الأديب الداعية الدكتور مصطفى محمد الشكعة

dgdfdf10491.png

(أغسطس 1917 ـ 20 أبريل 2011م)

   هو الأديب الداعية المفكر، والأستاذ الجامعي المصري، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والعميد الأسبق لكلية الآداب في جامعة عين شمس، ورئيس لجنة التعريف بالإسلام بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية، وعضو لجنة الحوار الإسلامي المسيحي بالأزهر الشريف.

ويعدّ احد من أبرز أساتذة الأدب العربي ذوي الاتصال الوثيق بالثقافة الإسلامية وبالنهضة الإسلامية المعاصرة وبعلوم الإسلام المرتبطة بالأدب واللغة، ولهذا فقد كان هو أبرز أساتذة الأدب العربي في جيله اتصالاً بالأزهر والأوقاف، وكان من خيرة أعوان الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على الحق المولود معه في العام نفسه.

مولده، ونشأته:

   وُلد مصطفى محمد الشكعة في محافظة الغربية في مصر في أغسطس 1917م، ونشأ في قرية محلة مرحوم المجاورة لمدينة طنطا بمحافظة الغربية، حيث كان والده من علماء المسلمين، كما كانت أمه من بيتٍ عُرف بالعلم والمعرفة، وكان خاله الشيخ أحمد صلاح نائبًا للمحكمة الشرعية العليا، وهو والد السفير الشهيد جمال الدين صلاح، الذي اغتيل في الصومال .

ولمَّا تُوفي والده لم يكن هناك حاجةٌ للبقاء هناك، فانتقل في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين للإقامة مع أخيه الأكبر الذي كان يعمل موظفًا في القاهرة، وكان هذا الأخ عضوًا في جمعية الشبان المسلمين، إلا أنه سرعان ما انتقل إلى الإخوان المسلمين، وبالتالي انتقل معه الشاب مصطفى إلى الإخوان.

الدراسة، والتكوين:

   تعلَّم مصطفى الشكعة في مدارس بلدته الابتدائية وجانب من الدراسة الثانوية.

ثم انتقل إلى القاهرة، فحصل مصطفى الشكعة على درجة الليسانس في الآداب من جامعة القاهرة سنة 1944م. في الوقت الذي تخرج معه فيها زميله الدكتور يوسف خليف، وكان أول خريج كلية الآداب في قريته.

وكان الدكتور مصطفى الشكعة طالبًا في كلية الآداب يتلقى العلم على كثير من هؤلاء المستشرقين، وعلى الدكتور طه حسين، لكن كان مصطفى الشكعة يُعارض كل رأي لا يرضاه؛ ولذلك فإنه تصدى لبعض الآراء التي كان الدكتور طه حسين يلقيها في محاضراته، منها موقفه من مصطفى صادق الرافعي في ذلك الوقت.

ثم حصل على شهادة الماجستير في الآداب سنة 1951م.

ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الآداب عام 1954 من نفس الجامعة.

أساتذته:

تلقى العلم على أساتذة كبار، وفي مقدمتهم:

-عبد الوهاب عزام، وأحمد أمين, وطه حسين، وأمين الخولي, ومصطفى السقا، وإبراهيم سلامه، وشوقي ضيف".

الوظائف، والمسؤوليات:

   بدأ حياته العملية مدرسًا بالتعليم الثانوي في الفترة بين عامي 1944 و 1949م.

وفي 1948 شارك في الدعم الذي قدمه الإخوان المسلمون لثورة ابن الوزير في اليمن، وتولى إدارة إذاعة الثورة، وأعيد مع من أعيدوا بعد فشل تلك الثورة.

وفي تلك الفترة كان معلمًا في كلية المعلمين؛ ونشأت بينه وبين الإمام عبد الله بن الوزير صلة، فاستدعاه إلى مكتبه مع زملائه المصريين، وأصدر قرارًا بتعيينه مديرًا للإذاعة، ثم أضيف إليها الدعاية، ثم أضيف إليها وظيفة أمين عام لمجلس الوزراء، ثم وظيفة مدير مكتب الإمام؛ فإذ به وهو في العشرينات من عمره، وجد نفسه بحكم اليمن، فكل شيء يُضاف عليه.

ثم صار رئيس وحدة اجتماعية وخبيرًا بالتخطيط الاجتماعي بين عامي 1949 و 1956 م.

إلى أن التحق بالتدريس بالجامعة سنة 1956م ليعمل مدرسًا بكلية آداب جامعة عين شمس.

ثم شغل فيما بعد منصب العميد بكلية الآداب في جامعة عين شمس. وانتدب للعمل مستشارًا ثقافيًا بواشنطن بين عامي 1960 و1965م.

ولا يزال المبتعثون في هذه الفترة يذكرون له عنايته الدائبة وحدبه بهم، وعلى سبيل المثال فإن الدكتور سمير سرحان يروي أنه أصطحبه في أول أيامه، واشترى له بلوفر جميلاً على نفقته، مما جعل الدكتور سمير سرحان يشعر بالأبوة الدافقة التي لم تكن متاحة في ذلك العصر.

- ثم صار أستاذاً مساعداً، ثم أستاذاً، ثم رئيس قسم اللغة العربية (١٩٦٤ ـ ١٩٧٦).

وبعدها أُعير أستاذاً للتدريس بقسم اللغة العربية بجامعة بيروت العربية (1970- 1974م).

وفي تلك الفترة أتيح له أن ينشر أعماله العلمية الجميلة المنظمة الهادفة إلى التعريف والتعليم والنقد والإحاطة، وقد ساعدته صناعة النشر في بيروت على إخراج كتبه في أفضل صورة متاحة في جيله لأساتذة التاريخ الأدبي والحضاري.

- ثم صار عميد كلية الآداب، جامعة عين شمس، عام ١٩٧٦. فكانت فترة عمادته من فتراتها الذهبية.

- وأصبح أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم درمان (١٩٧٩ ـ ١٩٨١).

- كما شغل منصب عميد كلية بجامعة الإمارات العربية المتحدة (١٩٨٢ـ ١٩٨٣م).

الهيئات التي ينتمى إليها:

انتمى مصطفى الشكعة إلى عدة هيئات، نذكر منها:

- اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة المساعدين بأقسام اللغة العربية بالجامعات المصرية حتى عام ١٩٨٣.

- اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بكليات اللغة العربية بجامعة الأزهر.

- الجمعية التاريخية المصرية.

- اتحاد المؤرخين العرب.

- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

المؤتمرات التي شارك فيها:

شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية والدينية والتاريخية، مثل:

- المؤتمر السنوي لتدريس اللغة العربية بجامعات الولايات المتحدة الأمريكية (١٩٦١ ـ ١٩٦٤).

- ندوة ألفية القاهرة (مارس ١٩٦٨).

- ندوة الإمام السيوطي بالجمعية التاريخية المصرية، عام ١٩٦٩.

- المؤتمر الأول لتاريخ إسبانيا بجامعة قرطبة، عام ١٩٧٦.

- مؤتمر المستشرقين الألمان بجامعة أرلنجن وجامعة برلين عامي ١٩٧٧، ١٩٨٠م.

- مؤتمر ألفية الأزهر الشريف (مارس ١٩٨٣).

من مؤلفاته:

ترك العديد من الكتب والمؤلفات النافعة، وهي:

1-إسلام بلا مذاهب: هو أبرز كتبه على الإطلاق، وهو عمل موسوعي يعرض لنشأة الفرق الإسلامية متتبعاً حركتها وتطورها، وداعياً إلى إسلام بلا مذاهب يقرب ولا يباعد، وإلى توحيد كلمة المسلمين وجمع شملهم.

2-فنون الشعر في مجتمع الحمدانيين

3-بديع الزمان الهمذاني رائد القصة العربية والمقالة الصحفية.

4-أبو الطيب المتنبِّي في مصر والعراق.

5-معالم الحضارة الإسلامية: لا يقل أهمية عن كتاب "إسلام بلا مذاهب" وهو كتاب قيم في تاريخ وفلسفة العلوم وتجلياتها الحضارية.

6-الإمام الشافعي.

7-الإمام أحمد بن حنبل.

8-مقالات في الدراسات الإسلامية (بالإنجليزية)

9- التربية والتعليم في العالم العربي (بالإنجليزية).

10-البيان المحمدي: ولما بلغ الدكتور مصطفى الشكعة مرحلة النضج ألف كتابه الأعظم عن بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان المظنون أن ينال هذا الكتاب جائزة من الجوائز العربية العديدة التي انتشرت وتوازت في ذلك العصر، بيد أن الرجل كان أكبر من الجوائز.

الجوائز التي حصل عليها:

أتت مكانة الدكتور مصطفى الشكعة في الفضاء الثقافي العام متوازنة مع مكانته الأكاديمية، وربما كانت سابقة عليها بحكم انفتاحه المتصل على المجتمع والثقافة..

حيث حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الرابعة سنة 1959.

ثم حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية سنة 1977.

وأخيراً حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب (مصر) سنة 1989. ومما يدل على نبله أنه قبل الجائزة، صرح بقوله إنه يتمنى أن يفوز الدكتور مصطفى محمود بالجائزة حتى لو جاء فوز الدكتور مصطفى محمود على حساب فوزه هو نفسه، ومن الطريف أن الدكتور مصطفى الشكعة فاز بالجائزة 1989، وأن الدكتور مصطفى محمود فاز بالجائزة عام 1995م.

أخلاقه، وصفاته:

كان الدكتور مصطفى الشكعة يفيض صلاحاً ورقة وأدباً وخلقاً رفيعاً وتسامياً عن كل شيء، وكان وفياً لأصدائه يشاركهم في الفرح والحزن، كما كان وفياً لزوجته حتى بعد الموت يزور قبرها في مقابر العامود، وكأنه ذاهب للقاء حي لا لزيارة ميت.

   ويُذكر للدكتور مصطفى الشكعة فضل إدخاله تدريس اللغة العربية في كثير من الجامعات الأمريكية -أثناء إقامته في الولايات المتحدة- والإسهام في تطوير الجامعات المصرية منذ سنـة 1959م، ومراجعة مقررات اللغة العربية، والتربية الإسلامية في مدارس دولة الإمارات العربية المتحدة، وكتابة بعض المواد العلمية في دوائر المعارف الإسلامية.

