الشيخ الداعية المربي أحمد حسن كرزون

ولد الشيخ أحمد حسن كرزون في مدينة حلب عام ١٤٣٦ هجري / الموافق ١٩٢٨م، ونشأ في أسرة مسلمة ملتزمة، تحب العلم، وتحترم العلماء.

الدراسة، والتكوين:

تلقى أحمد حسن كرزون تعليمه في إحدى المدارس الابتدائية الرسمية في حلب.

ثم أرسله والده لدراسة العلوم الإسلامية في الثانوية الشرعية ( الخسروية)، وتخرج فيها عام ١٩٤٨م.

وأخذ العلوم الشرعية والكونية على أيدي الشيوخ:

الشيخ محمد راغب الطباخ، والشيخ الحافظ محمد نجيب خياطة، والشيخ المفتي محمد أسعد عبجي، والعالم الرباني محمد إبراهيم سلقيني، والشيخ الوزير العلامة مصطفى الزرقا، والشيخ عبد الله الحماد، وأمين الله عيروض، وعبد الوهاب سكر، والشيخ محمد ناجي أبو صالح، ومحمد الملاح، ومحمد الحكيم، ومحمد بلنكو....وتأثر بالشيخ الادلبي ومنهجه في التربية ....وحضر دروس العلماء في المساجد...وغيرهم.

وكان من دفعته الشيخ عدنان كامل سرميني الذي لازمه، وتخرج معه، وأحبه...

انتسب الشيخ أحمد حسن كرزون إلى كلية الحقوق في الجامعة السورية بدمشق سنة ١٩٤٨، وتخرج فيها عام ١٩٥٢م.

وعمل في المحاماة مدة من الزمان، ولكنه تركها، واتجه إلى التعليم، فأسس الثانوية العلمية في حي الفرافرة في حلب، ثم توسعت المدرسة وكثر الطلاب، فانتقل إلى ثانوية بني أمية العلمية....وقد أحبه تلاميذه، واحترمه الناس.

وفضيلة الشيخ متزوج من سيدة فاضلة وقد أنجب منها العديد من الأولاد:

أكبرهم د. أنس كرزون: الذي درس الهندسة في سورية، ثم حصل على الدكتوراه في منهج القرأن في تزكية الأنفس، وصار مدرسا في جامعات السعودية.

وقد قدم الشيخ أحمد حسن كرزون ولده حسان شهيدا في أحداث الثمانين، كما خسر ولده محمد في حادث مرور مؤلم، واعتقل أحد أولاده في سجون الطاغية دهرا طويلا، ولكن الشيخ بقي صابرا محتسبا.. ثابتا على المبدأ.

انتقل للتعليم في مدارس السعودية عام ١٩٨٠م، وصار مستشارا اجتماعيا في جامعة أم القرى حتى بلغ سن التقاعد وقد مددت له الحكومة السن للاستفادة من خبرته ....وكان متفانيا في البذل والعطاء.

أخلاقه، وصفاته:

كان الشيخ أحمد حسن كرزون- رحمه واسعة، وأسكنه فسيح جناته- محبا للعلم والتعليم، مخلصا متواضعا خلوقا، وخطيبا مفوها، وكان مهتما بالتربية والتزكية. 

وكان بشوشا لا تفارقه الابتسامة.

سافر إلى السعودية، وعمل مستشارا اجتماعيا في جامعة أم القرى، ولقي الحب والاحترام، وقد كرمه الأمير نايف بن عبد العزيز، ومنحه الجوائز في حفل مشهود تكريما له على أبحاثه القيمة في الأمن والتربية .

مؤلفاته:

وقد ترك الشيخ أحمد حسن كرزون عدة مؤلفات نذكر منها:

١- تكريم الرحمن للإنسان: دراسة تدبر في أيات الذكر الحكيم، دار ابن حزم بيروت ، ٣٤٢ صفحة.

٢- مزايا نظام الأسرة المسلمة : دار ابن حزم، بيروت، ٢٦٠صفحة.

٣- الرعاية الصحية والنفسية للشباب الجامعي: جامعة أم القرى، مكة المكرمة. 

٤- الشباب وأوقات الفراغ: دار أبو القاسم، جدة، ٤٨ صفحة.

٥- الشباب المسلم ولباسه المتميز: دار أبو القاسم ، جدة، ٩٥ ص.

٦- الفضائل التربوية في الصلاة: ص ١١٨.

٧- الفضائل الإيمانية في الحج: دار ابن حزم ، ١١٨ ص.

وفاته:

توفي الشيخ أحمد حسن كرزون في جدة في السعودية عام ١٤٣٢/ الموافق ٢٠١١م..ودفن هناك.

رحمه الله رحمه واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

أصداء الرحيل:

الرحمة والرضوان للأخ الرباني الأستاذ أحمد كرزون

بقلم : محمد فاروق البطل:

 الأمين العام لرابطة العلماء السوريين

رحمك الله أخي أبا أنس، وأسكنك فسيح جناته ، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة، ورزقك صحبة النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصَّالحين، وحَسُن أولئك رفيقاً... لا أزكِّيك على الله، ولكني أحسب أنك كنت من الصالحين الربَّانيين ... فأنا أعرفك منذ الخمسينيات من القرن الماضي، لم تُغيِّر ولم تُبدِّل، رغم ما مرَّ بك من محنة قاسية وغربة طويلة.

