الشاعر الداعية محمود أبو النجاة عبد الواحد

(1902- ....)

ارتبط بدعوة الإخوان منذ بدايتها، وتعرض لابتلاءات في عهدَي فاروق وعبد الناصر

المجدُ لا يُعطَى شرابًا سائغًا      إن رُمتَ مجدًا فاسأل الشهداء

ارتبط بدعوة الإخوان منذ بدايتها وتعرض لابتلاءات في عهدَي فاروق وعبد الناصر إن رُمتَ مجدًا فاسأل الشهداء

فاترك أوهامك وخيالاتك وما أنت فيه من دعة وكسل وخمول.. مشغول بلقمة خبز أنت بها مستذل.. وبزوجة أنت لها عابد.. وأولاد أنت لهم خادم.. واعلم أنه لن تعود لنا عزةٌ أو كرامةٌ أو مجدٌ إلا تحت ظلال السيوف.. وفي ساحات الدعوة والجهاد.. والتضحية والثبات.. فضع يدك في أيدي العاملين.. والْحَق بركاب المجاهدين.. وترسَّم خُطى الشهداء السابقين.

هذا ما علمنا إياه طريقُ الدعوة المباركة.. وعبر عنه شاعرنا.. جندي الدعوة: محمود أبو النجاة.

مولده، ونشأته:

وُلد شاعرُنا الأستاذ محمود أبو النجاة عبد الواحد عام 1902م, وكان مولده بقرية السالمية.. التابعة لمركز فوة.. بمحافظة كفر الشيخ بمصر.

وفي أحضان القرية الوادعة ومظاهر الجمال والإبداع الرباني التي شملت كل شيء نشأ شاعرنا، ولم يكن في مطلع حياته شيء يميزها عن حياة أقرانه من أبناء الريف.

دراسته، ومراحل تعليمه:

فدخل كتاب القرية ليحفظ القرآن كالمعتاد في الريف المصري في ذلك الوقت، لكن هذا الصبي الواعد تلقته يدُ معلمٍ كفءٍ، وهو شيخ الكتَّاب الضرير، الذي كان يُجيد قرض الشعر، وله ثقافة أدبية خصبة، فحفظ على يديه القرآن الكريم وأتمه، ثم أتبعه بحفظ المعلقات العشر، فكان لذلك الرصيد أعظم الأثر في تقويم لسانه، وتنمية التذوق اللغوي والأدبي منذ هذه السن المبكرة.

وبعد ذلك التحق بمعهد دسوق الديني، ودرس فيه لمدة أربع سنوات، والتحق بعدها بمدرسة القضاء الشرعي، فدرس فيها لمدة عامين، ثم شاء له الله خيرًا فانتقل إلى دار العلوم ليدرس اللغة والأدب، وفوق هذا كله ليكون زميلاً للإمام الشهيد حسن البنا طيلةَ أربع سنوات كاملة، ويتخرجا معًا عام 1927م.

أعماله، ومسؤولياته:

عُيِّن الأستاذ محمود أبو النجاة بعد تخرجه مدرسًا للغة العربية بمدرسة رشيد الابتدائية، ثم نُقل منها إلى مدرسة الزراعة المتوسطة بدمنهور عام 1933م، وألف في هذه الحقبة مسرحيتين شعريتين.

وفي سنة 1937م رشح لتدريس اللغة العربية والشريعة الإسلامية بمدرسة البوليس والإدارة (كلية الشرطة )، وبقي بها إلى أن أحيل إلى المعاش عام 1962م.

مع دعوة الإخوان:

ارتبط شاعرنا بدعوة الإخوان منذ بدايتها.. ولا عجب؛ فقد عايش مؤسسَها الإمام الشهيد حسن البنا عن قرب، وتأثر به، وتلقى عنه فترةً طويلةً، حتى أصبح من دعاة الحركة الإسلامية، ومن المجاهدين الصابرين، وكانت له جهود ونشاط في العمل لهذه الدعوة، والبذل والتضحية في سبيلها...

واعتُقل ثلاث مرات الأولى في محنة الإخوان الأولى في عهد فاروق الملك السابق، حيث اعتقلته حكومة إبراهيم عبد الهادي عام 1948م.

