شهريا او عند الميسرة . وكان اغلب الطلبة الغرباء يشاركون في هذا المطعم المميز الكريم  . الى جانبه كان هناك ملهى كبير بطابقين تصدح فيه الاصوات العذبة لاشهر المطربين والمطربات ؛ وقد دخلناه  مرة على استحياء فجلسنا بصالته العلوية بعيدا عن الاضواء ؛ اذ كان دخول مثل هذا الملهى لطلاب جامعيين ـ في تلك الاوقات ـ امرا غير لائق اجتماعيا ؛ ومع ذلك فقد كانت تجربة لم نكررها في حينه .

اما نزهتنا الليلية ايام الخميس فقد  كانت في الشارع الرئيس المجاور لمنطقة سكنانا ؛ حيث المطاعم ودور السينما لنتجه بعد ذلك  يسارا نحو الصالحية ( التي انشئت على عهد نور الدين الزنكي ) والمليئة بالمحلات التجارية والمطاعم الصغيرة والمقاهي والحدائق والمتنزهات  التي يطل عليها جبل قاسيون (يبلغ ارتفاعه 1153مترا ) . فاذا ما طاب لنا ان نسير في منحى آخر ؛ فما كان علينا الا ان نتجه نحو شارع بغداد الغني بمطاعمه ومقاهيه وحدائقه المتوزعة على الجانبين .  وكنا نفضل دائما  شراء طعامنا الذي كان يقتصر على ( الشاورمة ) في اغلب الاحيان ؛ ثم نتخذ لنا مكانا من ذلك الشارع الواسع لنتناول أكلتنا المفضلة ونحن نلقي نظرة حيية على اسراب الحسنوات وهن يذرعن تلك الجادة الانيقة ذهابا وايابا بزهو واحتشام . فاذا ما فرغنا من ذلك كان لابد لنا من ان نقصد  أحد محلات الحلويات الدمشقية الشهيرة لنتناول شيئا من ( البقلاوة ؛ و القطايف والمبرومة وكل واشكر ... الخ .

 قبل منتصف العام جاءتني  وبعض زملائي العراقيين موافقة الجهات الرسمية المختصة  في بغداد على قبولنا في كلية حقوق بغداد وذلك بفضل  استاذنا العميد منيرالقاضي ؛ فما كان منا الا ان ودعنا اساتذتنا الذين كرمونا بعنايتهم ورعايتهم ؛ وباقي الزملاء السوريين الافاضل ؛ ولم يفتنا توديع كل شبر من الحي الذي عشنا بين جوانحه بمحبة والفة وكرم .

واليوم .... فقد اتاحت لي هذه الفرصة القصيرة من زيارتي للشام ؛ ان اجول بين   تلك المعالم القديمة التي أتيت على ذكرها آنفا ؛ وعلى مواقع جديدة امتدت طولا وعرضا وغطتها دور العبادة والمعاهد ومنتديات الثقافة والفنون و الحدائق الغناء والفنادق الفخمة والملاعب الرياضية والمقاهي والمطاعم الانيقة وامام هذا التوسع الشامل أضحت تلك المدينة العريقة التي عرفتها ؛ رقعة صغيرة في بحرممتد الارجاء من عوالم العمران ... الخ  ولعل هذا التوسع المذهل  الذي شاهدته على عجل  ؛ هو الذي جعلني اقنع بالجلوس( قبل المغادرة ) في بعض المقاهي القديمة كالكمال ؛ والروضة ؛ وحجاز ؛ ...الخ وأقرأ ما يتاح لي من صحف ومجلات ومطويات تمنحني معلومات  اضافية عما يدور من نشاط ثقافي واجتماعي وسياحي في المدينة التي كانت ولم تزل من اقدم االمدن مهابة وازدهارا  عبر تأريخ الحضارات.