المجاهد الداعية الحاج ممدوح علي الصرايرة

( 1993 - 1921 م)

هو المجاهد الأردني الملازم الحاج ممدوح بن علي بن يحيى الصرايرة الذي قاد سرية أبي عبيدة بن الجراح في حرب فلسطين عام 1948م.

المولد، والنشأة:

ولد ممدوح الصرايرة في مؤتة الكرك في الأردن عام 1921م.

ونشأ في كنف والده الشيخ علي بن يحيى الصرايرة شيخ عشيرة الصرايرة، وأحد رجالات ووجهاء الكرك المشهورين.

كان والده الشيخ قاضي عشائر من الطراز الأول يثق الناس به، ويتقبلون حكمه وقضاءه لما عرفوا عنه من حسن أخلاقه وسلوكه وطيبة معشره، وقوله الحق دون محاباة أو انحياز لأحد مهما كان، ويحكم بالعدل، ولا تأخذه فيه لومة لائم.

الدراسة، والتكوين:

تلقى الحاج ممدوح الصرايرة تعليمه الابتدائي في قريته مؤتة ثم درس الاعدادية في الكرك.

وانتقل الى السلط لاكمال دراسته الثانوية في مدرستها الثانوية المشهورة حيث كانت المدرسة الوحيدة في الأردن وتخرج من الثانوية عام 1940م.

الوظائف، والمسؤوليات:

وبعد انتهاء الدراسة الثانوية دخل الجيش العربي بمؤتة برتبة ملازم عام 1941م ومكث بالجيش سنتين اضطر بعدها للتحول الى الوظيفة المدنية بسبب تعرضه لحادث على طريق العراق.

فعين في دائرة النشر والمطبوعات مدة من الزمن، ثم انتقل الى دائرة الجمارك، وأمضى فيها الخدمة الطويلة حتى تقاعده عام 1975م .

وخلال عمله في الجمارك عرف عنه الحزم ونظافة اليد...

ففي عام 1975م كان رحمه الله مديرا في جمارك المطار جاءه أحد الموظفين يخبره أن هناك طردا يحوي بدلات لرئيس الوزراء الأردني زيد الرفاعي من لندن، وسأله أن رسوما جمركية تستحق على هذا الطرد، فأجابه الحاج ممدوح الصرايرة: نعم تستوفي الرسوم الجمركية، فزيد  الرفاعي شأنه شأن أي مواطن أردني، وبعد ساعة من الزمن واذا بعامل المقسم يقول للصرايرة: بأن مكتب رئيس الوزراء يتصل به.

واذ الرئيس زيد الرفاعي يكلمه بشأن بدلاته، فأجابه بأنني لا أستطيع اعفاء هذا الطرد، ويجب استيفاء الرسوم الجمركية عليه: وانك يا دولة الرئيس بدفعك للرسوم على بدلاتك تكون قدوة للجميع.

فأجابه الرئيس: ألا تعلم بأنك تكلم رئيس الوزراء، فأجابه نعم، وأنا أقول لك لن يمر هذا الطرد دون استيفاء الرسوم عليه طالما أنا مدير للجمارك، وأنهى مكالمته مع الرئيس.

وفي اليوم التالي صدر قرار باقالته من ادارة الجمارك، فما هذه القصة الا نقطة في بحر أعمال هذا الرجل النظيف.

مع الاخوان المسلمين:

كان رحمه الله تعالى أحد مؤسسي جماعة الاخوان المسلمين، ومن القيادات البارزة والمؤثرة فيها، عضو أول هيئة ادارية لجماعة الاخوان، والتي كانت تسمى باسم المكتب العام للجماعة.

وفي عام 1948م قررت جماعة الاخوان تشكيل كتيبة من المتطوعين للجهاد في فلسطين سميت بكتيبة (أبو عبيدة) وكانت الكتيبة تحت قيادة المراقب العام بنفسه المجاهد عبد اللطيف أبو قورة، وقد تم تعيين الملازم المتقاعد ممدوح الصرايرة نائبا لقائد الكتيبة، وتولى الصرايرة مسؤولية التدريب نظرا لخبرته العسكرية، وقد أبلت الكتيبة بلاء حسنا في ميدان القتال في القدس وحولها، وعين كارم، وصور باهر، وعلى رأسهم المجاهد أبو قورة، والمجاهد ممدوح الصرايرة حيث طلبوا الشهادة باقدامهم وقتالهم لكن الله لم يكتبها لهم، وانتهت المعركة بعد تخاذل الحكام وقبولهم الهدنة للحفاظ على كراسيهم،  وعاد المجاهد ممدوح الصرايرة ورفاقه الى الأردن تنهش قلوبهم الحسرة والألم على ضياع القدس.

صفاته:

أخذ المرحوم ممدوح الصرايرة عن والده الحاج علي بن يحيى الصرايرة المتوفى سنة 1984م الكثير من الصفات حيث كان يصحبه في الكثير من مجالسه وفي حله وترحاله، وقد كان والده من أبرز شيوخ منطقة الكرك وقاضي عشائر معروفا وخاصة في قضايا الدم والقتل، فعاش في أجواء القضاء وما يترتب عليها من اعطاء الحقوق ونصرة المظلوم وعدم التساهل مع الظلمة ليعم العدل والخير بلا محاباة لأشخاص أو اعتبار لجاه، فالكل أمام القضاء سواء.

