بطاقة حيـاة، الحلقة [1]

clip_image002_5762a.jpg

clip_image003_48466.jpg

• هو حسن أحمد عبد الرحمن البنا (1324 – 1368هـ / 1906 – 1949م)

• وُلد ونشأ في أسرة ريفية بسيطة ، تحترف الزراعة بقرية " شمشيرة " ، مركز " فوة " بالقرب من " رشيد " – بدلتا النيل – محافظة " كفر الشيخ " حاليًا .

• وكان والده – أحمد – قد يسلك – بناءً علي رغبة والدته – طريق التعليم الديني ، بدلاً من فلاحة الأرض .. فحفظ القرآن الكريم .. ثم التحق بجامع إبراهيم باشا – بالإسكندرية – فدرس فيه منهاج التعليم الأزهري .. ثم امتهن – لتحصيل العيش – مهنة إصلاح الساعات ، في محل الحاج محمد سلطان الذي كان عالمًا صالحًا .. وعضوًا بجمعية " العروة الوثقى " – التي كان جمال الدين الأفغاني (1254 – 1314هـ / 1838 – 1897م) رئيسًا لها .. والشيخ محمد عبده (1265 – 1323هـ / 1849 – 1905م) نائب رئيسها – ولذلك كان محل إصلاح الساعات هذا – حيث عمل الوالد – ملتقي عدد كبير من العلماء والوجهاء ، الذين عايشهم ، وسمع منهم ، وتأثر بهم والد حسن البنا .

• وبعد فراغ والده – أحمد – من تحصيل العلم بجامع إبراهيم باشا .. وبعد إتقان الصنعة – إصلاح الساعات – عاد إلي قريته " شمشيرة " ، فتزوج .. ثم انتقل بزوجه ووالده – عبد الرحمن – إلي مدينة " المحمودية " – بمحافظة البحيرة – مشتغلاً بصنعة إصلاح الساعات .. ومواصلاً الاشتغال بالعلم ، وخاصةً علم الحديث النبوي الشريف .. كما عمل مأذونًا شرعيًا .. ومارس الخطابة في مساجد المحمودية .

• وفي عام انتقال الوالد – أحمد – إلي مدينة المحمودية وُلد له ابنه البكر حسن في يوم الأحد : (25 شعبان سنة 1324هـ / 14 أكتوبر سنة 1906م) .

· ولأن والده – أحمد – قد احتضن كل مسانيد الحديث النبوي الشريف .. وجميع مذاهب الفقه الإسلامي ؛ فلقد وجَّه ابنه حسن لدراسة الفقه علي المذهب الحنفي .. ووجَّه أخاه الثاني – عبد الرحمن – للدراسة علي المذهب المالكي .. وأخاه الثالث – محمد – للدراسة علي المذهب الحنبلي .. وأخاه الرابع – جمال – للدراسة علي المذهب الشافعي .. فنشأ حسن البنا في أسرة تحتضن وتعتز بجماع تراث الإسلام .

• ولقد تعلم حسن البنا من والده حرفة إصلاح الساعات ، ومارسها .. كما تعلم حرفة تجليد الكتب ، ومارسها .. وذلك سيرًا علي سنة العلماء – التي سلكها والده – في التعيش من الحرف والصنائع ؛ ليكون علمهم مبذولاً لوجه الله وخدمة الناس .

• وفي مدينة " المحمودية " .. وبعد مرحلة التعليم في الكتاتيب ، التحق بمدرسة الرشاد الدينية لمدة أربع سنوات – بين الثامنة والثانية عشرة من عمره – (1333 – 1338هـ / 1915 – 1920م) .. وكان صاحب هذه المدرسة – الشيخ محمد محمد زهران – علي حظَّ من العلم والثقافة ، يصدر مجلة دينية لغوية أدبية اجتماعية اسمها : " السعادة " .

• ثم التحق حسن البنا بالمدرسة الإعدادية .. التي بدأ ينشط فيها ، فرأس جمعية " الأخلاق الأدبية " .. كما التحق – عضوًا – بجمعية " منع المحرمات " – السرية – التي كوَّنها مع بعض أقرانه .

• وبعد المدرسة الإعدادية التحق بمدرسة المعلمين بدمنهور .. وفيها انخرط في " الطريقة الحصافية " ، وبايع شيخها السيد عبد الوهاب الحصافي في (4 رمضان سنة 1341هـ / 20 إبريل سنة 1923م) ، وواظب علي " حلقة ذكرها " .. وكانت هذه الطريقة الصوفية – الحصافية – من اكثر الطرق بعدًا عن البدع والخرافات ، ومن أقربها إلي الالتزام بالشريعة ، والاهتمام بمناهج الإصلاح الخلقي والاجتماعي .

