الشيخ العلامة الداعية أمجد محمد سعيد الزهاوي مؤسس الإخوان المسلمين في العراق

sgsg1078.jpg

(١٣٠٠_ ١٨٨٢م)/( ١٣٨٦_ ١٩٦٧م)

   هو الشيخ العلامة الداعية المجاهد أمجد الزهاوي الذي يعدّ من أشهر علماء الدين العراقيين، ورئيس رابطة علماء العراق لسنوات طويلة، وصاحب المواقف الشرعية والقانونية الجريئة.

مولده، ونشأته:

   وُلد الشيخ أبو سعيد أمجد بن الشيخ محمد سعيد مفتي بغداد بن الشيخ محمد فيضي الزهاوي مفتي بغداد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في مدينة بغداد سنة 1300هـ - 1882م لأبوين كريمين، ومن أسرة دينية ، فأبوه الشيخ محمد سعيد مفتي بغداد، وجدّه الشيخ محمد فيضي كان مفتي بغداد أيضاً، وهذا هو ابن الشيخ أحمد بن حسن بيك بن رستم، بن خسرو بن الأمير سليمان باشا رئيس الأسرة البابانية، والذي أنشأ حفيده إبراهيم باشا بابان مدينة السليمانية، وسماها باسم جده بابا سليمان رئيس الأسرة البابانية التي تعود أصولها إلى أرومة عربية عريقة تنحدر من بني مخزوم، وهم من سلالة الصحابي الجليل خالد بن الوليد، رضي الله عنه.

ومن أقرباء الشيخ أمجد الزهاوي، جميل صدقي الزهاوي (عم)، محمد فيضي الزهاوي (جد)، شوكت الزهاوي (ابن خال من الدرجة الأولى).

     ومن بناته، الحاجة الداعية نهال أمجد الزهاوي التي كانت رئيسة الأخوات المسلمات في العراق.

الدراسة، والتكوين:

   وتلقّى تعليمه الأوّلي على يدي والده وجدّه، وهم من علماء الدين الإسلامي، ثم انطلق إلى مجالس العلماء في بغداد، يستمع إليهم، ويحاورهم فيما يشكل عليه، ويستمعون إلى الفتى الذي غدا عالماً في الشريعة، فقيهاً، يقتنص الشوارد في الفتاوى والأحكام، ولغوياً أديباً، ثم رحل إلى الآستانة (اسطنبول) عاصمة الدولة العثمانية، ودرس في مدرسة الحقوق ومعهد القضاء العالي باستانبول عام 1906 م، واشتغل حاكما في الموصل، ثم نقل إلى بغداد.

استقر أواخر أيامه في خدمة العلم والتعليم.

وكان لهُ مجلسه الخاص في المدرسة السليمانية الذي يختلف إليه فيه مختلف العلماء والأدباء وطلاب العلم، والكل بين سائل ومشتكي ومستفتي، فلا يرد طلب، وما عرف عنه غير السعي في خدمة الناس، وعمل الخير والإخلاص لله.

   وكان كثير المطالعة يحب البحث والمراجعة لكتبه، حيث يذكر عنه مطالعته للكتب إلى وقت وفاتهِ بساعة.

   وقد كرس حياته لطلب العلوم الشرعية كالفقه والأصول، وله آراء شرعية وفتاوى مقبولة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

شيوخه، وأساتذته:

   ومن أشهر أساتذته محمود شكري الآلوسي، وعبد الوهاب النائب، وعباس حلمي القصاب، والعلامة غلام رسول الهندي، وقد واسع الاطلاع بالعديد من العلوم الفلسفية القديمة والحديثة، بالإضافة إلى متابعته للتطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة والتطورات العلمية البحثية .

   وقد كرس حياته لطلب العلوم الشرعية كالفقه والأصول، وله آراء شرعية وفتاوى مقبولة من مختلف أنحاء العالم الإسلامين وقد كان عالما في علوم اللغة العربية ويُجيد التحدث باللغات الكردية والتركية والفارسية.

   وكان صديقه نوري السعيد، رئيس الوزراء العراقي المعروف، يدرس في الوقت نفسه في الكلية العسكرية في اسطنبول.

الوظائف، والمسؤوليات:

   تقلد أمجد الزهاوي العديد من المناصب، فقد شغل وظيفة حاكم في محاكم العراق. ووظيفة رئيس المجلس التمييز الشرعي، وعمل أستاذًا في كلية الحقوق، وكان يحاضر في دار العلوم العربية والدينية .

   فبعد عودته من اسطنبول "الأستانة" عام 1906 عُيِّن مفتياً في الأحساء، ثم عضواً في محكمة استئناف بغداد، ثم رئيس محكمة حقوق الموصل، ثم اعتزل الوظيفة، وعمل محامياً، بعد دخول القوات الإنجليزية إلى بغداد، ثم عاد إلى الوظيفة وعمل مستشاراً للحقوق في وزارة الأوقاف، وأستاذاً في كلية الحقوق العراقية، ثم رئيس مجلس التمييز الشرعي، وكان في الوقت نفسه يدرِّس في المدرسة السليمانية في بغداد، فقد كان التدريس،، وعندما صدر أمر وزاري بعدم جواز الجمع بين مجلس التمييز الشرعي والتدريس، استقال من المجلس، وآثر عليه البقاء في التدريس.