ثم اعتُقل مرتين بعد حركة يوليو وعدائها لدعوة الإخوان، وتنكيلها برجالها الأبرار.. فدخل السجن في محنة 1954م، ثم في محنة 1965م، عندما أُعيد اعتقال كل من سبق اعتقاله، طبقًا لقرار ظالم صدر في ذلك الوقت العصيب.

إنتاجه الشعري والأدبي:

كان لشاعرنا نشاط وإنتاج أدبي كبير، فقد شارك في كثير من ألوان الحياة الأدبية في مصر، شاعراً وخطيباً وكاتباً، بدأ ذلك النشاط بتأليف مسرحيتين شعريتين في الثلاثينيات: 1-الأولى بعنوان "مسعود"، وهي تتحدث عن أحوال القرية المصرية وظروف سكانها من الفلاحين البسطاء.

2- والثانية بعنوان "يوسف الصديق"، وأهداها إلى دار العلوم التي تخرج فيها.

3-محمد والأمن العام: بحث مستفيض نشر في مجلة الرسالة تباعاً بإمضاء مستعار، ومخلص هذا البحث أن القصاص وحدود الشريعة أساس نهضة الأمة الإسلامية ونشر الأمن والاستقرار فيها، ففي الحكم بالقرآن الكريم تنهض البلاد سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.

ونُشرت له قصائد كثيرة في المجلات الأدبية والإسلامية كمجلة الرسالة، والمسلمون، والشهاب، وغيرها كثير.. ، وشارك بقصائد في حفلات إسلامية كثيرة.. وفي مناسبات ومواقف تخص دعوة الإخوان المسلمين.. كثيرة ومتعددة.

ولشاعرنا ديوان كبير.. كان قد وضع له عنوان "النجويات"، لكنه لم يُطبع للأسف الشديد.

شعر محمود أبو النجاة: دراسة موضوعية وفنية:

يقسم شعر محمود أبو النجاة إلى ثلاثة أقسام، وهي: الشعر الإسلامي، والشعر الاجتماعي، وشعر الوصف.

وقد اهتم في شعره الإسلامي بقضايا أمته وربط فيه بين الماضي والحاضر ودعا إلى الاقتداء بما في السيرة النبوية من بعث وقوة ..واتخذ من ذكرى المناسبات الإسلامية وسيلة لبعث الهمم ونشر مزايا الإسلام.

مولد الرسول:

أول ما يطالعنا من شعره قصيدته "الرسول في مولده الكريم".. وهي قصيدة عامرة الأبيات قوية النبضات أنشأها بمناسبة المولد النبوي الشريف عام 1367ه/ 1947م ودائمًا تأتي ذكرى مولده الكريم لتفجر مشاعر شتى لدى شعراء الدعوة، ومطلع تلك القصيدة:

صغها من الغرد الصدّاح ألحانا        واجعل لها نبضات القلب أوزانا

فهو قد بدأ قصيدته بالتصريع بين ( ألحانا وأوزانا )؛ ليكسب النص جرساً موسيقياً محبباً، ولكي يساهم في تشويق السامع وجذب الانتباه.

ثم يقطف الشاعر من كل بستان زهرة ويقتبس الأنوار من الأفلاك ويكتب أجمل الأشعار ويهدي كل ذلك لرسول الإنسانية وهادي البشرية :

واقطف من الروضة الفيحاء أنضرها         زهراً وأجملها آساً وريحانا

واصعد إلى عالم الأفلاك مقتبساً         من نورها اللامع الدّري تبيانا

وانظم من الشعر آي الشعر محكمة     تخال قائلها في المدح حسانا

وأهداها لرسول الله خالدة          يبقى صداها على الأجيال رنانا

ثم تتوجه قلوبهم إلى الرسول القدوة.. تناجيه:

سيدي يا رسول الله مـعذرةً         فلست أبلغ في مديحك إحسانًا

وأنت أسمى على شِعري ومقدرتِي      لما سـَمَوت بـمدحِ الله قرآنًا

ولو أوتي الشاعر بلاغة قس بن ساعدة بل بلاغة أهل الأرض جميعاً لما استطاع أن يفي رسول الله حقه من الإجلال والتقدير، ويكفيه فخراً أن الله في عليائه أنزل الآيات في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وسلم .

