الشيخ الداعية المربي الدكتور أحمد محب الدين أبو صالح

sfgfg1050.jpg

(1355- 1433هـ)/(١٩٣6_ ٢٠12م)

هو الشيخ الداعية، والمربي الفاضل د. أحمد محب الدين أبو صالح، أحد أعلام التربية الإسلامية المعاصرين.

سليل أسرة علمية عريقة، فوالده الشيخ محمد ناجي أبو صالح، أستاذ الفقه الشافعي في الثانوية الشرعية في حلب، وأشقاؤه د. عبد القدوس أبو صالح، عميد الأدب الاسلامي، والشيخ بدر الدين أبو صالح.

المولد، والنشأة:

ولد الشيخ أبو أيمن محب الدين أبو صالح في مدينة حلب في سورية عام ١٩٣6م، ونشأ في أسرة مسلمة ملتزمة تحب العلم، وتحترم العلماء.

الدراسة، والتكوين:

درس المرحلة الابتدائية في مدارس مدينة حلب، وحصل على شهادتها عام ١٩٤٩م.

ثم دخل في الثانوية الشرعية ( الخسروية) في حلب، ونهل العلم على شيوخها من أمثال:

الشيخ محمد نجيب خياطة، والشيخ طاهر خير الله، والشيخ محمد أديب حسون، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ عبد الرحمن زين العابدين، والشيخ محمد أبو الخير زين العابدين، والشيخ محمد راغب الطباخ مؤرخ حلب، والشيخ أسعد العبه جي مفتي الشافعية في حلب، والشيخ محمد الحكيم مفتي الحنفية في حلب، والشيخ عبد الوهاب سكر، والشيخ عبد الله حماد، والشيخ محمد الملاح ، والشيخ محمد السلقيني، والمحامي الشيخ عبد القادر كرمان، والشيخ مراد حيلاني، والشيخ أمين عيروض، والأستاذ نجيب الجبل، والدكتور محمد الريحاوي، والأستاذ زاهد عجنجي .

وكان من زملائه في الدفعة الشيخ محمد فاروق بطل، والشيخ حسن عبد الحميد، وعبد الغني مارعي، ومحمد خير عليطو،.. وغيرهم.

وحصل على شهادة الثانوية الشرعية في حلب عام ١٩٥٤م.

ثم دخل في كلية الشريعة في جامعة دمشق، وتخرج فيها عام ١٩٥٩م.

ثم دخل كلية التربية في جامعة دمشق، فحصل على دبلوم في التربية وعلم النفس، في جامعة دمشق عام ١٩٦٠م.

ثم حصل على شهادة الماجستير في قسم التربية والمناهج من كلية التربية في جامعة عين شمس في مصر.

ثم حصل على شهادة الدكتوراه في التربية من نفس الجامعة في مصر.

وكان من شيوخه في كلية الشريعة، فقد درس على يد أعلام الأساتذة الجامعيين الشرعيين أمثال: الدكتور مصطفى السباعي، والدكتور معروف الدواليبي، والعلامة الشيخ مصطفى الزرقا، والأستاذ محمد المبارك، والعلامة بهجت البيطار، والعلامة محمد المنتصر الكتاني، والدكتور فوزي فيض الله، والدكتور فتحي الدريني، والدكتور يوسف العش، والدكتور صالح الأشتر.. وغيرهم رحمهم الله تعالى.

الوظائف، والمسؤوليات:

عمل أحمد محب الدين أبو صالح مدرساً لمادة التربية الإسلامية في مدارس سورية منذ عام ١٩٦٠م.

دخل السجن بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين مع الشيخ محمد فاروق بطل، والشيخ طاهر خير الله، ولم يخرجوا من السجن حتى نزول نكسة حزيران عام 1967م .

ثم هاجر إلى السعودية، فعمل مدرساً لمادة التربية الإسلامية في مدارس السعودية.

وبعد حصوله على الدكتوراه صار أستاذاً في قسم المناهج في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.

ثم عاد إلى سورية قبل ست سنوات من وفاته.

حياته الأسرية:

وهو متزوج من السيدة المربية الفاضلة ثريا قصبجي ( أم أيمن)، مدرسة لغة إنجليزية، ودبلوم في التربية، وله منها عدة أولاد، أكبرهم أيمن، وبه كنيته.