• وأثناء تنقله بين دمنهور والمحمودية لاحظ نشاط الجماعات والإرساليات التنصيرية الإنجيلية ، التي دخلت مصر في ركاب الاستعمار الانجليزي ، ويدعم من الكنيسة الأمريكية .. والتي " أخذت تبشر بالمسيحية في ظل التطبيب ، وإيواء الصبية ، وتعليم التطريز .. " .

• فقام – مع عدد من زملائه – بتأسيس جمعية " الحصافية الخيرية " ، وانتخب سكرتيرًا لها .. وأخذت هذه الجمعية تمارس الدعوة إلي الأخلاق ، ومقاومة المنكرات .. ومحاربة الإرساليات التبشرية الإنجيلية .

• وعندما قامت ثورة مصر الكبرى (1337هـ / 1919م) زادت من تفتح وعيه الوطني ونضجه السياسي .. فشارك في مظاهرات الثورة – وكانت سنه إبان الثورة بين الرابعة عشرة والسابعة عشرة .. وعندما قاطع الشعب المصري – أثناء الثورة – لجنة " ملنر " – الانجليزية – نَظَمَ حسن البنا في ذلك شعرّاء جاء فيه :

يا مـلـنـر ، ارجع ، ثـم سـلْ .. وفـدًا بـباريـس أقــام

وارجـع لقـومـك قل لهـم: .. لا تخـدعـوهـم يـالـئـام

• وإبان تلك الثورة ، توفي – بالمنفي – الزعيم الوطني المجاهد محمد بك فريد (1284 – 1338هـ / 1868 – 1919م) – زعيم الحزب الوطني – فهزَّ نبأ وفاته حسن البنا ؛ فنظم في ذلك قصيدة مطلعها :

أفـريـدُ نم بـالأمـن والإيمـان

أفريـدُ لا نجزع علي الأوطان

• وبعد مرحلة مدرسة المعلمين – بدمنهور – انتقلت الأسرة إلي القاهرة ؛ لتكون بجوار ابنها البكر حسن البنا ؛ ليلتحق بدار العلوم ، في العام الدراسي ( 1923م – 1924م ) .

• وفي دار العلوم تتلمذ حسن البنا علي عدد من علماء ذلك العصر .. وكان من بين الأساتذة الذين تأثر بهم الشيخ أحمد بدير (1295 – 1347هـ / 1878 – 1929م) ، الذي كان قد تتلمذ علي الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده .

• وفي القاهرة – وهو طالب بدار العلوم – عايش زلازل :

- سقوط الخلافة الإسلامية سنة 1924م .

- وصدور عدد من الكتب التي صادمت ثوابت الإسلام .

- كما صدمته عواصف التغريب الفكري والانحلال الخلقي ، التي كانت غريبة عن المجتمع المحافظ الذي أَلِفَهُ وخلَّقه في الريف ، وفي المدن شبه الريفية – المحمودية ، ودمنهور – فلقد وجد " الكثير من مظاهر التحلل والبعد عن الأخلاق الإسلامية في كثير من الأماكن التي لا عهد له بها في الريف المصري .. وظهرت كتب وجرائد ومجلات كل ما فيها ينضح بهذا التفكير الذي لا هدف له إلا أضعاف أثر أي دين ، أو القضاء عليه في نفوس الشعل .. " .

• وإلي جانب الآلام الذاتية التي عاشها من هذا الذي رآه وقرأه بالقاهرة .. أخذ يفكر في مصير الأمة التي أراد الأعداء دفعها إلي هذا المصير . وبعبارته : " كنت متألمًا أشد الألم ؛ فهذا أنذا أري الأمة المصرية العزيزة تتأرجح حياتها الاجتماعية بين إسلامها العزيز الغالي ، الذي ورثته وحمته وألفته ، وعاشت به ، واعتز بها أربعة عشر قرنًا كاملة ، وبين هذا الغزو الغربي العنيف المسلح المجهز بكل الأسلحة الماضية الفتاكة ؛ من المال والجاه ، والمظهر والمتعة ، والقوة ، ووسائل الدعاية . وكان بنفَّس عن نفسي بعض الشيء الإفضاء بهذا الشعور إلي كثير من الأصدقاء الخلصاء من زملائنا الطلاب بدار العلوم والأزهر والمعاهد الأخرى .. "

• وكانت المكتبة السلفية – لصاحبها العالم المجاهد محب الدين الخطيب (1303 – 1389هـ / 1886 – 1969م) – مكان شكواه ومنتدي محاوراته مع العديد من العلماء والطلاب .. وكذلك كانت دار مجلة [المنار] .. لصاحبها العالم المجاهد الشيخ محمد رشيد رضا (1282 – 1354هـ / 1865 – 1935م) .. والتي كان يفر إليها العديد من تلاميذ الأفغاني ومحمد عبده .

