صفحات من تاريخ غير مكتوب عشته أو عايشته

وهذه صفحات من تاريخ عشته أو عايشته . ليس فيه شيء مما يسمى السيرة الذاتية ، فلا أرى في شخصي الضعيف ذاتا ، تستحق أن أطوّف حولها ..

ويتابعني بعض الأحباب منذ سنوات أن أكتب شيئا من أو عن فأتشاغل ..

ثم وجدت ، ونحن في قلب هذه الوحدة والوحشة والانفراد والتربص، تشملنا لمات الملك ، وتتوعدنا لمات الوسواس الخناس ، أن الزمن ربما كان ملائما لإحداث إدماج بين الخاص والعام ، بين الفردي والجماعي ، بين بعض ما عشت ، وبعض ما ومن عايشت ، مؤثرا إشاعة الخير والبر والمعروف بين الناس ، وإن عدوت أحيانا فلأنه بضدها تتميز الأشياء .

وإذا قلت إني ما زلت أعي الحياة منذ العاشرة فبيني وبينكم أمداء لثلاثة وستين عاما يمكن أن أحدثكم عنها ، إن أمد الله في الأجل ، عن رجال ووقائع وأشخاص ، أنثرها كما البدوات ، على غير ما سياق ولا نظام ، لكي تكون نوعا من المسامرة الخفيفة ، يصفها سيدنا معاوية رضي الله عنه بالتقاط أطايب الحديث كما يلتقط الناس أطايب الثمر . وربما أعاود الكتابة عن الموضوع الواحد مرات ومرات . وليكن معلوما انني لن أكتب هنا تحت وطأة مناهج البحث الأكاديمي في الاستقراء والاستقصاء ؛ وإنما سأكون عفويا على سجيتي فأقدم وأؤخر وأشرّق وأغرب ، وحيثما مالت بي رياح الأنس أميل .

وأزعم انني عايشت في حداثتي أولا وفِي هجرتي ثانيا طبقات من الناس ، وتطورات من الأحداث ؛ مع ما منحني الله من قدرة على الرؤية والتحليل والتمييز والتعبير ما يصلح أن يكون كتابا للعبر . وربما بقليل من الأنسنة يتحول الخاص إلى عام ، والفردي إلى جماعي ، والواقعة المحدودة إلى درس وعبرة . وهذا الذي سأحاول أن أتركه في هذا التاريخ اللطيف .

وهدفي أن أتركه كتابا للاعتبار ، ولكن على غير طريقة ابن منقذ ..

وهدفي أن أؤرخ لبعض ما عشت وعايشت وأنا المولود في حلب منذ ١٩٤٧

أن أكتب وعيني على كل السوريين ، أؤرخ للصواب وللخطأ

وأدور في حلبة الدعوة الإسلامية فكرها ورجالها وأدواتها ، ليس بدافع الحزبية والخصوصية ، ولكنها الدائرة التي في محيطها نشأت وكبرت وهاجرت ومن رجالها تعلمت ..

قد أكون اكتشفت في لحظات من التاريخ أن في الجانب الذي انتميت إليه وما زلت أنتمي إليه ، اختلافا يضيق أو يتسع على مستوى التصورات والأفكار .. وكل هذا يدفعني للتأكيد على أنني لا أكتب باسم أحد، أكتب باسم الله معبرا عن شخصي ورؤيتي ، لا أدعي الصواب ولا أحتكر الحكمة ولا الحقيقة.. ويكفي أن أقول إنني وأنا أذكر لأول مرة أنني كاتب المسودة الأولية الرئيسية للمشروع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية ، فإن هذه المسودة قد تم تجاوز أكثر من نصفها ليس بدافع الاختصار ، ولكن بدوافع أخرى ؛ ولأقر مرة ، أخرى أن ما صدر يعبر عن رؤية هذه الجماعة في ظرف ما ، وأن الجزء المحذوف من المسودة يعبر عن حجم التباين بين الفرد وبين المجموع !! ولست هنا لأدعي الصواب . ولكن يقولون لا تبدل خيول العربة عندما تعبر النهر . وأقول ولا تملك ترف تغيير المركب وأنت في وسط البحر .

صفحات من تاريخ غير مكتوب سيختلط فيها الخاص بالعام ، والفردي بالجماعي ، والديني والفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي كل ذلك معا في سردية واحدة ، وكل ذلك بلغة هي أشبه بلغة أهل الأدب ، وأسلوب يعشق صاحبه لغة أهل الإشارة من مثل القشيري وابن عربي وابن الفارض والعطار والشيرازي وصاحب المثنوي ..

وكل من قُطع عن أصله

يظل يحن إلى زمان وصله

وعهدي مع الله ثم معكم أن لا أقول إلا الحق الذي علمته أو اعتقدته !!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 872