مؤلفاته:

1-مذكرة موجزة في التربية الاسلامية وطرق تدريس العلوم الدينية والعربية _ محب الدين احمد ابو صالح

يتناول هذا البحث العلوم الشرعية - طرق التدريس

والتربية هي عملية مقصودة يوجه بها فرد أو أفراد، نحو أفراد آخرين، ويؤثرون في سلوكهم، والتربية عملية نشاط، وليست شيئاً مادياً، وهذا النشاط يتضمن رعاية، وتوجيهاً، وتنشئة يساعد في تشكيل سلوك الفرد، ويساعد في تنمية جوانب نمو الفرد، العقلي والجسمي، والإجتماعي، والنفسي، والخلقي، تبدأ العملية التربوية في الأسرة، وعلى الأبوين تقع مسئولية تربية الأبناء، وتوجيه نموهم لما فيه حفظهم من غضب الله وعذابه، ولما يحقق إنسانيتهم ومصلحة مجتمعهم، وكان المسجد في المجتمع الإسلامي يساعد الأسرة في العملية التربوية، ولكن هذه المهمة انتقلت إلى المدارس والمؤسسات التعليمية، ويشارك في العملية التربوية بشكل غير مباشر، الأصحاب، والأندية، والصحف، والمذياع، والتلفاز، وينبغي أن تحرص كل هذه المؤسسات التربوية على تحقيق أهداف تربوية موحدة. وتناول الكتاب عدداً من الموضوعات التي تخص العملية التربوية، فعرف التربية، وفرق بينها وبين التعليم. كما ناقش بعضاً من المبادئ والقضايا التربوية، فناقش ضرورة التربية والتعليم، وأكد على أهمية التربية بالنسبة للمجتمع. كما قدم طرقاً لتدريس التربية الإسلامية.

مذكرة موجزة في التربية الاسلامية وطرق تدريس العلوم الدينية والعربية / اعداد محب الدين احمد ابو صالح ...

2-اساسيات في طرق التدريس العامة: مفاهيم، خطوات، مهارات - انشطة / محب الدين احمد ابو صالح.

الطبعة: ط2 تاريخ النشر: 1412هـ ، 1991م

الوصف المادي: 132 ص؛ 24 سم

يعتبر ميدان "طرق التدريس" من أهم ميادين العلوم التربوية، وأوسعها، وأكثرها قابلية للتطور والنمو، لأنه يمثل دائما المحصلة النهائية لنتائج وآثار الدراسات والبحوث والتطبيقات والممارسات المختلفة في مجالات علوم متعددة، وهذا من أهم أسباب ظاهرة تعدد البحوث والتآليف، واختلافها في ميدان "طرق التدريس"، وجاء هذا البحث في مقدمة وتسعة فصول رئيسة. تناول الفصل الأول مفهوم التدريس. وتناول الفصل الثاني تحليل مفردات تعريف مفهوم التدريس. وتناول الفصل الثالث مفهوم الطريقة. وتناول الفصل الرابع مفهوم طريقة التدريس، واستعرض الفصل الخامس أنواع طرق التدريس وتقسيمها. وتناول الفصل السادس العوامل المؤثرة في اختيار طريقة التدريس، وجاء الفصل السابع بعنوان لتكون طريقة التدريس ناجحة. وتناول الفصل الثامن خطوات مشتركة بين طرق التدريس. وتناول الفصل التاسع والأخير بعض الطرق العامة في التدريس، تناولت الطريقة الأولى المحاضرة أو الإلقاء، وتناولت الطريقة الثانية الأسئلة أو المحاورة، وتناولت الطريقة الثالثة المناقشة، وتناولت الطريقة الرابعة الاستنباطية، وتناولت الطريقة الخامسة طريقة هربارت. وفي نهاية البحث تأتي الإشارة إلى قائمة المراجع.

3- التربية الإسلامية عند العلامة أبي الحسن الندوي: دار ابن كثير بدمشق.

4-دور الأسرة في التربية الإسلامية: د. محب الدين أبو صالح

تتفق النظم التربوية على أهمية الأسرة في تربية أبنائها وأفرادها، وعلى دورها الكبير في ذلك، وهي تعدها المؤسسة التربوية الأولى المؤثرة في تربية الطفل، وتكوين شخصيته المستقبلية، والتربية الإسلامية تتفق مع تلك النظم التربوية في ذلك، ولذا نجدها تولي اهتماماً كبيراً بتكوين الأسر وبنائها في المجتمع ، وحيث إن التربية الإسلامية تريد من الأسرة المسلمة أن تكون مؤسسة تربوية إسلامية، وليس مجرد مؤسسة تربوية لا تقيم أهمية لما سيكون عليه أبناؤها وأفرادها، جعلت التربية الإسلامية من وظائفها تربية أفراد المجتمع المسلم الكبار والمسؤولين عن تكوين الأسر على معرفة المبادئ والمعايير والأحكام التي ينبغي أن تراعى في تكوين الأسرة، لتكون أولاً أسرة مسلمة، ولتكون-بالتالي- مؤسسة تربوية إسلامية، صالحة لتربية الجيل المسلم من الأطفال والناشئين، وذلك بتعريف مؤسسي الأسرة المسلمة- الوالدين - بوظائفهما، وواجباتهما التربوية تجاه أولادهم، والناشئين تحت رعايتهم.