   وقد رفض الزهاوي تولي منصب مفتي العراق، فبعد وفاة مفتي العراق الشيخ قاسم القيسي عام 1955، مهام الفتوى إلا أنه رفضها رسمياً .

   وقد انتخب الشيخ رئيساً لرابطة علماء العراق، ورئيس جمعية إنقاذ فلسطين، ورئيس جمعية الآداب الإسلامية، وقد افتتح مدرسة ابتدائية، وثانوية خاصتين.

   لم يكن الشيخ أمجد ينتمي إلى حركة أو حزب أو كيان، بل كان يحب الكل، ويعمل مع كل من يعمل للإسلام أو ينفع المسلمين، وكان يساهم مع كل الناس ومع كل الجهات لإنجاز العمل الخيري الإسلامي حتى انه كان يقول (لست مغفلاً حتى يخدعني أحد أنا اعمل مع كل من يعمل للإسلام)، ولقد أخبر الشيخ أحمد حسن الطه عنهُ قائلاً: (هو كان معروفاً أنه لا تابع لأحد، لأنه موضع ثقة الكل فصيح القول بإنه كان متبوعاً لا تابعاً، وبأنه يؤيد ما هو حق، ولا يكابر، وكان يرتفع أن يثير قضية جزئية خلافية، ويترك الامر، فإذا سأل الناس أجاب بما هو حق.

   ثم يضيف الشيخ أحمد قائلاً: ليس هو من الاخوان، لأنه أقدم منهم، فكان هو موثقاً للإخوان، (وكان يصف حركة الإخوان المسلمين في مصر، بكونها فتحاً مبيناً)، وسمعته مرة يقول عن الاخوان في العراق (ولكن بعض الاخوان استعجلوا وكسروا الركية فطيرة).

كان الشيخ عضواً مؤسساً لعدة جمعيات إسلامية مثل جمعية الأخوة الإسلامية، وجمعية رابطة علماء العراق.

كما أنتخب رئيسا لمؤتمر العالم الإسلامي بالإجماع، وهو من المؤسسين لرابطة العالم الإسلامي في مكة، وكان كثير الاهتمام بقضايا المسلمين في مختلف أرجاء العالم، حيث سافر لمختلف أقطار الدول الإسلامية على نفقته الخاصة مثيرا للهمم، وشارحا للمصيبة، وجامعا للتبرعات، ومحذرا من العاقبة الوخيمة المترتبة على تقصير الحكومات والمسؤولين في البلاد العربية والإسلامية بقضية ساعته، وهي قضية فلسطين.

في 1960م، كان رئيساً لجمعية إنقاذ فلسطين.

ترأس ستة جمعيات إسلامية في وقت واحد، فكان يحمل روح الشباب، وهو شيخ كبير، ساهم في نشر الوعي الإسلامي والدعوة إلى الإسلام.

علاقته بجماعة الإخوان:

   بدأ الإخوان المسلمون العمل العلني في العراق عام 1944 باسم جمعية الأخوة الإسلامية برئاسة الشيخ أمجد الزهاوي، وكان مراقبها العام الشيخ محمد محمود الصواف والتي كانت الاسم الذي تحرك تحته الإخوان في العراق، وأصدر مجلة "الأخوة الإسلامية" التي ظلت تصدر لمدة عامين حتى أغلقتها حكومة "نوري السعيد" في العهد الملكي، وألغت الجمعية التي استمرت حتى عام 1954 عندما أغلقت لكن العمل استمر علنيا.

   ثم أنشأ الإخوان حزبًا سياسيًّا باسم الحزب الإسلامي عام 1960، وبعد مجيء حزب البعث إلى السلطة تعرض الإخوان للملاحقة، واعتقل عدد كبير من نشطائهم، وأعدم عدد آخر مثل عبد العزيز البدري ومحمد فرج وعبد العزيز شندالة.

   وكان هناك لقاء بين مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا والشيخ الزهاوي، وحدث بينهم تبادل إعجاب على مستوى الأفكار والحضور.

   وكان الزهاوي يطالب تلميذه ومؤسسة جماعة الإخوان في العراق الشيخ محمد محمود الصواف بالالتزام بمنهج الحركة الإسلامية الذي حمله الشيخ الصواف بعد عودته من مصر؛ حيث التقى بحسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين.

وعندما صدر الحكم في مصر بإعدام سيد قطب، ذهب وفد من قبل الزهاوي إلى النجف واستقبله المرجع الشيعي السيد محسن الحكيم لشكر على إرساله رسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر يطالبه فيها بإلغاء حكم الإعدام على الشهيد سيد قطب، وقال للوفد: "نحن نعرف واجبنا، وقد أرسلت رسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر وقلت له فيها إن علماء المسلمين يجب أن يٌكرموا لا أن يعدموا، وطالبته بالعفو وإطلاق سراح سيد قطب".

   كما اهتم الإخوان المسلمون في العراق منذ تأسيس جمعية الاخوة الإسلامية بفتح قسم خاص بالنساء "الأخوات" فأسسوا جمعية الأخت المسلمة في 1951 والتي تراستها نهال الزهاوي ابنة الشيخ أمجد الزهاوي، لتهتم بالمرأة وإدارة شئونها والعمل على توعيتها.

