الأديب الداعية داود سلمان العبيدي

( ١٩٣١_ ١٩٩٠م )

هو الأديب الداعية داود سلمان العبيدي ينتمي إلى قبيلة عبيد العربية الأصيلة، وهو أحد أبرز كتاب القصة الاسلامية في العراق .

ولكنه تعرض للاهمال، فجميع مؤلفاته كانت قد طبعت قبل عشرات السنين، ولا زال بعض الاخوة والاخوات يبحثون عن نسخ من هذه المؤلفات لقراءتها والتي كانت تنفد من المكتبات بعد نشرها بفترة قصيرة نظرا لجاذبيتها ولاسلوبها الساحر.

وكانت أغلبها قصص مستوحاة إما من القرآن الكريم كقصة اصحاب الكهف ( قادم من وراء السنين )، وقصة اصحاب الأخدود ( فتاة الجزيرة .. والتي كان من المفترض ان يكون عنوانها حدث في المدينة، ولكن الناشر او صاحب المطبعة أخطأ فوضع عنوان الفصل الاول فتاة الجزيرة بدل عنوان القصة حدث في المدينة ) أو من احاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام مثل ( جبل التوبة، قصة الرجال الثلاثة ) او من واقع الحياة مثل ( حديث الشيخ ) أو من وحي خياله مثل ( القرار، شهرزاد في الليلة الاولى في الليلة الثانية بعد الالف )، ولكن وللاسف الشديد فان اغلب هذه المؤلفات لم يبق عندي نسخ منها لاسباب عديدة، ثم اخبرني بعض الاخوة ان هناك على الانترنت مواقع عدة باسم داود سلمان العبيدي وان بعض القصص منشورة فيها، وفعلا قمت بالبحث عن هذه المواقع ووجدتها مع بعض القصص المنشورة فيها مع كثير من تعليقات الاخوات الفضليات والأخوة الأفاضل الذين أعجبوا بهذه القصص وأسلوبها الفريد من نوعه الذي يشد القارئ شدا، ووجدتهم لا يعرفون شيئا عن هذا المؤلف ولا من اي بلد هو، لذلك ارتأيت أن اكتب شيئاً عن سيرته وحياته ليطلع عليها الاخوة والاخوات القراء .

اسمه، ونشأته:

   ولد الأديب عبد الرحمن داود سلمان زين العابدين العبيدي في بغداد – سوق الجديد – الكرخ – بتاريخ 1/7/1931 م من اسرة فقيرة حاله حال اكثر العوائل العراقية القديمة، فقد كان والده رحمه الله نجارا يعمل في صناعة القوارب الصغيرة ( البلم ) على نهر دجلة .

   ولديه من الاخوة اثنان، ومن الاخوات ثلاث، وجميعهم اكبر منه سنا، وقد توفوا رحمهم الله جميعا.

التجربة السياسية:

   تأثر في بداية شبابه، ونشأته بفكر الاخوان المسلمين ومؤسس الجماعة الامام المصلح الشهيد حسن البنا رحمه الله رحمة واسعة.

وكان نشطا جدا في مجال الدعوة إلى الله مما أدى إلى اعتقاله وتعرضه للتعذيب مع مجموعة من أعضاء الإخوان في سنة 1971.

الدراسة، والتكوين:

حصل على شهادة البكالوريوس من كلية التجارة والاقتصاد تخصص محاسبة.

   وبعد تخرجه من الكلية التحق في الجيش لأداء الخدمة الالزامية ضابطاً برتبة ملازم لكونه خريج كلية في أواخر الخمسينات.

وبعد أن تسرح من الجيش عمل موظفاً في المديرية العامة للبرق والبريد والهاتف في بغداد قرب سوق الشورجة.

واستمر في الوظيفة في هذه الدائرة لحين احالته على التقاعد بدرجة مدير حسابات أقدم وذلك بعد ان قدم عدة طلبات لاحالته على التقاعد عند بلوغه السن القانونية للتقاعد وذلك لكي يتفرغ لكتابة السيرة النبوية ولكن طلباته كانت ترفض لكفائته ونزاهته واتقانه لعمله وأخيراً وافقوا على طلبه .