• وعندما كان يهم بمغادرة مقاعد الدراسة بدار العلوم ، ويدلف إلي ميادين الحياة العامة ، أعلن عن " أمله .. وخطته " .. وذلك عندما كتب في امتحان مادة " الإنشاء " ، جوابًا علي سؤال أستاذه أحمد يوسف نجاتي :

- " اشرح أعظم آمالك بعد إتمام دراستك ، وبيَّن الوسائل التي تعدها لتحقيقها .. " . فكانت إجابة حسن البنا – في " ورقة الإجابة " – تقول :

1 – خاص : وهو إسعاد أسرتي وقرابتي .

2 – وعام : وهو أن أكون مرشدًا معلمًا ، إذا قضيت في تعليم الأبناء سحابة النهار ، قضيت ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم ومنابع سعادتهم .. تارة بالخطابة والمحاورة ، وأخري بالتأليف والكتابة والثالثة بالتجول والسياسة .

وقد أعددت لتحقيق الأول : معرفة بالجميل .

ولتحقيق الثاني ، من الوسائل الخلقية : " الثبات والتضحية " ، وهما ألزم للمصلح من ظله ، وسر نجاحه كله .. ومن الوسائل العملية : درسًا طويلاً ، سأحاول أن تشهد لي به الأوراق الرسمية ، وتعرفاً بالذين يعتنقون هذا المبدأ ، أو يعطفون علي أهله ، وجسمًا تعوَّد الخشونة علي ضآلته ، وألف المشقة علي نحافته ، ونفسًا بعتها لله صفقة رابحة ، راجيًا منه قبولها ، سائله إتمامها . ذلك عهد بيني وبين ربي ، أسجله علي نفسي ، وأُشهد عليه أستاذي في وحدة لا يؤثر فيها إلا الضمير .. " . فكان العهد .. والصفقة .. والمبايعة .. التي كانت أربح صفقات القرن الرابع عشر الهجري ! .

• لقد تخرج حسن البنا من دار العلوم .. وحصل علي دبلومها سنة (1346هـ / سنة 1927م) ، ولم يكن قد أتم يومئذ عامه الواحد والعشرين .. وكان ترتيبه الأول علي دفعته .. ,لقد رشح للسفر إلي باريس للدراسات العليا .. لكنه تنازل عن حقه في الابتعاث ، مفضلاً البقاء بمصر للعمل علي تحقيق الأهداف التي حددها لنفسه في هذه الحياة .

• ولقد عين مدرسًا بإحدى المدارس الابتدائية بمدينة الإسماعيلية في (سبتمبر سنة 1927م / ربيع أول سنة 1346هـ) وفي الإسماعيلية رأي من الحوافز – المستفزة " أكثر مما رآه في القاهرة .. رأي نماذج الاحتلال والاستغلال الأجنبي مجسدة أمام سمعه وبصره .. ورأي التغريب الثقافي والاجتماعي يتحدي هوية الأمة وكرامتها :

" فهذا المعسكر الانجليزي في غربها ببأسه وسلطانه – يبعث في نفس كل وطني غيور الأسى والأسف ، ويدفعه دفعًا إلي مراجعة هذا الاحتلال البغيض ، وما جره علي مصر من نكبات جسام . وهذا المكتب الأنيق الفخم : مكتب إدارة شركة قناة السويس ، في سلطانه وسطوته ، واستخدامه للمصريين ومعاملته إياهم معاملة الأتباع المضطهدين ، وإكرامه للأجانب ، ورفعه إياهم إلي مرتبة السادة والحاكمين . وهذه المنازل الفخمة المنتشرة في حي الإفرنج بأكمله ، ويسكنها موظفو الشركة الأجانب ، وتقابلها مساكن العمال العرب في ضآلتها وصغر شأنها . والشوارع كلها تحمل لوحات لم تكتب إلا بلغة هذا الاحتلال الجاثم علي صدورها ، حتى شارع المسجد كان مكتوبًا هكذا " Ruc Du Mosquee " !! .