   وضمت جميعة الأخت المسلمة العديد من الأخوات، منهن نجيبة خضر، وزهرة خضر، وخيرية الزهاوي، وزينب البدري، وبهيرة الخوجة، وجهينة البكري، وصفية الاطرقجي، وآمنة محمد علي، وآمنة شيخ العرب.

وابتدأت جمعة الأخت المسلمة تنشط حيث لم بكن هناك مقر يجمعهن فاتخذن من بيوتهن ومن بيت نهال الزهاوي خاصة مراكز تعليمية يوم الخميس من كل أسبوع، وكانت تقودهن نهال الزهاوي التي نشطت في مجال الدعوة والإرشاد ونشر العلم فكانت أول أسرة منتظمة لها في دار والدها الشيخ أمجد الزهاوي بالأعظمية يوم الاثنين من كل أسبوع، وكانت هذه اللقاءات تتناول القرآن الكريم والفقه وبعض العلوم الشرعية، ونشر الثقافة الإسلامية الصافية وتوجيه الفتيات التوجيه الإسلامي وفقًا لرؤية جماعة الإخوان.

علاقته بالملكية:

   أمجد الزهاوي، كان على صلة وثيقة قوية بالنظام الملكي في العراق، فقد كان صديقه نوري السعيد، رئيس الوزراء العراقي المعروف؛ حيث نشأت بينهم علاقة في اسطنبول أثناء دراسة السعيد في الكلية العسكرية فيما كان يدرس الزهاوي الحقوق.

كما كان الملك فيصل الثاني ملك العراق الأسبق 1953- 1958 كما يقول الأستاذ يوسف العظم، يحترم الشيخ أمجد الزهاوي الذي اتصل به هاتفيا إبان انتفاضة سنة 1956 واعتقال الشرطة لجمع من الشباب المشتركين في التظاهرات المؤيدة لمصر إبان العدوان الثلاثي البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي عليها سنة 1956.. قال الملك للشيخ الزهاوي: أي شاب يريد شيخنا أن نفرج عنه؟ كان جواب الشيخ الزهاوي "كلهم يا ولدي.. أولادنا.. الله يرضى عليك"، ويتم الإفراج عن الشباب جميعًا إسلاميين وقوميين وماركسيين استجابة لصديقه الزهاوي.

وقد حزن الزهاوي كثير عندما استطاع الجرنال عبد الكريم قاسم بقيادة الجيش في حركة 14 تموز 1958 أو ما تعرف بثورة تموز، لإسقاط المليكة وإعلان الجمهورية.

فكره السياسي:

   وفيما يتعلق بموقفه من الأنظمة السياسية الوضعية، فرأى الشيخ الزهاوي، في كلا النظامين الرأسمالي والاشتراكي.. فهو وانطلاقًا من زاوية توجه الإسلامي، فقد رأى بأن "الفرد هو الأصل في بناء المجتمع وغاية كل فرد سعادة نفسه"، وهذه السعادة لا تتحقق إلا من خلال المجتمع الذي يعيش فيه، وقد عبر عن هذه الفكرة السامية في رسالته إلى مؤتمر الطلبة المسلمين الذي انعقد في كراجي في 8 أكتوبر سنة 1957، قائلا: "إن الإنسان إنما يلجأ إلى المجتمع لتأمين ما يحتاج إليه في تنظيم معاشه".

   وكانت علاقة الزهاوي بجماعة الإخوان المسلمين جزءًا من دفع الثمن السياسي بعد سقوط الملكية في العراقي على يد قادة ثورة يوليو 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم، فقد ألغيت الملكية وأعلن قيام الجمهورية العراقية، واستقبلت الأوساط السياسية والشعبية هذه الثورة بابتهاج شديد سرعان ما تبدد مع صعود الشيوعيين ومحاولتهم الاقتراب من عبد الكريم قاسم الذي رحب بهم في البداية لعدم وجود قاعدة سياسية أو حزبية يتكئ عليها في ممارسة الحكم، إضافةً إلى صراعه مع الضباط الوحدويين مثل عبد السلام عارف.

   وهو ما أدى إلى أن تشاؤم الزهاوي من سياسية ضباط الجيش بعد إلغاء الملكية في العراق، فقد استنكر الزهاوي المحاكمات التي ارتكبها قادة ثورة 1958 بحق الأسرة المالكة، وصلّى صلاة الغائب عليهم؛ لأنهم مسلمون، ولم يصلّ عليهم أحد، وخشي أن يصيبه الإثم إذا لم يصلّ عليهم، وتوقّع أن تصيب العراق كوارث تحصد الملايين، وقرر الهجرة إلى باكستان لتكون مستقراً له، وبعيداً عن الفتن التي كان يقودها الشيوعيون إبان حكم قاسم .

   وقد كانت التيار الإسلامية وعلماء الدين في العراق ينتقدون نظام حكم عبد الكريم قاسم؛ بسبب صعود الشيوعيين، وانتقاص الحزب الشيوعي العراقي لدين الإسلام عقيدة وشريعة، وصدور قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي ألغى كل القوانين الإسلامية المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية، ومنع تعدد الزوجات، وأعطى المرأة حق الطلاق والمساواة في الإرث مع الرجل، فوقف رجال الدين لهذا القانون بالمرصاد، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن أصبح لهم وجود سياسي عند حصولهم على حكم قضائي بإنشاء حزب، وتم لهم ذلك في (ذي القعدة 1379 هـ/ أبريل 1960م) وترأسه نعمان عبد الرزاق السامرائي الذي أصدر جريدة "الفيحاء"، وكان نقد الإخوان شديدًا للشيوعيين، وكان لهم دور بارز في إحباط المشروع الشيوعي في العراق، وعند اشتداد طغيان الشيوعية في العراق غادر الشيخ أمجد الزهاوي بغداد إلى المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية وسكن فيها مدة من الزمن ثم عاد إلى بغداد.

