الأديبة المناضلة ثريا الحافظ

clip_image002_8c476.jpg

هي المرأة المثقفة التي تربت في بيت علم وثقافة وأدب ونضال, ودرجت على هذا حتى غدا النضال رسالة حياة, وغدا العلم راية, ومحبة الأوطان عشقاً, وحرية المرأة هاجساً يومياً.

عاشت ثريا الحافظ شقاوة اليتم بعد أن استشهد والدها أمين لطفي الحافظ في السادس من أيار 1916, فتربّت على ذكراه وقصص نضاله وجهاده مع رفاقه الذين مضوا معه في درب الشهادة ومقارعة الظلم والاستبداد, والمناداة بتحرير البلاد واستقلالها, وجعلت من العلم والثقافة سبيلاً للنضال لتحرير الوطن العزيز سورية, والمرأة السورية التي عانت من وطأة الأمية والتجهيل والاحتباس في البيوت. فكانت في طليعة الفتيات السوريات اللواتي تخرجن في دور المعلمين, وكانت في طليعة النساء السوريات المجاهدات ضد المحتل الفرنسي, وكيف لا وهي ابنة الشهيد أمين لطفي الحافظ, وزوجة المناضل الكبير منير الريس شيخ النضال.. وشيخ الصحافة, صاحب المذكرات الشهيرة التي جاءت تحت عنوان "الكتاب الذهبي", والتي اشتملت على صفحات من تاريخ سورية النضالي لا تعادلها في القيمة والمعنى صحائف الذهب. ثريا الحافظ تناوبت على السجن, والمطاردة والسؤال... مع زوجها منير الريس, فكان كلاهما نهباً للغياب الوطني من أجل الوطن, سجنت, واحتجزت بسبب نضالها ونضال زوجها, وكان سؤال الغياب مرّاً, تماماً مثلما كان جواب السؤال مرّاً "أخذهما الفرنساوي". في حياة ثريا الحافظ صفحات من النضال والمجاهدة على دروب عديدة, في طالعها حيازة العلم والثقافة, ومواجهة المستعمر الفرنسي بكل الوسائل والطرق: المظاهرات, الاعتصامات, الكتابات, البيانات, المناشير, الرشق بالحجارة, تعليق الدراسة والتدريس, التواصل مع الثوار في الغوطتين, عيادة الجرحى, كفالة الأيتام, المؤازرة المادية والمعنوية لذوي الشهداء, الأحاديث الصحفية, الكتابة الإذاعية...., ومن دروب النضال التي مشتها ثريا الحافظ مع رفيقاتها... درب تحرير المرأة عن طريق تعليمها وتثقيفها. ومن الوسائل التي عملت عليها تأسيس الجمعيات والروابط النسائية والصالونات الأدبية... ومنها (يقظة المرأة الشامية), و(جمعية خريجات دور المعلمين), و(دوحة الأدب), و(جامعة نساء العرب القوميات), و(الرابطة الثقافية النسائية), و(حلقة الزهراء الأدبية), و(منتدى سكينة الأدبي), و(النادي الأدبي النسائي)... وقد عرفت هذه المنتديات والروابط والأندية والجمعيات نشاطاً ثقافياً بارزاً في التوعية والتثقيف, والتعريف بالتراث العربي الأصيل, والتراث الإنساني العظيم, وقد اجتمع على هذه المنتديات خيرة أدباء ومثقفي العربية في سورية والبلاد العربية, فقد أمَّ هذه المنتديات أدباء العرب الكبار أمثال: الجواهري, نازك الملائكة, محمود تيمور, طه حسين, عبد السلام العجيلي, فؤاد الشايب, ابراهيم الكيلاني, غادة السمان, كوليت خوري, حسين مروة, فخري البارودي, ميخائيل نعيمة, القروي, يوسف السباعي, أنور العطار, سليم الزركلي, عبد الكريم الكرمي, جبرا ابراهيم جبرا, أحمد رامي, فكري أباظة, أمين نخلة... وبعد خروج المستعمر الفرنسي, كانت قضية العروبة, وقضية المرأة, وقضية فلسطين ثالوث القضايا الذي نذرت ثريا الحافظ نفسها وعلمها وثقافتها واجتماعيتها من أجل نصرتها, فقد كانت في طليعة المناضلات السوريات من أجل نصرة مصر العزيزة في أثناء العدوان الثلاثي 1956, أما قضية المرأة فقد أولتها كل جهدها وعنايتها وذلك لقناعتها بأن المرأة هي المربية والمخططة والباثة للروح الوطنية في المجتمع, لذلك لم تألُ جهداً من أجل تثقيف المرأة و نصرتها ومشاركتها في الحياة العامة شانها في ذلك شأن الرجل, وأما فلسطين, فقد كانت نكبتها ندبة الحزن التي لا تمحى وقد آل المصير الفلسطيني إلى الشتات والمنافي والمأساة الفاجعة... فقد كانت واحدة من نساء دمشق اللواتي عملن على تضميد الجراح الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية في ضواحي دمشق, وهي التي أهدت كتابها (الحافظيات) إلى المجاهدات في سبيل تحرير فلسطين. ولدت ثريا الحافظ سنة 1911 في أسرة دمشقية مثقفة, زوجها الصحفي الشهير منير الريس, ودرّست في مدارس دمشق, و عملت في المقاومة الشعبية, وقادت حركة النضال النسائي في سورية, لها ريادتها في الانخراط في الانتخابات النيابية ترشيحاً وانتخاباً, مثّلت سورية في العديد من المؤتمرات والملتقيات الخاصة بالمرأة في البلاد العربية والعالم, كان صالونها (صالون سكينة الأدبي) أشبه بوزارة للثقافة والتوعية الوطنية والقومية, تركت لنا كتابيها: (حدث ذات يوم) وهو سيرة ذاتية لجهادها الوطني, و(الحافظيات) وهو سيرة الأحداث الوطنية, والاجتماعية التي عاشتها سورية في أثناء كفاحها من أجل نيل أمرين عزيزين: الاستقلال, والحظوة الوطنية البارزة.

توفيت ثريا الحافظ في دمشق سنة 2000.

وسوم: العدد 782