السيدة الداعية الدكتورة سعاد الفاتح البدوي

sdgfg1049.png

(1932 - 2022م)

   هي السيدة الداعية الدكتورة سعاد الفاتح محمد البدوي سياسية، وقيادية في الحركة الإسلامية بالسودان، وإحدى أبرز قيادات الحركة النسائية الإسلامية في العالم، وهي أكاديمية وسياسية سودانية، وصلت درجة بروفيسور، وصاحبة جهود بارزة في الدعوة الإسلامية، ومهتمة بالأدب والمسرح، ومن معجبي ويليام شكسبير، وابن الرومي، وبشار بن برد وغيرهم من الشعراء.

   اشتهرت بفضل نشاطِها الكبير في مجال الدفاع والدعوة إلى حقوق المرأة كما زادت شهرتها في العالم العربي والإسلامي بالخصوص بسبب دعمها الكبير واللامتناهي للحركة الإسلامية في السودان وفي العالم.

   وفي فترة كان تعليم البنات فيها محظوراً، حظيت بفرصة التتلمذ للعلامة عبد الله الطيب في جامعة الخرطوم، وتخرجت فيها، وأصبحت عميدة لكلية في الجامعة ذاتها.

المولد، والنشأة:

   ولدت سعاد الفاتح محمد البدوي بمدينة الأبيض عاصمة إقليم كردفان، في الأول من سبتمبر/أيلول 1932، ونشأت في أسرة متدينة.

   وكان جدها لأبيها عالم دين إسلامي بارز في أم درمان، وبسبب ترقي والدها في المناصب العليا (مفوض منطقة) ضمن الإدارة الإنجليزية أثناء الحكم الإنجليزي المصري للسودان، واستمر في نفس المنصب بعد الاستقلال في عام 1956م، وبسبب انفتاحه على الأفكار الداعمة لتمكين النساء وحق الفتيات في التعليم.

وبسبب طبيعة عمل والدها؛ عاشت البدوي في عدد من المدن المختلفة مثل الأطفال حيث أمضت فترات متفاوتة الطول في كل من الأبيض -المدينة الأم- البربر، عطبرة ثم العاصمة الخرطوم وأم درمان.

الدراسة، والتكوين:

درست مراحل التعليم المختلفة، وتسنى لها إكمال دراستها الثانوية.

ثم التحقت بجامعة الخرطوم، حيث نالت درجة البكالوريوس في الآداب عام 1956م.

عملت مُدرِّسة في المدرسة الثانوية لفترة، وسافرت بعدها إلى إنجلترا عام 1958 لمواصلة الدراسات العليا، وهناك نالت درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن عام 1961م.

   ثم عادت إلى جامعة الخرطوم لإكمال رسالتها في الدكتوراه بعنوان "رسائل وإنذارات الإمام المهدي" تحت إشراف العلامة ذائع الصيت وصديق أسرتها عبد الله الطيب، وحصلت على الدكتوراه عام 1974م.

الوظائف، والمسؤوليات:

   وعينت بعد عودتها من لندن إلى السودان رئيسة قسم التاريخ بمعهد المعلمات عام 1962، ثم صارت مفتشة بوزارة التربية والتعليم في الخرطوم.

ثم غادرت السودان إلى الخليج للعمل في السعودية عام 1969 في منصب مستشارة لتعليم البنات لدى اليونسكو، وتشعبت مهامها هناك لتعمل عميدة لكلية البنات.

شاركت في إنشاء كلية التربية في الرياض، وشغلت منصب عميد الكلية لفترة وجيزة، كما شاركت في تحرير مجلة الكلية.

ثم ذهبت إلى الإمارات لتشغل منصب نائبة المستشار في جامعة العين.

وعادت بعد ذلك لتعمل أستاذة للغة العربية بجامعة أم درمان الإسلامية، في عام 1980م.

ثم رقيت عام 1983 إلى أستاذ كرسي (بروفيسورة)، وأصبحت عميدة كلية البنات، وبذلك تكون أول سودانية تصل إلى هذه الرتبة.

   في وقت مبكِر من عام 1990 حصلت د. سعاد الفاتح البدوي على ساباتيكال باعتبارها باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة إدنبرة في إسكتلندا.

