رحلة إلى الجزائر (1)

د. عثمان قدري مكانسي

     رحلة إلى الجزائر (1)  

د. عثمان قدري مكانسي

     الوصول إلى الجزائر  

أول خروج من بلدي سورية كان في العشرين من أيلول عام ثمانية وسبعين وتسع مئة وألف إلى الجزائر الشقيقة مدرساً للغة العربية.

ذهبت إليها وزوجتي –وهي مدرّسة للغة العربية كذلك وقد تخرجنا معاً عام سبعين من جامعة حلب- معارين لسنوات أربع كما جرت العادة إلا أننا مكثنا هناك سنتين فقط.

وحطّت الطائرة بنا في مطار الجزائر العاصمة ليستقبلنا هناك مندوبون عن وزارة التربية كانوا من اللطافة بمكان، والإخوة الجزائريون على ما عرف عنهم من شدة وبأس يحبون الضيف، ويحاولون إكرامه ما استطاعوا، وقد عشنا السنتين بينهم طيبة مباركة أيامهما، وعاطفتهم جيّاشة حسب الموقف، فمع العدو لا يهابون الموت –فهم أبناء ثورة المليون شهيد ونصف المليون- ومع الأخ والصديق غاية في الذوق والأدب.

نقلنا إلى مدرسة أعدت بشكل مقبول لراحة الوافدين، من الأقطار العربية ومن ثم يوزعون إلى الولايات الجزائرية، وقد كان كل منّا يعرف المدينة أو الولاية التي سيتوجه إليها للعمل فيها، وكان نصيبنا مدينة "كولومب بشار" في الجنوب الغربي من الجزائر على الحدود المغربية.

بقينا في العاصمة ثلاثة أيام طفنا فيها الشوارع والأماكن العامة، وزرنا الأماكن الأثرية فيها، وتمتعنا بالنظر إلى أبنيتها التي مزجت بين القديم والجديد، والطراز العربي والأوربي، من أعلى منطقة في المدينة، فقد كانت قائمة على مرتفعات تهبط تدريجياً نحو البحر، وكانت مياه الأمطار الوافرة تغسل المنازل والشوارع فتبدو نظيفة أنيقة، فإذا ما أشرقت الشمس انعكس ضوءها على الحدائق والمتنزهات –وهي كثيرة- فارتد شعاعها شمساً ثانية تبهر العيون، وتبهج النفوس.

لم يكن الطعام الذي قدّم إلينا وهو مغربي –نسبة إلى بلاد المغرب العربي كلها- مطعمٌ بالمطبخ الغربي الفرنسي على الأخص، مما يناسب المشرقيين أمثالنا ممن لم يعرفوا إلا النوع العربي والسوري خاصة، فنحن لم يتسنَّ لنا الخروج من بلدنا قبل الجزائر، فلا نستسيغ سواه، إلا أننا بعد الزيارات المتنوعة، لغالب البلدان، ومخالطة الأمم كلها تقريباً من الشرق الهندي إلى الغرب الأوربي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، اعتدنا أن نأكل ما يُقدّم إلينا مطبوخاً كان أم مشوياً أم مقلياً أم نيئاً، على أن يكون حلالاً يرضي الله تعالى في نوعه وطريقة صنعه..

لم يكن الطعام أغلبه كما ذكرت مستطاباً فنزلنا نجوب الشوارع القريبة من مكان إقامتنا نبحث عن مطعم شرقي نجد فيه ضالتنا، فلم نجد بغيتنا لأمرين اثنين أولهما: أن المطاعم لا تفتح سوى أربع ساعات في اليوم فقط، بين الثانية عشرة والثانية ظهراً لوجبة الغداء، وبين السادسة والثامنة مساء لوجبة العشاء، أما في بلادنا فهي مشرعة الأبواب ليلاً ونهاراً تستقبل الزبائن في كل حين وآن.

