سفير الإسلام المتجول خليل أحمد الحامدي

المستشار عبد الله العقيل

 (1350 - 1415هـ / 1929 - 1994م)

مولده ونشأته

هو الشيخ خليل بن أحمد الحامدي، ولد في 23/6/1929م بقرية (حامد) الواقعة في محافظة (فيروزبور) الهندية، وحفظ القرآن الكريم في طفولته، ثم التحق بالمدرسة الأعظمية في مدينة (كرنال) وتخرج فيها سنة 1945م، وكان من مشايخه والده مولانا فتح محمد، والمحدث الكبير الشيخ مولانا أنور شاه كشميري..

توفي والده وعمره ثماني سنوات. وكان التحاقه بالجماعة الإسلامية بالهند مبكرًا جدًا، حيث كان طالبًا لم يتجاوز الرابعة عشرة، ومع هذا كانت له إسهاماته في أنشطتها المختلفة من سنة 1943م، ثم ازداد نشاطه وكثرت مشاركاته لاجتماعات الجماعة الإسلامية سنة 1945م، وبعد أربع سنوات، أي في عام 1949م أصبح عضوًا عاملاً في الجماعة، ولازم منذ ذلك الحين الشيخ أمين أحسن إصلاحي - أحد رموز الجماعة الإسلامية - ومن قبله الشيخ محمد علي - أمير الجماعة الإسلامية بمدينة "فيروزبور". وفي سنة 1955م اختير الأستاذ الحامدي مساعدًا لمدير دار العروبة للدعوة الإسلامية، ثم صار مديرًا لها بعد ثمانية أعوام.

وكان يخطب الجمعة بالمساجد، ومعظم خُطبه مقتبسة من كتاب المودودي (خطب الجمعة)، حيث كان يحفظ الكثير منها عن ظهر قلب في شبابه، كما أنه عمل واعظًا بالسجن المركزي بمدينة لاهور لمدة عام، وهدى الله على يديه كثيرًا من السجناء، وكان يصلي بهم صلاة الجماعة، ومعهم مدير السجن الذي كان يحب تلاوة القرآن الكريم.

مشايخه

إن العلماء والمشايخ الذين أخذ منهم العلوم كثيرون، منهم: مولانا فتح محمد، الشيخ أمين الدين، الشيخ مظهر الدين، الشيخ ظريف أحمد، الشيخ محمد علي، الشيخ عبد العليم القاسمي، الشيخ عبد الحليم القاسمي، السيد أبو الأعلى المودودي، الشيخ محمد أمين المصري، الشيخ محمد عاصم حداد وغيرهم.

معرفتي به

بدأت معرفتي بالأخ الداعية خليل أحمد الحامدي في الستينيات الميلادية، حين تولى إدارة دار العروبة للدعوة الإسلامية بمقر الجماعة الإسلامية بباكستان، خلفًا للأخ محمد عاصم حداد الذي التحق بالعمل في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. ثم التقيته مرات عدة بالسعودية والكويت، وكذلك بباكستان حين لقاءاتنا المتكررة مع الإمام أبي الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية ثم خليفته من بعده الشيخ ميان طفيل محمد ثم الأمير الحالي للجماعة الأستاذ قاضي حسين أحمد.

كما جمعتني به رحلات مشتركة سافرنا فيها إلى أوروبا وأمريكا وإيران والفلبين وغيرها، كما زارنا بالكويت أكثر من مرة وشرّفني في منزلي، وحضر الندوة الأسبوعية مساء الجمعة، وشارك في موضوعاتها. وألقى العديد من المحاضرات والكلمات في جمعية الإصلاح الاجتماعي والتجمعات الإخوانية في الكويت.

وقال لي: إنني أعرفك يا أبا مصطفى من خلال قراءتي لكتاب شيخنا مسعود عالم الندوي "شهور في ديار العرب"، الذي نشره بالأوردية سنة 1949م، ثم ترجم إلى العربية، حيث ذكر أنكم استقبلتموه بالبصرة والزبير بحفاوة بالغة، وحدثكم عن الجماعة الإسلامية بباكستان، وحدثتموه عن الإخوان المسلمين في العالم العربي، وزودكم بمؤلفات المودودي وزودتموه بمؤلفات الإمام الشهيد حسن البنا وإخوانه وتلامذته، وكان هذا أول اتصال للإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية بباكستان.

وظلت صلتي بالأخ الحامدي وثيقة جدًا، ففي جميع رحلاتي إلى باكستان كان يرافقني ويترجم كلماتي ومحاضراتي في الندوات والمؤتمرات إلى جمهور السامعين باللغة الأوردية، ويترجم لي ما يقال بالأوردية.