   وعلى المستوى نفسه يرى الزهاوي في النظام الاشتراكي إنكارًا لواحد من حقوق الإنسان وهو الملكية الشخصية التي يقر بها الإسلام . ففي تقديمه لكتاب الشيخ عبد العزيز البدري "حكم الإسلام في الاشتراكية" الصادر سنة 1962، يقول الشيخ الزهاوي: إن التضامن في الإسلام مفروض بين أفراد العائلة بوجود النفقة مقابلًا بالإرث كما قال الله تعالى: "وعلى الوارث مثل ذلك"، وبين جميع المسلمين بشرعية الزكاة كما يكون التضامن في حالة الاضطرار وليس هذا من الاشتراكية في شيء كما يظن البعض. ومع هذا يقر الشيخ أمجد الزهاوي بأن التضامن والتعاون بين افراد المجتمع والعمل على إيجاد الرفاهية هو ما يمكن أن يكون شيئًا مشتركًا بين الإسلام والاشتراكية.

   ولذلك كان الزهاوي يعتقد بأن من مهام الهيئات الاجتماعية جعل الحياة بحالة أقرب إلى التكامل والسعادة ويقول في مقال كتبه في مجلة القضاء (العراقية ) العدد الأول، 1924 عنوانه: "ما ينبغي أن يكون عليه القانون من الصفات": إن التشريعات الفقهية والقانونية مهمة وضرورية، وكثيرًا ما دعا إلى أن تكون القوانين الوضعية مبنية على أسس تكفل حقوق الأفراد والمجتمع على حد سواء وخاصة فيما توجبه المصلحة الاقتصادية من توزيع عادل للثروة وتلبية حاجات الإنسان الضرورية الآنية والمستقبلية التي تشكل أساس الحياة اليومية للمجتمعات ومنها المجتمع العراق.

   من ركائز فكره السياسي كذلك إيمانه بالوحدة الإسلامية أو الاتحاد الإسلامي واعتبار ذلك من الأهداف الضرورية ومدعاة لقوة المسلمين . وقد أشار في إحدى رسائله التي أورد ذكرها الدكتور العكيدي في أطروحته المشار إليها آنفًا، إلى رئيس جمهورية باكستان محمد أيوب خان إلى "أن الذي يتحتم على قائد الأمة قبل كل شيء الأخذ بأسباب القوة.. وإذا أردنا القوة لا بد لنا من التحالف أو التعاون مع المسلمين في سائر أقطار الأرض".

وفي إحدى مجالسه، قال الشيخ أمجد الزهاوي لجمعٍ من الشباب الذين نذروا أنفسهم للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وخدمة دينه سنة 1955م: "أنتم تقومون اليوم بعملٍ هو أفضل من عمل الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم، لا أقول أنتم أفضل منهم، بل هم أفضل منكم، أنهم عملوا للإسلام، وللإسلام دولة وقوة، وأنتم اليوم تعملون للإسلام وليس للإسلام دولة وقوة، ولو أني اليوم قاضٍ وجاء رجلٌ شاهد يقطع الليل والنهار بالعبادة وأنا أعلم أنه لا يعمل اليوم للإسلام أرد شهادته واعتبره فاسقاً .

ولو جاءني شاهداً وأنا قاضٍ فإذا علمت أنه لا يعمل للإسلام أرد شهادته وأعتبره فاسقاً.

علاقته بشيعة العراق:

وكان الشيخ أمجد الزهاوي تربطه علاقة قوية بشيعة العراق ضمن الفكر الإسلامي الذي ينادي به في ظل رفضه للفكر الرأسمالي والاشتراكي والقومية العربية.

وبعد سقوط النظام الملكي، ومع وضوح مواقف ونهج قائد ثورة 14 يوليو عبد الكريم قاسم ضد التيارات الإسلامية ودعمه للشيوعيين، نسق الشيخ الزهاوي جهوده مع المرجعية الشيعية التي كان يمثلها آية الله السيد محسن الحكيم، وقد أشار إلى ذلك أحد المقربين إليه، وهو السيد فليح حسن السامرائي الذي شغل سنة 1960 منصب سكرتارية الحزب الإسلامي بقوله: "بعد سقوط الحكم الملكي في 14 يوليو عام 1958 مرت ظروف صعبة في العراق وخاصة أيام المد الشيوعي، وكان رأي الشيخ أمجد ضرورة التعاون مع المرجعية في النجف وعلى رأسها سماحة السيد محسن الحكيم. طلب منا الشيخ، وفي عدة مناسبات أن نذهب إلى النجف مع رسالة منه إلى السيد محسن الحكيم للتعاون، وإيقاف المد الشيوعي، والتطاول على المقدسات، وقد ذهبنا إلى النجف عدة مرات والوفد يتألف من المرحوم الشيخ عبدالعزيز البدري، والأستاذ نور الدين الواعظ ، والدكتور نعمان السامرائي، والأستاذ إبراهيم المدرس، والشاعر وليد الأعظمي وأنا معهم وكنا نُستقبل بحفاوة بالغة في النجف. وكان يصطف على طول الطريق أبناء النجف وهم يرحبون بنا على طول الطريق إلى أن نصل إلى بيت السيد الحكيم فيستقبلنا بترحاب شديد ويذكر الشيخ أمجد الزهاوي ويصفه بأعظم الأوصاف ويقول مرحباً بكم وأنا على استعداد للتعاون فيما ينفع بلدنا العزيز" .