تزوج في سنة 1959 من أخت الدكتور منير حميد البياتي، ورزق منها ببنتين وولدين.

هواياته:

   كانت أولى هواياته هي القراءة والكتابة وخصوصاً الكتب الدينية مثل تفاسير القرآن الكريم، وكتب الإعجاز العلمي والبلاغي، وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وسيرة الصحابة الكرام، وكتب الحديث والفقه ومؤلفات الامام الشهيد حسن البنا، والشهيد سيد قطب رحمهما الله رحمة واسعة، ثم الكتب الأدبية وخصوصاً مؤلفات الأديب الفذ مصطفى صادق الرافعي (رحمه الله ) الذي هاجم باسلوب لاذع دعوات طه حسين... وغيره لنشر تبرج المرأة في المجتمع المسلم والتقليد الأعمى للغرب .

وكذلك كان يحب قراءة أشعار احمد شوقي، ووليد الاعظمي، وكثير من القصص العالمية لديستوفيسكي وشكسبير وارنست همنجواي ...وغيرهم.

وكان رحمه الله سريع القراءة . ( ويظهر في احدى الصور وهو يقرأ كتاب داخل مطعم مع مجموعة من اصدقائه عند احتفالهم بزواج احدهم ).

   ومن هواياته ايضا صيد السمك بالسنارة او الشص من نهر دجلة تحت جسر الصرافية في منطقة العطيفية حيث كان الجلوس على ضفاف نهر دجلة وقت العصر وعند غروب الشمس يوفر له المناظر الخلابة والهدوء والسكينة للتفكر والتأمل .

سفراته:

سافر وزار سوريا وفلسطين ( القدس ورام الله والخليل كما يظهر في الصور ) في الخمسينات والكويت في الستينات والسبعينات والسعودية للحج مرتين في السبعينات.

وكذلك زار تركيا مع افراد عائلته سنة 1978م، اما سفراته داخل العراق لمختلف المدن والقرى والقصبات لأغراض الدعوة.

مؤلفاته:

كانت جميع مؤلفاته يكتبها باسم داود سلمان العبيدي لانه كان لا يحب الشهرة والظهور ولطبيعة الوضع الامني السيئ في العراق في تلك الحقبة بالنسبة للدعاة العاملين ( ماعدا قصة السيرة النبوية – العهد المكي فقد نشرت باسمه لانه توفي قبل ان يتمها فقام الدكتور منير البياتي جزاه الله خير الجزاء باتمامها اقتباسا من تفسير ابن كثير )، ومن مؤلفاته رحمه الله:

1- جبل التوبة: داود سليمان العبيدي

موضوع رواية جبل التوبة مستوحى من القصة الواردة في الحديث النبوي الشريف عن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، وظل يسأل ويتساءل هل له من توبة، حتى هداه الله عز وجل إلى عالم وختم له بالخير عندما حسنت نيته وصدقت توبته.

حينما يضيق الصدر…ويشتدّ الكرب…ويعظم الخطب…وتفقد الحيلة…

حينما تُنشد الحقيقة…وترنو النفس إلى آفاق رحبة…حيث السعادة والراحة والطمأنينة…

حينما تتلبّد الغيوم…وتبكي السماء…وتمتلئ المآقي بالدموع…

حينما يصحّ العزم…وتصدق النيّة..لينبثق من فجرها قرار التغيير…حينها فقط…

تتحوّل النيّة إلى عمل دؤوب…وسعي متواصل…نحو الغاية المنشودة..ويبقى بينها وبين صاحبها قيد شبر…ليقف أمامه الموت بالمرصاد…فكيف كانت النهاية؟؟

2- حديث الشيخ: وتحكي قصة واقعية حدثت في العراق عندما كان أحد شباب الدعوة ملتزما في درس الشيخ د.زيدان، ولكنه ذهب إلى السينما مجارات لزملائه فانحرف عن الدعوة وضل الطريق وبقي فترة كذلك حتى زاره إخوانه وأحبابه القدماء فعاد إلى رشده وتاب إلى الله .

3- القرار.

4- زيد بن ثابت: كتيب عن الصحابي الجليل كتبها للشباب.

5- صهيب الرومي: سلسلة أعلام الصحابة.

6- ابو هريرة: كتيب كثير النفع رغم صغره.