علاقته بأهل العلم والأدب من معاصريه:

يقول رحمه الله: كان أساتذتي على قدر كبير من العلم، ولقد كان لكل طالب منا أستاذ مفضل، وقد كان لجميع أساتذتي أفضالٌ عليّ، ولكن أستاذي الذي نال القدر الأكبر من احترامي وتقديري هو الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام (أستاذ أساتذة الآداب العربية والإسلامية)، من فارسية وتركية وأردية، والذي كانت علاقتي به علاقة حميمة، حيث كنت أذهب في نهاية كل أسبوع لأقضي في بيته الأمسية الأخيرة من كل أسبوع، وأتلقَّى علمه وعطفه ومحبة شباب أسرة عزام، وقد كتبت عنهم في مقدمة كتاب ظهر مرتين أخيرًا فيما يسمى بمكتبة الأسرة، جاء تحت عنوان: "عبد الوهاب عزام.. أديبًا وأستاذًا".

علاقته بالأديب طه حسين:

   يقول الدكتور مصطفى الشكعة: وفي أثناء تلمذتي بكلية الآداب، جلست إلى كثير من الأساتذة الكبار ذوي الشهرة في عالمنا العربي، وفي مقدمتهم الدكتور عبد الوهاب عزام، الذي أعتبره شيخي، ومنهم بطبيعة الحال الدكتور طه حسين، الذي درَّس لدفعتي أربع سنوات متواصلة، ومنهم الأستاذ أحمد أمين، صاحب "فجر الإسلام"، و"ضحى الإسلام"، والأستاذ أمين الخولي، الذي كان يدرِّس لنا علوم القرآن، وكان الأستاذ الوحيد الذي يتزيَّا بالزي الأزهري، والأستاذ مصطفى السقا، والأستاذ الدكتور شوقي ضيف، وأستاذ التاريخ الإسلامي الكبير عبد الحميد العبادي، الذي صار أول عميد لكلية الآداب بجامعة الأسكندرية منذ بَدْء نشأتها، وكوكبة من الأساتذة، خرَّجت عددًا كبيرًا من أساتذة الجامعات، بخاصة كليات الآداب المعاصرين .

   أما عن لقائي بالدكتور طه حسين، فقد فوجئت أنا وزملائي من طلاب السنة الأولى بالدكتور طه حسين يقوم بتدريس الأدب العربي لنا, وكان معروفًا عنه أنه لا يدرِّس إلا لطلاب السنتين الثالثة والرابعة، وقد جرى تحوُّلُه إلى طلاب السنتين الأولى والثانية مع دفعتي. وكان طه حسين يدرّس لنا الأدب العربي الحديث والنقد الأدبي .

وأتذكر أنه عندما تحدث طه حسين عن مصطفى صادق الرافعي، وكان قد مضى على وفاة الرافعي سنواتٌ ثلاث، شعرنا -نحن التلامذةَ- أنه لم يقدِّم الرافعيَّ بالحجم الذي كان يمثِّله في عصره، فانتظرنا حتى انتهى درس الرافعي، حيث قال الدكتور طه حسين: "وإلى اللقاء في الأسبوع القادم مع أديب آخر"، وانصرف إلى غرفته، حيث تهامَسْنَا جميعًا بأن طه حسين لم يعطِ الرافعي حقَّه بما يتمشَّى مع خدمته للأدبيْن؛ العربي والإسلامي، في عهده.

واتفقنا ـ وكنَّا نحوَ 13 طالبًا ـ أن نذهب إلى طه حسين في غرفته، فقمنا بذلك بالفعل، وسمح لنا بالدخول، وبادرَنا بالسؤال: لماذا جئتم؟ وماذا تطلبون؟ قلت له: أنَابَنِي إخواني في أن أقول: إننا نعرف الكثير عن الرافعي في نشأتنا في بيوتنا، لأننا من أبناء المشايخ، ولقد كنا نتوقع أن نسمع أكثر مما سمعناه في تناولك للرافعي، فكان ردُّه: إنكم شباب متسرعون، ولو انتظرتم إلى الأسبوع القادم لسمعتم بقية حديثي عن الرافعي, فانصرفنا وقد انتصرنا، لأنه سوف يعاود الحديث عن الرافعي بعد أن كان قد قرر أنه أنهى حديثه عنه. وظلت لي مواقفُ متعددةٌ في تلك السنة, والسنوات التالية مع طه حسين، وكان لا يقاطعه أحد إلا الشخص الضعيف، لأنها مقاطعة مهذبة تعرّف الرجل قدره .

ولقد استمرت صلتي بالدكتور طه حسين حتى بعد تخرجي والتحاقي بعضوية هيئة التدريس بالجامعة، حيث كان يُحسن استقبالي في بيته في شارع الهرم, كما كنت أشعر بعطفٍ وأبوَّةٍ صادقة, كما لمست في أحاديثي معه أنه قد عاد إلى رحاب العقيدة الإسلامية السمحة؛ حيث كان بين الحين والحين يقول: "ومن فضل الله عليَّ كذا وكذا "، بل إنه كان يُكثر من هذه العبارة، ولذلك فإنني أعتقد أنه قد توفي على قدر سليم من العقيدة، التي تمرد عليها في فترة من شبابه، حينما كتب كتابه الذي صودر بعنوان: "في الشعر الجاهلي"، والذي أعاد كتابته بعد حذف المآخذ التي تضمنها، وأسماه اسمًا آخر، وهو "الأدب الجاهلي".

علاقته بالرافعي:

   يقول رحمه الله: لقد كان الرافعي من المدينة التي أنتمي إليها، وهي مدينة "طنطا"، ولقد عاش الرافعي حياته في طنطا موظفًا في المحاكم، حيث نال شهرةً كبيرةً، وقد شاهدته وأنا طفل أخرج من المدرسة بعد الظهر، حيث كان يجلس على مقهًى في شارع "التُّرعة" في مدينة طنطا، وكان زملائي الكبار حينما نمرُّ أمامه، يشيرون إليه, ويقولون، الرافعي الكاتب, وكنت أفهم من هذه أنه الكاتب في المحكمة، إلى أن عرفت قيمة الرافعي، حيث كنت أقرأ على أبي وأصدقائي بعضًا من القيم الموجودة في كتب الرافعي.

وحينما شبَّ التوق عندي، وبدأت مؤلفاتي، كان الرافعي من بواكيرها، وظهر باسم: "مصطفى صادق الرافعي كاتبًا عربيًّا ومفكرًا إسلاميًّا"، حيث طُبع الكتاب مراتٍ عديدةً، كما أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية حينما أراد أن يُصدِر بين إصداراته الكثيرة كتاب "إعجاز القرآن" للرافعي، عهد إليَّ أن أكتب مقدمة لهذا الكتاب، لكي تكون مدخلًا يسهِّل على القارئ فهم لغة الرافعي وعمق فكره، لأن هذا الكتاب يتسم بالعمق، ولقد كتبت المقدمة بالفعل، وهي في حوالي 80 صفحة، حيث فوجئت بالمقدمة وحدها يُصدرِها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ككتاب مستقل في إحدى سلسلاته، وقد نفدَت الطبعة الأولى من هذا الكتاب قبل صدوره، ولعلهم يُصدِرون طبعة أخرى منه .

علاقته بالعقاد:

يقول رحمه الله: لقد عرفت العقاد؛ تلك الشخصية الخصبة المعطاءة الموسوعية، وكنت ألتقي به في مكتبة الأنجلو، حيث كنا نجلس سويًّا نتسامر، وكنت أجلس منه مجلسَ التلميذ من الأستاذ. فالعقاد، على خلاف ما يرى كثيرٌ من الناس، كان شخصيةً مهذبةً مؤنِسة.. أيُّ حديث معه يمكن أن يُكتب مقالًا، لذلك كان العقاد مكثرًا في مقالاته إكثارَه في كتبه.

كما أن العقاد يُعَدُّ من القلائل الذين هضمت الدولة حقهم. وإن كان تمثاله، والميدان الذي يحمل اسمه في أسوان، يمثِّل نوعًا أو جزءًا من العزاء. وستعرف الأجيال القادمة الأكثر عن العقاد مما يعرفه أبناء العهد الذي نعاصره .

مصطفى الشكعة، وجماعة الإخوان المسلمين:

ويتذكر الشكعة بداية التحاقه بالإخوان حين كان مقر الجمعية عبارةً عن غرفة في إحدى الشقق السكنية في حارة عبد الله بك في (اليكنية)، وهو الحي العريق المتواضع الملاصق لنهاية شارع محمد علي، وكان يسكن في نفس الحي في بيت مستقل الإمام البنا، ومعه والداه وإخوته، وفيه كان الإمام يعقد اجتماعات لمريدي الإخوان، وفي إحدى هذه الاجتماعات عرض أن يتطوع أحد الأعضاء بالبحث عن مقر جديد للدعوة على أن يكون مقرًّا واسعًا .

وحول هذا الموقف الطريف يقول الشكعة: "بالفعل استجبت لدعوة الأستاذ المرشد، وبدأت أبحث عن شقة مناسبة، ووجدتها في شارع الناصرية، وهو امتداد شارع عماد الدين، وكان المكان عبارة عن شقة لا تقل غرفها عن أربعة، تطل على حديقة صغيرة، وتحدثت مع صاحب الشقة، وكان اسمه (مدكور)، وكان رجلاً جسيمًا يجلس على كرسي في الشارع أمام المنزل، فقلت له نريد تأجير الشقة لجمعية الإخوان، فذكر أن إيجارها 125 قرشًا شهريًا، فوافقت، وطلبت منه أن نحرِّر العقد، فضحك قائلاً: أرسِل من هو أكبر منك، فذهبت للأستاذ البنا، ورويت له ما حدث فابتسم، وأرسل معي أحد الإخوان الأكبر مني سنًا، وهو المرحوم (حمدي الجريسي)، وذهبنا للشقة، وحررنا العقد، وانتقل مقرُّ الإخوان إليها".

ويضيف: "قام الإخوان بعد الانتقال إلى المقر الجديد بإعداد الحديقة لتصبح مكانًا لإلقاء المحاضرات وعقد الاجتماعات، وكان الأستاذ البنا يشجِّع الشباب على العمل في أنشطة الدعوة، ويوليهم اهتمامًا خاصًا، وكان يكلفني بأن أقدم بعض العلماء الذين يلقون المحاضرات رغم شهرتهم الفائقة وسني الصغير، وكان من هؤلاء الأستاذ مظهر سعيد، والشيخ مصطفى عبد الرازق الذي كان أستاذًا بكلية الآداب ورئيسًا للجمعية الخيرية الإسلامية التي أسهمت في تسديد نفقات دراستي؛ لأن الوالد تركنا في حالة مرتبكة ماديًا، كما قدمت أيضًا محاضرات للأستاذ عمر التلمساني الذي كان على جانب كبير من الأناقة، وكانت الوردة الحمراء لا تغادر جيب سترته.