ويتصفح الشاعر أحوال العالم قبل مولد الرسول الكريم، وكيف كان على شفا حفرة من النار، دفعه إليها فساد الديانات.. ورجالها.. وتطاحن الشعوب وطغاتها.. وفسادٌ مستشرٍ.. وآثامٌ سادت.. وفسوقٌ عم.. وكفرٌ قد ملأ البقاع.

وُلـدتَ فـي ليلة غراء مشرقةً       خطت على صفحات الدهر عنوانًا

فابيضَّ ما اسودَّ من وجه الزمان     وكم كان الزمان ضلالات وبهتانًا

دنيـا تـموج بآثـام مروعـة                والأرض تعبد دون الله شيطانًا

وأين أين الديـانات التي طُمست         فـلا تسل قسـًّا عنـها ورهبانًا

دعا المـسيح إلـى سِلم ومرحمة               فـبدلوا ديـنه حـربًا وطغـيانًا

أما اليهود فـقد باعوا ديانتـهم           كمـا يبيـعون عرض المرأة الآنا

والروم والفرس في حرب مدمرة     هدت من العدل والأخلاق أركانًا

وبينما العالم الموبـوء مـضطرب          يسير فـي ظـلمات التيـه حيرانا

سرى الأرض من لطف السماء بها       سـرٌّ مـن الله أحياها فـأحيانًا

وأشرق النور.. وملأ البقاع.. وبدد الظلمات.. فكان مولده صلى الله عليه وسلم في بقعة مباركة وزمان مبارك، أضفى على أنحاء المكان من نوره نورًا ومن طهارته طهرًا.. ومن بركته نماءً..

وفي بقعة من بقاع الأرض طاهرة        زكت جبالاً وصحراء ووديانا

بنى الخليل عليها البيت هاتفةً فيه            الملائكة باسم الله مولانـا

في ظلها بنت وهب أنجبت ولدًا        فأنجبت خير خلق الله إنسانـا

ويتوجه شاعرنا نحو شخصية الرسول القدوة.. يستلهم من خلاله وصفاته أضواءً وظلالاً .. ما بين صدر حان.. وقلب وحيد.. ووجدان نابض صاف.. واصطفاء من الله له بحمل تلك الرسالة الخالدة.. وإبلاغها للعالمين.

نشأت ترضعك الصحراء بيئـتها          فكنت أوسع من في الأرض غفرانا     

كستك من نورها الصافي في نضارتها      فجئت أصفى من الأضواء وجدانا     

أضفت على نفسك الشمَّاءِ روعتَها        فروعت من ملوك الظلم تيجانـا

واختارك الله للدنيا لتمـلأها                   خـيرًا وعدلاً وعرفانًا وعمرانـا

ويستعرض ما مرَّ بالرسول في طريق دعوته من عَناءٍ ومشقةٍ.. وإيذاءٍ وتكذيبٍ وسخريةٍ واضطهادٍ.. وما تعرَّض له أصحابه من محن وابتلاء وتعذيب.. وما كان منهم من صبر وثبات ويقين واحتساب:

دعوت قومك بالحسنى فما امتثلوا          وزادهم هاتف التوحيد كفرانا

والناس إن تدعهم للخير ينصرفوا            ويستجيبوا عند الشر سرعانا

فأوسعـوك أذًى مرًّا وسخريـةً                  وأنت تدعو لهم سرًّا وإعلانا

وعذبوا صحبك الأبرارَ فاحتملوا           هذا العذاب الذي ذاقوه ألوانا

كأنني ببلال تحت صخرته يُشـ            وى على وهج الرمضاء عريانا

وآل ياسر الغرُّ الأولـى صبروا                   فقـدموا ذاتـهم لله قربانا

ويُنهي الشاعر قصيدته.. متوهجًا إلى الحاضر.. بعدما استلهمه من أحداث وذكريات ومعان.. يتطلع لمن ساروا على نهج الدعوة السالفة.. دون تبديل.. ويتساءل:

من لي بقوم على نهج الرسول بنوا       ملكًا سما فوق هام الدهر بنيانا

في ظل رايته الخفاقة ازدهرت               حياتنا، وسمت بالروح أخرانا

العدل شرعته والسيف قوته والعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدل والسيــــــــف خير حيثما كانا