أما طعام الفطور ففي المقاهي حيث لا تجد سوى أنواع الكاتو –وهي كثيرة ومتنوعة- مع كأس من القهوة، أو الشاي الأخضر، فهم لا يعرفون غيره، ولا يسألك أحدهم: أتفطر؟ إنما يقول لك: "أتتقهوى"؟

ثانيهما: أن الوجبات قليلة بل قل معدودة، فلا نصيب للمتأخر، إضافة إلى أنها أنواع قليلة متكررة، فطعام الظهر غير طعام المساء، على العكس من مطاعم المشرق العربي التي تغصّ بأنواع المأكولات، ويجتهد أصحابها في تلوين المأكولات وكثرة الوجبات.

دخلنا مطعماً نسأله عن الفول والحمّص والفلافل، فابتسم صاحبه معتذراً وسألناه عن الأرز واللحم وعن الملوخية وشوربة الخضار، وعن.. فكان يجيبنا بأدب جم: لا نعرف ما تذكرونه ويذكر نوعين أو ثلاثة عنده فقط.

فعلنا هذا في عدة مطاعم فلم نحظ بطائل، عدنا أدراجنا مصدومين نريد المدرسة علّنا نجد بقايا ما أكله المدرسون أمثالنا هنا، فنادانا صاحب أحد المطاعم التي دخلناها قائلاً:

- بإمكانكما أن تشتريا ما تريدان من البقالة المجاورة وتطبخاه هنا.

سررنا بهذا العرض، فهو يدل على أخلاق رفيعة تدل على أن الرجل أحسَّ بما نعانيه فأراد مساعدتنا والتخفيف عنا، ففعلنا ذلك شاكرين له ما عرضه، وكانت زوجتي، وما تزال طباخة ماهرة، فصنعت عدداً من الوجبات الشرقية مما تيسّر لنا شراؤه.

وكان الرجل يتذوّق ما تصنعه ويظهر إعجابه، وسألها أن يتعلّم صنع ذلك.. وقد رأيناه بعد ذلك يقدّم لزبائنه ما تعلّمه منها.

وأردنا أن نركب سيارة أجرة فتقدّمنا من سائقها وسألناه أن يوصلنا إلى شارع عبد القادر الجزائري وهو في منتصف المدينة، فأجابنا "مانيش خدّام" وصُدمنا من جوابه الذي ظنناه لجهلنا باللهجة الجزائرية خروجاً عن اللياقة، واعتبرناه سوء أدب!! فمن قال إنه خدّام؟ إننا لم نتعال عليه حتى يجيبنا هكذا!! وابتعدنا عنه ممتعضين لنستقل سيارة أخرى رحّب بنا صاحبها، فاجترأنا على الاستفسار منه عل ما قاله الآخر، فضحك الثاني، وضحكنا كذلك نحن حين علمنا أنه يعتذر لأنه كان مشغولاً لا يستطيع خدمتنا أو قل إيصالنا، ولم نستطع التفاهم مع الإخوة الجزائريين إلا باللغة العربية، فقد كانت لهجاتنا مختلفة كثيراً فالاستعمار الفرنسي حاول على مدى مئة وثلاثين سنة محو القرآن ولغته، واكتسبوا هم الكثير من المفردات الفرنسية.

ابتدأني أحدهم قائلاً: "وشراك" فلم أجبه فاستدرك قائلاً: كيف حالك؟ وهي بمعنى "أي شيء وراءك"؟ وكما تقول بلهجة بلاد الشام "شلونك" ولهجة مصر "ازّيك" أو "عامل إيه" والمغرب "كِداير".

لغة القرآن كانت الطريقة الوحيدة –في بداية حياتنا في الجزائر- للتفاهم إلى أن مرّت شهور فتأقلمنا مع لهجتهم إلا أننا منذ اللحظات الأولى أحببناهم فقد كانوا في مجملهم عاطفيين يحبون الغرباء ويكرمونهم.

