د. جعفر عبد السلام، ستظل ليلة القدر تذكرنا بك أيها الراحل الكريم

في مثل هذه الأيام المعدودات، واللحظات الطيبات من شهر رمضان المبارك، غيب الموت واحدا من أعلام هذه الأمة الأفذاذ، ,أحد رجالاتها الأبرار، وأحد أساتذتها الكبار بعدما رسخت في العلوم قدمه وسبح في بحار المعارف لسانه وقلمه، وقد حرص في تاريخه الحافل، وسيرته الثرية على أن يساهم في أن ينير للأمة دروبها، وأن يرسم لها طريقها، وعلى وجه التحديد في ليلة السابع والعشرين منه، أو ليلة القدر كما يقول بذلك كثير من العلماء، ودعنا أستاذا ذا قدر، أنه العالم الجليل الرحوم د. جعفر عبد السلام أستاذ القانون الدولي العام بجامعة الأزهر والأمين العام السابق لرابطة الجامعات الإسلامية ، 

والعجيب أن د. جعفر رحمه الله ـ ويدرك ذلك من يعرفه عن قرب ـ قد عاش في حياته بين علماء الأزهر وشيوخه ذا قدر بعلمه وفقهه وتقواه وورعه، وكان بين رجالات القانون الدولي العام ذا قدر ببحوثه وكتبه وآرائه وتصريحاته وحلوله ومقترحاته، حتى لا يكاد يذكر القانون الدولي في جامعة الأزهر إلا ويذكر معه د. جعفر، وفي المحافل المحلية والإقليمية والدولية أو العالمية كان ذا قدر من خلال المؤتمرات والندوات والإسهامات والمشاركات التي كان يقدمها ويديرها بلا انقطاع، وبلا كلل أو ملل، وفي إدارة الهيئات المحلية والمنظمات الدولية كان ذا قدر أيضا، وقد ظهر ذلك في إدارته لمركز صالح كامل، ثم إدارته لرابطة الجامعات الإسلامية كمنظمة دولية غير حكومية.

وأما عن سر ارتباطه بليلة القدر، فذلك أمر عجيب لا أكاد حتى اليوم أفهمه، ولا أدرى أهو الذي اختار ليلة القدر في حياته، بحرصه عليها قياما واعتكافا، وبذلا وإنفاقا، ووصلا وإحسانا، إيمانا واحتسابا، فرزقه الله تعالى هذه الخاتمة الطيبة وجاءته ليلة القدر في مماته جزاءا على ما كان يصنع، أم أن ليلة القدر هي التي اختارته لأنه ذا قدر بعلمه وفكره ، وذا قدر بإيمانه وإخلاصه، وذا قدر في أدائه وعمله .

وعلى كل حال، فإن ما أدركه وأعرفه عنه، ويمكن أن يساهم في سر ارتباطه بليلة القدر هذه،  أنه كان يجعل لمثل هذه المواسم من العبادات شأنا خاصا، وكان يحرص على اغتنامها والتزود منها من ناحية، وكانت له شمائل وخصال خاصة من ناحية أخرى.  أما عن تقديره لمواسم الطاعات، وأنه لا يشغله عنها كثرة المهام، ولا ثقل الأعباء، ولا تعدد المؤتمرات والندوات التي كان يقيمها في الأمانة العامة لرابطة الجامعات الإسلامية،  فأذكر أنني حينما كنت أعمل معه في رابطة الجامعات الإسلامية، وبعد أن ينهي يومه بها عصراـ وكل أيامه كانت حافلة بالنشاط والفعاليات والحيوية والحركة، كان يصحبني أنا والمرحوم د. عمر القاضي، باعتبار أن طريقنا يكاد يكون واحدا، بحكم أنني والدكتور عمر نسكن الجيزة، وهو يسكن المنيل وبينهما كما هو معروف فرع النيل فقط، وفي الطريق كان يشير على السائق أن يذهب إلى مسجد السيدة نفيسة أحيانا، أو مسجد المنيل بجوار منزله، وكان يصر على أن نقضي فترة ما بين العصر إلى قبيل المغرب في مثل هذه الرحاب، وإذا دخلنا المسجد نراه ينفرد في أحد أركانه مع كتاب الله عز وجل، فنقتدي به أنا والدكتور عمر ونجلس أيضا لقراءة كتاب الله تعالى. هذا ما شاهدته وعشته معه في الأيام العادية، وأما ليلة القدر فأظن أن له معها شأنا آخر، ولذا أكرمه الله بها.

وأما عن شمائله وخصاله العامة، فقد أشرت إلى معظمها في القصيدة التي أنشدتها بين يديه، في حفل ختام الأنشطة الطلابية الذى أقامته كلية الشريعة والقانون بدمنهور ـ جامعة الأزهر عام 1994، عندما دعي إليه باعتباره نائبا لرئيس جامعة الأزهر وقتئذ، وكان عميد الكلية هو فضيلة أستاذنا د. مصطفى محمد عرجاوى متعه الله بالصحة والعافية، وقد أسند إلى إدارة هذا الحفل أو تقديمه، ليتولى التلميذ تقديم أستاذه وتكريمه، ومما جاء في هذه القصيدة:

فلقــد تبــــدى فى الملائـك " جعفر"      =   ملك كـــــــــريم كـــــاد لا يتكــــــــرر

وسوم: العدد 826