الشيخ الشاعر العلامه محمد جميل العقاد

dgbfg1043.jpg

       (١٣١٠. -١٣٨٧ )هجري ( ١٨٩٣ -١٩٦٨ ) ميلادي

ولد الشيخ في منزل دين وعلم وتقى. فقد كان والده الشيخ محمد ياسين العقاد امام وخطيب جامع (ابي درجين )في حي الجلوم بحلب بموجب براءة شاهانية ممنوحة من قبل السلطان الغازي (عبد الحميد بن عبد المجيد )لازلت احتفظ بها كما هي بعد ان قمت بترميمها

لقد حفظ والدي القران غيباً وعمره سبع سنين ونهل من علوم والده الشيخ الكثير وحفظ من الاداب والاشعار والمتون ما خوله ليكون مدرسا في المدرسة الفاروقية بحلب والتي كان طلابها هم النخبة فيما بعد من وجوه سوريا و قد زامل فيها الشيخ المؤرخ راغب الطباخ كمدرس فيها ثم تاقت نفسه للاستزادة من العلوم فتوجه الى الازهر الشريف في مصر. فمكث فيه اربعة عشر عاما متواصلا لم يغادر فيها مصر مطلقا فصبغته بالصبغة المصرية حتى وفاته رحمه الله

وقد تتلمذعلى ايدي ثلة من مشايخ واساتذة الازهر الشريف منهم 

الشيخ محمد بخيت المطيعي. الشيخ احمد مصطفى المراغي. الشيخ محمد الخضر الحسين. الشيخ عبد الخالق عمر. الشيخ محمد عبد المطلب. الشيخ عيسى منون. الشيخ عيسى سلامه. الشيخ عبد السلام شرف. الشيخ محمود مصطفى

وحصل على الشهادات التاليه

الاهليه للغرباء عام ١٩٢٧. العالميه للغرباء عام ١٩٢٩ شهادة الاستماع عام ١٩٣٠

وهي في اختصاصات : الفقه واصوله. التفسير. الحديث ومصطلحه. التوحيد. النحو. الصرف. المعاني. البديع المنطق البلاغه كان رحمه اللهيطبق الحديث القائل (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم )فقد كان رحمه اللهفي النهار طالبا في الازهر وفي المساء واعظا ومرشدا متنقلا كما كان خلال فترة الصيف يتنقل بين ارياف مصر واعظا وداعياً الى الله بقلب مخلص مما كان سببا في هداية سبع وعشرين قبطي اعتنقوا الاسلام طواعية واختيارا كان اولهم شماساً في الكنيسة اسمه ( مجلي اسحاق جرجس)فاسماه والدي (محد جميل المهتدي)نظم قصيدة يشكرفيها والدي على هدايته فرد عليه والدي بقصيدة تهنئه

وكان آخر القافلة قسيساً. جاء الى مسجد والدي بكامل ثيابه الكهنوتية. واشهر. اسلامه في المسجدمع والدي ونتيجة لذلك. توجه وفد من الاقباط الى وزير الداخلية المصري انذاك مطالبين بابعاد ونفي محمد جميل عقاد الى بلده حلب. فعارضهم الوزير مدافعا عن والدي بقوله انه استخدم العقل والمنطق والحجة ولم يستخدم الاساليب التي يتبعها مبشروكم علما بان الوزير لم يكن يعرف والدي شخصيا انما كان يعرفه من خلال الدعوات والندوات التي يقيمها والدي في الجوامع والمساجد والجمعيات الخيربة وقد ترافق وجود والدي في مصر ظهور الاديب طه حسين الذي كان معاديا للاسلام فعارضه والدي ونظم قصيدة يهجوه فيها وذلك بعد محاكمة مجلس النواب المصري لطه حسين واقراره بحرق كتبه ومصادرتها ولدي نسخة من محضر مجلس النواب المصري لمحاكمته ثم عاد والدي الى بلده حلب عام ١٩٣٦ م. و١٣٥٤ ه. فعين مدرسا للغة العربية والديانة الاسلامية في ثانوية المامون التي كانت تدعى التجهيز الاولى وقد تخرج من بين يديه فيها العديد العديد من وجهاء حلب واعيانها وعلمائها و مفكريها

  كما عين خطيبا في الجامع الاموي الكبير بحلب كان في حلب يومها ( ٣٦٠ ) بين جامع ومسجد ومصلى زارها جميعا وادى واجب الدعوة في كل منها