7- فتاة الجزيرة ( والتي كان من المفترض ان يكون عنوانها حدث في المدينة).

8- القافلة: رواية داود سلمان العبيدي

   يتحدث فيها عن قافلة قريش التي خرجت من مكة تلك التي كانت الشرارة الأولى لغزوة بدر، وما حصل بعدها من إحداث أعظم غزوات الإسلام وكيف نصر الله نبيه في تلك الغزوة.

   يعتبر كتاب القافلة داود سلمان العبيدي من الكتب المهمة التي أحاطت بالكامل بموضوع الكتاب، وشملت دراسة كل جوانبه دراسة بحثية معمقة ومنقحة والتي من شأنها اثارة اهتمام الباحثين والطلاب المهتمين بالدراسات والبحوث في المجال .

9- قصة الرجال الثلاثة: أخذها من الحديث عن الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فنجوا جميعا.

10- قادم من وراء السنين.

11- شهرزاد في الليلة الاولى في الليلة الثانية بعد الالف.

12- قصة السيرة النبوية ( العهد المكي ) سيرة ودعوة

وجميع هذه المؤلفات مطبوعة ومنشورة.

13- مجموعة قصص للاطفال ( لم تطبع، ولم تنشر )

   وكان من اهم مايميز مؤلفاته رحمه الله هو الدعوة الى الاسلام، واظهار محاسنه باسلوب قصصي شيق، وكذلك عامل الاثارة والجذب والتشويق الذي يشد القارئ ويجعله يتلهف لمعرفة ما سيحدث.

   وكذلك عامل الوصف الدقيق للمكان والاشخاص والملابس وكأنك تعيش الحدث .

بعض التفاصيل المهمة عن حياته:

1- من الصفات المهمة التي كان يتصف بها هي صلة الرحم وكان حريصا على دعوتهم للصلاة والالتزام بصورة مباشرة او غير مباشرة .

2- كان يحب المزاح والفكاهة الصادقة البريئة مع الصغار والكبار .

3- كان يستطيع تأليف قصة من نسج خياله او ابيات من الشعر الشعبي للاطفال فوريا .

4- عندما كنا صغارا كنا في اغلب الاحيان لاننام ليلا الا بعد ان يحكي لنا قصة من نسج خياله والتي لاتخلو من الطابع الاسلامي المميز وكذلك كان يضع لنا هدايا تحت الوسادة في اول ايام عيد الفطر والاضحى لنفرح بها قبل ان نذهب الى المسجد لصلاة العيد واستمر على هذه الحال حتى عندما دخلت كلية الهندسة .

5- كان في شبابه يكتب مذكرات يومية حول اهم الاحداث التي تمر به في الشارع او البيت وكذلك الاحداث السياسية المهمة التي مر بها العراق ولكنها ضاعت للاسف الشديد .

6- كان حريصا على تطبيق الحديث النبوي الشريف فيما يخص الحيوانات والطيور ( في كل كبد رطبة اجر ) فكان يقطع بقايا الخبز قطعا صغيرة ويرميها في حديقة الدار كل صباح فكانت الطيور تتجمع بكثرة عليها حتى انها اعتادت على هذا فكانت تتجمع على اشجار الحديقة صباحا بانتظار فطورها , وكذلك كان يضع جفنة صغيرة يملؤها ماءا على جدار السطح فكانت الطيور تشرب منها دائما مع ان نهر دجلة قريب جدا من الدار .

7- كنا في مجلس عزاء وكان القارئ يقرأ القرآن الكريم وعندما تلا القارئ آية فيها سجدة جثا على ركبتيه باتجاه القبلة وسجد ثم عاد للجلوس والجميع ينظرون اليه .

8- كان حريصا على ان يحفظ ابناؤه وبناته سور القرآن الكريم منذ الصغر فكان يعطينا نقودا على كل سورة نحفظها مع ان راتبه الشهري لايكاد يكفيه ويسكن دارا بالايجار وكذلك كان يشتري لنا القصص الدينية حول قصص الانبياء وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وسيرة الصحابة الكرام وكان حريصا على ان يدخلنا افضل المدارس الموجودة في بغداد حتى لو كانت بعيدة عن دارنا مثل الغربية المتوسطة والاعدادية المركزية وثانوية كلية بغداد بالنسبة لابنائه ومتوسطة الاخت المسلمة لبناته .