• وفي الإسماعيلية .. وفي هذا المناخ ، وتلك الملابسات .. قرر تأسيس جماعة [ الإخوان المسلمين ] .. وتوجه بدعوته إلي مختلف شرائح الأمة ، وقادة الرأي فيها :

- إلي العلماء أولاً .

- وشيوخ الطرق ثانيًا .

- والأعيان ثالثاً .

- والأندية رابعًا .

وكان أول المستجبيين لدعوته ستة رجال ، جميعهم من العمال الحرفيين .. فأسس بهم الجماعة في (ذي القعدة سنة 1347هـ - إبريل / مايو سنة 1928م)

• وكان للمرأة – منذ البداية – نصيب في الدعوة .. فأسس حسن البنا – بالإسماعيلية – معهد " أمهات المؤمنين " لتربية البنات تربية إسلامية صالحة .. كما أنشأ – بالجماعة – قسم " الأخوات المسلمات " .

• ومن الإسماعيلية انتشرت الدعوة وتنظيمات الجماعة و " شعبها " إلي مدن مصر وقراها .. وتخطت حدود مصر إلي مختلف أنحاء عالم الإسلام .. بل وإلي مواطن الجاليات الإسلامية خارج عالم الإسلام .

• وفي سبيل الدعوة والجماعة زار الأستاذ البنا ثلاثة آلاف قرية مصرية – من بين قرى مصر ، البالغ عددها يومئذ أربعة آلاف !! – وذلك غير المدن ، الكبير منها والصغير .

• وغير الخطابة – التي لم يكن يُجاري فيها – كانت الصحافة .. ميدانًا لدعوته ؛ فأصدر من المجلات والصحف :

1 – مجلة [المنار] الشهرية .

2 – ومجلة [الشهاب] الشهرية .

3 – ومجلة [النذير] الأسبوعية .

4 – ومجلة [التعارف] الأسبوعية .

5 – ومجلة [الكشكول الجديد] .

6 – وجريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية .

7 – وجريدة الإخوان المسلمين نصف الشهرية .

8 – وجريدة الإخوان المسلمين اليومية .

• ولقد رشح نفسه للانتخابات البرلمانية مرتين – بدائرة الإسماعيلية -: الأولي : في انتخابات سنة 1942م .. ثم تنازل عن الترشيح بطلب من الحكومة ، بناءً علي ضغط وتهديد من المحتلين الانجليز ، والثانية : في انتخابات (سنة 1944 – 1945م) .

• وكان الأستاذ البنا وجماعته في طليعة القوى التي وعت خطورة القضية الفلسطينية ، وجاهدت في سبيلها منذ الثورة الفلسطينية سنة 1936م ؛ فرفعوا شعارات الجهاد لإنقاذ فلسطين من المخطط الصليبي الصهيوني .. كما كانوا في طليعة الذين أعدوا العدة للجهاد المسلح ، وخاضوا معاركه علي أرض فلسطين (سنة 1947 – 1948م) .. قبل وبعد دخول الجيوش العربية إلي أرض فلسطين في (مايو سنة 1948م) .

• وفي (مايو سنة 1946م / جمادي الآخرة 1365هـ) .. استقال حسن البنا من وظيفة مدرس ابتدائي .. بعد ما يقرب من تسعة عشر عامًا قضاها في التدريس .. ويومها كان قد بلغ " الدرجة الخامسة " !!! بحكم " قانون الموظفين المنسيين " !! .

• وبضغط من الاستعمار .. وخوفًا من قوة الجماعة .. وخاصةً بعد تجربتها الجهادية في فلسطين ؛ صدر الأمر العسكري بحل الجماعة في (8 ديسمبر سنة 1948م / صفر 1368هـ) .. وكان عدد أعضائها يومئذٍ نصف مليون عضو .. معهم من الأعضاء المؤازرين أضعاف هذا العدد .. ولها من " الشعب " المنتشرة في مصر ما يزيد علي 2000 شعبة ! .

• وتسارعت الأحداث .. واغتيل الأستاذ الإمام الشيخ حسن البنا – بالقاهرة – في (12 فبراير 1949م / ربيع ثان سنة 1368هـ) .. فصعدت روح هذا الرجل الملهم المبارك إلي بارئها ، بعد أن بذر البذرة التي أنبتت الشجرة الطيبة ، التي امتدت أغصانها وأوراقها وثمراتها إلي كل أنحاء الكوكب الذي نعيش فيه .. والتي بارك الله فيها ، كما لم يبارك في بذرة من البذور الكثيرة التي بذرت في ذلك التاريخ !

وسوم: العدد 867