  كان رحمه الله يزور الارياف والقرى. واعظا ومعلما ومرشدا وله في كل منها موقف وذكرى خاصه كان ذا مدرسة وحيدةفي الوعظ والارشاد فقد كانت خطبته لا تتجاوز خمسة عشر دقيقة ذات موضوع واحد يبدأها بترديد الاية الموضوع ثلاث مرات ثم يثني بالحديث النبوي المرافق ويكرره ثلاثاً ثم يشرحهماويستنتج منهما ما يلزم وينصح من يرغب في الاستزادة من الشرح وطرح الاسئلة البقاء بعد صلاة الجمعة لحضور جلسة حرة فيها 

  كان رحمه الله اول داعية يدخل السجن بقصد الوعظ والهداية مجانا لوجه الله

كان له ندوة مساء كل اربعاء في منزله يحضرها العديد من العلماء والمفكرين والادباء وعامة الشعب كانت طريقته في التعليم تعتمد على املاء الاحاديث والايات والحكم على. الكتبة من طلابه ثم يعيدها ثلاثا ثم يطلب من الكتبة اعادة ما كتبوه ليسمع الحضور ثم يطلب من الحضور ترديد ما املاه معه عليهم وذلك حتى يحفظ الجميع حتى ولو كان اميا كان اذا لاحظ بداية ملل عند الحضور توقف عن الدرس وتوجه الى النكات والاناشيد التي يقدمها من يحضر من المنشدين و بشكل جماعي مع الحضورفيذهب السأم ويتنشط الجميع ثم يعود للدرس.

كان يحب الاطفال والصغار ويشجعهم بشتى الوسائل ويقربهم منه خلال درسه ويحاول ان يبث فيهم روحه قائلاً لهم اذا مات جميل عقاد فان كلاً منكم سيغدو. جميل عقاد.

كان يقدر العلماء والمشايخ ويحترمهم ويقول الشيوخ كالزهور واذا ما زاره احد العلماء في درسه طلب منه القاء موعظة على طلابه بحضوره.

في عام 1958 عام الوحدة بين سوريا ومصر زار حلب استاذه الشيخ الخضر الحسين وحضر صلاة الجمعة في الجامع الاموي الكبير في حلب دون اعلام والدي الخطيب ولم ارتقى والدي المنبر ولمح بين الحضور شيخه توقف عن الخطبة ونزل فقبل يد استاذه ودعاه لالقاء الخطبة فاعتذر لكبر سنه وقبل بان يؤم المصلين وبعد ذلك قام والدي بواجبه تجاه شيخه ثم نظم قصيدة يرحب فيها بشيخه ويمدحه فيها وهذه القصيدة موجودة في ديوانه رحمه الله.

كان رحمه الله شاعرا مرهف الاحساس لا تمر مناسبة الا وينظم فيها قصيدة شعريه ومن غرر قصائده قصيدة القران تضم ستا و سبعين بيتا وقصيدة ملحمة السيرة النبوية وعدد ابياتها مئتان وثلاث واربعون بيتا

وقد بلغ عدد ابيات الشعر التي نظمهافي قصائد قرابة خمسة الاف بيت من الشعر

  وقداعطيتها للاستاذ عدنان كاتبي فنظمها ورتبها وشرح مفرداتها وعرف اعلامها وصنفها في كتاب اسمه ( ديوان العلامة الشيخ محمد جميل العقاد) وقدقام الدكتور المرحوم عصام قصبجي بدراسة عروضها وقامت بطبعه مكتبة فصلت العائدة للدكتور محمود عكام وقد قام اخي المهندس محمد سداد عقاد جزاه الله الخير بدفع تكاليف الطباعة والنشر 

  وقد قمت انا بعد ذلك بتاليف ونشر كتاب عن والدي بعنوان (الشيخ محمد جميل العقاد سيره و مواقف )سردت فيه سيرة حياته و بعضا من مواقف حياته ثم عرضت نماذج من شعره.

  كان رحمه الله يرغب في ستينيات القرن الماضي في تجميع افراد اسرة العقاد عن طريق دعوتهم لاجتماع في كل يوم جمعة في منزل فرد من افراد الاسره يتخلله موعظة قصيرة ثم تداول في شؤون الاسرة وقد قام السيد محمد العقاد ( ابو جلال وهو خالي من الرضاعة كونه ابن خالة لامي ) قام بفتح سجل ضخم لجميع افراد الاسره فسجل فيها الكثير الكثير من افراد الاسره الا ان وفاة والدي عام 1968 ومخلفات حرب عام 1967 حالت دون اكمال المشروع وقد احتفظ السيد ايمن ابن المهندس منير عقاد رحمه الله بهذا السجل عنده.