9- كان كثير التلاوة للقرآن الكريم خاصة في شهر رمضان المبارك .

10- من اهم شيوخه واساتذته الذين تتلمذ على ايديهم هو الدكتور عبد الكريم زيدان .

11- كان معجبا بالكاتب والاديب مصطفى صادق الرافعي لتمكنه من اللغة العربية ولدفاعه القوي عن الدين والالتزام بالحجاب والعفة ضد طه حسين وقاسم امين الذين تتلمذوا على يد فرنسا وكانوا يدعون الى السفور والاختلاط ونبذ تعاليم الاسلام , وكذلك كان معجبا بالقارئ العراقي الحافظ خليل اسماعيل رحمه الله .

وفاته:

   توفي رحمه الله رحمة واسعة في يوم الجمعة 26 شعبان سنة 1410 الموافق 23/3/1990 م وقد طلب مني ان نصلي صلاة الجمعة في مسجد تكون خطبته قصيرة وفعلا ذهبنا لصلاة الجمعة ( مع اخي الاصغر محمد ) في جامع عادلة خاتون في منطقة العيواضية وعندما عدنا الى البيت اضطجع على جنبه الايمن ونام ثم بدأ يشخر بقوة فاجلسناه فورا ولكنه كان ينازع الموت وفاضت روحه الى بارئها خلال اقل من دقيقة , وتم دفنه في مقبرة الكرخ الاسلامية في منطقة (ابو غريب ) وحضر للصلاة عليه عدد كبير من اقاربه واصدقائه ومعارفه.

رحمه الله رحمة واسعة، واسكنه فسيح جناته .. آمين .

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

تنفسوا بعمق ..

فهاهنا سنتكلم عن أدب متفرد لكاتب أكثر تفردا ..

لن يكون هذا الأديب إلا

داود سلمان العبيدي ...

عندما تدور بعينيك على جل روايات العبيدي .. ستقول فاردا يديك في انتقاص : ماذا كتب هذا ؟.. إنه يردد قصصا معروفة منذ عهد النبوة .. ما الجديد الذي أضافه ؟!

التحدي الذي خاضه الأديب العبيدي هو : كيف أمكنه الإمساك بتلابيب دهشة القارئ حتى النهاية .. النهاية التي يعرفها الجميع مسبقا ...

و نجح باقتدار هذا الكاتب المذهل ...

جبل التوبة / قادم من وراء السنين / فتاة الجزيرة / الرجال الثلاثة / القافلة / شهر زاد

هذه الروايات لم تكن في أساسها إلا قصصا يعرفها الجميع ... مالذي فعله العبيدي حتى أصبحت متلقف الأيدي ..؟!

. عندما تنظر في أسلوب الكاتب ستلاحظ أن ملكة الوصف لديه عالية .. اهتمامه بالتفاصيل ( وصف شخوص الرواية / ملابسهم / أصواتهم ) و بإمور أخرى صغيرة ... و عرضها بطريقة رشيقة للغاية لا تحسسك بالملل .. فهو يعطيك إياها لمحات أو ومضات تزيدك انسجاما في جو الرواية دون شعور بالتكلف أو الثقل ... مع أنه أحيانا يتعمق كثيرا بالوصف حتى أنني أميل إلى اعتبارها نقطة سلبية في حين تروق للبعض و يرونها شيئا محبذا ....

.. الحوار السلس و الغريب في بعض الأحيان تجده كسلسلة تربط أجزاء الرواية ببعضها ... كلمات الحوار .. تلقي في نفسك شعورا بأنك تنظر إلى هؤلاء الذي يتحدثون .. تراقب حركات أيديهم و قسمات وجوههم ... باختصار تراهم و كأنك أمام دار للسينما ...

.. ملكة الخيال لدى العبيدي مذهلة .. أمسك برواية ( فتاة الجزيرة ) مثلا .. تلك القصة التي نقرأها صفحة واحدة في أحد كتب الحديث .. تجدها هنا في أربعة أجزاء .. مما يدلل على أن خيال الكاتب قام بتسديد أجرة هذه الأسطر الكثيرة ..