ويقول الشكعة عن علاقته بالإمام الشهيد حسن البنا: لقد عرفت الأستاذ البنا عندما كنت طالبًا، ومهما تكاثرت الآراء فيه، فإنه يظل مَعْلمًا من معالم الشخصيات الإسلامية التي أدت إلى الإسلام خدماتٍ جليلةً منفردةً في النصف الأول من القرن العشرين.

ولقد كنت من أصغر الأعضاء سنًّا، كما كنت وصديقي المرحوم، سعيد رمضان، أقرب الشبان إلى قلب البنا.

أما عن جوانب التأثير في شخصية الأستاذ حسن البنا: فقد تمثَّلت في كون البنا رجلًا سمحًا، دَمِث الأخلاق، يأسرك من أول لقاء، وكان مخلصًا في دعوته، كما كان خطيبًا مفوَّهًا، ومحاضرًا من طراز فريد.

ولقد قتل الأستاذ البنا ظلمًا، رغم أنه أصدر بيانًا عن قتلة النقراشي باشا، تحت عنوان: "ليسوا إخوانًا وليسو مسلمين"، فإنه قد وقع المحظور، وقتلوه على باب جمعية الشبان المسلمين .

ومما أذكره من مواقفي مع الإمام الشهيد أنني حينما التحقت بالإخوان كانت الجماعة تتخذ مقرًّا في غرفة في بيت في حارة عبد الله بيه في حي "الياكانيه" ـ قريب من القلعة ـ وذات يوم قال لي الأستاذ البنا: نريد أن تبحث لنا عن مقرٍّ مناسب في حي مناسب بإيجار مناسب، وكان لي زملاءُ طلابٌّ في الأزهر من قريتنا، يسكنون في الطرف الشمالي من حي السيدة زينب في شارع "الناصرية"، حيث وجدت بيتًا فيه حديقة، وكان إيجاره جنيهًا وخمسة وعشرين قرشًا، لكن صاحب المنزل لم يوافق على أن أقوم بتحرير العقد؛ نظرًا لسني الصغير في ذلك الوقت، فرجعت إلى الأستاذ البنا غاضبًا، فأرسل معي أحد الإخوان لتحرير العقد. وانتقلت الإخوان من غرفة إلى شقة جميلة من حي السيدة زينب-شارع الناصرية.

كما أنني كنت أقدم المحاضرين الذين يحاضرون في حديقة المنزل الذي أصبح مقرًّا للإخوان، ولفت نظر الشيخ مصطفى عبد الرازق ذلك في ذات مرة، فقال لأخي الكبير: يا محمد، أخوك يدخل الحقوق، وقد كانت هذه أمنية أبي، وقد تقدمت بالفعل للالتحاق بكلية الحقوق، ولكن عندما ذهبت إلى الجامعة قالوا: إن التقديم في كلية الحقوق قد انتهى، فكانت كلية الآداب هي وجهتي .

   ويفصل القول عن رأيه وعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين في موضع آخر، فيقول رحمه الله : "لم تكن هناك هيئات كافية للدعوة الإسلامية على النحو الأمثل الذي يتفق مع سماحة الإسلام وعظمة شريعته باستثناء الشبان المسلمين وجمعية الهداية الإسلامية، فكان الإخوان هم مجددو الدعوة الإسلامية، وكأنَّ الله قد بعثهم لتجديد الدين، وعلى رأسهم مرشدهم حسن البنا .

   فالإخوان بعثوا الدين مرةً أخرى في قلب المجتمع، وأحيوه في النفوس، وأهم ما يميزهم تبنِّيهم للوسطية التي يتسم بها الإسلام، وهذه كانت سياسة الإخوان منذ نشأة دعوتهم؛ ولذلك فمن تشدَّد أو فرَّط فقد أخرج نفسه متعمدًا من محيط دعوتهم، وكانت رسالة الإخوان دائمًا بعيدةً عن التطرف والغلوِّ.. أما الذين انجرفوا إلى ذلك فهم قلة سارت على غير ما يتفق مع رسالة الإخوان التي هي رسالة الإسلام الخالصة.

ويشير الشكعة إلى أن علاقةً خاصةً كانت تربطه بالمرشد، قائلاً: كنت قريبًا إلى قلب الأستاذ، ثم صارت العلاقة عائليةً حين عرفنا إخوانه محمد، وجمال، وعبد الباسط، وكان يرانا مع إخوانه في المنزل فصارت العلاقة أكثر روحيةً واجتماعيةً، وكنت ضمن ثلاثة طلاب أقرب إلى قلب البنا مع المرحومَين سعيد رمضان، وأحمد رفعت.

وعن المرشد العام يقول الشكعة "كان الإمام حسن البنا رجلاً طيب السمت، ساحرًا حين يتكلم، إلى درجة تجعل كل من يستمع إليه يتعلق به، وكانت آيات الكتاب العزيز تَجري على لسانه استشهادًا بكل قضية يُثيرها، ويكاد يحفظ حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بذلك كان واحدًا من دعاة الإسلام التاريخيين، وامتدادًا لشباب الصحابة نقاءً وحماسًا وتفرُّغًا لدعوته، حباه الله بالقبول، ثم موهبة الخطابة والتعامل الجيد مع الناس، وحفظ أسماء من يقابلهم بشكل مثير.. لدرجة أنه كان يعرف أسماء أسر كاملة؛ مما قَّربه إلى قلوب الناس.

وكان الزعماء السياسيون يحترمونه وكذلك رجال القصر الملكي، ويقيمون له وزنًا وقت أن كان أصحاب الوزن الراجح من القلة بمكان، وتبعًا لذلك يحترمون الإخوان وكان إلى ذلك نشيطًا متحركًا كثير الأسفار والارتحال داعيًا إلى الله على بينة، وكانت المدينة التي يذهب إليها يحتشد فيها الآلاف ليستمعوا إلى البنا الذي كان خطيبًا من نوع جديد غير مألوف يجمع بين الخطابة وفنِّ الاستشهاد بالقرآن والسنة، حديثه كان عميقًا فصيحًا يأسر قلوب السامعين ويجذبهم إليه جذبًا رئيفًا، وكان عف اللسان، ذا سماحة في قوله وأدب في تعامله مع الناس الذين صار معظمهم بعد ذلك من كبار أتباعه ومحبيه.

   ويواصل الشكعة قائلاً: "كرس المرشد وقته كله للدعوة، بالإضافة إلى عمله كمدرس للغة العربية في مدرسة السبتية الابتدائية الأميرية، رغم المناصب التي عُرضت عليه؛ حيث كان زاهدًا فيها، وكان يرى التدريس للصغار جزءًا من رسالته، وظل يفخر بعمله مدرسًا، رغم أنه من ألمع زعماء العالم الإسلامي بمختلف أقطاره وعواصمه، ثم اندلعت ثورة اليمن التي قامت باغتيال الإمام يحيى حميد الدين، وأرسلت الثورة اليمنية تدعو الأستاذ البنا لكي يزور اليمن، وكنت إذ ذاك أعمل في اليمن، وكان القائمون على الثورة تربطهم رابطة المكان للإخوان؛ حيث كانوا يجتمعون أثناء إقامتهم في القاهرة في مقرِّهم، فلما وجَّه الثوار الدعوة إلى الأستاذ لم يستجب لها، بل أرسل أحد كبار الإخوان ممثِّلاً له في طائرة خاصة.

ولما انتهت الثورة بالفشل، وعاد الحكم إلى بيت حميد الدين أُودع المصريون بالسجن ومن بينهم ممثل الإخوان وأنا، وكنا عرضةً للإعدام لو لا أن أرسلنا برقيةً إلى وزارة الخارجية في مصر فحولها الوزير إلى النقراشي رئيس الوزراء الذي تدخل لإخراجنا من السجن وتسفيرنا إلى مصر، وحين وصلتُ إلى مصر كتبت للأستاذ حقيقة الرجل الذي كان يمثله، وطلبت فصله من الجمعية، خاصةً أنه كان أحد وجوهها البارزة، ولما لم يُبعد فقد اعتبرت نفسي مستقيلاً، واعتبرني المسئولون في الجمعية كذلك، ويؤكد الشكعة أن هذه الرسالة كانت سببًا في نجاته من الاعتقالات التي تمَّ خلالها القبض على آلاف الإخوان بعد ذلك .

ويواصل الشكعة شهادته قائلاً: "انضم الناس إلى الإخوان بأعداد غفيرة، حتى إن أغلب الشعوب الإسلامية عرفتهم دون أن يروا البنا، وبعد ذلك قام بعض المنفلتين من الدعوة بقتل الخازندار وحرق الخمَّارات التي تبيع أدوات القمار، وتواطأ بعض أعضاء التنظيم الخاص في قتل رئيس الوزراء.. الأمر الذي أدى إلى القبض على الإخوان.. البريء منهم قبل المسيء، ولكن الأستاذ البنا كتب آنذاك بيانًا وصف فيه قتلة النقراشي باشا بأنهم (ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين)، ولكن الفتنة كانت قد استشرت فاغتيل الإمام البنا.

وعن شعوره لحظة الاغتيال يقول الشكعة: "تلقيت نبأ اغتيال البنا بحزن شديد؛ لأنه كان صادق الوعد أمينًا، وباغتياله خسرت الدعوة الإسلامية أحد كبار الدعاة في تاريخها الطويل، وكان متوقعًا قتل البنا؛ لأن قتل رئيس الوزراء كان لا بد من أن يتبعه قتل من هو كفءٌ له، فالذين قتلوا المرشد العام هم الذين قتلوا النقراشي باشا".

   ويقول الشكعة عن مجمل دعوة الإخوان وأصولها: إن الإخوان من طراز إسلامي صحيح نقي، أما الذين أساءوا للإسلام فليسوا منهم إطلاقًا؛ ولذلك احتفظ الإخوان بقوتهم رغم القهر الذي تعرضوا له؛ لأنهم يستمدون قوتهم من قوة الإسلام كعقيدة ودين وسلوك؛ ولأن الجماهير في مصر وغيرها لا يزالون على حبهم لدينهم والصادقين من دعاته، مؤكدًا أن دعوة الإخوان أخذت تنمو بموهبة الإمام البنا واستقامة أتباعه وصدقهم وبُعدهم عن الانحراف .