انضمت البدوي للاتحاد النسائي السوداني لكنها تركت وأخريات من الفريق بسبب الصراعات الإيديولوجية.

التجربة السياسية:

نهاية أربعينيات القرن الماضي، كان التيار الإسلامي ينشط وسط الطلاب بجامعة الخرطوم، حيث شاركت البدوي في المجال السياسي منذ صغرها، حيث دعمت مختلف المجموعات النسائية من 1950 حتى 1960م.

وانضمت سعاد الفاتح لصفوف الإخوان المسلمين الذي كان يمثل الاتجاه الإسلامي الرئيسي في السودان عام 1952م.

   فكان لها ارتباط وثيق بالإسلام؛ لتكون بذلك من بين أوائل النساء المنتسبين لهذه الجماعة.

   مثّلت هذه السيدة دولة السودان في العديد من المحافل الدولية بما في ذلك مؤتمر المرأة العربية عام 1956 ثم مؤتمر المرأة في الاتحاد السوفياتي عام 1957.

وذاع اسم سعاد الفاتح خلال تداعيات الأحداث التي شهدها معهد المعلمين عام 1965؛ على إثر توجيه شاب منتم للحزب الشيوعي إهانات لبيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فتصدت له سعاد الفاتح، ومن حينها نشطت في تأجيج الاحتجاجات ضد الشيوعيين، حتى حُل الحزب، وطُرد أعضاؤه من البرلمان.

وخاضت غمار الحياة السياسية رائدة ضمن جيل التأسيس الأول، حتى قيام جبهة الميثاق الإسلامي التي تداركها انقلاب الرئيس الأسبق جعفر النميري في مايو/أيار 1969م.

   ورغم المحاولة، فلم تتمكن سعاد الفاتح من الوصول إلى قيادة التنظيم الإسلامي المطارد، في ظل ما يعرف في السودان بـ"الحكم المايوي" حتى المصالحة الوطنية عام 1977.

انضمت البدوي في وقت لاحق إلى الجبهة الإسلامية الوطنية، ولعبت دوراً كبيراً عام 1980 خلال سنّ الجبهة لبعض المصطلحات في الهيئة التشريعية الوطنية.

كما عملت أيضاً في برلمان عموم أفريقيا في عام 2004م.

ورغم سابقتها التي ظلت شديدة الاعتزاز بها، فإن سعاد الفاتح بقيت خارج المكتب التنفيذي السري للحركة الإسلامية، الذي كان يرأسه الشيخ حسن الترابي إلى 1982م، حين أجرى الترابي تعديلاً في الهيكل التنظيمي.

وأصبحت سعاد ضمن تشكيلات المكتب التنفيذي، الذي كان يباشر التدبير السياسي والتنظيمي للحركة، ويدير مشاركتها في الحكم ضمن نظام الرئيس جعفر النميري.

وفي أعقاب الانتفاضة الشعبية أبريل/نيسان 1985 التي أطاحت بالحكم المايوي، خاضت سعاد الفاتح الانتخابات النيابية العامة عام 1986 مرشحة عن الجبهة الإسلامية القومية ضمن دوائر الخريجين.

وكان ذلك الترشح وسط معارضة قوية من قطاعات واسعة في عضوية التنظيم، ظلت تجادل برأي فقهي يحجر على النساء الترشح أو تولي مسؤولية في الشأن العام.

وأوشك ذلك الانقسام بشأن ترشيحها أن يفقدها المقعد، لكنها فازت ودخلت الجمعية التأسيسية، لتمثل صوتاً عالياً ينادي بتطبيق الشريعة في السودان.

"عقدة الأتراب":

   لبضعة أشهر بعد استيلاء الحركة الإسلامية على الحكم بانقلاب عسكري يوم 30 يونيو/حزيران 1989، ظلت سعاد الفاتح غائبة عن المشهد، لكن ظهورها الأول خلال جلسات مؤتمر النظام السياسي للحركة ارتبط بحادثة صادمة.