  كانت له نظرة ثاقبة بشأن النفط ففي عام ١٩٣٦نظم قصيدة قال فيها

فالنفط في اوطانكم هو روحهم. صونوه قسراً عن حماهم يصغروا

يأتوكم متواضعين. اذلة يرجون عطفاً منكم ان تنطروا

كما كانت عين ثاقبة اخرى بشأن فلسطين ففي عام. ١٩٣٧ قال في قصيدة له

اني ارى خطراً يحيق بقدسنا حتم علينا في الحياة. جهاد

غيثوا فلسطينا. تمادى خصمها وطغى وجار كل ذاك عناد

لاتخذلوهم انهم انصارنا. صانوا البراق. بفعلهم واشادوا

وقال في قصيدة اخرى عن فلسطين

  جزء سوريا. الجنوبي. غير هذا الاسم. كذب

ثم يدعو للجهاد في سبيل انقاذها

  واكرعوا الموت. هنيئاً. فهو للاحرار نخب 

كان رحمه الله يدعى بالمدرسة السياره فحيثما حل يعظ

  ففي الافراح يعظ ويوجه وفي الاحزان يعظ ويخفف المصاب وفي السيارة العامة يوجه لتجنب الاخطاء وفي الاسواق يعظ ويجيب على تساؤلات المستفسرين.

  ويوم وفاته خرجت حلب كلهافي تشييعه الى مثواه الاخير في مقبرة الصالحين بحلب فقد غصت ساحة الجامع الاموي الكبير بحلب وحرمه واروقته والشوارع الموصلة له بالمشيعين الذين امتد رتلهم من الجامع الكبير الى مقبرة الصالحين سيراً على الاقدام.

ساذكر الان كرامة له رحمه الله تعالى

  عند وفاته ذهبت انا الى مكتب دفن الموتى لاعلمهم بوفاته وطلبت من الموظف المسؤول ان يهتم بجنازته ويرسل افضل الاشياء فقال لي هل اسمع توصيتك انت ام توصيته هو قلت ومن هو قال لقد جاءني والدك قبل ايام وقال لي يا بني انا متوفىً بعد ايام واولادي لازالو صغارً ولايعرفون بامور الجنازة فاهتم بجنازتي وارسل لي الافضل

رحم الله والدي الشيخ محمد جميل العقاد واسكنه فسيح جناته وحشرنا معه تحت لواء سيد المرسلين 

في الختام لنهدي رسول الله ووالدي تلاوة سورة الفاتحه

رابطة أدباء الشام : وسوم: العدد 694

‏رجال في ذاكرتي 

علماء - أدباء - دعاة 

الشيخ محمد جميل العقاد 

بقلم: يحيى حاج يحيى / رابطة أدباء الشام 

   أن تركب حافلة من حافلات النقل الداخلي المكتظة في حلب، في الستينيات من القرن المنصرم ، وليس في ذهنك ما يشغلك سوى كيفية النزول والخلاص من مزاحمة الآخرين ، فهذا أمر يتكرر معنا نحن طلاب الجامعة القادمين إليها من أحياء بعيدة ، ليفاجئك صوت رجل يتحدث بصوت مسموع ولغة تجمع ما بين العامية الفصيحة والفصحى الصريحة فيصغي إليه الناس ويستحسنون كلامه ، ويشكره بعضهم ، وقد نبههم إلى قضايا اجتماعية يومية يسهل عليهم حلها ، ويعظهم بأسلوب يجمع بين الخوف والرجاء ! فتنزل عند المحطة التي تسعى إليها ، ويظل صاحب الصوت شاخصا في ذهنك ، وكلماته ترن في أذنيك ! ذلك هو الشيخ جميل العقاد -رحمه الله - في قامته المديدة ‏ وأناقته المعهودة ولهجته التي يخالطها كثير من العامية المصرية دون تكلف ! كان رحمه الله من الدعاة القلائل الذين يفعلون ذلك فلم أكن أذكر أن له مسجدا مختصا به كما كان لبعض الشيوخ يقصدهاالناس والمريدون ! وقد أشار محقق ديوانه الأستاذ محمد عدنان كاتبي إلى أنه ( كان يشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم ليجعل من هذه المحافل والمجالس ‏ندوة لتصحيح العقائد والأعمال ويستغل كل الأوقات والأمكنة والطرق والساحات العامة والحفلات ومكاتب الحكومة و باحات المدارس ، وفي كل مكان يستغل ظرفا من الظروف أو تصرفا قام به أحد الحضور ليجعل المكان منبرا يدعو فيه إلى الله ويبين السلوك السوي الذي يجب على الإنسان المسلم اتباعه !) 