الأخ الحبيب الأستاذ أحمد كرزون دَرَسَ في الثانوية الشرعية بحلب، ثم تابع دراسته في كلية الحقوق بجامعة دمشق، ومارس المحاماة بعض الوقت، ولأن المحاماة لا تُعطي مورداً معيشياً مناسباً بالنسبة للمحامي المسلم الملتزِم الصادق ، فإن الأخ أبا أنس تحوَّل عن المحاماة إلى التعليم، فأنشأ بمعونة إخوانه ثانوية أهلية خاصة في حي الفرافرة بحلب، أطلق عليها اسم ( الثانوية العلمية)، ثم انتقلت إلى الجميلية وأضحى اسمها ثانوية بني أمية العلمية، واستمرت هذه الثانوية حتى الثمانينيات حين اندلعت الأحداث، واضطر الأخ أبو أنس إلى الهجرة في سبيل الله بسبب أن أولاده ـ الذين أحسن تربيتهم ـ كانوا من شباب الحركة الإسلامية الناهضين والأشبال الثائرين ، ولأن السلطة أقدمت على اغتيال آباء أمثال هؤلاء الشباب المجاهدين، انتقاماً من أبنائهم ، أو أنها كانت تأخذهم رهائن، حتى إنَّ الأخ أبا أنس خطيب – رحمه الله تعالى - سُحِل في الشارع (أي: عُلِّق في إحدى الدبابات، وبدأت تجرجره في الشارع) لا تحفظ له حُرْمة ، ولا ترعى له كرامة ، ولا توقِّر له عمراً ، والحمد لله إذ سلَّم الله أخانا أبا أنس كرزون، وكتب له النجاة، وآواه إلى أم القرى مكة المكرمة، ورزقه مجاورة المسجد الحرام والكعبة المشرفة طيلة ثلاثين سنة، واستفادت منه جامعة أم القرى مستشاراً قانونياً ومشرفاً على الطلاب، وكانت له مكانته، وكان له احترامه وتقديره على مستوى الجامعة ومسؤولِّيها، وخاصة عمادة شؤون الطلاب، وبقي في هذه الجامعة حتى بلغ السن القانونية، وقد مددوا له فترة الخدمة ليفيدوا من كفاءاته واستشاراته.

كنت صغيراً في سنِّ الفتوة والشباب حين تعلَّق قلبي بمحبة عجيبة له، وللأخ الدكتور الشيخ عدنان السرميني شفاه الله وعافاه، وقد كانا أخوين متلازمين لا يفترقان ، كانا في الثانوية الشرعية معاً وتخرجا معاً، ودرسا في كلية الحقوق معاً وتخرجا معاً، وكنت أراهما في مركز الإخوان بحلب في الجميلية شارع اسكندرون، كانا شابين ملتزمين متألِّقين يمارسان الرياضة في ملعب المركز ، افترقا مؤقتاً حين سافر الأخ السرميني إلى مصر لمتابعة الدراسة في الأزهر الشريف في بعثة لوزارة المعارف، لكنه ما يكاد يعود إلى حلب في الإجازة، حتى يصطحب أخاه الودود أحمد كرزون رحمه الله تعالى .

بل إنهما شغلاً معاً في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي عضوية الإدارة في مركز الإخوان المسلمين بحلب انتخاباً .

لقد كانا بالنسبة لي وفي سنِّ الفتوة والشباب قدوة وأسوة مع المحبة والتقدير والإعجاب، ولا زالت مكانتهما في قلبي حتى اليوم، ولعل إعجابي بهما كان أحد الأسباب في انتمائي لجماعة الإخوان المسلمين منذ أوائل الخمسينيات.

والأخ الآخر الذي كان شديد الحب والصلة للأستاذ كرزون ـ ولا زال ـ هو: أستاذنا الكريم الأخ الحبيب الأستاذ عادل كنعان حفظه الله تعالى ومدَّ في عمره، وهو الآخر أخ مِثال نموذج للداعية المسلم الملتزم المصابر المربي، أحسن الله إليه، فقد ربانا، وكان له فضل كبير في تربيتنا والتزامنا جزاه الله خيراً.

كان يجمع بين الأخوين الكريمين كنعان وكرزون أخوة ومحبة والتزام وتعاون فقد كان الأخ كنعان مديراً لثانوية الغزالي الخاصة بحلب، وكان الأخ كرزون مديرأً للثانوية العلمية الخاصة بحلب.

والأخ الأستاذ كرزون كان يتمتع بأخلاق رفيعة وسجايا كريمة، كان دمِثاً وديعاً، رقيقاً لطيفاً، شديد التواضع ، كريم الخلق، طيب المعشر ، دائم البسمة ، حلو الحديث ، منوَّر الوجه، صبوراً، فُجِع بثلاثة أولاد ، شهيد في أحداث الثمانينيات ـ حسان ـ وشهيد في حادث سيارة ـ محمد ـ وولد اعُتِقل رهينة عن إخوته، ثم فك الله أسره بعد سجن طويل، وتعذيب شديد.