وكان أكبر تعاون إيجابي بين النجف والأعظمية في نهاية سنة 1959م حينما عقد احتفال كبير في كربلاء في إحدى المناسبات الدينية وربما استشهاد الإمام على كرم الله فقد جهزت جمعة الاخوة الإسلامية أربع سيارات من شباب الأعظمية بقيادة الشيخ أمجد الزهاوي، ومعه الشيخ عبدالعزيز البدري. واتجهوا إلى كربلاء؛ حيث كان هناك اجتمع بمراجع الشيعة لمواجهة المد الشيوعي.

وطرح لقاء كربلاء شعار كبير: (لا شرقية ولا غربية فلتسقط الشيوعية) إذ أن المد الشيوعي في العراق كان في أوجه في هذا الوقت. فانطلقت الجماهير من كربلاء إلى جميع مناطق العراق بهتاف واحد وهدف واحد وهو اسقاط الحزب الشيوعي وفعلاً تم اسقاط الحزب الشيوعي بعد لقاء كربلاء وهو ما يوضح ترابط التيارات الإسلامية في العراق وقوة علاقة أمجد الزهاوي وعلماء الشيعة وعلى رأسهم السيد محسن الحكيم .

تربية الأجيال:

   كان الشيخ مشغولاً بأمور المسلمين، شغلته أوضاعهم، ومشكلاتهم، ومصائبهم عن نفسه وصحّته وأهله وماله، وقد أهمَّه ما هم عليه من ضعف، واستكانة، وخنوع، فانطلق يدعوهم إلى القوة، وتربية النشء عليها، وهذه لا تتأتّى إلا إذا رُبِّيت الناشئة على الإسلام، وقد أبدى إعجابه بالجيل المؤمن القويّ الذي ربّاه حسن البنا، فدعا إلى أن تحذوا الجمعيات والأحزاب والجماعات حذوه.. لقد "كان يحرص أشد الحرص على تربية الناشئة الإسلامية تربية إسلامية واعية، تغرس فيهم روح الجهاد، وتدعوهم إلى القوة والتعارف والاتحاد والحب فيما بينهم".

ويرى أن هذه مهمة العلماء.. ومن أجل ذلك أسس جمعية التربية الإسلامية التي فتحت لها مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية لتعليمهم وتربيتهم التربية الإسلامية السليمة، وكذلك كان يريد من جمعية الأخوة الإسلامية التي أسسها مع تلميذه الصواف، وكان رئيساً لها. لقد كانت تربية النشء من همومه الكبيرة التي لا تفارقه، يدعو إخوانه ويلحّ عليهم في هذه الوظيفة المهمة.

كان يهتم بها ويدعو إلى الاهتمام بها أكثر من العلم "فالعلماء في مصر كثيرون، ولم يظهر لأحد منهم ما يقارب عمل البنا رحمه الله، فله في نواحي الإسلام دعاة للخير، وسينجحون إن شاء الله، والعاقبة للمتقين".

"إن التربية الصحيحة الجدية هي التي تغرس في قلوب الناشئة عظمة الإسلام، ومظاهر القوة.. وأمرٌ يكون أمثال هؤلاء حماته، لن يتسرب إليه ضعف بحول الله، فالله ناصرهم لا محالة، بإخلاصهم النية، وامتثالهم أوامر الله سبحانه وتعالى في نشر الدعوة، والدفاع عنها".

معاناته في العراق وهجرته إلى المدينة:

كانت الأوضاع السياسية في العراق في عقد الستينيات تنبئ باقتراب حدوث تغيير سياسي كبير، وكانت إرهاصات حدوث انقلاب عسكري تتزايد، حتى قامت حركة تموز 1958م، بقيادة عبد الكريم قاسم، وألغيت الملكية وأعلن قيام الجمهورية العراقية. وقد استقبلت الأوساط السياسية والشعبية هذا الانقلاب بابتهاج شديد سرعان ما تبدد مع صعود الشيوعيين ومحاولتهم الاقتراب من عبد الكريم قاسم الذي رحب بهم في البداية لعدم وجود قاعدة سياسية أو حزبية يتكئ عليها في ممارسة الحكم، إضافة إلى صراعه مع الضباط الوحدويين مثل عبد السلام عارف.

أدى اقتراب عبد الكريم قاسم من الشيوعيين إلى احتقانات سياسية عسكرية كبيرة استغل بعضها أحد قادة الجيش وهو «عبد الوهاب الشواف» للقيام بحركة انقلاب مضادة في الموصل، عرفت بحركة الشواف ساندته فيها القوى المختلفة الرافضة للشيوعية، غير أن فشل الحركة تسبب في حدوث مجازر قام بها الشيوعيون، وكان الشيخ محمد محمود الصواف قد أصدر مجلة «لواء الأخوة الإسلامية» التي وجهت انتقادات حادة للشيوعيين، وعندما ضاقوا بالنقد هاجموا المجلة وأحرقوا مكتبها ومطبعتها بعد 7 أعداد فقط من الصدور.

