برقيات أدبية (67)

برقيات أدبية(67)

قصائد تصور مشاهد التاريخ المكتوب بحروف من دم

أمسية شعرية للشاعر غازي الجمل

 في رابطة الأدب الإسلامي

قدمه الأستاذ محمد الحسناوي

    من صالح البوريني ـ  عمان

تراوحت قصائد الشاعر غازي الجمل بين المستوى الهادئ والمستوى الهادر ، ففي قصائد (  المستشفى الإسلامي ) و (حوار بين المواد المدرسية ) و (دار الإخوان) و ( احفظ بني)

تستريح الأذن إلى النبرة الهادئة مع النفس  الممدود في موضوعات قريبة كالمديح والثناء والوجدانيات ووصف مشاهد من الحياة الاجتماعية المتنوعة .  بينما تتجلى في قصائد أخرى مثل  ( تحية إلى أبطـال الفلوجة ) و ( الرد المزدوج ) النبرة العالية الهادرة التي تساير أحداث الحرب في العراق وتماشي وقائع المعركة في فلسطين وتصور مشاهد التاريخ المكتوب بحروف من دم  .

ويذكرنا شعر الجمل في وصف أجواء المعركة ونقل مشاهد الحرب وتخليد مواقف البطولة والاستشهاد بشعر الحماسة والفروسية الذي اشتهر كواحد من أبرز أغراض الشعر العربي ، بل إن غازي الجمل يعد من المجددين الذين أدخلوا إلى قاموس القصيدة العربية  من الألفاظ والكلمات وأسماء الآلات ما لم يكن فيها من قبل مما هو داخل في المسميات العصرية المتنوعة وخاصة الآلات الحربية والمعدات العسكرية التي لم تكن معروفة من قبل في الشعر العربي كالطيارة والصاروخ والرصاص والبندقية والرشاش والقنبلة والحزام الناسف وغيرها .

وتبدو البراعة واضحة في شعر الجمل في تصوير الحالة النفسية  التي تهيمن على مشاعر الشباب الاستشهاديين إذ تتملكهم أشواق الروح إلى لقاء الله عز وجل  وحنين القلوب إلى نيل الشهادة التي يرتـقـون بها إلى أعلى المنازل في جنات النعيم قبيل تنفيذ عملياتهم البطولية ، من ( الرد المزدوج ) :

وبـنـظرة  شبت ببــرق خيالها
طـارت إلى طوبى بأجنحة iiالرضا
واطـوفت بالسدرة العليـــا iiفإن
وتطوف بالحوض الكريم فإن هوت
وتـطـوف  بالجنات حتى iiترتوي
حـتـى إذا قـرت بأجفان iiالرضا
فـتـشوفت  روح الأباة إلى iiالمنى






 
تـطـوي مـسافات الفضاء الفاني
واسـتـأنست  بالحـور  والولدان
قـرت  تـقر على ذرى iiالأغصان
تـهـوي  على  كف النبي iiالحاني
نـشـوى   بـسحر جمالها iiالفتان
تـأويـ   إلى   قنديلهـا  iiبأمـان
والـسـيـف خـير وسيلة  iiلأمان

فتمنطقا حمم الحزام مجهـزا بلظى الجحيم  لثلـة الطغيان

 وشعر الجمل ينتقل بالإنسـان من جو الهزيمة إلى مناخ يشم فيه رائحة النصر ، وينتشل الغريق من قاع محيط اليأس ومن تحت ظلمات الاستسلام وأوحال الهوان إلى مشارف الأمل حيث يصنع المجد في ساحات الصمود ويكتب التاريخ من جديد بدماء المجاهدين وخطوات أقدام المدافعين عـن كرامتهم وعرضهم وشرفهم ومقدساتهم . بل إنك لتطالع روح أبي الطيب المتـنبي الأبية وديباجة الجواهري الفنية ، ولكن في فخر إسلامي عروبي متزن  ،  إنه يرسل التحية لأبطال الفلوجة الذين صمدوا حتى الموت في ظل الصمت العالمي المخزي من حولهم فيقول :

يا ابن الفلوجة يا بقية عزنـا       يا من رأوا بك صارما  مصقولا

قف شامخا مثل المآذن طولا        وابعث رصاصك وابلا سجيـلا

سطر على هام الزمان بأننـا       أهل الكرامة والأعز  قبيـــلا

فليحرقوا كل النخيل بساحنـا سنطل من فوق النخيل نخيــلا

فليهدموا كل المـآذن  قنــا       نحن المآذن فاسمـع  التهليــلا

إن يبتروا الأطراف تسعى قبلنا      قدما لجنات النعيم  وصـــولا

نحن الذين إذا ولدنـا بكـرة        كنا على ظهر الخيــول أصيلا

وقد أشاد الأستاذ الحسناوي بشعر الجمل ودافع عن الشعر العمودي واعتبره الأول والأهم بين ألوان الشعر المعروفة، واعتبر شعر التفعيلة من الأشكال الطارئة التي ترفد ولا تحل محل الشعر العمودي كما كانت ظاهرة الموشحات الأندلسية لونا مستجدا في زمانه ، موافقا بذلك كثيرا من الدارسين والنقاد ولا سيما الشاعرة نازك الملائكة . وقال إن كل لون من ألوان الشعر فيه الحسن وفيه غير الحسن ، واستنكر التعصب للون معين من ألوان الشعر ، وأكد أن الجيد يفرض وجوده على أذن السامع ومشاعره وعقل المتأمل وفكره .

       وقد جاء ذلك على لسان الأستاذ الحسناوي أثناء تقديمه الشاعر غازي الجمل في الأمسية الشعرية التي أقامتها رابطة الأدب الإسلامي السبت الماضي في مقرها في عمان .