  ولا زلت أذكر درسه في جامع الصديق ‏في محلة الجميلية بحلب إذ كان يأتي ومعه قارئ أعمى فيقرأ بصوته الجميل آيات وينطلق الشيخ على سجيته مراعيا مستويات الحضور بتوجيهات نافعة ، ثم يقرأ شيئا من شعره لمناسبة من المناسبات ويوزع على الحاضرين بعض قصائده وكنت قد احتفظت بها زمنا طويلا إذ راقت لي بموضوعاتها ومعانيها وصياغتها السهلة ومواكبتها للأحداث !وكان بعضها لخفته وسهولته مناسبا للإنشاد يترنم به اللسان دون تكلف او إجهاد : 

صلوا على من جاءنا بالحق يظهر ديننا 

وأزال داجيةالخنا وبه الوجود تزينا

هو أحمد نور الهدى ذو المعجزات على المدى 

الله شرف قدره فينا وأعلى فكره 

  صلوا عليه وسلموا في الخلد حتى تكرموا وأما خطبته في يوم الجمعة فكنت أتقصدها في جامع السبيل إذ كان كثيرا ما يخطب فيه فإذا صعدالمنبر ملأه بقامته الفارعة !فترى أمامك شيخا مهيبا يخطب بقوة وثقة بصوت جهوري يشد إليه الحاضرين !وكان من عادة الذين يعرفونه سابقا أنهم لايكادون يغفلون عن متابعته ! فقد يفاجئهم ويشير بإصبعه قائلا بلهجة مصرية : إنتَ ياللي هناك أعد الحديث ! وقد ذكر من عرفه أو ترجم له أنه كان يقوم بجولة في المدن والقرى القريبة من حلب والبعيدة عنها كما كان يفعل ذلك في أثناء دراسته في مصر ! وقد لقبه بعضهم بالمدرسة السيارة ‏، ومما ذكره جامع ديوانه الأ ستاذ الكاتبي وهو يتحدث عن عزته وإبائه وصيانة نفسه قصة لا ينبغي أن تُتجاوز وفيها رد على من يستأكلون بالدين ،ورد كذلك على من يتطاول على أهل العلم ويتهمهم بذلك !؟ ففي زيارته لمكة المكرمة وفي الحرم الشريف وفي أثناء تدريسه في إحدى الحلقات ‏قام رجل وبدأ يجمع المال من الحضور فأمره الشيخ بالجلوس فقال يا سيدي إنما أجمع المال لك !؟ فغضب الشيخ وأخرج محفظة نقوده وجعل ينثر ما فيها على الحضور قائلا : نحن جئنا إلى هنا لنعطي لا لنأخذ ! فعجب الحاضرون من سرعة بديهته وعزة نفسه !‏

  ولو أن أبا الحسن الجرجاني كان حيا ورأى أمثال الشيخ العقاد لسره ذلك وتردد في أن يقول : 

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما 

  ولكن أهانوه فهان ولوثوا محياه بالأطماع حتى تجهما 

وعندما أهدى إلي نجله المهندس سداد ديوان أبيه تاقت نفسي إلى تلك الأيام الغابرة وأنا أقرأ فيه بعض ما كنت سمعته من الشيخ قبل سنين طويلة ، وقد سرني أن الصديق والأخ الدكتور عصام قصبجي -رحمه الله - راجعه وضبط عروضه -فجزاه الله خيرا -وأحسن إلى جامعه ومحققه ! ورحم الله الشيخ العقاد فقد عقد في قلوب من عرفوه ‏وأفادوا من علمه ومنهجه في الدعوة إلى الله عقدة لا تفكها الأيام ولا يحلها النسيان !!

مصادر الترجمة:

١_ رابطة أدباء الشام.

٢_ رابطة العلماء السوريين.

٣_ مقدمة ديوان الشيخ العقاد: بقلم عدنان كاتبي

٤_ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1043