إن التربية الإسلامية لا تعد الأسرة مؤسسة تربوية إسلامية إلا إذا روعي في بنائها التوجيهات، والمبادئ والأحكام التي حددها الإسلام لذلك، والتي منها:

أولاً- أن يكون الزوجان صاحبي دين وخلق:

بمعنى أن يكون الزوجان صاحبي فهم حقيقي للإسلام، وتطبيق سلوكي لكل فضائله السامية وآدابه الرفيعة، والتزام كامل بمناهج الشريعة ومبادئها، ولذا وجه القرآن الكريم، وأكدت السنة النبوية أن يكون الدينُ والخلق أساس اختيار الزوجين، قال عليه الصلاة والسلام (تُنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)أخرجه الشيخان وغيرهما.

ثانياً- أن يهتم الزوجان بالإنجاب:

يوجه الإسلام الأزواج إلى الاهتمام بالإنجاب لأسباب متعددة من أهمها أن تكون الأسرة مؤسسة تربوية إسلامية تمد المجتمع المسلم بالأفراد المسلمين، يقول عليه الصلاة والسلام (تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) أخرجه أبو داود والنسائي.

ثالثاُ- أن يقيم الزوجان حدود الله في الأسرة:

بمعنى أن يكون سلوك كل منهما متعلقاً بتنفيذ أوامر الله وأحكامه، فيقوم بما أوجب الله عليه، ويبتعد عما نهى عنه، وأن يعين كل منهما صاحبه على تحقيق ذلك لتصبح الأسرة بيئة تربوية إسلامية، ومناخاً صالحاً لتربية الأولاد ورعايتهم على الوجه الذي يرضي الله ويهيئ للمجتمع أفراداً مسلمين بنائين منتجين صالحين.

رابعاً- أن يكون الزوجان على معرفة بالتربية الإسلامية:

أي بالنظام التربوي الذي جاء به الإسلام لتتم من خلاله عملية صياغة الإنسان المسلم الصالح التقي، فيكونا على دراية وعلم بمفهومها ومتطلباتها ومبادئها وأسسها، وقيمها واتجاهاتها وعلى معرفة ما توصّل إليه علماء التربية المسلمون لتوجيه الفطرة السليمة لدى الأطفال ورعايتها وصونها من الانحراف والزيغ ومعرفة الآراء والتوجيهات التربوية العالمية والحديثة المعينة على تحقيق التربية الإسلامية في الناشئين، مع اليقظة والحذر مما لا يتفق مع مصادرها، لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.

إن توجيه التربية الإسلامية للكبار والمسؤولين عن بناء الأسر في المجتمع المسلم لما ينبغي مراعاته لتكون الأسرة مؤسسة تربوية إسلامية هو الضمان الأول-بعد توفيق الله تعالى- لقيام الأسرة المسلمة بواجباتها وبوظائفها التربوية والتي من أهمها:

1 - المحافظة على جعل الأسرة مؤسسة تربوية إسلامية:

فالطفل مخلوق حساس، وقابل للتأثر والتشكيل من خلال المؤثرات التي تحيط به أو يتعرض إليها، ومن أولها البيئة الأسرية بجميع مكوناتها وعناصرها البشرية والمادية والمعنوية، لذا ينبغي أن تربط جميع تلك العوامل والمؤثرات التربوية في الأسرة بالتربية الإسلامية، وهذا يعني أن يرتبط بها كل من يشرف على شؤون الطفل من مربين ومعلمين وكل ما يقدم له من الأهازيج والأناشيد والقصص والحكايات، ومبادئ العقائد والعبادات والآداب والعادات، ما يؤثر فيه من مجلات وصحف وكتب، وصور ورسوم، وإذاعة وتلفاز وأفلام وغير ذلك.