وحول مدى انتشار الجماعة في مصر حينئذ قال: إن الفترة التي كنت فيها ضمن صفوف الإخوان خلال دراستي الجامعية شهدَتْ تضاعفًا لتجاوب الجماهير معهم؛ حيث كان يحضر دروسهم الآلاف، إلى أن انتقلت دار الإخوان إلى العتبة فارتفع صوتها وأصبحت تلي الشبان المسلمين من حيث الشهرة.. لدرجة أن بعض ضباط الجيش والبوليس كانوا يحضرون المحاضرات التي يعقدونها بملابسهم الرسمية، وكانت الدولة سعيدةً بتنامي هذه الجمعيات؛ لأن الدولة كانت متدينة بطبعها، فلم يكن من الممكن قراءة ما يمسُّ الإسلام من قريب أو بعيد في جريدة يومية أو مجلة أسبوعية، كما لم يتطاول أحد على الدين إلا بعد دخول الحكم العسكري إلى مصر، ولم يكن يجرؤ أحد أن يخدش الإسلام، بل إن المحاضرات التي كانت تُلقى في الجامعة الأمريكية كان يستعين مُلْقوها بالقرآن والحديث.

وعن تأثير الإخوان في المجتمع بعد أكثر من 75 عامًا من الدعوة والجهاد لإصلاح المجتمع قال: إن الوجه المصري كان إسلاميًا حوَّله الإخوان إلى وجه إسلامي فاعل يَكثر فيه الدعاة والمتطوعون، فضلاً عن دورهم في تنمية ظاهرة الاستقامة بين شباب الجامعات.. لدرجة أن الطالبات السافرات كن يتعاطفن مع شباب الإخوان، وأصبح بعضهن يؤدين الصلاة في غرف خاصة داخل الكليات، وهو ما لم يكن موجودًا قبل ظهور حركة الإخوان .

وامتدت دعوة الشكعة وجهوده في اليمن مع إخوانه من جماعة الإخوان المسلمين ويقول رحمه الله عن تلك الفترة:

لقد ظللت في الإخوان إلى أن كنت مدرّسًا منتدَبًا في صنعاءَ باليمن، وقد كنت قريبًا إلى قلب الإمام يحيى، ولكن حالة القطر اليمني كانت تدعو إلى الشفقة، فقرًا وجهلًا وتمزقًا، وفي تلك السنة حدثت الثورة اليمنية الأولى، حيث عينني الثوار مديرًا للإذاعة، كما طلبوا من الأستاذ البنا أن يجيء إلى اليمن يبارُك عملهم, ولكنه اعتذر، وأرسل اثنين؛ أحدهما يمثِّل مكانًا رفيعًا في الجمعية، وآخر يرأس تحرير مجلة الإخوان، ولكن الرجل الذي كان ذا مكانة، ظهرت منه انحرافات شديدة، وعندما عُدت إلى مصر بعد أن فشلت الثورة وتم إلقاء القبض علينا وسجنَّا، كتبت خطابًا مفصلًا إلى الأستاذ البنا، وطالبت بفصل هذا الرجل، لأن وجوده في الجماعة يسيء إليها، وبعد أسبوعين أو ثلاثة حُلَّت الجماعة، وتم إلقاء القبض على الإخوان، غير أنني لم يتم القبض عليَّ؛ لأني كنت استقلت من الجماعة، احتجاجًا على عدم الاستجابة لطلبي بفصل العضو البارز، الذي ظهرت منه بعض الانحرافات في اليمن. ولقد ألّفت كتابًا عن رحلتي إلى اليمن، وتجربتي هناك، وذلك تحت عنوان: "مغامرات مصري في مجاهل اليمن".

الدكتور مصطفى الشكعة في حوار لـ"بر مصر ": المسلمون مطالبون بإصلاح شئونهم وإعادة النظر في بعدهم عن دينهم:

أجرى الحوار: أسامة الهتيمي: بتاريخ: 2009

   أكد الدكتور مصطفى محمد الشكعة عميد كلية الآداب بجامعة عين شمس سابقا، وعضو مجمع البحوث الإسلامية في حوار لـ "بر مصر " أن الحجج التي يرددها البعض من الرافضين لتطبيق الشريعة الإسلامية من مثل وجود نصارى وغير مسلمين في البلاد العربية هي حجج باطلة إذ كفل الإسلام لغير المسلمين في الدولة الإسلامية حقوقهم كاملة ومنحهم الأمن والأمان وبالتالي فإن القضية ليست هي وجود غير مسلمين وإنما هي إصرار من قبل بعد المتنفذين في الحكم على أن تكون الدولة علمانية وهو ما يصرحون به في حال ابتعدوا عن المنطقة الإسلامية. وأوضح فضيلته أن ما يمارسه الغرب ضد العرب والمسلمين نتيجة طبيعة لضعفهم وتمزقهم وأن الحل الوحيد لهذا الوضع هو أن يصلح المسلمون من شئونهم وأن يعودوا مجددا لإسلامهم وقيمه.. وهذا هو نص حوارنا معه.

*يفرض حديث التعديلات الجديدة التي أجريت على قانون الأحوال الشخصية نفسه على الأوساط الإسلامية في الوقت الحالى خاصة وأن الحكومة تعتزم عرضه على البرلمان بهدف إقراره بالرغم من رفض مجمع البحوث الإسلامية.. لماذا هذا الرفض؟

أولا.. لا بد أن نؤكد أن ما يحدث فيما يخص هذه التعديلات هو مؤامرة على الشريعة الإسلامية يقوم بها من يحملون أسماء إسلامية بمشاركة بعض النساء المتنفذات في الحكم كما أن الذين قاموا بهذه التعديلات الجديدة والمخالفة للشريعة هم أحد صنفين فإما أن يكونوا جهلة بالإسلام ومبادئه وإما أن يكونوا من المتآمرين على الدين.. لهذا فقد رفض مجمع البحوث الإسلامية العديد من هذه التعديلات لأن أبناء مصر مسلمون لذا فقد وجب أن تكون حياتهم وفق الإسلام.

*وما هي أهم البنود التي تم الاعتراض عليها من قبلكم؟

بنود كثيرة.

*هل يمكن أن تعطينا أمثلة على هذه البنود؟

من ذلك مفهوم الزواج وتعريفه وأنواعه فالمجمع أقر أن الزواج الشرعي إسلاميا هو ذلك الزواج الذي تتوافر فيه الأركان المتفق عليها في الشريعة كالإشهار ووجود الولي والمهر فهذا هو الذي يقبله الإسلام حتى لو لم يتم تسجيل هذا الزواج في أوراق وفقا للقانون إذ كان هذا هو حال الزواج إلى ما قبل 100 عام مضت أما خلاف ذلك مما يطلقون عليه زواج "عرفي" الذي يكون بورقة بين طرفين بلا إعلان أو ولي أو ما سوى ذلك من أركان فهو زواج مرفوض في الإسلام .

كذلك رفضنا ما طالبوا به من ضرورة وجود شاهدين لوقوع طلاق الرجل لزوجته فليس هذا من الإسلام في شيء حتى لو كان لذلك سند من الفقه الشيعي فنحن لا نأخذ من الفقه الشيعي إلا ما لا يصطدم مع فقه السنة فضلًا عن أن هذه المادة تسلب الرجل حق العصمة التي بيده وتفتح المجال أمام التلاعب والتحايل لمعدومات الضمير إذ من الممكن أن تلجأ من ترغب في التخلص من زوجها إلى استئجار اثنين من الشهود وتذهب بهما إلى المحكمة ليدعيا أمام القاضي طلاقها.

*أشارت بعض التسريبات إلى أن التعديلات الجديدة ستفرض قيودا على تعدد الزوجات.. ما رأيكم في هذا؟

إن تحريم تعدد الزوجات أو وضع ضوابط قانونية لتقييده أمر محرم شرعا ويعتبر مخالفًا لنصوص الشريعة الإسلامية فالشريعة كما هو معلوم لا تدعو إلى تعدد الزوجات ولا تمنعه في نفس الوقت فالتعدد مباح.. لكن بشروط أهمها: توافر القدرة على الزواج بالنسبة للرجل فيما نجد أنه في الوقت الذي أباح فيه الإسلام للرجل الزواج بأكثر من زوجة والجمع بين أربع زوجات نجد أن النصح الإلهي يحذر الرجل من عدم القدرة على إقامة العدل بين الزوجات.

والنصوص القرآنية أباحت التعدد وفي نفس الوقت نصحت الرجال بالاقتصار على زوجة واحدة لتستقيم الحياة الزوجية وتتحقق المودة والسكينة والرحمة من هذا الزواج وهو ما يؤكد تميز الشريعة الإسلامية عن باقي الشرائع الأخرى. وبالتالي فإن النص على اشتراط إذن الزوجة لزواج الرجل بأخرى مخالفة شرعية أخرى لأنه تقييد لما أباحه الله من غير ضرورة كما أن من حق الزوجة إن تضررت بوجود زوجة أخرى أن تطلب الطلاق.

*في هذا الإطار واجترارا لحديث الشريعة الإسلامية يتعلل البعض من الرافضين لتقنيين الشريعة لتطبيقها بأن هذا لا يمكن حدوثه في مصر لأنها تضم نصارى وغير مسلمين؟

النصارى لهم إسلاميا حقوقهم الكاملة فهذه حجة باطلة فالمسألة ليست مسألة نصارى ولكن أمور أخرى فما يتعلق مثلا بالأحوال الشخصية له علاقة ببعض النساء المتنفذات في الدولة اللائي لهن بعض الخدم من الحكام الإسلاميين.. قريبا اتصلت بي امرأة وقالت لي إنه لابد من رفع الظلم عن المرأة لأنها تأخذ نصف ميراث الرجل فقلت لها أنتي لم تدرسي هذا في الإسلام والكلام الذي تقولينه لا علاقة له بالإسلام فالمرأة مساوية للرجل في كل الأمور لكن هناك اختلاف حسب طبيعتها فهي مفضلة على الرجل في الميراث لأنها تأخذ نصف ما يأخذه أخيها فأخوها ينفق على الأسرة في حين تتزوج هي وتأخذ نصف ما يأخذ أخوها ولا تنفق على الأسرة.

*لماذا لم تقنن الشريعة الإسلامية حتى الآن إذا؟

لأن بعض الوزراء يعلنون عن حقيقة الحكم في الدولة ويقولون في تصريحاتهم حينما يخرجون خارج المنطقة الإسلامية أن مصر بلد علماني.

*كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن حجية السنة النبوية وإنكار الكثير منها والمطالبة بغربلة هذه الأحاديث.. ما رأيكم ؟

هذا كله مرفوض وهو لا يصدر إلا من جهلة أو من خصوم الإسلام ولا يلتفت إليه.

*كيف يمكن التعاطي معهم؟

لا نتعاطى معهم ولا يستجاب لهم.

*لكنهم يروجون لأفكارهم عبر وسائل الإعلام؟

ومع ذلك لا أحد يستجيب لهم.