وختامًا فلا عزَّ ولا مجدَ- كما كنا في تلك الأيام النضرات- إلا بنفس المنهج الذي سار عليه دعاة الإسلام من قبل، فيقرر في وضوح:

يا سادة الحفل للإسلام قاعدة          إذا رعينا حقــــــــــــــــــــوق الله يرعانا

شتان ما بين تشـريع السماء لنـا      وبين تشريع أهل الأرض.. شتانا

روَّضوا على منهج القرآن أنفسكم    يـمـــــــــــدد لكم ربكم عزًّا وسلطانا

ذكرى الهجرة:

ويقول في قصيدته "ذكرى الهجرة" التي سارت على نفس نسق القصيدة السابقة.. ويعلن فرحته بهذه المناسبة السعيدة فيقول في مستهلها:

طربت لذكراه فأنشأت أنشد            قوافي في سمع الزمان تردّدُ

وما الشعر إلا صفحة من حياتنا          تسطر أمجاداً لنا وتخلد

وتهتف بالماضين من آل يعرب          بناة المعالي أسوها وشيدوا

مآثرهم باقٍ على الدهر مجدها     وآثارهم في صفحة الدهر تشهد

فقد فتحوا الدنيا وكان يقودهم            كتاب تلقاه النبي محمد

وأشاد الشاعر برسالة القرآن ووحي السماء الذي أنار الأكوان وفتح عقولاً غلفاً وقلوباً عمياً، ودلّ الناس على كل فضيلة ونهاهم عن كل رذيلة، ولنستمع إلى الشاعر وهو يجلي هذه الحقيقة بأنصع بيان حيث يقول:

تلقاه في الصحراء وحياً منزلاً        ولم يكُ بالصحراء درس ومعهد

هو المثل الأعلى لكلّ فضيلةٍ     للخير والإحسان والبرّ موردُ

إذا ما ادلهمّ الخطب واشتدّ كربه    فإن به نوراً إلى الخير يرشدُ

ويصور الشاعر حال المشركين في مكة المكرمة، وكيف صدوا عن السبيل!! وأعرضوا عن دعوة الحق والهدى بل سارعوا في أذيّة الرسول والصحابة الضعفاء من أمثال بلال وعمار بن ياسر وخباب بن الأرت:

دعاهم إليه المصطفى فتجهموا        كأنهم الأصنامُ صخرٌ وجلمدُ

وشنوا على أصحابه الغرّ حملة     من القتل والتعذيب حتى تشردوا

ولم يكتفوا بل دبروها مكيدة           ضحيتها هذا الرسول المؤيد

ولكن عين الله ترعى نبيّه                وتحميه مما قد أرادوا به يدُ

وحين أذن الله لنبيه بالهجرة صحب خليله الصديق، وحين شاهد حزنه وخوفه من بطش قريش، وهم في الغار طمأنه الرسول البطل، وما زالت الصحراء والبوادي تردد تلك المقولة الخالدة ( لا تحزن إن الله معنا):

وهاجر مأموراً إلى موطن الهدى         فيثرب للنصر المؤكد موعدُ

رويداً أبا بكر ولا تكُ مشفقاً       فهذا الطريق الوعر سهل مُعبدُ

وإن جلال الله يا صاح ساتر         وليس لنا إلا إلى الله مقصدُ

وفي الغار باتا بين صخرٍ وحيةٍ     وصاحبه الصديق صاحٍ مسهد

ويصور الشاعر كيف استقبلت يثرب النبي القائد وصاحبه الصديق، وكانوا يتسابقون لحمايته من اليهود، ويأخذ كل واحد منهم برسن الفرس لكي ينزل خير رسول في ضيافتهم، وهو يقول لهم برفق ( دعوها فإنها مأمورة ):

ولما بدا نور النبوة مشرقاً       على يثرب هبّت جميعاً تغردُ

ففي كل بيت فرحة بقدومه      وفي كل قلب يذكر الله أحمدُ

وناقته بين الجموع يسوقها      من الله حادٍ وهي ترغي وتزبدُ

وقد بركت بالمصطفى فوق موضعٍ    على تربه تأسس مسجدُ

وأخذ شاعر محمود أبو النجاة يستِلْهم العبر والدروس من ذكريات الماضي المجيد.. دون وقوف عند حد البكاء على الماضي.. بل هي دروس للحاضر وللغد.