مع هذه الفواجع المؤلمة لم تكن تجد الأخ أبا أنس إلا راضياً بقضاء الله وقدره، سعيداً بمحنة الله، محتسباً فلذات كبده أمانةً عند الله تعالى.

وكان الأخ الحبيب أبو أنس رحمه الله تعالى ربَّانياً، مشرق الروح، مقبلاً على العبادة ، غلبت عليه الثقافة الحقوقية، فكان أقرب إلى مسلك العلماء منه إلى مسلك المحامين والحقوقيين، كثيراً ما كنت أراه في الجامع الأموي بحلب يحضر درس الشيخ أحمد إدلبي، علماً أنه كان مدير ثانوية، كان يجلس القرفصاء، يستمع الدرس من العالم الرباني الشيخ أحمد إدلبي ابن العالم الرباني الشيخ محمد سعيد الإدلبي ، رحمهما الله تعالى ونعم من اختار من العلماء العاملين المربين.

وكان سلوك الشيخ أحمد كرزون متأثراً إلى حد كبير بالتوجيهات الروحية والإشراقات الإيمانية للعبد الصالح الشيخ الإدلبي.

كتب الأستاذ كرزون ـ رحمه الله تعالى ـ كتباً قيمة في أمور قانونية وشرعية واجتماعية.

وقد فاز الشيخ الجليل عام 1409 بجائزة أفضل بحث في مسابقة المركز العربي للدراسات الأمنية ، وقد تسلم الجائزة من يد سمو وزير الداخلية السعودي ، كان عنوان البحث: المنهج الإسلامي المتكامل في السياسة الجنائية، كما كان للفقيد مقالات أسبوعية ينشرها في صحيفة العالم الإسلامي، التي تصدرها رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة استمر في ذلك لسنوات عدة.

هنيئاً للأخ الكريم الأستاذ أبي أنس ما ترك من ذِكر حسن، ومكانة رفعية، ومحبة في قلوب إخوانه... وهنيئاً له إذ ترك أولاداً بررة صالحين على رأسهم الأخ الكريم الدكتور أنس كرزون الذي كان يدرس الهندسة في حلب، وبعد الهجرة درس الشريعة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وحصل على البكالوريوس، ثم الماجستير، ثم الدكتوراة، وكانت رسالته في شهادة الدكتوراة حول فقه التزكية، والأخ أنس من حفظة كتاب الله المتقنين ، وممَّن كتب الله له أن يسهم في تأسيس ذلك الصَرْح العلمي القرآني العالمي (الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم التابعة لرابطة العالم الإسلامي). 

وإنه لمشروع عظيم يقوم على خدمة كتاب الله، وخدمة حفاظه، ودعم معاهده، والإشراف على مراكزه ، وتزويدها بالحفَّاظ والكتب والمراجع وما يلزم من دعم مالي ، وإشراف فني، وذلك على مستوى العالم كله.

وأسأل الله أن يِكرم أخانا أبا أنس بما وعد به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقد قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به).

وأحر العزاء للحِب ابن الحِب الأخ الدكتور أنس كرزون ولأسرته الكريمة.

رحم الله أبا أنس وتقبله في الصالحين (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده).

محمد فاروق بطل

التاريخ

6/11/1432 / الموافق4/10/2011 

وفاة الداعية المربي الأستاذ أحمد كرزون رحمه الله تعالى:

 الأحد 24 جمادى الآخرة 1434 - 5 مايو 2013 2886

انتقل إلى رحمة الله تعالى مساء أمس السبت 3/11/1432 الموافق 1/10 /2011 في مدينة جدة الأستاذ الفاضل الداعية المربي الإداري الناجح أحمد حسن كرزون والد الأخ الكريم الدكتور أنس ، عن عمر يناهز الثانية والثمانين عاما ، والفقيد من مواليد سنة 1928م، ومن خريجي الثانوية الشرعية ، وحصل على إجازة الحقوق من الجامعة السورية ، وهو من الرعيل الأول في الدعوة والتعليم، وهاجر من بلده حلب 1980 وعمل في جامعة أم القرى بمكة مشرفا اجتماعيا، وله عدد من المؤلفات، وقدم ابنه حساناً شهيدا في سبيل الله في سجن تدمر، واحتسب الابن الآخر سجينا في تدمر حتى منَّ الله عليه بالفرج بعد سنوات عديدة ، وافتقد أصغر أبنائه محمد في حادث سيارة في طريق مكة إلى جدة، وتتقدم رابطة العلماء السوريين بالعزاء لابنيه الكريمين: أنس، وأسامة، ولجميع أفراد أسرته وإخوانه ومحبيه، وتسأل الله له المغفرة والرحمة والرضوان .

مصادر الترجمة:

١- موقع رابطة العلماء السوريين. 

٢- الموسوعة التاريخية لأعلام حلب.

٣-مواقع الكترونية أخرى.

وسوم: العدد 964