كان يأوي اليه الناس كلما شعروا بالظلم يقول الشيخ منصور الحيارى:

حدثني أحدهم، فقال: انه ذهب الى الحاج ممدوح، وشكا له مظلمة، حاول مساعدته، فلم يستطع -رحمه الله - أن يساهم في حلها، وبكى صاحب المظلمة أمامه، فما كان من الحاج الا أن أخذ بيده جانبا، وأخذا يبكيان معا، وأخذ يهون عليه الأمر حتى هدأ صاحب المظلمة.

وكان الحاج ممدوح صارما في عمله لا يجامل أحدا في أموال الدولة، ولا يحابي أحدا على حساب أحد مهما كانت رتبته.

وكان صادق القول طيب القلب لطيف المعشر ورث عن أبيه الحلم والأناة.

وفاته:

وفي 1 أذار عام 1993م وبعد عمر زاخر بالبطولات والتضحيات وعمل دؤوب في مجال العمل الاسلامي انتقل الى الرفيق الأعلى الحاج ممدوح الصرايرة مساعد الحاج عبد اللطيف أبو قورة في جهاد فلسطين في زمن استكان فيه العرب وتخلوا عن البندقية التي حملها الصرايرة واخوانه، ان المسلم ليفرح أشد الفرح وهو يقلب كتابا في تاريخ الأردن وتاريخ جيشه وأيامه التي لاتنسى فيجد صفحات مشرقة أضاء نورها رجالات الحركة الاسلامية وعلى رأسهم الحاج ممدوح الصرايرة رحمه الله.

قالوا عنه:

رثاه الدكتور موسى الكيلاني مدير الاذاعة الأردنية : حين يوزن الرجال بالميزان الصحيح ميزان الدين والخلق والفضل والورع والتعفف، فان الحاج ممدوح يأتي في القمة، ويرجح على الكثيرين، وأضاف: عرفته جيدا في مطار ماركا، كما عرفته في القاهرة عندما كان مبعوثا، فكانت شهادتي هي نفسها شهادة أولئك الذين عرفوه مقاتلا في هضاب فلسطين ضد الغزو الصهيوني، وهي نفسها شهادة الذين عرفوا وطنيته واخلاصه في المجالس والمنتديات التي ترأسها .

وقال عنه رفيق دربه الشيخ منصور الحيارى: تعرفت على المرحوم الأخ ممدوح الصرايرة من خلال المسيرة الجهادية الطويلة منذ نهاية الأربعينات، وعايشته عن كثب، وعرفت فيه شمائلا وخصالا هي في حقيقتها قبس من الأخلاق النبوية وأسلافنا الصالحين، ففقيدنا أبا علي فيه خصلتان يحبهما الله الحلم والأناة.

وأحسبه ما كان ينام وفي قلبه ضغينة على أحد لا في جاه ولا في ثروة أو سلطان، ولا يذكر أحدا بسوء حتى ممن أساؤوا اليه، وكان -رحمه الله- صاحب قلب كبير رقيق.

- ورثاه الأستاذ محمد داوودية ، مستشار الملك أنذاك، فقال:

فقيدنا (أبو علي) أحد قناديلنا المتوهجة بفعل ما ينبعث من الروح الطاهرة، وهو نموذج لحالات عدة، نموذج للعفة، فلم تمتد يده الى مال الشعب، مسطرا المثل الأروع الذي لا زال يروى ..وقد كان مديرا عاما لدائرة الجمارك، وكان نموذجا في الجهاد في فلسطين حيث تقدم حاملا روحه على كفه طلبا للشهادة ودفاعا عن الثرى الطهور ، عرفته في بداية الثمانينات عضوا في المجلس الاستشاري مثالا لعفة اللسان والحرص على المصلحة الوطنية.

ورثاه أحد أصدقائه من فلسطين، وهو السيد محمد عبد الرحيم الريماوي، فقال:

أي يوم يظل ذكرى كئيبة  أي دمع ملأ العيون الحبيبة

كنت للسائلين بابا سخيا        كنت للعابرين كفا قريبة

كلما مال في الحديقة غصن 

              أو نما الورد في الغصون الرطيبة

فاح دربك المودع نفح 

              وانتشت في الجنان روح نجيبة

ويقول الأستاذ عوني جدوع العبيدي: من حق أطفالنا علينا، ونحن نودع شخصية وطنية اسلامية كالحاج ممدوح الصرايرة أن نكتب لهم تاريخ وطننا، وأن نرسخ في أذهانهم أسماء الشخصيات القدوة، لتكون أمثلة تحتذى، وهي شخصيات واقعية نبتت في أرجاء هذا البلد، وعاشت فوق أرضه وترابه.

والحاج ممدوح الصرايرة من هذه الشخصيات التي عملت في الجيش، والحركة الاسلامية، والدعوة، والجهاد، وفي الخدمة العامة، والمؤسسة النيابية ، وكان دورها ايجابيا في كل ذلك.

نظيفة اللسان مؤمنة متوضئة.

وقال عنه أحد محبيه: ممدوح الصرايرة غادر الدنيا بلا أعداء، كان مثالا في غيرته على الوحدة الوطنية وموضوعيا في أرائه ومقترحاته مشاركا في العديد من الحركات الشعبية الاسلامية، والمؤسسات الخدمية والتطوعية ..وكان مفتاحا للخير مغلاقا للشر.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

مصادر الترجمة:

1- موقع كرك المجد والتاريخ .

2- موقع جفرا نيوز .

3- مواقع الكترونية أخرى.

وسوم: العدد 943