الاستطراد كان هو العامل السلبي في روايات العبيدي .. أربك قراءتي في كثير من الأوقات..

في بعض الأحيان أحس بأن الذي أمامي ليس إلا شاعرا أرتدى جلباب النثر ... ربما للغته الرقيقة دور في منحي هذا الشعور ... أو لتقاطيع جمله و عباراته التي تتخلل النص كثيرا برشاقة ..

حديث الشيخ / القرار

الروايتان الوحيدتان التي صنعهما الكاتب بكل جزئياتهما .. بدء ً من الفكرة حتى الصياغة ..

أعتقد أنها لذلك نجحت هذه الروايات أكثر من غيرها .. خصوصا حديث الشيخ ...

القرار هذه الرواية العملاقة التي ستدوخك بإسقاطاتها الكثيرة و المعبرة على قضايا متعددة .. صراع المادية / الطبقية / التملق و الكذب و الخداع / القيم السامقة التي تظهر بخفوت .... و عرضها من خلال إبطال القصة كحياة مستقلة لكل واحد منهم ... لتتقابل في مصعد عمارة في أحد الشوارع أمام القارئ بشكل يدعو إلى الدهشة ...

شيء واحد لاحظته في جميع روايات هذا الأديب .. تركيزه على قيمة الإخلاص كمبدأ تنبثق منه جميع الرؤى الأخرى و تتفرع منه المبادئ .. و إن هي ظهرت كأشد ما تكون في رواية ( قادم من وراء السنين ) ....

لا يعلم الكثير بأن الأديب العبيدي كان يستخدم اسم والده و ليس اسمه .. وعزا صديقه السبب بأن الأديب لم يكن يريد أن يعرف أحد عنه أنه كاتب هذه الروايات .. كان هدفه واضحا ورهانه على المبدأ و ليس أي شيء آخر .. وظل هذا سرا حتى أذاعه صديقه في آخر كتاب للعبيدي والذي يتحدث عن السيرة النبوية و الذي لم يكمله العبيدي لأن الموت كان أسبق ... فحتى بعد موته أعطانا درسا آخر لهذه القيمة التي قد تخونها أنفسنا بعض الأحيان .. رحمه الله رحمة واسعة ..

   هذه محاولة بسيطة لقراءة أدب الشخص الذي بخسه الناس كثيرا حقه ... ولا أزعم أنها قراءة بالمعنى الفعلي .. و لكنها لمحات تداعت على ذهني أحببت تسجيلها هنا.

وقفات مع القصص القرآني :

( قادم من وراء السنين )

تأ ليف : داود سليمان العبيدي

عرض وتعليق : يحيى حاج يحيى / رابطة أدباء الشام

قصة توضح ظهور الحق ولو بعد حين! وتبين أن العاقبة للصادقين، وأن ما ينزل بأصحاب المبادئ من محن يكون مدعاة للآخرين للتعرف بدعوتهم، وأن ذاكرة الناس تختزن معاناتهم، فلا تقوى الأيام على طمس ذكرهم! وقد دللت هذه القصة على ذلك من خلال مجموعة من الشباب المؤمن اختفوا عن الأنظار، بعيداً عن بطش ملك ظالم. وحين عاد أحدهم متلطفاً ليأتي لهم بالطعام وهو خائف يترقب، لم يكن يحسب أن أحوال الناس قد تغيرت مع أنه شاهد تغيراً في طريقة حياتهم وأسلوب معاملتهم.

تبدأ هذه القصة من وسطها، فقد استغرب هذا القادم الغريب مظاهر التغيير في المدينة التي كان يعرفها، ولم يدر كيف يصل إلى السوق؟! وأثار دهشة من لقيهم بثيابه ولهجته وتستره، فهو خائف من الملك الذي كان يأمر بالقبض على المؤمنين وقتلهم. وحين أخبره أحدهم أن ملك هذه المدينة رجل صالح مؤمن، صعق ولم يكد يصدق! وحين ذاع خبره طلب الملك إحضاره فازداد اختفاء.