وكان ذلك عندما منعت من دخول قاعة المؤتمر عقب دخول الرئيس فغادرت غاضبة، وخلال السنوات العشر الأولى من حكم نظام عمر البشير، انصرفت لتأسيس منظمة عالمية للنساء المسلمات.

لم تخلُ سعاد الفاتح من موجدة على الشيخ الترابي -حملها العديد من الرواد الذين رافقوه في تأسيس الحركة الإسلامية- وهي الحالة التي سمّاها القيادي الإسلامي المعروف أمين حسن عمر "الترابي وعقدة الأتراب".

وسارعت الفاتح لإعلان تأييدها القرارات التي اتخذها البشير ضد الترابي، في ما عرف بمفاصلة الإسلاميين بتجميد الأمانة العامة للمؤتمر الوطني ديسمبر/كانون الأول 1999.

وقالت -في تصريحات صحفية- حينها "إنّ هذه القرارات بمثابة الدواء المر الذي لجأ إليه البشير في النهاية، بعد استنفاد كل المحاولات وفشل مساعي رأب الصدع".

   ونشطت سعاد الفاتح -التي شغلت منصب مستشارة الرئيس لشؤون المرأة والطفل- بعدئذ ضمن هياكل سلطة الإنقاذ، وتقلدت عدة مناصب بين الجهاز التنفيذي والتشريعي عضوة بالبرلمان.

وعرفت بـ"حدتها وشجاعتها وصرامتها" البالغة في انتقاد الفساد، فكان وجودها في التجمعات الحزبية والحركية يدفع الجميع للتعامل معها بحذر.

الأم الوالدة والمربية:

وعن حياتها داخل البيت والأسرة، يقول نجلها حسن إبراهيم للجزيرة نت "إنها عمدت لتربية أبنائها على حب القراءة، لحد ربطها حصولهم على المصروف الأسبوعي بقراءة كتاب، يوافق ذلك ولعها الشديد بالعلم وتنوع الثقافات".

   كما أنها كانت تتمتع بروح ديمقراطية في التعامل، ولا ترفض الاختلاف، ومحبة للمسرح والشعر، ولها عشق خاص لشكسبير وابن الرومي، ومن شعرائها المفضلين بشار بن برد والإمام الشافعي، وكان مقرؤها المفضل الشيخ شعيشع.

ويروي إبراهيم كيف أن والدته كانت رؤوفا بأبنائها، فهو لا ينسى جلوسها عام 2013م على كرسي لنحو 6 أشهر على باب غرفة العناية المركزة بمستشفى حمد الدولي بالدوحة حين كان يعالج من وعكة ألمت به.

صداقات عالمية ورفض التطبيع:

يقول ابنها حسن -للجزيرة نت- إنها "خلقت صداقات حميمة في عديد من دول العالم، فكانت البداية في 1952 حين بعثت لتمثل السودان في مؤتمر أكاديمي أقامته جامعة القاهرة، وألقت كلمة كانت مدخلها لعالم السياسة".

كما التقت وقتها الرئيس المصري محمد نجيب، وربطتها كذلك علاقة صداقة بالرئيس الباكستاني الجنرال محمد ضياء الحق، وملك بلجيكا بودوان الأول الذي استضافها على مائدته التي خلت يومها من النبيذ لأول مرة، احتراما لها، حيث كانت تترد على بلجيكا مرارا بحكم حبها للمسرح.

ورافقت سعاد البدوي خلال فترة عملها باليونسكو الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والسياسي السوداني المعروف منصور خالد، كما يروي حسن مشاركتها في مؤتمر عن المرأة بالاتحاد السوفياتي عام 1957.

وأتيحت لها الفرصة للكتابة في صحيفة "برافدا"، فقبلها كانت دخلت بلاط الصحافة، حيث رأست تحرير مجلة المنار عقب الاستقلال عام 1956، وكتبت فيها عن الترافع بشأن حقوق المرأة وقيم المجتمع المسلم.

وكان لها جهد كبير في إصدار قرار -هو الأول من نوعه- بمساواة النساء والرجال في الأجور، ثم إنها كانت وفية وصارمة تجاه القضية الفلسطينية، حسبما يروي حسن حتى إن فلسطينيين سموها "أم فلسطين في السودان"، ويضيف "ربتنا على رفض التطبيع مع إسرائيل".