وللهجرةِ الغرَّاءِ في القلب فرحةٌ        في كل عام ذكرُها يتجدد

وتوحي لنا معنى الحياة كريمة        ومعنى جهاد فيه عز وسؤدد

وليس يسود الشعب بالقول هاتفًا   ولكن بإهراق الدماء يسود

وكل كلام مع عدوك فارغ        إذا لم يكن معك الحسام المهند

ويتوجه إلى أبناء الدعوة الفتيان.. فهم الأمل المنتظر:

فيا فتية الإسلام قوُّوا نفوسكم      ولا تخشوا الأعداء مهما توعدوا

وأمضى سلاحٍ يرهب الخصم       دعوةٌ يقوم بها داعٍ إلى الله مرشدُ

الإسلام: دين ودولة:

وها هو يقول في قصيدة بعنوان (رمضان وذكرياته):

رأينا رسول الله في الحرب قائداً       وفي السلم يقضي بين أصحابه الأمرا

ومن بعده الغرّ الميامين جاهدوا      وقد حكموا الدنيا ففاضت بهم خيرا

وهذا هو الإسلام دين ودولة            تسود فيحيا الكل في ظلها حرّا

فنحن سياسيون عدلاً ومنطقاً            فمن شاء فليؤمن بدعوتنا الغرا

فهو يؤكد أن الرسول كان هو القائد في الحرب والسلم، ويثني على الخلفاء الراشدين الذين فتحوا البلدان...

تحية إلى "المسلمون":    

وكتب الشاعر الإسلامي محمود أبو النجاة قصيدة يحيي بها صحيفة "المسلمون" عندما صدر العدد الأول منها في القاهرة عام 1951م ، تلك المجلة التي كانت فتحاً ومن أفضل المجلات الإسلامية.. واتخذ من تحية المجلة وسيلة لتنبيه المسلمين إلى مؤامرات الاستعمار، يستهل تلك القصيدة بقوله:

طلعت على ليل الوجود ضياء         وتضوعتْ في قفره فيحاءَ

وتدفقت من صخرةٍ أنهارها           تروي نفوساً للجهاد ظماءَ

وتجردت أقلامـــــــــــــــــــــــــها وكأنها           بيض يسيلُ مدادهنّ دماءَ

فلها التحية من سواد قلوبنا           وتصوغ من نور العيون ثناءَ

لقد أضاءت مجلة المسلمون ظلمة الليل الحالك، فكانت كالنهر الذي ينبجس ماؤه من بين صخور الحياة القاسية، واستخدم الشاعر الطباق بين تروي ظماء وهو محسن بديعي يكسب النص جلاء ووضوحاً، وبعد أن وجّه الشاعر التحية من القلب للمجلة الغراء، راح يبين أهدافها ورسالتها ودورها في إحياء علوم الدين:

المسلمون صحيفة قمرية               غراء تحيي السمحة الغراء

قامت على صرح الشريعة تبتني           أمجادها، وتعيدها شماء

والمجد لا يُعطى شراباً سائغاً      إن رمت مجداً فاسأل الشهداء

ويحيي الشاعر صاحب مجلة (المسلمون) الأستاذ سعيد رمضان -رحمه الله تعالى-صهر الإمام، مشيرًا إلى الدعوة ورجالها الأشدَّاء، الذين ثبتوا في وجه أعتى المحن..، وصمدوا في وجه أعنف الابتلاءات.. نقتطف من تلك الأبيات:

سر يا سعيد بنور ربك ماضيا           إني عهدتك كالشهاب مضاءَ

فلقد نشأت على مبادئ دعوة          بنَت الرجــــــــــــــــــال العاملين بناء

صمدوا لأهوال شداد فانثنت          عنهم وزادوا بالخطوب نقــــــــــــــــاء

وتعلموا فن الجهاد ومارسوا               صفقاته بيعًا لها وشـــــــــــــــــــــــــــراء

ربَّاهم البنا الشهيد فأصبحوا             مــــــــــــــــــــــــثلاً وأضحى كلهم بنَّاء

شهداؤنا في حرب فلسطين:

هذه قصيدة طيبة بعنوان "شهداؤنا" أنشأها في شهداء الإخوان في حرب فلسطين، الذين استُشهدوا أثناء معركة "دير البلح"، وقد أظهروا فيها من البطولات ما شهد به العدو قبل الصديق، ووجِلَت منه قلوب الأعادي، واسترجعت معهم الأذهان ذكرياتِ الصحابة الأوائل رموزِ التضحية والفداء.