*الكثير أصبح يتحدث عن أن هذه الأحاديث ربما تتعارض مع الروح العامة للإسلام؟

الإسلام له مصدران كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المرتبطة بالذات الإلهية عن طريق رسول الله الذي قال الله في شأنه "ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".

*وسط هذه الحالة من الفوضى الكل يتحدث باسم الإسلام والكل يزعم أنه على صواب فكيف للعامة أن يصلوا للصواب في ظل هذه الفوضى؟

المؤسسات الإسلامية هي الجهة المسئولة والجهة التي تعرف الإسلام فمجمع البحوث الإسلامية في مصر مثلا تصل إليه تساؤلات الناس وقضايا المسلمين وهو يقوم بالرد عليها ويرسل ذلك إلى الصحف غير أن قلة من هذه الصحف من ينشر والأغلبية لا تنشر.

*أنا لا أتحدث عن مصر بشكل خاص؟

كل دولة عليها أن تدافع عن الإسلام وأعتقد أن لدى كل دولة عربية وإسلامية من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة فنحن لا نعرف ما يجري في كل دولة على حدة.

*مع كثرة الفضائيات الدينية ووسائل الاتصالات دخل على الفتوى العديد من الشخصيات الغير متخصصة حتى يفكر البعض لإصدرا قانون لتجريم من يفتي دون رخصة؟

أنا أول من طلب معاقبة من يفتون بغير أن يكون مؤهلين للفتوى ومنهم بعض الأزهريين الذين يحملون ألقاب الدكتوراة ويتم استئجارهم من قنوات فضائية.

*من يحدد المعايير؟

يحددها مجمع البحوث الإسلامية ففي المجمع لجان مشكلة وجاهزة فيوجد لجنة الشريعة ولجنة القرآن ولجنة التعريف بالإسلام ولجنة السنة وهكذا.

*انا لست عضوا في المجمع وأريد أن أحصل على رخصة هل تختبرونني؟

هذه مسألة يبت فيها المجمع.

*لكن كيف يتعامل العامة مع قضاياهم واستفسارتهم الفقهية ؟

يذهبون للمتخصصين في الفقه أما أئمة المساجد فيفتون في أمور العبادات فهؤلاء يصلحون لذلك وإلا لما اختيروا أئمة من الأصل.

*بين الحين والآخر تظهر فرقة وطائفة جديدة تدعي انتسابها للإسلام ودفاعها عنه..ففي فترة ظهر من يسموا أنفسهم بالقرآنيين ومن يسمون بالإسلاميين التقدميين وقبل ذلك البهائيين؟

الإسلام دين التقدم فلا يوجد ما يسمى بالإسلاميين التقدميين إذ كيف يكون اسم هؤلاء تقدم التقدم فالإسلام يوصف بأنه الشريعة الخالدة المقدسة التي لا يضاف إليها ولا ينتقص منها.

*وماذا عن القرآنيين والبهائيين؟

البهائيون ليسوا مسلمين فالبهائية دين آخر عمره نحو 150 سنة والقرآنيون يكفرون بالقرآن لأن القرآنيون يخاصمون الرسول بينما يقول القرآن "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" فهم إذا يخاصمون الشريعة ومنفذ الشريعة.

*على مدى عقود مضت تنامت ظاهرة الاهتمام بشكليات التدين دون جوهر الإيمان وهذا ربما يفسر الانهيار القيمي.. ما تعليقكم؟

الانهيار القيمي له أسبابه الأخرى وليس ما ذكرته فحسب فمثلا كان إذا حل شهر رمضان تقوم تلفزيونات بعض الدول العربية والإسلامية بالاحتفال بقدومه بالرقض وأثناء وقت الإفطار.. وهو ما دفعنا إلى أن نبصر الدولة والحكومة بهذا الفعل وبأن هذا حجبا للإسلام فمنعوا الفوازير التي تقوم على الرقص الماجن الخليع وهو أمر لا بد أن يقوم أهل الحجة في مكان.

*في ظل ما يقوم به الغرب من محاولات متعددة من أجل فرض هيمنته على العالم العربي والإسلامي .. ما هو مستقبل الأمة؟

إن الغرب لم يفعل ما يفعله بنا إلا لأننا ضعفاء ولولا تهالكنا هذا ما جرؤ علينا فالتاريخ يذكر لنا أن عبد الرحمن الناصر أمير المسلمين في قرطبة كان يأتي له ملوك أوروبا خاضعين لأن الإسلام كان قويا في هذا الوقت وكان منفذا وهو ما غير المسلمين يدخلون الإسلام وبالتالي فإن على المسلمين أن يصلحوا من شئونهم وأن يعيدوا النظر في انحرافهم وبعدهم عن الإسلام شريعة وعقيدة.

وما حدث في غزة والسودان ولبنان وغيرهم لأن المسلمين ضعفاء وإن لم ينهضوا بالدفاع عن أنفسهم سيأتي الله سبحانه وتعالى بمسلمين آخرين يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم.

أما عن مستقبل الأمة فهو بكل تأكيد الضياع .. لكن يبقى في الأمة بعض أهل الخير إستجابة لقول رسول الله "الخير في وفي أمتى إلى يوم القيامة"..وأهل الخير القلة سينتشرون وينشرون خيرهم بإذن الله فيعيدوا المنحرفين والضالين إلى حظيرة الدين الحنيف.

*هل من مظاهر لهذا الخير؟

أنا أتكلم بما أعلمه وأنت تسألني عما لا أعلمه وأنا أقول من منطلق ما أعرفه إسلاميا فالغيب ليس عندي الغيب عند الله.

*ما هي الرسالة التي توجهونها للحكام ثم للشعوب ثم للشباب المسلم؟

الاستمساك بالقيم الاخلاقية والقيم الأخلاقية مستمدة من قيم الإسلام وبالتالي الاستمساك بقيم الإسلام الخلقية.

د. الشكعة يطالب بدفع الزكاة لتزويج الشباب:  

وكتب- أسامة جابر:

   أكد الدكتور مصطفى الشكعة عضو اللجنة الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية جواز تخصيص أموال الزكاة لمساعدة الشباب المعسر على الزواج، تحت بند إخراج الزكاة في سبيل الله، التي هي أحد بنود إخراج الزكاة المحددة، وقال هذا الحكم يرتقي إلى الوجوب؛ لما يعانيه الشباب المسلم في هذه الآونة.

   وأدان في اتصال لـ(إخوان أون لاين) الخلافات الحادة التي شهدها مجمع البحوث الإسلامية في اجتماعه الرسمي الخميس الماضي بين أعضائه؛ بشأن مشروعية تخصيص الزكاة لمساعدة الشباب المعسر على الزواج، والذي قرَّر الدكتور محمد طنطاوي شيخ الأزهر توجيهه إلى لجنة البحوث الفقهية لدراسته.

   وقال إن الخلافات مستهجنة ومرفوضة؛ لأن في تنفيذ هذا الموضوع درءًا لمفاسد كثيرة، تعاني منها الأمة، وجلبًا لمصالح تفتقدها أيضًا، وتابع: لم يكن هناك داعٍ لإحالة الموضوع إلى اللجنة الفقهية بالمجمع؛ فالأمر واضحٌ جليٌّ، ويمكن البتُّ فيه دون أساليب التعقيد الإداري.

   وأضاف: الأزمة الاقتصادية عصفت بالجميع؛ ما أدَّى إلى صعوبة إقدام الشباب على الزواج الذي يمهِّد لفتنة كبيرة، مؤكدًا أن الشباب في محنة كبيرة، ويجب على الأنظمة مدُّ يدها إلى الشباب واحتواؤهم والتخطي بهم نحو منحى الصلاح الأخلاقي.

الأدب الإسلامي وأصالته:

لعل هذا الفهم من الدكتور الشكعة هو الذي دفعه للحماسة العلمية البالغة لأصالة الأدب والثقافة الاسلامية، هكذا فعل بمحاوراته العلمية عبر المركز الثقافي المصري في اسبانيا، وعبر النقاش الفكري مع عدد كبير من الكتّاب في امريكا.. كما فعل عبر كتاباته المتعددة عن أصالة الأدب الإسلامي سواء عن كتابات شعراء العرب القدامى والمحدثين أو عبر التأثير البارز للإسلام في فنون المسلمين وآثارهم ونقوشهم واشعارهم أو عبر دفاعه المباشر عن فكرة الأدب الإسلامي في مواجهة الحداثيين الذين يقلدون منتجات الغرب ويفرغون الشعر من شاعريته كما يفرغون البيان العربي من مثله العليا وأخلاقياته المرتبطة بدين الأمة.

   يقول مفكرنا الكبير: من مصلحة البشرية ان يعلو كعب الأدب الإسلامي وتنتشر فنونه، فهو في الأساس أدب انساني يعبر به الانسان عن حاجاته المادية والمعنوية، كما هو أدب أخلاقي يضبط المشاعر ويحمي الانسانية من الفوضى والعبثية والفكر العدمي. الأدب الاسلامي يعالج كثيراً من أمراض البشرية التي بدت على ألسنة أهل الشعر والأدب وانتشرت من خلال الثقافة الشعبية التي سوّقت الجنس والاباحية وروجت للعنف والقتل والأنانية وزادت من مساحة الصراع بين الأمم والحضارات!

في الاستشراق والمستشرقين:

   في هذا السياق تأتي اهتمامات الدكتور الشكعة بالدراسات الاستشراقية حول الإسلام والمسلمين عموماً، والأدب والثقافة العربية خصوصا. وقد انتج مفكرنا ثلاثة مؤلفات كبرى في هذا التخصص رصد أولها مقولات الاستشراق وتاريخه، وأشار الثاني الى رؤية الاستشراق للأدب العربي، ونقد الثالث مواقفه من الأصول الدينية الثابتة.

   لقد كشف الرجل سر التحامل الغربي على الإسلام والمسلمين وترديد المستشرقين لصلة القرآن باليهودية والنصرانية، وتقولاتهم حول العقل المسلم والحرية في الإسلام وسلطات الدولة الدينية ونظرتهم الى الجنس والمرأة والجهاد.

   وعبر كتاباته المتعددة ودراساته عن الاستشراق ونقده، نحا الدكتور الشكعة باللائمة على مؤسسة التبشير في الغرب ثم حركة الاستعمار في النشأة المتعصبة للاستشراق، ثم نحا باللائمة على المؤسسات الثقافية في العالم الإسلامي لاستمرار هذه الرؤى المتعصبة. وحمّل هذه المؤسسات تصحيح هذا العوج الموجود في فهم جل المستشرقين عن طريق: توفير المعلومات الصحيحة، نقد المعلومات الخاطئة، دراسة المقولات في السياق التاريخي، دعوة عدد من المستشرقين للحوار المستمر، انتاج مؤلفات علمية باللغات العالمية، رصد تراثنا وتقييم بعض ما فيه من أخطاء، تيسير دراسة العربية لآحادهم، المشاركة في تأليف الموسوعات العالمية.

