علي الجارم بعد 66 عاما من الرحيل

أبو الحسن الجمّال

أبو الحسن الجمّال

  مرت الذكرى الخامسة والستون لرحيل الشاعر والروائى والمبدع على بك الجارم دون أن يذكره أحد فى وسائل الإعلام وما أكثرها فى هذه الأيام التى لا تذكر إلا من يدور فى فلك التيار الأحادى اليسارى الذى يسيطر على الثقافة المصرية منذ عقود، والذى لا يبرز إلا أعوانه وأصدقائه ومن يلف لفه ..لأنه يكره الثقافة العربية الأصيلة التى كان يمثلها استاذنا الراحل على الجارم ...برع فى مجالات عدة منها الشعر حيث أن شعره يتميز بإحساس مرهف وذوق رفيع راق انطلق من الشكل الكلاسيكي التقليدي، والذي يعتمد على قافية موحدة، وتعددت الأغراض الشعرية للجارم فقدم في شعر المناسبات، والمراثي، والمديح. والنثر حيث رواياته التاريخية التى غطت فترات مهمة من التاريخ الإسلامى فى الشرق والغرب ..كما كان باحثا لغويا وأدبيا ومترجما..نتذكره فى السطور التالية حتى يكون قدوة للنشء الجديدة الذى ياس من كل بعدما سقطت الأقنعة عن الكثيرين الذين كانوا يمثلون علينا طوال الوقت ...

 وقد ولد على الجارم عام 1881م في مدينة رشيد، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا مثل العديد من أقرانه التى كانت توفدهم وزارة المعارف لصقل تجاربهم والاستفادة من خبرات الغير والتحق بالكلية الجامعة بـ "اكستر"، ومكث بها ثلاث سنوات درس خلالها علم النفس وعلوم التربية والمنطق والأدب الإنجليزي، حصل على إجازة في كل المواد وعاد إلى مصر في أغسطس سنة 1912 ، ثم عين مدرسا بمدرسة التجارة المتوسطة ثم نقل منها بعد سنة على دار العلوم مدرسا لعلوم التربية، في مايو سنة 1917 نقل مفتشا بوزارة المعارف..ثم رقي إلى وظيفة كبير مفتشي اللغة العربية وظل فيها حتي 1940 حين نقلا وكيلا لدار العلوم وظل فيها إلى أن أحيل إلى المعاش سنة 1942.

 كان الأستاذ الجارم أديبا موسوعيا متعدد المواهب، بما حصله أثناء دراسته فى مصر وبريطانيا إذا كان نهما فى اكتساب المعارف واضعا نصب عينه الأصالة العربية وقيمه الإسلامية، فقد جمع بين موهبة الشعر والنثر الأدبي.. كان شاعرًا وقاصًا وروائيًا وناقدا ولغويا ونحويًا وتربويًا، عاصر كبار الشعراء والأدباء مثل شوقي وحافظ وطه حسين ومطران، وأسهم بزاد وافر في مجال الشعر والقصة والبلاغة والتاريخ الأدبي ، تفرغ الجارم للأدب بعد إحالته على المعاش وحينما انشأ ..مجمع اللغة العربية كان من أعضائه المؤسسين، وكانت له جهود في التعريب , إذ عرب كتاب "قصة العرب في أسبانيا".

  وأسهم في التأريخ للأدب العربي بتأليفه كتاب "تاريخ الأدب العربي" مع آخرين، وفي مجال اللغة ألف الكثير من الكتب منها "النحو الواضح" و"البلاغة الواضحة", ترك الجارم تراثا نثريا يكاد يزيد عن تراثه الشعري كما أن بعض معاصريه اعتبروا رواياته التاريخية أهم من نثر أحمد شوقي، وفى هذا يقول الأستاذ الدكتور عباس حسن في كتابه "المتنبي وشوقي" الصادر في طبعته الأولى عام 1951 " بقي من خصائص شوقي التي امتاز بها على المتنبي النثر الرائع حقاً فله في هذا الميدان كتاب سماه "أسواق الذهب" وما أحسبني مغالياً إذا قلت عن النثر الأدبي البليغ والنثر العلمي المتأدب الرفيع لأديبنا المرحوم الأستاذ علي الجارم ليمتاز به الجارم على المتنبي وشوقي وسائر شعراء العرب قديماً وحديثاً كما تنطق بذلك كتاباته النثرية الصادرة عن موهبة فنية أصيلة جعلت منها جميعها سلاسل الذهب لا مجرد "أسواق الذهب".