إن فقدان إقامة حدود الله في الأسرة، وإعطاء الطفل لمربيات أو معلمات غير مسلمات أو غير ملتزمات بالإسلام وتعاليمه يجعل الطفل بعيدا عن التربية الإسلامية لتعرضه لاستماع مفاهيم عقدية ولقيم وقصص وحكايات أو لمشاهدة صور أو رسومات تتصل بثقافات أجنبية غير إسلامية، ولعل لمثل ذلك قال تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بأذنه، ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) ونحن نرى اليوم أن الأسر التي لا تكون مناخاً للتربية الإسلامية تخرج أجيالاً أبعد ما تكون عن الإسلام، وبخاصة في المجتمعات المتداخلة عقدياً وأخلاقياُ.

2 - المحافظة على فطرة الطفل السوية:

إن نجاح الأسرة المسلمة في وظيفتها الأولى يساعدها في نجاحها في وظيفتها الثانية" المحافظة على فطرة الطفل السوية" من الانحراف أو التشويه في أية مرحلة من مراحل نموه- مرحلة الولادة والرضاعة، أو مرحلة الحضانة والطفولة المبكرة، أو مرحلة الطفولة المتأخرة أو دخول المدرسة الابتدائية وهكذا، ويؤكد هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فالأبوان بشخصيهما أو بمن يحضرانه لتربية المولود أو تعليمه ربما يهيئان من عوامل ومؤثرات في تربيته وإعداده هما المسؤولان عن صبغة المولود بصبغة الله والإسلام ، أو صبغته بالصبغة الجاهلية البعيدة عن الإسلام ومنهجه وتعاليمه، ومما يؤكد ذلك أيضا قول الإمام الغزالي: "اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن تعود الخير وتعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكلُّ معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك. وكان الوزر في رقبة القيم والوالي له".

فما أحوجنا جميعاً نحن المسلمين أن نتعرف على دور الأسرة في التربية الإسلامية، وأن نعمل على بناء أسرنا المسلمة في ضوء المبادئ والتوجيهات التي يدعو إليها الإسلام فيكون الزوجان صاحبي دين وخلق، ومهتمين بالإنجاب ومقيمين لحدود الله في الأسرة وعلى معرفة بالتربية الإسلامية لتتمكن من القيام بوظائفها التربوية والتي من أهمها: جعل الأسرة مؤسسة، تربوية إسلامية، والمحافظة على فطرة الطفل السوية في جميع مراحل نموه

وفاته:

توفي الشيخ د. أحمد محب الدين أبو صالح في مساء يوم الأحد 9 جمادى الأولى عام 1433 / الموافق 1 نيسان عام ٢٠١2م.

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

أصداء الرحيل:

تعزية الدكتور محب الدين أبو صالح:

الأحد 25 جمادى الآخر 1434 - 5 مايو 2013م

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكلُّ شيء عنده بأجل

وإنا لله وإنا إليه راجعون

ببالغ الحزن والأسى تنعَى رابطة العلماء السوريين إلى الأمَّة الإسلاميَّة العالمَ والمربِّيَ الفاضل الدكتور محب الدين أبو صالح (1355-1433هـ/ 1936-2012م)

أحد أعلام التربية الإسلاميَّة المعاصرين

الذي تخرَّمته يد المنيَّة بعد معاناة مرض شديد، وصبر طويل على آلامه

في مساء الأحد 9 جُمادى الأولى 1433هـ (1 نَيسان 2012م)

في مدينة حلبَ الشهباء، وكان الدَّفن بعد صلاة العصر من يوم الاثنين 10 جُمادى الأولى 1433هـ (2 نَيسان 2012م).

وإن رابطة العلماء السوريين لتعزِّي أسرةَ الفقيد عمومًا، وشقيقَه الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيس رابطة الأدب الإسلاميِّ العالميَّة خصوصًا

سائلةً المولى الكريمَ سبحانه: أن يتغمَّدَ الفقيد بالرَّحمات، وأن يجعلَه في علِّيين، وأن يلهمَ أهله وذويه وطلابه وأحبابه الصَّبرَ والسُّلوان

وأن يأجرَهم في مصيبتهم، وأن يعوِّضَهم ويعوِّضَ الأمَّة الإسلاميَّة خيرًا

وسائلةً المولى سبحانه: أن يرحمَ شهداءَنا، ويشفيَ جرحانا، ويفكَّ أسرانا، ويحفظَ الثوار المجاهدين في سوريا ضد أعتى أنظمة الظلم والقتل والإجرام في بلدنا المنكوب بسلطة غاشمة فاسدة مستبدة، وأن يعجِّل بالخلاص من هذه الطغمة المجرمة المستكبرة في الأرض بغير حق، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وكتب الشيخ الداعية د. محمد فاروق البطل الأمين العام لرابطة العلماء السوريين شافاه الله، وعافاه يقول: أبا أيمن! رفيق والشباب والدعوة والدراسة، رحمك الله وأحسن عزاءنا فيك وأكرم مثواك