ومن أمتع الرحلات التي رافقته بها، رحلتنا إلى جنوب الفلبين، حيث زرنا مناطق المسلمين واطلعنا على أحوالهم، كما زرنا معسكرات تدريب المجاهدين من حركة تحرير مورو الإسلامية، والتقينا رئيسها المرحوم سلامات هاشم وهو قائد فذ، وداعية موفق، وفقيه متمكن.

كما ترافقنا في رحلة إلى إيران بعد سقوط نظام الشاه، حيث التقينا المسؤولين وعلى رأسهم الخميني، وكان معنا في تلك الرحلة الأخ سعيد حوى (رحمه الله) والأخ جابر رزق (رحمه الله) والأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة وآخرون.

وقد تحدثنا جميعًا عن ضرورة العمل على وحدة المسلمين، والبعد عن النزاع والشقاق ومواجهة أعداء الإسلام كأمة واحدة تحت راية واحدة، لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونبذ التعصب المذهبي والطائفي، ووقف التسلط الذي تمارسه بعض الحكومات على المسلمين والدعاة والحركات الإسلامية المعاصرة.

نشاطه العلمي والدعوي

لقد كان الأستاذ خليل الحامدي همزة الوصل بين الجماعة الإسلامية بباكستان والحركات الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية، وسافر إلى السعودية برفقة الإمام المودودي وقابل الملك سعود سنة 1960م بناءً على طلبه لتقديم مشروع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد رحب الملك سعود بالمودودي ترحيبًا كبيرًا جدًا، وكان مع المودودي بالإضافة للشيخ الحامدي السيد غلام محمد، فقدم المودودي خطته المقترحة للجامعة إلى الملك سعود الذي شكل لجنة لمناقشتها مؤلفة من الإمام المودودي والشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم، وأبي الحسن الندوي، ومحمد علي الحركان، فوافقوا على الخطة بعد إدخال تعديلات بسيطة عليها.

وقد بقي المودودي وغلام محمد وخليل الحامدي عـشرة أيام بمدينة الرياض، حيث ألقى الإمام المودودي كلمة قيمة في قصر الملك بالناصرية، وكذا في معهد العاصمة النموذجـي للأنـجال، ثم سـافر الحامدي مع الـمودودي إلى مكة المكرمة للعمرة، ثم إلى المدينة المنورة لزيارة مسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وزاروا المكان المخصص للجامعة، حيث تم إنشاؤها في وادي العقيق قرب قصر سلطانة.

وفي سنة 1962م، سافر الحامدي مع المودودي للحج، وكـان الملك سعـود دعا لمؤتمر إسلامي في موسـم الحج لـمواجهة فتنـة الإلحاد والـفساد في صـورة الشيوعية والاشتراكية التي كان يتبناهـا بعض الحكام العسكريين العرب.

وقد تمَّ عقد هذا المؤتمر، وانبثق عنه تأسيس رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وكان من أبرز مؤسيسها: أبو الأعلى المودودي، أبو الحسن الندوي، محمد أمين الحسيني، مكي الكتاني، عبد الله القلقيلي، عبد الرحمن الأرياني، البشير الإبراهيمي، حسنين مخلوف، علال الفاسي، عبد الله كنون، الطاهر بن عاشور، محمد ناصر، مفتي محمود، الشيخ إبراهيم السنغالي، محمد فال الموريتاني، أبو بكر جومي، محمد بن إبراهيم، عبد الله بن حميد، عبد العزيز بن باز، محمد علي الحركان وسعيد رمضان وغيرهم.

كما أن الحامدي كان المترجم لكلمات ومحاضرات ودروس وكتب الإمام المودودي مؤسس الجماعة وأميرها الأول. وقد أسهم الحامدي في ترجمة مؤلفات الإمام المودودي مقتفيًا أثر الأخوين قبله: مسعود عالم الندوي، ومحمد عاصم حداد.

كما قام بترجمة الكثير من مؤلفات الإمام الشهيد حسن البنا والشهيد سيد قطب والسيدة زينب الغزالي وغيرهم، بالإضافة إلى بعض الكتب الأخرى مثل: البوابة السوداء، دور الدول الاشتراكية في بناء إسرائيل، الوابل الصيب من الكلم الطيب، معالم في الطريق، أيام من حياتي... إلخ.

وقد تولى الأستاذ الحامدي مهمة الإشراف على معهد الإمام المودودي لطلبة البعوث الإسلامية بباكستان، والإشراف على دار العروبة للدعوة الإسلامية، والمجلس التعليمي الإسلامي، ومجمع المعارف الإسلامية، كما كان عضوًا في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن.