   كل هذا وغيره سوف يقلل مساحة التعصب عندهم، ويفتح قنوات للحوار المعتدل.

   ويقول الدكتور الشكعة: ينبغي ان ندرك ان نفراً من المستشرقين عاقدون العزم على الاساءة للإسلام وكراهيته، وهذا أمر متوقع لأن الله أخبرنا بأن بعضهم سوف يعملون على ردنا عن ديننا كيفما استطاعوا ولكن الغالبية منهم قد تكون لديهم عقول علمية قابلة لفهم الحقيقة وإدراكها.

مواجهة الغلو والتطرف:

ومن اكثر ما تميز به عقل الدكتور الشكعة أنه مشغول دائما بما يدور على الساحة الفكرية الإسلامية، يرصد خطورة ما يقال، ويرده رداً حميداً الى حيث يعتقد انه الصواب.

رصد كثيراً من مقولات غلاة العلمانيين في الثمانينات، وعندما تحدث البعض عن التراث الاسلامي بما يعيب وقف الرجل يفند هذه الاتهامات، وفي معركة الكاتب نصر حامد أبوزيد التي اثيرت في عام 1993 وكادت تضيع الحقيقة بين تطرف بعض المتدينين وتطرف بعض العلمانيين، أعد الدكتور الشكعة بحثاً علمياً موثقاً عن قداسة النص القرآني وخطورة إخضاع كتاب الله لمناهج البحوث الدلالية، وخطورة التطاول على مقدسات الدين وفقهائه، وعندما علا صوت البعض بالحديث عن التنوير لاحظ كاتبنا الكبير ان البعض يحاول ان يرادف بين التنوير والتحرر من الدين، أو بين الدين والظلامية، فرصد دلالات المصطلحات، وطالب بتحديد نقاط الاتفاق والاختلاف، وأكد ان ديننا من حيث المبدأ مع كل ما هو مفيد للناس في معاشهم ومعادهم مع الأخذ بكل أسباب ومظاهر التقدم التقني والتكنولوجي والإداري. وهو في كل هذا حريص كل الحرص على الحفاظ على ثوابت الدين وحقائق الشريعة.

ويخاطب الدكتور الشكعة بعض غلاة التنوير فيقول: لا تجعلوا الناس في همّ على دينهم، ولا تغرسوا في أذهان العامة ان التقدم يعني التخلص من الدين، فلا فائدة من دين ضاعت فيه دنيا الناس ولا معنى لدنيا فقد فيها الناس احساسهم بالأمان على دينهم.

واسهامات الدكتور الشكعة في مجال الفقه الإسلامي والدفاع عن المذاهب الفقهية ومقاومة التعصب بارزة من خلال دراسته عن السيوطي مسيرته العلمية ومباحثه ثم من خلال دراسته المهمة التي عنوانها: إسلام بلا مذاهب.

   ان هذا العنوان تجسيد لرؤية فكرية سبقت هذا الكتاب عبر دراستين عن الاجتهاد والتقليد في حياة المسلمين، كما أتبع هذا الكتاب بمجموعة من البحوث والمقالات العلمية حول: الشريعة الاسلامية، العقل الاسلامي، مسألة الفقه والتقنين، سر تأخر المسلمين، الامام محمد عبده وإصلاحاته الاجتماعية والدينية.

وفي هذه الرؤية الاجمالية يمكن القول ان مفكرنا الكبير قدم مشروعاً فكرياً واضح المعالم، وقد جاءت دعوته إسلام بلا مذاهب تلبية للتوجه العام للوحدة الاسلامية التي تبدأ بالفكر والفقه، وتلبية لحركة ناضجة دعت دائماً للتقريب بين المذاهب خاصة على مستوى العلاقة بين أهل السنة وأهل الشيعة، وما بداخلهما من مذاهب فكرية أو فقهية تصب جميعها في البداية والنهاية لمصلحة المسلمين وحل مشكلاتهم الدينية والحياتية.

نحو تيار عام للتوحد:

   وفي خلاصة مشروع الدكتور الشكعة هناك تأكيد على اربع حقائق يتخطى بها المسلمون اشكالية المذهبية ويؤسسون بها تياراً فكرياً قائماً على التوحد والتكامل والتعاون مع الاختلاف:

الأول: التأكيد على ان التنوع هو عنوان الاجتهاد الفقهي الرائع، وهذا الاجتهاد هو عنوان الوحدة الفقهية وأداة الوحدة الفكرية بين خاصة الأمة وعامتهم.

   فالاجتهاد المذهبي يقرب بين المسلمين في الزمان والمكان، ويتيح للعامة الاختيار والتيسير، ويتجاوز الفقهاء به خصوصية العادات والبيئات، ويساعد على تنشئة العقول المسلمة على الجدل والاختلاف والتنوع في أمور السياسة والاجتماع لأن منطق الأمور يقول انه طالما ان الناس مارست الاختلاف وقبلته في أمور الفقه والفكر، فسوف تمارسه وتقبله من باب أولى في أمور السياسة والمعاش.

   لقد عاب الفقه الإسلامي على الناس التقليد الذي هو أخذ قول غيرك من دون دليل منك والأصل عندنا: الأخذ بدليل.

   إن الاجتهاد والتعدد هنا مدرسة تربوية عاش بها المسلمون، وليتهم يعيشون بها ليؤكدوا دائما انهم أمة واسعة الصدر، مدعوة للاستنباط والاجتهاد والاختلاف.

الثانية: ليت المسلمين يفصلون بين ما هو سياسي وما هو ديني، بمعنى ان التعدد في المواقف السياسية لا يتلبس دوماً بتعدد في الأحكام الشرعية أو العكس ومسألة عدم الفصل هذا، تجربة قاسية وقعت غير مرة في التاريخ الإسلامي القديم أو الحديث، وليتهم لا يقعون فيها مرة ثانية اليوم أو في المستقبل. الثالثة: مع ضخامة التراث الفقهي الاسلامي الرائع، وتعدد أقضية الناس الملحة، وتواصل المسلمين وتفاعلهم اليومي الواضح، وضخامة العلماء والمؤسسات الفقهية في الوطن الاسلامي الكبير.. فإن أمر الركون الى مذهب واحد أو التعصب لرأي واحد أو رفض الآخر الإسلامي أمر غير مقبول عقلاً وشرعاً وسياسة وواقعاً. فالتعدد المذهبي جاء فيما تتعدد فيه عقول الناس وتختلف، والخالق جعل الاختلاف في الفهم أحد مرادات الله في خلقه كما هو واضح في قوله تعالى: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم. والإسلام كله ينفي التعصب عن المسلمين ضد المخالفين في الاعتقاد فما بالنا بالمخالفين في الآراء والتجارب التاريخية؟

   ولهذا فمن الواجب ان نستفيد جميعا من اجتهاد العلماء جميعا، وإذا كان العلماء قد أجمعوا على انه يستحيل ان يخلو زمن من مجتهد فمن المستحيل ان نقصر الاجتهاد على رأي أو مذهب من دون غيره.

الرابعة: ان يدرك المسلمون ان علو صوت التمذهب والجمود والانغلاق مرتبط دائما بالتأخر والضعف والخوف من الوافد، ولهذا فإن المسلمين اليوم مطالبون بالقوة المعنوية والمادية وبمضاهاة الخصم في حضارته، وبناء الذات المسلمة القوية.. وعندئذ سوف يتحلل الجمود ويتخفف المسلمون تلقائيا من التعصب والخوف والانزواء.

علاج حالات الفقر:

   المشكلات الأسرية والاجتماعية كانت واحدة من القضايا التي شغلت بال مفكرنا الكبير، حيث أدهشته الاحصاءات التي نشرت في أواخر التسعينات عن نسبة الفقر في بعض الدول الاسلامية، رغم كثرة مصادر الثروة في العالم الإسلامي.

   وقدم الدكتور الشكعة مساهمة علمية محددة، تعكس رؤيته في أن الفقر هو المسبب المباشر لعشرات الأمراض الاجتماعية كما طرح لعلاج الفقر وسائل عدة، غير انه ركز على وسيلتين مهمتين:

الأولى: غياب فريضة العمل: فالرصد الموضوعي للنصوص الشرعية يوضح ان العمل هو أصل الدين وهو سبب إعمار الدنيا، وأن الاهمال الذي يعانيه المسلمون اليوم هو السبب المباشر للفقر وفقدان القدرة على التعامل مع قوانين الخلق واستكشاف مصادر القوة بين يدي البشر.

الثانية: غياب فضيلة التكامل الانساني بين الناس. فالإسلام يجعل الناس شركاء في مصادر الحياة، ويدفع للتعاون والتصدق، ودفع الزكوات.    ويحرم الانانية والاستغلال والاحتكار والربا والغلاء وكل عقود الاستغلال.

   وقبل هذا وبعده يربي المؤمن على انه مسؤول عن حياة الناس، إذ لا يجوز ان تبيت شبعان وجارك جائع.

   أو كما في الحديث: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر وفي الحديث: من كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ومن كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له.

dgdfdf10492.png

وفاته:

   توفي الأديب الدكتور مصطفى الشكعة مساء يوم الأربعاء في ٢٠ أبريل ٢٠١١ م / الموافق ١٦ جمادى الأولى ١٤٣٢ هـ. ورحل عن عمر يناهز 94 عاما بعد رحلة طويلة مع الدراسات العربية والإسلامية وعلاقة قوية مع الحركة الإسلامية والصحوة الربانية المعاصرة .

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

أصداء الرحيل:

المرشد العام ينعى د. مصطفى الشكعة:  

   يتقدم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين، بخالص العزاء في وفاة فقيد الأمة العربية والإسلامية، العالم الجليل د. مصطفى الشكعة؛ الذي وافته المنية أمس عن عمر ناهز 94 عامًا بعد حياة حافلة بالعطاء في خدمة الإسلام والمسلمين.

   ويدعو المولى عزَّ وجلَّ أن يجزيَه خير الجزاء عما قدمه لدينه ولأمته، وأن يُسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان..

و"إنا لله وإنا إليه راجعون".

الخميس 21 أبريل 2011م

المرشد العام يؤدي واجب العزاء في د. الشكعة:  

السبت 23 أبريل 2011م

   ثم أدَّى فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين، واجب العزاء، مساء اليوم، في فقيد الأمة العالم الجليل د. مصطفى الشكعة، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بمسجد أبي بكر الصديق بمصر الجديدة.