ولئن كان البعد الجغرافي والثقافي سبباً في تعذّر الفهم الكامل لبعض الجمل المحلية في الجزائر، إنّ هذا أمر عادي، لا غرابة فيه، لكنّ الغرابة أن يظن المشرقي السوء في لفظ قرآني يتداوله الصغير والكبير، فقد اعتاد أحد السوريين من القرداحة أن يحمل معه أحد الإخوة المصريين إلى المدرسة التي يعملان فيها، فكان هذا الرجل كلما ركب السيارة قال: "سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون" وهو الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركب دابته، فجاءني صاحب السيارة يشكو المصريّ سوء أدبه ويعلن أنه لن يحمله فقد كرّر الإساءة وأصرّ عليها حين كرّر هذا الدعاء!.. فقد فهم صاحبنا أن كلمة "سخّر" تدل على السخرية والاحتقار من صاحب السيارة على الرغم من أنه يساعده ويخدمه حين يحمله معه إلى المدرسة!!..

فقلت له: معك الحق لا ينبغي للدابة إلا أن تكون دابة، ولا أدري أفهم مقولتي أم لم يفهمها...  

                

بجاية

حطّت بنا الطائرة في مدينة "بيشار" الصحراوية مصدر الطاقة البترولية والغازية التي تنازعت الدولتان الجارتان عليها بعد خروج الفرنسيين من الجزائر وجرت فيها معارك طاحنة بين الطرفين كلٌّ منهما –المغرب والجزائر- تريد الحفاظ عليها للاستئثار بالذهب الأسود، فظلّت من نصيب الجزائر.

كانت أبنيتها إلا القليل على الطراز الصحراوي، أحجارها لَبِنٌ صفراء تميل إلى البرتقالي أحياناً وإلى البنّي أحايين، وشوارعها في الغالب مسفلت وفيها الرملي المرصوص، هواؤها نقي والرؤية فيها واضحة والجو في النهار حارٌ وفي الليل معتدل، تتوزع فيها بعض الحدائق تشرف عليها بلدية المدينة فكأنها جزر خضراء في بحر أصفر والحياة فيها أقرب إلى الهدوء.

إلا أن عاصفة رملية شديدة لم نر مثلها من قبل اجتاحت المدينة الصغيرة فأحسسنا بضيق التنفس ولزمتنا كآبة غيّرت رأينا في العمل فيها، وكنا قد قصدنا حين وصولنا إدارة المنطقة التربوية ووضعنا أنفسنا تحت تصرفها، وكان أثر العاصفة أشدّ على زوجتي فقد استأصلت إحدى كليتيها في حلب قبل سفرنا بأشهر قليلة، وبدا الإعياء عليها، فآثرنا العودة إلى العاصمة على الرغم من تشجيع بعض من تعرفنا عليهم، وكان أحدهم طبيباً من حلب من آل "النعّال" حملنا في سيارته وطاف بنا شوارع المدينة ومعالمها ومنّى نفسه بالأكل الشامي وخاصة الحلبي بأنواعه المشهورة من الكبّة إلى اللحم بالعجين إلى ما لذّ وطاب فهو عازب هوايته إلى جانب الطبّ تناول الأطايب.

عدنا أدراجنا بعد أيام قليلة فتفهّم المسؤولون الأمر بأريحيّة وعرضوا علينا إحدى المدن الساحلية، فاخترنا بجاية شرق العاصمة على بُعد مئتين وخمسين كيلو متر منها..

ركبنا هذه المرة الباص فوصلنا إليها بعد خمس ساعات تنقص قليلاً.. كانت الطريق متعرجة كثيراً على يمينها وديان خضراء تشرح النفس وتسرُّ الخاطر، يخترقها نهر هادئ يملأ الأرض حياة وخصباً ونماء، وعلى يسارها جبال شامخة تكسوها الأشجار الخضراء، ومساطب المزارع، يتخللها القرى المتصلة، والبيوت المتناثرة، ولا أزال أذكر بلدتي "سيدي عيش" و"أقبو" وغيرهما من القرى والدساكر والبساط السندسي الذي ما انفكّ يصاحبنا في سفرنا فيبعث البهجة والسعادة، وكثيراً ما كانت الأشجار على الجانبين تلتقي فتظلل الطريق كأنه نَفَق وتسمح لأشعة الشمس أن تصافح وجوهنا وأيادينا فتذكرنا بقول المتنبي في شعب بوان:

وألقى الشرق منها في ثيابي      دنانيراً تفرُّ من البنان

قالت زوجتي:

- إن لم تكن هذه الجنة بعينها فهي جزء منها، مناظر خلابة ونهر جار، وأشجار رائعة، ووديان خضراء وجبال سامقة، وهواء نقي... رحم الله الشاعر الأندلسي الذي نطق لسانه ما قالته أفكارنا:

يـا أهـل أندلـس لله درّكــم     ماءٌ وظلٌ وأشجار وأنهارُ

ماجنّة الخلد إلا فـي دياركــمُ    ولو تُخُيّرت هذا كنت أختار

لا تحسبوا بعد ذا أن تدخلوا سقراً    فليس تُدخل بعد الجنّة النارُ

وصلنا إلى المدينة عصراً فإذا بها درّة المنطقة، وقلب المدن والقرى حولها، بنيت على تلة كبيرة، فطرقُها صاعدة نازلة، وأبنيتها بين الصغيرة والوسط، جوّها لطيف، ومنظرها ظريف، ودربها نظيف، يحوطها البحر من أطرافها الثلاثة، ويتوغل في جنوبها الشرقي فيؤلف خليجها المسمى باسمها "خليج بجاية" فترى فيه الميناء الصغير، ومحطة القطار، وبعض الأبنية الحكومية، وغيرها. ذهلت قلبينا قبل أن ندخل ساحتها، وسكنت فؤادينا قبل أن نسكنها.

توجهنا إلى الإدارة التعليمية هناك فكان استقبالهم لنا يدل على ذوق وأدب، وسرعان ما استلمنا مفتاح شقة غربيّ المدينة ضمن مجموعة من الأبنية التي أنشأتها البلدية وسمّتها منطقة "الشقق الألف" وكانوا ينطقونها بالإفرنسية "ميل لوجما" يصل إليها باص واحد كل ساعة فيحمل من الموظفين والعاملين الحكوميين إلى أعمالهم في دوائرهم من لا يملك سيارة، وقد كانت زوجتي في الأشهر الأربعة الأولى من حياتنا هناك تركب الباص الوحيد بعد أداء صلاة الفجر مباشرة لتصل إلى مدرستها في وسط المدينة في ثانوية ابن سينا دون تأخر، وكنت أرافقها إلى موقف الباص لأطمئن عليها فالظلمة الحالكة وتطرّف البيت والغربة والخوف النسويّ يستدعي ذلك لأعود بعدها إلى البيت فأرتبه، ثم أنطلق إلى ثانوية الحمّادية مشياً على الأقدام فهي لا تبعد أكثر من عشرين دقيقة.

أهل المدينة وما حولها من القبائل البربرية الصغرى، يمتازون بالتديّن الفطري –على الرغم من أنهم في حياتهم الاجتماعية يخضعون في الغالب لعاداتهم وأعرافهم- وبالأخلاق الحميدة من رجولة واعتزاز ونخوة. أما الأمانة فحدّث ولا حرج، فقد ينسى أحدهم زجاج سيارته مفتوحاً ساعات طويلة ثم يعود إليها مطمئن البال فيجدها كما تركها، لكنك لا تجد هذا حين تكون في غيرها من المدن الداخلية الواقعة جنوبها، فهناك لا تأمن على سيارتك ولا على جيبك بله نفسك..

يحبون الغريب عربياً كان أم غربياً، لكنّ عقدة الخواجة واضحة كثيراً في تصرفاتهم، وهذا دأب غالب القوم لوجود المستعمر الفرنسي مدة طويلة في بلادهم، وترى هذا ينطبق على دول الخليج فقد لبثتُ في دولة الإمارات ستة عشر عاماً ولمست هذا بشكل واضح.

أما حديثهم فهو باللغة الأمازيغيّة أولاً، واللغة الفرنسية ثانياً، والمغلوب دائماً يقلّد غالبه، ويستعملون العربية مع العربي، وأقصد بذلك اللهجة الجزائرية العامية، وقليلاً ما كنّا نفهمها، أما الطلاب في المدرسة فلغتهم العربية رائعة ومستواهم فيها ممتاز، وخطؤهم فيها قليل وهذا يدل على مستوى الذكاء المرتفع والفهم الواسع.. فأن ترى أمازيغياً يتحدث العربية الصحيحة بطلاقة، وهي الثالثة من حيث التريب في الأهمية.. شيء رائع..