والأستاذ خليل الحامدي متمكن من اللغة العربية، يملك ناصية بيانها، متحدثًا وكاتبًا، كما أنه صاحب قلم سلس، وأسلوب مشرق الديباجة وتعبير عذب أنيق كأنه عربي الجذور.

مؤلفاته

بالإضافة إلى الكم الكبير من الكتب التي ترجمها من العربية إلى الأوردية، ومن الأوردية إلى العربية، فإن له مؤلفات كثيرة نذكر بعضها:

- الإمام أبوالأعلى المودودي.

- الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة.

- بر الأمان.

- حول تطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحاضر.

- ختم النبوة في ضوء القرآن والسنَّة.

- المبادئ الأساسية لفهم القرآن.

وغيرها كثير لا تحضرني أسماؤها.

ويروى أنه حين سافر إلى السعودية لتسلم جائزة الملك فيصل نيابة عن الإمام المودودي، ألقى كلمة قصيرة جدًا على لسان المودودي قال فيها: "... لا أريد الجائزة على الخدمات التي قمت بها في سبيل الله وسبيل الإسلام، لا أريد الجائزة عليها من الملوك في هذه الدنيا، وإنما أريد وأتمنى أن أنال الجائزة من الله (عز وجل) يوم لا ينفع مال ولا بنون، وإن كنتم مصرّين على أن آخذ هذه الجائزة فتسلم عن طريق مندوبي الحامدي لصرفها في سبيل الله ولا أصرفها في مصلحة شخصية".

قالوا عنه

يقول الشيخ ميان طفيل محمد:

"إن الشيخ خليل أحمد الحامدي كان من الذين قام الإمام المودودي بتربيتهم بنفسه وجعلهم شخصيات لا تموت بسبب أعمالهم، وكان نموذجًا تركه المودودي بعد وفاته للناس، كان مخلصًا ونشيطًا في أداء واجباته نحو الأمة الإسلامية، وكان يعمل كخلية النحل من الصباح إلى الليل، وإن وفاته خسارة للجماعة الإسلامية والمسلمين جميعًا".

يقول الشيخ قاضي حسين أحمد:

"من أوصاف الشيخ الحامدي أنه لا ييأس مهما كانت الظروف، وكان يرشد الشباب بأن المستقبل للإسلام. وكان لجولاته في الدول العربية والإسلامية طيلة ثلاثين عامًا الأثر الكبير لمعرفة أحوال الشعوب الإسلامية والدعاة العاملين للإسلام".

يقول الدكتور عبد الغفار عزيز:

"إن الشيخ خليل أحمد الحامدي كان اليد اليمنى للإمام الراحل السيد أبي الأعلى المودودي، كما كان الحامدي درة في تاج الحركات الإسلامية في العالم كله وليس الجماعة الإسلامية بباكستان وحدها...".

يقول العلاَّمة يوسف القرضاوي:

"... لقد كان الأخ الكريم العالم الجليل والداعية الصادق الشيخ خليل أحمد الحامدي عزيزًا على نفوسنا وحبيبًا إلى قلوبنا، وكان خير سفير للجماعة الإسلامية في المجامع والمجتمعات العربية والإسلامية، لما يتحلى به من علم نافع وعقل ناضج، وخلق فاضل، وإخلاص نادر، وبصيرة نيّرة، ونشاط دائب، ومعرفة في الدعوة الإسلامية في العالم ورجالاتها، وإجادة اللغة العربية كأنه أحد أبنائها الخُلص...".

وفاته

ولقد وافته المنية يوم 21/5/1415هـ الموافق 25/11/1994م، إثر حادث مروري بباكستان، وكان يوم وفاته يومًا مشهودًا، حيث انتشر الخبر بسرعة مذهلة، ومن ثم بدأت وفود التعزية ورسائل المواساة، تتقاطر، وحضر الجنازة آلاف المشيعين، ومنهم عدد كبير من رجالات الفكر وزعماء السياسة وممثلي الحركات الإسلامية في العالم كالدكتور أحمد العسال من إخوان مصر، والأستاذ علي شفق من حزب الرفاه بتركيا، والسفير عبدالملك الطيب من اليمن، والدكتور الطيب زين العابدين من السودان، والأستاذ عنصر علي من بنجلاديش وغيرهم كثيرون.

هذا هو الأخ الكريم والداعية الكبير الشيخ خليل أحمد الحامدي، وهذا غيض من فيض من جهوده المباركة في سبيل الله، نسأل الله أن يتقبله في الصالحين من عباده وأن يحشرنا وإياهم مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 849