الأزهر الشريف ينعى د. مصطفى الشكعة:

   ينعى الأزهر الشريف برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، للأمة الإسلامية، الدكتور مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية، الذي وافته المنية مساء أمس.

وقال بيان للأزهر إنه يتقدم للأمة الإسلامية بخالص العزاء، ويحتسب عند الله ما قدمه الفقيد في خدمة الإسلام والدعوة الإسلامية.

الخميس 21 أبريل 2011م

د. مصطفى الشكعة.. الثائر في سبيل العدل والاعتدال:

   وكتب- أسامة عبد السلام:

   أجمع علماء الأمة على أن مصاب الأمة كبير في وفاة الدكتور مصطفى الشكعة، عضو مجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بعد حياةٍ حافلةٍ بالعطاء والدفاع عن الإسلام ضد مظاهر الغلوِّ والتفريط والهجمات الشرسة التي يتعرَّض لها، مؤكدين أهمية اقتفاء أثره والاهتمام بإنتاجه الفكري وإحياء ذكراه دائمًا، ومواقفه في مواجهة الاستبداد والباطل.

   وقال د. عبد المنعم البري، رئيس جبهة علماء الأزهر السابق، لـ(إخوان أون لاين): إن الفقيد د. مصطفى الشكعة، رحمه الله تعالى، من الأعلام الذين لا يُنسى فضلهم في الجهاد والفكر الإسلامي؛ حيث يصدق فيه قول الله تعالى: (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)) (الأحزاب).

   وأوضح أن الفقيد عانى من الظلم الشديد عقب ثورة جمال عبد الناصر المزعومة؛ بسبب تبنيه لكلمة الحق في وجه الجور والاستبداد والفساد بكل أشكاله، وكان يطالب الشعوب بالتصدي للغزو والاحتلال الأمريكي والصهيوني للمنطقة العربية فكريًّا وثقافيًّا وإعلاميًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا.

   وأشار إلى أن الفقيد كان دائم الدعوة للعلماء والدعاة والخطباء بالأزهر الشريف بتوعية وتربية الناس على جهاد النفس؛ حتى يتسنى لهم جهاد أعداء الأمة، وكان يحذرهم من التقاعس وصدأ القلوب وانسياقهم خلف الدنيا، مستشهدًا بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38)) (التوبة).

وشدد د. فرحات المنجي، عضو مجمع البحوث الإسلامية ومستشار شيخ الأزهر السابق، على أن الفقيد كان رجلاً عالمًا فذًّا امتاز في إسهاماته الفكرية بالوسطية والاعتدال والبساطة، موضحًا أنه كان عفَّ اللسان طوال حياته حتى في خلافاته مع شيخ الأزهر السابق وقرانه في العمل والحياة، وكان صاحب براهين قوية لم يسمع عنه أبدًا أنه تجرأ على أحد بالقول أو الفعل رحمه الله رحمةً واسعةً.

وأضاف أنه كان صاحب قولة حق يهدف بها إلى رفعة الإسلام؛ حيث كان يحب الإسلام حبًّا جمًّا، ويدافع عنه في كل محفل وكل مكان ويتصدَّى لمن يتشدقون باسم الأزهر الذين يوغرون صدور الناس بفظاظتهم وجلافتهم.

   وقال: أذكر يوم أن تقلدت منصب المشرف العام على مدن البعوث الإسلامية التي يقطن بها الطلاب الوافدون من الخارج لتعلم وسطية واعتدال الإسلام فشدَّ على يدي، وقال لي جدِّد النية أنت في جهاد أرجو من الله سبحانه وتعالى لك السداد والتوفيق.

   وأكد د. مدحت مراد، وكيل شئون الثقافة بوزارة الأوقاف، أن الفقيد رحمه الله تعالى كان ورعًا بسيطًا هادئًا عفَّ اللسان قويًّا في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم؛ حيث اختلف كثيرًا مع الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق، رحمه الله، في أمور أصولية، وكان صاحب حجة قوية في خلافه معه ومع الآخرين.

   وأشار إلى أنه عاش طوال حياته محاربًا للتشدد والغلو والتطرف والسياسات الظالمة للنظام البائد والسياسات العنصرية للاحتلال الصهيوني والأمريكي في المنطقة العربية والإسلامية، وتعرض بسببها للفصل من منصبه عدة مرات، لكنه كان صبورًا جلدًا لم يتنازل عن مواقفه تمامًا، ولذلك قدر الله تعالى أن يتم تكريمه في أول جلسة لمجمع البحوث الإسلامية بعد تولي د. أحمد الطيب منصب شيخ الجامع الأزهر تقديرًا لمواقفه البطولية.

   وأوضح د. حسام الدين مصطفى الشكعة، نجل الفقيد رحمه الله، أن د. الشكعة كان مع أسرته أبًا مثاليًّا يتسم بالحنان في كل مواقفه؛ حيث رعانا وتفقدنا في صغرنا وفي كبرنا، وكان شديد الحرص على مصلحتنا ومستقبلنا، وكان يقوِّم أخطاءنا بالرحمة والإقناع والمزاح الجميل، وكان يحثني- رحمه الله- أنا وإخوتي على صلة الرحم والارتباط ببعضنا في الصغر والكبر، وخاصة بعد زواجنا.

   وأشار إلى أنه رحمه الله كان مثال الزوج الرقيق والحنون مع زوجته؛ حيث كانت مواقفه في جميع أحواله تتمتع بالعطف والحنان واللطف والهدوء، وكان يشعر بمن حوله، ويتفقد أحوالهم ويفرح في أفراحهم ويواسيهم في أطراحهم وأحزانهم، وعلمني وإخوتي تقديم الصدقات للفقراء والمساكين في الأعياد والمناسبات، وكان يقول لنا لا تنسوا إخوانكم الفقراء في أعيادكم؛ فالأعياد خلقت لكي نفرج جميعًا، ومن يفرح وحده لا يقتدي بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

   وأكد أن الفقيد كان يلجأ إلى الله تعالى في كل أزماته وشدائده ويبسطها ويقول: "من توكل على الله فهو حسبه، ومن لا يثق برحمة الله لا يستحق عفوه"، وكان متفائلاً دائمًا لا تفارق البسمة وجهه؛ حيث تعرض لحادث سيارة في السبعينيات، وأصيبت أعضاؤه بكسور شديدة أدت إلى بقائه في المستشفى زمنًا طويلاً إلا أنه كان مؤمنًا واثقًا مسرورًا بقدر الله ويقول: "الله يحبني فابتلاني".

   وأشار إلى أن الفقيد كان دائمًا يذكر الشيخ جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق، بالخير، ويقول عنه إنه أثر فيه كثيرًا، وغرس فيه الصفات الطيبة، موضحًا أن الفقيد كانت آراؤه كلها تهدف إلى رفع شأن الإسلام وتطبيقه بشموليته، وكان ينزعج شديدًا إذا حدث إخلال في قواعد تطبيق الإسلام في أي مكان، وكان يذهب لمن أخطؤوا/ ويخبرهم بخطئهم بالكلمة الطيبة والبسمة الهادئة؛ ما كان ذلك له الأثر الأكبر في زيادة إعداد من يحبونه ويودونه بالزيارات.

   وأكد أن الفقيد نشأ وتربى وترعرع في ظل جماعة الإخوان المسلمين، وكانت علاقته قويةً بفضيلة الإمام الشهيد الأستاذ حسن البنا، مؤسس الجماعة، وقال: أذكر أن والدي الفقيد ذكر لي أن الإمام الشهيد رغب في الاستقرار بالقاهرة، وحضر إليه لكي يوفر له شقة في حي من أحياء القاهرة القديمة لتأسيس مقر للجماعة، وبالفعل وفرها له وكان يفخر دائمًا في حديث مع أي أحد بقوله: "أنا من وفرت أول شقة للإخوان المسلمين الصادقين في القاهرة"، وكان يقول دائمًا إن جماعة الإخوان تعبِّر عن الإسلام الصحيح الشامل".

مصطفى الشكعة.. رحلة مع الحضارة الإسلامية:

   وكتب د. خالد فهمي يقول: شاءت إرادة الله سبحانه أن يرحل العالم الجليل الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة بعد جهادٍ علمي وفكري وإداري غطى مساحةً كبيرةً من عمرٍ مديدٍ امتدد من سنة 1917م إلى سنة 2011م.

خريطة فكر الشكعة:

   والذين يقيمون أقدار الرجال مدعوون إلى أن يقفوا أمام رجلٍ من وزن نفيس، ومن معدن كريم، استوهبه من جهاد معرض أصيل توزع على مجموعة متقاربة ومترابطة من المحاور المنتمية بعمق العلوم الأمة المسلمة، وهي المحاور التي يمكن إجمالها فيما يلي:

أولاً: الدراسات الأدبية لتراث الأمة العربية لإبداعي شعرًا ونثرًا، وافتتاح الرجل حياته العلمية بدراسة النثر العربي أمر دال في هذا المجال؛ ذلك أن دراسات النثر العربي تغذي أمرين معًا هما أمر الذائقة الجمالية بما أن النثر الفني جنس فني يقوم كسائر فنون القول معتمدًا على معايير جمالية على مستوى التصوير والإيقاع هذا جانب، وأمر الفكرة العميقة التي تلازم النثر عادةً، ويقوم بعبء حملها إلى الإفهام وهذا جانب آخر، هو الأمر الذي يعكس عنايته المبكر بدراسة بديع الزمان الهمذاني بما هو واحدٌ من الناثرين العظام الذين وطدوا أركانه دولة النثر في مواجهة إمبراطورية الشعر العربي.

ثانيًا: دراسات الحضارة الإسلامية تعيينان وهو الملمح الأظهر في إنتاج الراجل الكريم.

   وفي هذا المقام يرد كتابة الأشهر (معالم الحضارة الإسلامية) شاهدًا على ما نقرره، مضمونًا إليه كتابة الأشهر الآخر (إسلام بلا مذاهب) ليعكس حلم الوسطية، ويبرز المخاطر التي تهدد بنية الاتحاد من جرَّاء التفرق والتشتت.

ثالثًا: دراسات إنتاج الأعلام الكبار الذين غذوا شجرة حضارة الإسلام، وأسهموا، في تشييد صلاح هذه الحضارة، وهو ما تترجمه كتبه من بديع الزمان، وجلال الدين السيوطي، ومحمد الغزالي وتعد دراسته الكبيرة من (البيان المحمدي) تتويجًا لمفهوم العناية بالعلم القدوة الذي ينبغي أن تتأسى به الأمة جميعًا.