كانت الحركة الإسلامية تنتقد نظام حكم عبد الكريم قاسم؛ بسبب صعود الشيوعيين، وانتقاص الحزب الشيوعي العراقي لدين الإسلام عقيدة وشريعة، وصدور قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي ألغى كل القوانين الإسلامية المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية، ومنع تعدد الزوجات، وأعطى المرأة حق الطلاق والمساواة في الإرث مع الرجل؛ فوقف الإخوان لهذا القانون بالمرصاد، خاصة بعد أن أصبح لهم وجود سياسي عند حصولهم على حكم قضائي بإنشاء حزب، وتم لهم ذلك في (ذي القعدة 1379 هـ/ أبريل 1960م) وترأسه نعمان عبد الرزاق السامرائي الذي أصدر جريدة «الفيحاء»، وكان نقد الإخوان شديدًا للشيوعيين، وكان لهم دور بارز في إحباط المشروع الشيوعي في العراق، وعند اشتداد طغيان الشيوعية في العراق هاجر الشيخ أمجد إلى المدينة المنورة وسكن فيها مدة من الزمن ثم عاد إلى بغداد.

القضايا العربية:

   نالت القضية الفلسطينية واحتلال اليهود لها جزءًا من كبير من مواقف الزهاوي الخارجية، وهي الورقة التي لعبت بها كل التيارات الإسلامية بمختلف مذاهبها دون تقديم وقفة حقيقة لتحرير فلسطين.

   في 27 من رجب 1372هـ في ساحة المسجد الأقصى، حضر الزهاوي المؤتمر الإسلامي للنظر في قضية فلسطين باعد احتلال اليهود لها، وكان الداعي إلى المؤتمر الشيخ محمد عبد اللطيف دراز رئيس جبهة الكفاح لتحرير الشعوب الإسلامية، باسم الجمعية، التي مقرها في القاهرة، وهو مؤتمر شعبي مبرأ من وصمات السياسة التي فرّطت في حقوق المسلمين، وأكسبتهم عاراً لا تمحوه سوى الدماء.

حضر الزهاوي هذا المؤتمر بصفته رئيساً لجمعية إنقاذ فلسطين، ومعه سكرتير الجمعية الشيخ محمد محمود الصواف، وتخلّف الداعون إلى المؤتمر، فبادر الشيخان، الزهاوي والصواف إلى تبني فكرة المؤتمر، وصارا أصحابها، وجمعا العلماء والخطباء وشباب الدعوة الإسلامية من الإخوان المسلمين، وعقد الجميع اجتماعات متواصلة، وتشاوروا، وتذاكروا في قضية فلسطين، وقضايا المسلمين، وقد أسفر عملهم عن تأسيس مكتب دائم في القدس أسموه: مكتب الإسراء والمعراج، ليكون نقطة التقاء وارتكاز وانطلاق.

   ثم عاد الوفد العراقي إلى بغداد، وقد صمموا أن يتجهوا- بعد الله تعالى- إلى الشعوب الإسلامية، وأعلنوا يأسهم من الحكام ومن تصرفاتهم الخائبة التي نكّست رؤوس العرب، وفضحتهم في العالمين، واعتبروا القضية الفلسطينية هي قضية الإسلام الكبرى في هذا العصر، ومن الممكن أن تكون المنطلق الصحيح لخدمة قضية القضايا في مشكلات المسلمين، وهي قضية الإسلام نفسه.

   قررت جمعية إنقاذ فلسطين الدعوة إلى المؤتمر الإسلامي بمناسبة شهر المولد النبوي الشريف من 27 ربيع الأول حتى الثالث من ربيع الثاني 1373هـ (3/12/1953) واستطاع الزهاوي جمع الأموال لهذا المؤتمر من الحكومة العراقية، ومن التجار الأغنياء العراقيين، ووجّهوا الدعوة إلى قادة العالم الإسلامي.

   وقد حضر المؤتمر 75 شخصية أغلبهم قيادات بجماعة الإخوان المسلمين على رأسهم، سيد قطب، وعصام العطار، وعلال الفاسي، والقليبي، والورتلاني، والأميري، وسعيد رمضان، وكامل الشريف، ومحمد عبد الرحمن خليفة، وسواهم من القادة، واعتذر قادة آخرون.

   وأعلن المؤتمر بطلان الوضع الذي أحدثه اليهود في فلسطين من تقسيم واحتلال وتشريد للفلسطينيين، وغصب لحقوقهم. واعتبار الصلح مع إسرائيل، أو التعامل معها خيانة عظمى، والتفكير في تدويل القدس مؤامرة استعمارية يقف العالم الإسلامي في وجهها.. إلى آخر ما هنالك من قرارات وتوصيات لو عمل العرب والمسلمون بها، لكانت الحال غير الحال، وكان للزهاوي جهود مبرورة هائلة في انعقاد المؤتمر الذي اختاره رئيساً دائماً له بالإجماع، ثم انطلق في رحلة استمرت سبعة أشهر طاف فيها عدداً من البلدان الإسلامية، والتقى الكثير من القادة والمفكرين الإسلاميين، وجمع الأموال، واستجاش العواطف، واستثار العقول من أجل هذه القضية الكبرى التي خانها من خانها، وتآمر عليها من تآمر، فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ودولياً.