الأخ الحبيب الأستاذ الدكتور أحمد محب الدين أبو صالح تجمعني وإياه ذكريات لا تُنسَى، قديمة قِدم نشأتنا معاً، والتي امتدت ستين سنة تقريباً، لم تفصلنا إلا الغربة وذلك حين عاد إلى حلب قبل ست سنوات أو يزيد، بعد أن تقاعد عن التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود.

وأنا محروم من العودة إلى حلب منذ عام 1980 بمقتضى قانون العار /49/ الذي يحكم بالإعدام عليَّ وعلى أمثالي.

كان -رحمه الله تعالى- يحرص على زيارتي في جدة، كلما قدم إليها لأداء العمرة وزيارة نجله الكريم حازم في الرياض، وأستغفر الله العظيم عن تقصيري في حقه لدى زيارته الأخيرة إلى جدة، واتصاله بي، ونزوله في فندق قريب مني، ولكنني بسبب ارتباطاتي الكثيرة في رمضان المبارك، لم أحسن لقاءه، ولا التمتع بالجلوس إليه، والإفادة منه، وتوديعه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

بدأت مسيرتنا في هذه الدنيا بالولادة في عام واحد 1936م، وأخذنا الشهادة الابتدائية في عام واحد 1949م، ودخلنا الثانوية الشرعية سنة أولى متوسط عام 1949وتخرجنا معاً من الثانوية الشرعية عام 1954، وتعرضنا لحادثة تسمم من أكلة جبن عند الفطور، في جامع التكية السليمانية حيث مقر الثانوية الشرعية في دمشق، وقد كنا نؤدي اختبار الثانوية الشرعية.

وانتسبنا إلى كلية الشريعة في جامعة دمشق عام 1955م، وكنا ثاني فوج ينتسب إليها، وثاني فوج يتخرج منها عام 1959م، وانتسبنا إلى كلية التربية، فنلنا شهادة الدبلوم العامة في التربية في عام واحد 1960م، وكانت أختنا السيدة المصون ثريا قصبجي (أم أيمن) ـ حفظها الله ـ معنا في دراسة شهادة الدبلوم تخصص لغة انجليزية، لكنها كانت خطيبته، ولم يتزوجا بعد .

دخلت والأخ أبو أيمن أكرم الله مثواه في سلك التدريس في عام واحد /1960/مدرسَين لمادة التربية الإسلامية.

لكنني كنت مدرساً في ثانويات إدلب وكان مدرساً في ثانويات حلب، وخلال عملنا التدريسي حصلت وإياه على شهادة الحقوق في عامين مختلفين هذه المرة، ثم افترقنا في مجال التخصص. حيث تابع الأخ أحمد محب الدين دراسة الدبلوم الخاصة في التربية، وتابع بعدها دراسة الماجستير، ثم الدكتوراة في التربية قسم المناهج من جامعة عين شمس في القاهرة، أما أنا فقد حاولت أن أتابع الدراسات العليا في الحقوق في جامعة القاهرة، لكن كان الأمْن المصري لي بالمرصاد أيام جمال عبد الناصر حيث مُنِعت من دخول مصر، وحيل بيني وبين دراسة الدكتوراة في الحقوق.

ومن المؤسف والمؤلم والغريب أن يستمر قرار منعي من دخول مصر حتى عام 2012 لكنني أُبلغت أخيراً في الشهر الثاني من هذا العام وبعد وساطة من الأخ د. صفوت حجازي وغيره إلغاء حظر دخولي إلى مصر . وأرجو أن يكون الأمر حقيقياً وصحيحاً.

جَمَعَنا سجن واحد، وفي غرفة واحدة عام 1967، حين قرر النظام البعثي الطائفي البغيض بشخص حافظ أسد وزير الدفاع السوري آنئذ، أن يعقد صفقة الخيانة مع العدو الإسرائيلي، يسلمهم مرتفعات الجولان ، في مقابل أن تضمن له إسرائيل رئاسة سورية ، ويجعلوها حقاً له، وإرثاً من بعده لأولاده.