والشيء اللافت للنظر مدرّس اللغة العربية هو مدرّس المادة الدينية من فقه وتفسير وتلاوة وأحكام، وتصوّر أن على مدرس اللغة العربية النصراني أن يدرّس الدين الإسلامي، وهذا ينطبق على القومي والشيوعي والملحد.. وهذا ليس عن تهاون وإهمال للدين إنما القوم لا يتصورون أن يكون العربي غير مسلم.. ومدرّس اللغة العربية غير ملتزم بدينه..

أما الاشتراكية التي يشربونها مع الحليب كل يوم ويأكلونها مع الخبز كل صباح ومساء، وهذا بين عامي 1978 – 1980 حين كنت مدرساً هناك، فسرعان ما تتهاوى أمام العقيدة السليمة والفطرة الإيمانية الأصيلة على أن يكون المدرس الداعية أهلاً لذلك، ولا أدّعي هذا فالتزكية من الله تعالى "فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" ففي السنة الثانية من تدريسي يأتيني أحد تلامذتي في السنة السابقة يطلب إليّ أن أسأل مدير المدرسة أن يخصص للتلاميذ غرفة يصلّون فيها، فأسأله:

- أما زلتم تصلّون يا ولدي؟

فيقول معاتباً بأدب ولطف:

- ثلاثة وعشرون طالباً من أربعة وعشرين محافظون على الصلاة يا أستاذ.. منذ أن علمتنا الصلاة وفقهتنا بالدين، وهل يترك الإنسان دينه يا أستاذي بعد أن عرف أن الصلاة عماد الدين؟!..

سجد قلبي لله فرحاً بذلك وحمداً لله تعالى.

وإذ كانت الثقة تزداد رسوخاً مع المجتمع من حولي طُلب إليّ أن أُدرّس التفسير في المسجد الجامع في بجابة، وكانت تجربة ناجحة، إذ نظرت حولي فوجدت الحجاب يكاد في ذلك الزمن يكون معدوماً فليس في الجزائر يومذاك امرأة تتحجب الحجاب الشرعي، ولعل أحدهم يستنكر هذا القول، لكنني أذكر من استنكر من أهل تلك البلاد أن البرقع كان يغطي الفم والأنف فكان نصفه أو أكثر مكشوفاً وكأن الحجاب فرض على الفم والأنف فقط، وكانت الملاية البيضاء أو السوداء تشفّ عما تحتها بشكل سافر، وحين تسقط الملاية وما أكثر سقوطها تجد الزنود الفارعة والصدور العارية والثياب القصيرة تظهر أكثر مما تخفي.

قررت أن أبدأ بسورة النور، وهكذا كان.. ففي الدرس الأول لم يتعدّ الحاضرون العشرين، وارتفع العدد في الدرس الثاني إلى المئة، وكان المسجد غاصاً بهم في الدرس الثالث وما تلاه.. لقد كان الناس متعطشين لمعرفة دينهم، وأحكام شريعتهم، مفتقدين المعلم الناصح، والقائد الفذّ والإدارة المخلصة والنطاسيّ البارع ليضع يده على مكمن الداء، ويحدد لهم الدواء.

ثم تمضي عجلة الأيام فينعقد عام اثنين وتسعين وتسع مئة وألف، أي بعد اثني عشر عاماً مؤتمر للمرأة الجزائرية المسلمة يحضره أكثر من نصف مليون امرأة متحجبة، فيزقزق قلبي فرحاً، وتختلج أضلعي رضاً، وتنتشي نفسي سعادة، لكنّ أعداء الأمة يدقون ناقوس الخطر فيتداعى جلاوزتهم لوأد الحركة الإسلامية فيغيّبون الشباب في غياهب السجون، وظلام المعتقلات، والقبور الجماعية، ولكن إلى حين فلا يستطيع الوزغ إطفاء نور الله تعالى، ولا الظلام تبديد النور الساطع والإيمان العميق المتأصل في الحنايا والقلوب.

"يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون".  

يتبــع