   هذه المحاور الثلاثة بما خدمها به من التأليف والتحقيق كانت ترجمةً واضحةً لما سكن قلب الرجل على امتداد عمره.

(3) الوعي بحضارة الإسلام هي مفتاح فهم الشكعة

ليس مبالغةً إن قررتُ مستبقًا أن الوعي بحضارة الإسلام ومنجزة على الأرض هو المفتاح لفهم عقل الشكعة ووجدانه رحمة الله.

لقد رأى الرجل أن الإسلام هو جذوة النار التي أشعلت كل منابر النور في الأجواء العربية ثم العالمية، ومن أجل ذلك كانت الحضارة إسلامية بحكم النظر إلى عناصر التفجير والتأسيس والميلاد، وهو نفسه يقرر أن الحضارة عندما "تسمى إسلامية طالما كان الجوهر والمنطلق إسلاميين"، وهو بهذا لا؟؟؟ من وصف الحضارة بالعربية ولكنه يضع هذا الوصف في مكانه الطبيعي غير متصدر؛ لأن الحقيقة والواقع يقرران أن جوهر انطلاق هذه الحضارة كان هو الفكرة الإسلامية، بما سكنها من أصول:

أ- التوحيد.

ب- وتقدير إنسانية الإنسان.

ج- والحضارة بالعلم والتعلم.

   وتصور الحضارة الإسلامية في منجز مصطفى الشكعة يتجاوز حدود الوقوف عن ما درج المؤلفون عليه من إظهار إسهامات المسلمين في خدمة المنشآت والمخترعات، والمستحدثات الحضارية في الآلات والمؤسسان والمكتبات وغيرها.

   ولكنه وقف أمام عدد من العلامات الفكرية التي تمثل منارات أو مبادئ أو أصول أو معالم تبقى مع كل جيل وتدفعه للإنتاج المادي على هدى من تأملها ومهمها وفقهها.

وتصور لمعالم الحضارة الإسلامية التي انبثقت من رحم الفكرة الإسلامية جاء راميًا بالمبادئ التالية:

1- الحكم في الإسلام أصل يرعى الفكرة التوحيدية، ويسوس الناس بالعدل والمساواة من خلال المؤسسات التي أبدعها النظر في فلسفة الحكم عند المسلمين في صورة مؤسسات الخلافة أو الإمامة والقضاء والحسبة وديوان المظالم بما يوفر للمجتمع المسلم أعلى صور تحقيق العدل والكفاية.

2- الفكر في الإسلام أصل جامع يميز هذه الحضارة الجبارة بما أبدعته ابتداء مما هو من خصائصها التي جاءت بها وبما نقلته وحفظته للعالم من الثقافات الأخرى شاهدًا على قدرتها على قبول الآخر، وتقدير منجزه الإنساني الفكري طالما أنه صالح.

3- الإنسان المفكر صمام أمان لهذه الحضارة، وهو الأصل البارز في إنتاج الشكعة الفكري، بما ترجم في صورة مؤلفات مستقلة عن عددٍ من العلماء الكبار كما مر بنا، وإن في صورة فصول منجزة عن العطاء الفكري لعددٍ آخر من العلماء في مسيرة نهضة الأمة وترقيها في مدارج الكمال من أمثال الكنبي، وأبي حنيفة الدينوري، وأبي زيد البلخي، والفاربي، وأبي حيان التوحيدي، وابن مسكويه.

4- الكتابة العربية ثمرة الحضارة الإسلامية، وفي أصل رابع مهم جدًّا يقرر الشكعة أن الإسلام تغلغل في نفوس أتباعه لدرجة صبغة إنتاج الفكري والنثري والشعري.

   وقد برزت في كتابات الشكعة غاية تكاد تكون ممن انفرد به تتمثل في تأكيد أدب الحضارة الإسلامية، وهو ما يظهر في عددٍ من كتاباته الجوهرية في هذا الميدان من مثل:

أ- ما كتبه عن أدب الحضارة الإسلامية في بعض مؤلفاته من مثل الباب الذي كتبه عن هذا في معالم الحضارة الإسلامية وغيره.

ب- ما كتبه من كتب كبيرة مستقلة ولا سيما ما جاء في كتابه (الأدب في موكب الحضارة)، وما جاء في كتابه (مناهج التأليف عند العلماء العرب).

   لقد تنبَّه الشكعة- رحمه الله- إلى أن الإسلام بفكرته وأصوله اختلط ببنية شعوبه لدرجة ظهرت في أنواع كتاباتهم المختلفة بدرجة ظاهرة جدًّا؛ فوجد من الشعر العربي ما يصنف ملامح هذه الحضارة، ومنجزاتها، وسماتها من الحفاوة بالكتب والأقلام وأدوات العلم، ووجد من الشعر ما تغلغل في الحياة العامة، ووظف الشعر لينهض في سابقةٍ حضاريةٍ بمهمة التعليم لدرجة جاءت معها المنظومات التعليمية لتمثل واحدًا من المعالم التي تكاد تنفرد بها الحضارة الإسلامية، وهذه الأمور جميعًا هي التي رشحت الآداب الإسلامية والعربية لكي تأثر في الآداب العالمية الشرقية والغربية، في أنتاجهما الشعري والنثري معًا.

   لقد كان الشكعة من أكثر من حنا وعطف على الحضارة الإسلامية من خلال دراسة أبعاد وأعلامها وأفكارها ومؤسساتها.

ولم يقف الأمر عند هذه الحدود من الكتابة والتأليف والكشف وإنما استطاع بجهاد متواصل أن يؤصل لفكرة أن دراسات الحضارة الإسلامية جزء أصيل وجوهري في عصب تصور دراسة علوم اللسان العربي في الجامعات والأقسام العلمية المختلفة.

ومثل لزمان طويل صمام أمان في قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس يهبه وجهًا مشرقًا، وصنع الشكعة بما أسسه من دراسة علمية أشرف من خلالها على عدد كبير من الرسائل الجامعية العليا ملامح مدرسة علمية قامت على خدمة المحاور التالية:

أولاً: دراسة أصول ارتقاء الحضارات وانهيارها من خلال فحص ما ورد من الذكر الحكيم والسنة المطهرة.

ثانيًا: دراسة إسهام علماء الإسلام الكبار.. كشفها وتحليلات وتقييمها.

ثالثًا: دراسة جهود المفسرين وعلماء السنة، ومفكر الإسلام في جمع القرآن، وتفاسيره، وجمع السنة وشروحها، ومناهج التأليف.

رابعًا: دراسة الأبعاد السياسية والفكرية والاجتماعية التي تحقق وحدة الأمة، وتعكسها.

   ومن مجموع هذه الأفاق يمكننا أن نضع أيدينا على أعلى ما يميز الراحل الكريم في ميدان خدمة الأمة المسلمة المعاصرة.

استقلال الجامعة: موقف تاريخي:

   وإذا كان ثمة دعوات كثيرة إلى استقلال الجامعات لا تخطئها عين، يراها الليبراليون في عطاء أحمد لطفي السيد، ويراها غيرهم في نشاط حركة 9 مارس، فإن لمتابع المنصف ولا يسعه أن يقدر للشكعة ومن منطلق إسلامي (يرعى مبادئ المساواة والعدل، ومحاربة استغلال النفوذ، وهيمنة السلطة) دوره البارز في خدمة قضية استقلال الجامعة في مصر منذ زمن طويل، ومواجهته أعلى سلطة في البلاد.

   والوعي يرجعون بذاكرتهم إلى عصر السادات ويعرفون رفض الشكعة لمحاربة كلية الآداب، بجامعة عين شمس أن تتميز زوج الحاكم يومئذٍ عندما أرادت أن تلحق بهذه الكلية على أن تمتحن بشكل يظهر تميزها عن بقية الطلاب فرفض وتمسك بالرفض حتى انتقلت الطالبة جيهان السادات لتواصل دراستها للآداب بعيدًا عن آداب عين شمس على الضفة الأخرى من النهر كان ذلك نموذجًا مُشرِّفًا يعكس شرف المنصب وشرف تقدير الزملاء والذين منحوه ثقته ويعكس طبيعة النفس العالمة التي تثق في عطاء هذه الحضارة البديعة.

مروءات الرجال:

   ويحار المرء في التدليل على ما سكن ضمير هذا الرجل من علاقات المروءة الظاهرة التي تحكي بها في مسيرة عمره- رحمه الله- ومن الممكن التوقف أمام بعضها للتذكير بمقام فريد تميز به ولازمة في حياته:

1- يتذكر الجميع موقف الدكتور الشكعة من إرادة الإفساد والمجون الذي كان يتولى كبرها جهات التليفزيون المصري ن في إصرار الشكعة على مقاضاة هذه الجهات من اجل وقف العبث الإعلامي الداعي إلى إفساد منظومة القيم في المجتمع المصري الإسلامي ، وهي ما روج بها إعلاميا بقضية فوازير رمضان في شكل من أشكال اختزال المسألة.

   وهو الأمر الدال على عظم تأثيرات النظر لهذه الحضارة الإسلامية في واحدة من أهم خصائصها وفوائدها وعطاءاتها الإنسانية ألا وهي المنظومة الحضارية.

2- مواقفه في نصرة الأستاذ الجامعي، وتأصيل مكانته في نفوس المتعلمين خصوصا، ونفوس المجتمع عموما، واذكر مما أذكره له تدخله الحاسم في الانتصار لأستاذ تجرأ بعض الطلاب الذين يرون في أنفسهم الوصاية على الإسلام ممن كانوا يرون في أنفسهم دعاة سلفيين، في السيطرة على مسجد كلية، واحتكاره مكان ردة قاطعًا حاسمًا في سوء أدب هذا الطالب، وضرورة تأديبه.

3- مواقفه من تقدير الطلاب، وحفوه عليهم والتواصل معهم بإشكال مختلفة معنوية ومادية.

   والبحث عن سر العبقري وراء ذلك كله كامن في انخراطه المبكرة في صندوق الحركة الإسلامية.

رحم الله العالم الجليل الدكتور الشكعة علمًا ومفكرًا وإنسانًا نبيلاً.

مصادر الترجمة:

1-إخوان أون لاين: د. مصطفى الشكعة يروي حكايته مع الإخوان.

2-جريدة الدستور: وفاة الدكتور مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.

3-مكتبة الفكر الإسلامي: إسلام بلا مذاهب للدكتور مصطفى الشكعة.

4- مقالة د. محمد الجوادي رحمه الله في موقع الجزيرة، وموقع أبو التاريخ.

5- دعوة الحق: 48 العدد.

6- موقع الإسلام اليوم.

وسوم: العدد 1049