خمسة وثلاثون يوماً مع الأخ أبي أيمن، والشيخ طاهر خير الله، والأستاذ عمر شوقي زين العابدين، والأستاذ مسدي الناشد وغيرهم... رحم الله تعالى مَن مضى إلى ربه، وحفظ مَن بقي على قيد الحياة

نعم... خمسة وثلاثون يوماً، لا نعرف ليلاً من نهار، ولم نر فجراً ولا شمساً، ولم نلق بشراً لا من الأهل ولا من الولد ولا من الأصحاب، سوى الجلاَّد البدوي جاسم في قبو قرب مبنى البريد وقيادة المنطقة الشمالية، والأغرب من هذا أننا لم نعرف لنا تهمة، ولم يُوجَّه لنا اتهام، ولم نُدعَ إلى تحقيق!!

خرجنا من هذا القبو (القبر) صفر الوجوه كأننا أموات، وسألني أبو هاشم الشيخ طاهر مالك أبا عمار! أراك أصفر الوجه؟! أجبته: بنفس سؤاله.

نُقلنا مع الإخوة الأبرار ـ وهم، جامعيون مثقفون علماء ومدرسون ـ إلى ثكنة هنانو، ثم إلى سجن حلب المركزي، ونحن لا نعرف أين المقر؟ ولا متى الفرج؟! ثم جاء التفسير حين دعانا عبد الغني السعداوي محافظ حلب بتاريخ 5/حزيران 1967 إلى مبنى المخابرات القريب من مبنى البريد، والقريب كذلك من الحديقة العامة ، في هذا اليوم المشؤوم أبلغنا هذا المسؤول نبأ سقوط الجولان بعملية تسليم بشعة وخيانة كبيرة، وتفاصيل هذه الصفقة الخيانية أضحت معروفة مشهورة، كتب فيها كتب وأبحاث، لا حاجة للخوض في تفاصيلها... ثم أبلغنا هذا المسؤول قرار الإفراج عنا، بعد أن اعتذر منا ، ولكنه لم يعطِنا مبرراً واحداً لاعتقالنا، ولا سبباً لذلك ، وهكذا أضحى الأمر مفهوماً جداً ، تشرحه وقائع الأحداث فيما بعد، فكلما أراد الطغاة أن يرتكبوا جريمة، أو يعقدوا صفقة، أو يمارسوا خيانة ، كان على الإسلاميين والأحرار والشرفاء أن تُغيِّبهم السجون والمعتقلات حتى لا يُسمَعَ لهم صوت، ولا تنطلق منهم مظاهرة، ولا تظهر منهم حركة احتجاج .

يقودني خبر السجن هذا إلى الحديث عن كوني وأبو أيمن كنا في مدرسة دعوية واحدة، وجماعة إسلامية واحدة، وكان الأخ أبو أيمن أخاً قيادياً في مرحلة من المراحل أجزل الله مثوبته.

كنت ألجأ إليه مستشيراً في شأن المنهج التربوي للجماعة، خاصة وأنه كان متخصصاً في المناهج، وأستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود كلية العلوم الاجتماعية، قسم المناهج .

فعلت هذا مرة في حلب، وقد وضعنا منهجاً تربوياً للأسر، ومرة أخرى في الرياض أستشيره في المنهج التربوي الذي وضعه التنظيم العالمي للجماعة.

افترقت أجسامنا بين جدة والرياض، أو بين جدة وحلب... لكن لم تفترق قلوبنا... كان هو في الرياض يدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود، وكنت أنا في جدة أدرِّس في جامعة الملك عبد العزيز، لكنني كنت إذا نزلت الرياض نزلت ضيفاً عليه في البيت في بعض الأحايين .. وكنت أجد منه حرصاً مخلصاً ودوداً على استضافتي، وكنت أحس أن ثمة واجب عليَّ أن أزوره كأولوية لي كلما قدمت الرياض.

لم تجمعني والأخ أبو أيمن أحمد محب الدين مقاعد الدراسة فقط، ولا ميادين الدعوة والجماعة فقط، بل كان يجمعني وإياه ـ رحمه الله تعالى ـ إضافة إلى ما تقدم أمران مهمان:

أ : محبة عميقة وصداقة وفية وأخوة ودودة ووحدة حال طويلة.

كان والده النحوي الشافعي الشيخ محمد ناجي أبو صالح أستاذاً لنا في الثانوية الشرعية، وكان يدرِّسنا النحو والصرف، وأنا إن كنت على قدر من الضبط اللغوي والنحوي، فالفضل في ذلك بعد الله لشيخنا أبي محمود الشيخ ناجي، وبخاصة في تدريسه لنا مادة التطبيق في النحو والصرف .