   وكان يكاتب الملوك من أجل هذه القضية، ومن أجل قضايا المسلمين الأخرى، فقد كتب إلى الملك سعود، والملك محمد الخامس، والملك إدريس السنوسي، والرئيس السوداني، والرئيس الباكستاني محمد أيوب خان، والملك فيصل وسواهم.

   وكان يراسل ويلتقي رجال الإسلام، ويدعوهم إلى التعاقد على نصرة الإسلام والمسلمين حيث كانوا، وخاصة القضية الفلسطينية، ويدعوهم إلى الجد في العمل، والإخلاص فيه، وأن يكون هدفهم الأول استرجاع فلسطين العزيزة، وأن يبذلوا في سبيلها كل غال ونفيس، وكان يخاطب العاملين لنصرة فلسطين بقوله: «إخواني لا تهتموا بالمال، فإن الناس متى علموا صدق أعمالنا ونياتنا، فسوف يحملون المال على أطباق فوق رءوسهم، ويأتون به إلينا».

كما دعم ثوار الجزائر لتحرير من الاستعمار الفرنسي، وكانت له علاقة وثيقة مع الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رئيس " جمعية العلماء المسلمين" فرع الإخوان المسلمين في الجزئر، ودعاه مرة لزيارة العراق وعمل من أجل جمع التبرعات للجزائر وزار عددًا من الدول لحشد التأييد لاستقلال الجزائر وطرد المستعمرين الفرنسيين.

وكان للمغرب حصة في فكر وممارسات الشيخ الزهاوي، وقد عمل مع الأستاذ علال الفاسي زعيم "حزب الاستقلال" المغربي منذ سنة 1953 على دعم المغرب.

   كما كان للزهاوي صداقة مع الأمير عبد الكريم الخطابي قائد ثورة الريف المراكشي، وقد زاره في القاهرة ونسق معه الجهود الدعوية الحثيثة.

وقد سافر الشيخ الزهاوي إلى العديد من البلاد العربية والأسلمية للمشاركة في الندوات والمؤتمرات الدينية، فقد حضر المؤتمرات من أجل فلسطين خاصة، وقضايا المسلمين عامة، كقضية الجزائر وثورتها المظفَّرة، سافر إلى بلاد الشام، والحجاز، ومصر، وباكستان والهند، وشمال إفريقيا، وإندونيسيا، وماليزيا وغيرهم من البلاد الرعبية والإسلامية.

مؤلفاته:

وله كتاب (الوصايا والفرائض).

كتب ألفت عنه:

كتاب (الشيخ أمجد بن محمد سعيد الزهاوي - عالم العالم الإسلامي)، تأليف: كاظم أحمد ناصر المشايخي - مطبعة أنوار دجلة - بغداد.

من تلامذة الشيخ:

الشيخ الداعية المفكر محمد أحمد الراشد.

ابنته الحاجة نهال أمجد الزهاوي.

والشيخ محمد محمود الصواف.

والشيخ د. محسن عبد الحميد

والشهيد عبد العزيز البدري ...وآلاف غيرهم.

صفاته وأخلاقه:

   كان غنياً، ولكن منظره يوحي بالفقر، فقد كان يملك 16 ألف دونم من الأرض، ولكنه زاهد حقاً، وقلبه مسكون بمراقبة الله وذكر الآخرة، لا يفرح بما آتاه الله من مال فرحاً يطغيه وينسيه دينه، ولا يحزن إذا فقد ما أعطاه الله، ولا يقنط من رحمته. كان في شبابه يؤثر الانعزال عن الناس، منفرداً بكتبه وتلاميذه وأولاده، فلما ترك العمل، وبلغ السن التي يستريح فيها أمثاله، انتفض انتفاضة، فإذا هو يرجع شاباً في جسده وفي همته، يختلط بالناس، في حيوية ونشاط، حتى بلغ به الأمر أن يرأس أكثر الجمعيات التي تأسست، وإذا هو يصلح مدارس الأوقاف، ثم يفتتح مدرسة ابتدائية، وثانوية خاصتين. وكان مضرب المثل في العفّة والورع والنزاهة والأمانة والصلابة في الحق، وكان فوق الشبهات، ولا يخشى في الله لومة لائم، ومواقفه والحوادث التي تدل على ذلك كثيرة وكثيرة جداً.

   وكان كثير العبادة، قلبه معلق بالمساجد، وبالصلاة في كل مكان من الأرض التي جعلها الله مسجداً وطهوراً، وكان يحرص على الصلاة في وقتها، فعندما كان طالباً في مدرسة القضاء في إستانبول، كان يضع سجادة الصلاة على كتفه أينما ذهب، حتى لا يؤخر صلاة عن وقتها ولو لدقائق، وكان صديقه نوري السعيد، رئيس الوزراء العراقي المعروف، يدرس في الوقت نفسه في الكلية العسكرية في إستانبول، ولذلك، عندما كان يلتقيه كان يسأله ممازحاً: "أمجد أفندي، أين سجادتك؟".

   إذا سمع المؤذن، قام من فوره إلى الصلاة، أينما كان وكيفما كان.. فهو يترك المائدة الملوكية، والحفلات الرسمية، ويبادر إلى الوضوء والصلاة.