وتوالت الشهادات أمام الملك عن نظافته وزيه وذكره لأسماء أناس لا يعرفهم أحد، ونفوره ممن يوهمه أنه يعرفه، متهماً بأنه يريد استدراجه لكي يعرف مكانه وأسماء إخوانه ليشي بهم إلى الملك الجبار! فيزداد الطلب عليه، ويؤتى به إلى الملك فيسأله عن شأنه وعن أصحابه فيخبره أنه ابن التاجر الذي قتله قبل شهر، وأنه ينتظر منه أن يصلبه كما فعل بغيره. ولكن كل ذلك لن يجعله يتراجع عن دينه! فيبين له الوزير أنه يتخيل أشياء لا وجود لها، وملكاً لا يعرفه أحد، فيصر الفتى على أنها المدينة التي يحكمها دقيانوس الجائر الكافر، الذي توجد صورته على الدراهم التي معه!!

وتتعقد الأمور فيزدادون حيرة، ويزداد هو خوفاً وتحسباً، لكن طاعناً في السن تجاوز المائة والعشرين يحل هذا الإشكال حين يسأله عن عدد الذين معه وصفاتهم وعن الملك الذي هربوا منه، فيتأكد أنهم الفتية الذين هربوا قبل مئات السنين قد بعثهم الله، وبدأت الصورة تتضح للفتى، وغمرت المدينة فرحة كبيرة، وراح الفتى يحدثهم عن معاناة المؤمنين وعن سبب اختفائه في الكهف مع أصحابه، وأنهم غلبهم النوم، ثم أفاقوا وهم يشعرون بالجوع، وأنهم أرسلوه ليأتي بالطعام، وهم ينتظرونه في الغار؛ فيطلبون منه الذهاب معه لإحضار إخوانه ويتهيأ الناس كأنهم في عيد، ويستذكرون قصتهم التي كان الآباء يتناقلوها.

ويتقدم الفتى ويخبر أصحابه بأن كل شيء قد تغير فقد هلك دقيانوس وآمن الناس، وأنهم لبثوا ثلاثمائة عام وزيادة. كان الناس ينتظرون متشوقين لرؤيتهم، والفتية يستمعون لصاحبهم وهو يحذرهم من فتنة جديدة أشد من فتنة دقيانوس، إنها فتنة الشهرة والظهور، ثم دعا ليؤمنوا على دعائه بأن يأخذهم الله إليه. وحين طال الانتظار أرسل الملك من يناديهم فوجدهم حول صرة الطعام، وليس فيهم من يجيب!

تداخل في هذه القصة الزمن الروائي والزمن التاريخي، وقد اعتمدت طريقة استرجاع الماضي، وكان للشخصيات التي أضافها الكاتب ومواقفها من الغريب والفتية، بُعد يرفع وتيرة الحركة في الحبكة من خلال التساؤلات والتعليقات والاندهاش.

وإذا كانت القصة قد ارتكزت في حدثها الأساسي على ما جرى للفتية، كما ورد في سورة الكهف، فقد كانت مثالاً ناجحاً على ما يمكن أن تقدمه القصة القرآنية من موضوعات تحتفي بقضايا كثيرة للإنسان، وعلى رأسها قضية الإيمان بالله تعالى!

والفكرة كما عالجها الكاتب في سياقها القرآني تلتقي مع قصة إبراهيم عاصي ( العريف عمر ) ومع رواية (عمر يظهر في القدس) لنجيب الكيلاني في نقطة (العودة إلى الحياة) أيضاً ، والمفاجأة التي تصدم العائد، وقد تغيرت مظاهر الحياة، لكنها تختلف عنها في أن الخليفة عمر عندما عاد رأى المجتمع على غير ما يسره، في تفكك وانحطاط، في حين أن الفتية رأوا المجتمع – بعد عودتهم- كما يحبون وقد انتشر فيهم الإيمان. وكذلك اختلفت النهاية، فالخليفة اختفى بطريقة حيرت اليهود وجعلتهم نهباً لمختلف الظنون في حين أن الناس تأكدوا من موت الفتية وقالوا لنتخذن عليهم مسجداً !

sgddhd10741.png

 

sgddhd10742.png

 

sgddhd10743.jpg

مصادر الترجمة:

١_ مقالة الشاعر يحيى بشير حاج يحيى.

٢_ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1074