حمائم تبكي أم على الأيك تسجع          وزهر ذوَّى أم طيبة يتضوع

وخفقة قلب هل تراها من الجوى       أم القلب من فيض الهناءة مترع

وهل غشيت نفس من الحزن ظلمة       أم النور من نبع العقيدة يلمع

عجبت لنفس لا يقر قرارها                لها في تفسير الحوادث مَنزع

وهذا الحزن الذي عمَّ لفقد هؤلاء الأطهار.. وأبكى الحمائم.. وذوَّى من شدته الزهر.. وأجهشت من هوله النفوس بالبكاء.. وجرت من فداحته العيون بالدموع.. وقد سبقتها في البكاء القلوب:

أغيرك يا محمود يجـهش بالبكا        وأنت عصي الدمع لا تتوجعْ

رويدكمو فالقلب أصدق عبرةٍ     وللقلب مثل العين يا قوم مدمعْ

وما كان هذا الحزن إلا على هؤلاء الرهبان.. الفرسان.. حملة القرآن.. أبناء دعوة الإخوان.. رموز الطهر والتقى والعفاف:

شباب من الإخوان كالزهر في الربا         أو الأنجم الزهراء في الأفق تسطع

على خلق القرآن شُيدت نفوسُهم           وفي ظل آيات الكتاب ترعرعوا

سُقوا من معين الدين كلَّ فضيلة              وما الدين إلا للفضائل منبع

وإن كنت لا تعرف إلى الآن ما الهُدى  ففي شُعَب الإخوان للهدى موضِع

وذاك وصْفٌ لمشاهد البطولة والشجاعة والفداء:

إلى أطهر الأصقاع ساروا يحفُّهم      جَلال من الإيمان بالنفس يرفع

قد هجروا أوطانهم وديارَهم           وبالروح للقُطر الشقيق تطوَّعوا

ومن شعره الاجتماعي قوله من قصيدة عنوانها ( الأم في عيدها):

الأم روض كريم النبت مزدهر        يضفي على الطفل من ريحانه النضرِ

الأم حقلٌ خصيبُ التربِ منبته       مبارك الطلع حــــــــــــــــــــلو الجنى والثمر

الأم من صدرها الحاني ونظرتها        تنمو عواطــــــــــــــــــــفنا العليا من الصغر

فالحب والعطف والإحسان منشؤوها   أم أنارت سيل الخـــــــــــــــــــــــير للبشر

الأم صانعة الأجيال كم خلقت      من البطولات في التاريخ والسير

وربة البيت إن كانت مهذبة         فكم لها في بناء الشعب من أثر

ومن شعره في الوصف قال يصف رمال رشيد عند الغروب، ويتحدث عن جمال الطبيعة الفاتنة:

قف بتلك الرمال وانظر سناها        يتجلى الجمال فوق رباها

من خلال السكون تلمح أمراً          هو سرّ الحياة أو معناها

وحفيف النخيل يعطيك صوتاً          كأنين الفتاة في شكواها

مالت الشمس للغروب فكانت            كعروس مزينة بحلاها

شفق يشبه النضار صفاء        أو يحاكي من الحسان الشفاها

وهكذا نرى أن تاريخ الدعوة مليء بالكنوز المطمورة، التي تنتظر شباب الإسلام الكشف عنها، فالعالم ينظر إلى المسلمين وإلى فكرهم وتراثهم، فأروا الله خيراً، أيها المسلمون، وأروا الناس أفضل ما عندكم .

المصدر:

1-شاعر الإخوان: محمود أبو النجاة -  بقلم: عبد الحليم الكناني - إخوان أون لاين.

2- شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث – الجدع ، وجرار: 6 / 44 ، 62

3-مجلة الشهاب – القاهرة – ع 3، عام 1947م.

4-المسلمون: ع 1، ص 96، 97 عام 1951م.

5- الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين .

وسوم: العدد 825