كان شيخنا الجليل أبو محمود أستاذا حازماً جاداً، وكانت فيه رجولة وشجاعة، وكانت له هيبة وجلال، وتقدير واحترام، وقلَّ أن يبتسم للطلاب لكن هذا لم يمنعه أن يكون أول مدرب لي على السباحة في حمامات الشيخ عيسى ذات المياه المعدنية .لكنني كنت تلميذاً فاشلاً في هذه الرياضة.

كنت أشعر أنني قريب من الشيخ، أظفر ببسمته ومودته وعطفه ، ولعل علاقتي الودودة بأبنائه الكرام كانت سبباً في ذلك ، فكانت لي علاقة ودودة مع الأخ الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى، والأخ الدكتور عبد القدوس ، والأخ الأستاذ عبد الرحمن حفظهما الله تعالى ، وكان لي تعاون دعوي مع ابنته الداعية ناجية رحمها الله تعالى وكانت ابنته السيدة بهيجة(أم صبحي) طالبتي في المرحلة الثانوية ، وأخيراً نشأت لي علاقة ودودة مع ابنه الأكبر الأستاذ محمود الذي جمعتني وإياه دار الغربة في فرانسا، وفي مدينة ليون ، حين كنت أزور صهره الأخ العزيز د. نذير حكيم (أبو مؤمن) عضو اتحاد المنظمات الإسلامية في فرانسا، وعضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري المعارض . أذكر أن أبا ناجي محمود سألني مرة عن صهره أبي مؤمن قائلاً : هل أعجبك أبو مؤمن ؟ لما خطَّبته ابنتي قام عليَّ إخوتي وأنكروا عليَّ أن أزوجها من بعثي يعني (أبا مؤمن).

وإذن فقد جمعتني والأخ أبو أيمن علاقة أعتز بها هي علاقة أسرية شملت حتى والدته أم محمود رحمها الله، وقد قمت بعيادتها في مرضها الأخير، استقبلتني بحفاوة وتكريم باعتباري صديق أولادها .

وذكرياتي مع هذه الأسرة الكريمة كثيرة، ولكن لا تتسع لها كلمة العزاء هذه.

أما الأمر الثاني (نشأة تعليمية وفكرية ودعوية واحدة):

فقد كانت ظروف نشأتنا وطفولتنا وشبابنا وكهولتنا وشيخوختنا واحدة، يكفي أن أقول: لقد استمرت زمالتنا على مقاعد الدراسة في فصل دراسي واحد إحدى عشرة سنة، ومِن ثمَّ فقد كانت ثقافتنا واحدة، ومكوناتنا التربوية والدعوية والاجتماعية واحدة، ومناهجنا التربوية واحدة، نشأت والأخ أبو أيمن في ثانوية واحدة، وأسرة إخوانية واحدة، وجامعة واحدة، وتخصص واحد، بل وقد كان أساتذتنا الذين أسهموا في تعليمنا وتربيتنا و توجيهنا، هم أيضاً نفس الشيوخ ونفس الأساتذة .

ففي الثانوية الشرعية كان أساتذتنا عليهم الرحمة والرضوان هم: الشيخ محمد راغب الطباخ مؤرخ حلب، والشيخ أسعد العبه جي مفتي الشافعية في حلب، والشيخ محمد الحكيم مفتي الحنفية في حلب، والشيخ أبو الخير زين العابدين، والشيخ عبد الوهاب سكر، والشيخ عبد الله حماد، والشيخ محمد الملاح ، والشيخ محمد السلقيني، والمحامي الشيخ عبد القادر كرمان، والشيخ مراد حيلاني، والشيخ أمين عيروض، والأستاذ نجيب الجبل والدكتور محمد الريحاوي، والأستاذ زاهد عجنجي .

كذلك كان الأمر بالنسبة لأساتذتنا في كلية الشريعة، فقد درسنا معاً على يد أعلام الأساتذة الجامعيين الشرعيين أمثال: الدكتور مصطفى السباعي، والدكتور معروف الدواليبي، والعلامة الشيخ مصطفى الزرقا، والأستاذ محمد المبارك ، والعلامة بهجت البيطار، والعلامة محمد المنتصر الكتاني، والدكتور فوزي فيض الله، والدكتور فتحي الدريني، والدكتور يوسف العش، والدكتور صالح الأشتر.. وغيرهم رحمهم الله تعالى.