وإذا وقف للصلاة نقّى قلبه، ونفى عنه كل ما يتصل بالدنيا، ثم صرخ (الله أكبر) فكأنها قنبلة أُلقيتْ في وجه الشيطان، على حدّ وصف الذين رأوه يكبّر للصلاة، ومنهم الشيخ علي الطنطاوي.

وبلغ من حرصه على تعاليم إسلامه، أنه بعد انقلاب عبد الكريم قاسم عام 1958 تشاءم الشيخ منه، واستنكر المجزرة التي ارتكبها الانقلابيون بحق الأسرة المالكة، وصلّى صلاة الغائب عليهم، لأنهم مسلمون، ولم يصلّ عليهم أحد، ويخشى أن يصيبه الإثم إذا لم يصلّ عليهم، وتوقّع أن تصيب العراق كوارث تحصد الملايين، وقرر الهجرة إلى باكستان لتكون مستقراً له، وبعيداً عن الفتن التي كان يقودها الشيوعيون إبان حكم قاسم.

كان صريحاً جداً، لا يعرف المداهنة ولا المجاملة.

ويكره المتفرنجين، ويألف المشايخ، ويجلس حيث يجلسون على الأرض، ويأكل معهم.

ويكره تقليد الإفرنج، لكنه يقرأ ما يصل إليه من كتبهم، ويروي النافع من أقوالهم، ويضيق صدره بالحديث عنهم.

وكان لا يبالي طعاماً، إن جئت به أكل من طيباته، وإن لم يجد صبر، وما كان يقول: هذا طيب، وهذا رديء، بل يأكل ما يقدَّم إليه ويحمد الله عليه.

   ولشدة ورعه، أنه لما شك في طعام فنادق الهند التي كان يزورها، بقي شهرين لا يأكل إلا الخبز والشاي، وهو المريض بالإمساك.

   وكان لا يبالي مالاً ولا جاهاً ولا منصباً، ولا يستهويه مديح الملوك له، ولا تقديمهم إياه.

   كان بركة العصر بحق، وفياً لإخوانه العلماء حيث كانوا، فكان يراسلهم، ويسأل عن أخبارهم، ويدافع عنهم، ويدعو لهم، وينصحهم، ويتدارس معهم شؤون المسلمين، كالشيخ الصواف، والسباعي، والطنطاوي، والكتاني، والصلاحي، وغيرهم.

   وكان ذكياً، حافظاً بارعاً للعلوم واللغة والآداب، وكان متواضعاً، فسيح الأمل، لا يتطرق اليأس إلى قلبه المسكون بالإيمان بالله تعالى، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحمل بين جنبيه نفساً عالية، وروحاً يجيش فيها حبُّ الجهاد في سبيل الله، وكان ورعاً من رجال الآخرة، ولم يكن من رجال الدنيا، فما كان يريدها، ولا يسعى إليها، ولا يحرص على ما يأتيه منها، والدنيا عنده مزرعة للآخرة، لقد زهد فيها وبما فيها من مال وزخرف، فلم تحتلَّ من نفسه حيزاً يُذكر، وكان عفيفاً، رقيقاً في نصحه ووعظه وإرشاده، شديداً في الحق، يواجه المسؤولين بواجباتهم، وبأعمالهم، وينصحهم، ويذكرهم بالله، وبحقوق الشعب، وينذرهم عاقبة أعمالهم في الدنيا والآخرة. وكان يحب العمل الجماعي المنظم، ويكره الانزواء والانطواء والانعزال والعمل الفردي، والارتجال.

وفاته:

   توفي الشيخ أمجد الزهاوي عصر يوم الجمعة، الرابع عشر من شعبان 1387هـ الموافق - 17/11/1967 وشُيّع جثمانه من داره في حي الوزيرية ببغداد، إلى مثواه الأخير في مقبرة الإمام الأعظم في حي الأعظمية في بغداد.

   وشيع في موكب مهيب يوم السبت، وحضره أعلام بغداد، وسار فيه العلماء والوزراء ووفود من رجالات العشائر العراقية، وطلاب المعهد الإسلامي، ولقد أم الناس بالصلاةِ عليه تلميذه الشيخ عبد القادر الخطيب إمام جامع الإمام الأعظم، ودفن في مقبرة الخيزران، قرب قبر عمهِ الشاعر جميل صدقي الزهاوي، وألقى كلمة في تأبينه محمد محروس المدرس، ثم تلاه واعظ بغداد العلامة شاكر البدري.

   رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

مصادر الترجمة:

١_ الموسوعة التاريخية الحرة.

2-بوابة الحركات الإسلامية.

3- رابطة أدباء الشام: الشيخ أمجد الزهاوي: العالم المجاهد الرباني: د. عبد الله الطنطاوي.

4- الإمام أمجد بن محمد سعيد الزهاوي، لكاظم المشايخي.

5- من سجل ذكرياتي، لمحمد محمود الصواف.

6- صفحات من تاريخ الدعوة الإسلامية في العراق، لمحمد محمود الصواف.

7- العلامة المجاهد الشيخ أمجد الزهاوي شيخ علماء العراق المعاصرين، لمحمد محمود الصواف.

8- ذكرياتي: للشيخ علي الطنطاوي.

9- في أندونيسيا: علي الطنطاوي.

10- رجال من التاريخ: علي الطنطاوي.

11- الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

12-مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1078