دورها الرائد في الصحافة الإسلامية:

   ثم أصبحت في عام 1956م أول رئيسة تحرير في مجلة المنار، وهي مجلة شهرية تصدر عن مكتب المرأة في جماعة الإخوان المسلمين.

   قادت في السنة التالية وفداً من الإناث الصحفيات السودانيات إلى فرنسا والمملكة المتحدة، ثم استمرت في الدعوة والدفاع عن حقوق المرأة بالتزامن مع تحرير المقالات حتى عام 1964م عندما بلغت مجلة المنار أوج عطائها، وتُؤكد الكثير من المصادر على أن المجلة قد أثّرت بشكل كبير على الناخبات في الانتخابات العامة عام 1965م.

في السنوات اللاحقة باتت د. سعاد البدوي منتجة في الإذاعة والتلفزيون كما عملت على كتابة عشرات المقالات، والقصص في مختلف الصحف السودانية، ولو جمعت مقالاتها ومحاضراتها لبلغت 10 مجلدات.

الوفاة:

   وفي يوم الجمعة 23 ديسمبر/كانون الأول 2022م، توفيت السيدة الداعية سعاد الفاتح محمد البدوي، القيادية الأبرز بالحركة الإسلامية في السودان، عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد صراع مع المرض.

أصداء الرحيل:

   وكتب الأستاذ محمد أبو زيد كروم يقول في نعيها: رحم الله البروفيسور سعاد الفاتح البدوي السيدة الفاضلة العاملة المجاهدة .. لم تكن رحلة حياتها من صباها وحتى آخر لحظة إلا عمل وأمل وكفاح .. لم تكن تعمل لنفسها أو لأسرتها .. كانت تحمل هموم الفقراء والأرامل والمحتاجين.. كانت مهمومة بتمكين المرأة ورفعتها.. كيف لا وهي من أوائل النساء اللائي تخرجن في جامعة الخرطوم .. ومن الأوائل اللائي حصلن على درجة الأستاذية ومن اوائل البرلمانيات .. كيف لا وهي أم أفريقيا..

   جمعتي بالراحلة الكبيرة علاقة طيبة وممتدة وكنت شاهداً على كثير من نشاطات منظمتها التي بنتها ورعتها خدمة للشرائح البسيطة .. ورأيت بعيني كيف هي مهمومة بهم الآخرين.. عرفت عن قرب كيف أنها هي امرأة لا ترتاح امرأة عاملة حتى آخر لحظة وشعارها في الدنيا (قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين) لم تكن سعاد من الراغبات في المظاهر، ولم تبحث عن الشكر أو الشوفونية في حياتها العامرة والباذخة.. ولم تكن تبحث إلا عن رضى الله .. هاتفتها قبل أشهر .. وجدتها بذات الحماس المعروف عنها لم يكسرها عامل المرض أو السن .. قالت لي اني مريضة .. وسرعان من بدأت تحدثني عن مشاريعها القادمة وطلبت مني بعض الأشياء لتنفيذها.. اتفقنا على لقاء بعد تماثلها للشفاء .. ولم يكن ذلك إلا اليوم في مقابر البكري في وداعها المر والفاجع.. لقد اطفأت امدرمان انوارها وأعلنت الحداد على سيدة النساء.. كل مكان في أمدرمان يحكي قصة عن سعاد .. البرلمان .. مجلس الولايات.. منظمة معين .. حي الأمراء حيث ميلادها ومسكنها.. كل مكان يحدثنا عنها .. فقدنا سيدة لا تعوض ولا تتكرر، ولكنها سنة الحياة، وهو الموت الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل الجدال.. اللهم ارحم سعاد بقدر ما قدمت وبرحمتك التي لا تحدها حدود ..

اللهم أسكنها فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

المصادر:

1- موقع الجزيرة نت.

2- الموسوعة التاريخية الحرة.

3- قناة السودان الحرة.

4- موقع أخبار السودان.

5- موقع الرائد نت.

6- مواقع إلكترونية.

وسوم: العدد 1049