ونفس الأساتذة المختصين درَّسونا سواء في كلية الحقوق ، أو في كلية التربية ولذلك قد لا أبالغ إن قلت: كنت والأخ أبو أيمن رحمه الله تعالى نسختين طبق الأصل، وهذا يذكرني بكلام الشيخ الجليل العلامة محمد نمر الخطيب رحمه الله تعالى وقد كان في طلعته وجماله وعِمته وجُبته وطوله أشبه ما يكون بشيخنا وأستاذنا الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى قال الشيخ نمر:كان أحدهم إذا رآني قال : هذا مصطفى السباعي ، وإذا رأى السباعي قال: هذا الشيخ نمر الخطيب . هذا إضافة إلى ما كان يجمع بين الرجلين من علم ودعوة وقيادة ودراسة مشتركة في الأزهر، وجهاد في أرض فلسطين المباركة.

كان الأخ أبو أيمن ـ طيب الله ثراه ـ أبيض البشرة، أشقر الشعر، مربوع القامة وكذلك إخوته، والأسرة الكريمة هذه كانت تقيم في حي المشارقة، وهو حي من أحياء حلب القديمة المشهورة يتميز أهله بالشجاعة والجرأة والنخوة، واللهجة الحلبية الأصيلة، وبعدها انتقلت إقامة هذه الأسرة الكريمة إلى حي السبيل الراقي.

بقف في الأمام مع أعضاء بعثة جامعة الإمام إلى الفلبين زامبوانجا عام 1979م وخلفه بالقميص الأبيض الأستاذ عبد الرحمن النحلاوي وعلى يمينه محمد خير العرقسوسي رحمهم الله.

وقد قرأت فيما قرأت أن بعض أسر حي المشارقة وفدوا إلى حلب مهاجرين من البوسنة، ومنهم آل أبو صالح، ولعل هذا يُفسِّر بياض بشرتهم وشقرة شعرهم، ويبقى على الأخ د. أبو يمان عبد القدوس أبو صالح ـ حفظه الله تعالى ـ أن يثبت هذه الرواية أو ينفيها.

وأخيراً أقول: كانت مشكلة أبي أيمن كمشكلتي لم نوحِّد الاختصاص العلمي ولم ندخل فيه بعمق، جمعنا ما بين دراسة الشريعة والحقوق والتربية .

أقول هذا نقداً لي ولمن وقع في خطئي، كنت أتمنى أن أركز على اختصاص واحد لأنتج فيه، وأؤلف فيه، وأسهم في تطويره، كما كنت أتمنى لأخي أبي أيمن الذي فرحت له حين اتجه إلى التخصص في علم التربية، وحصل فيه على درجة الدكتوراة، ثم درَّسه سنوات طوالاً، هذا العلم الهام هو واحد من العلوم التي أُهمِلت كعلم الاجتماع وعلم السياسة ، وعلم الاقتصاد، وغيرها من العلوم الإنسانية التي من شأنها أن تبني الإنسان والمجتمع والدولة، وسبب إهمال هذه العلوم في نظر الكثيرين أنها لا تطعم خبزاً، ولا تحقق وفراً، ولا تنتج مالاً، على العكس من دراسة الطب والهندسة ، وغيرها من علوم الخدمات، ولذلك أقبل عليها الطلاب الأذكياء النابهين المتفوقين، وكانت تلك أمنية آبائهم وأمهاتهم!!.

وإذن فلا عجب حين أفرح لاتجاه أخينا أبي أيمن للتخصص في هذا العلم.

لكن كنت أتمنى أن يعمق اختصاصه فيه ليخدمه أكثر، وليؤلف فيه، ويؤسفني أن أقول أنني لم أطلع على كتاب له في هذا الفن سوى مذكرات وكرَّاسات قررها على طلابه، وكتاب له صغير أهداني إياه، أتمنى على نجليه الكريمين أيمن وحازم أن يعملا على طباعة آثار والدهما رحمه الله تعالى .

وأقول أيضاً: من عرف الفترة الطويلة التي قضاها الأخ أبو أيمن في المرض يعذره إن كان قد قصر في إنتاجه العلمي.

اللهم ارحم أخانا أبا أيمن، وأجزل مثوبته، وتقبله في عبادك الصالحين، واجعل قبره روضة من رياض الجنة يا رب العالمين.

التاريخ  

محمد فاروق البطل

19/5/1433الموافق11/4/2012  

خادم رابطة العلماء السوريين

مصادر الترجمة:

  • رابطة العلماء السوريين.
  • مواقع الكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1050