 وقال أحمد علي الجارم – نجل الأديب الراحل وعضو مجمع اللغة العربية- في مقدمة الجزء الأول من اعماله الكاملة "إن والده كتب عشر روايات، مشيرا إلى أن ما اعتبره تأخرا في اهتمام الدارسين بتراث الجارم يعود إلى عدم إتاحة أعماله لفترة زمنية طويلة، حين منعت الرقابة العسكرية إبان حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إعادة طبع مؤلفات الجارم بالإضافة إلى "مؤامرة الصمت" التي حيكت حوله في هذا العهد."

 كما ترك الجارم أعمالا مثل المعارضات في الشعر العربي، شارك في تأليف كتب أدبية منها: "المجمل في الأدب العربي"، و"المفصل في الأدب العربي"، و"النحو الواضح" في 6 أجزاء بالاشتراك مع زميله الأستاذ مصطفي أمين إبراهيم، و"البلاغة الواضحة" جزآن بالاشتراك مع زميله الأستاذ مصطفي أمين إبراهيم أيضا، "علم النفس وآثاره في التربية" وغيرها...

 قدر العالم العربي على الجارم حق قدره فمنحته مصر وسام النيل 1919 والرتبة الثانية سنة 1935 ، انعم عليه العراق بوسام الرافدين سنة 1936 وانعم عليه لبنان بوسام الأرز من رتبة كومندور سنة 1947 ، توفي بالقاهرة فجأة وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفل تأبين محمود فهمي النقراشي وذلك عام 1949م .

إسهاماته فى الرواية التاريخية:

 يعتبر على الجارم من الأدباء القلائل الذين اهتموا بالرواية التاريخية من منظور إسلامى صاف، ويمثل بكتاباته الروائية مرحلة من المراحل المهمة التى مرت بها الرواية فى عصرنا الحديث، ويقف مع جيل الأدباء الذين كتبوا الرواية التاريخية رواية النضج وبخاصة محمد فريد أبو حديد ومحمد سعيد العريان وعلى أحمد باكثير، موقفا متميزا من حيث إخضاع الفكرة القصصية للرؤية الإسلامية الصافية على العكس من الآخرين طوعوا الفكرة القصصية التى تعالج أفكارا إسلامية لتصورات مشوشة أو غريبة ...وكان أمينا فى نقل الحدث ولم يتصرف إلا فى نطاقا ضيقا كما فعل جرجى زيدان الذين أبرز الأحداث والشخصيات الهامشية وطغيانها على موضوعها المراد تناوله ..وقد كتب الجام عددا لا بأس به من الروايات التاريخية التى عالجت فترات عديدة من تاريخنا الإسلامى ولم يكن اختيار هذه الموضوعات كما يقرر أستاذنا الدكتور حلمى محمد القاعود فى كتابه  الحجة "الرواية التاريخية فى أدبنا الحديث- ص56" بل اختارها بعناية لتلقى على الواقع بظلالها وليعالج خلال أحداثها وشخصياتها قضايا وأفكار كانت ولازالت تؤرق الكاتب والأمة ، لقد كانت مصر ومعها الأمة الإسلامية تعانى من الاستعمار الأجنبى وتتعذب بآلام الاحتلال ، وسيطرة الدخيل وسؤء الإدارة ومتاعب الخلف وتمزق أبناء الشعب الواحد وصراع الحكام ، فضلا عن الصراع الحضارى بين النموذج الوافد والنموذج الموروث أو السائد...

 كما كان لروايات الجارم هدفا تعليميا خدم اللغة العربية من خلال احتفالها بالأسلوب الجزل الفخم الذى يضم عدداً كبيرا من المفردات المهجورة، أو يعتمد على معجم غير مألوف بهدف تقديم أسلوب قوى يقلده الجيل الذى تأثر بلغة الصحافة السهلة والتى أشاعت شيئا من الابتذال التعبيرى ..وهذا راجع إلى اشتغال الجارم بالتعليم وارتباطه به معظم حياته العملية حتى أحيل للتقاعد له دخل فى هذه المسألة بحكم احتكاكه الدائم بالطلاب ومعرفته لمستوياتهم وخبرته بمشكلاته مع اللغة وقد قررت وزارة المعارف معظم رواياته على الطلاب فى المرحلتيت الإعدادية والثانوية ...(د.حلمى محمد القاعود ..الرواية التاريخية ص58) .

 وثمة اختلافا بينه فى التناول الفنى للأحداث التاريخية بينه وبين جرجى زيدان والمقارنة بينهما تصب فى صالح الجارم كما يقرر أستاذنا الدكتور إبراهيم عوض وهذا راجع إلى ثقافة الجارم العربية الإسلامية والجو الإسلامى الذى نشأ فيه حيث كان والده عالما من علماء الأزهر ورضع من لبان هذه الثقافة منذ نعومة أظافره، كما انه فى رواياته ظل وفيا للأحداث كما نقلتها كتب الأدب والتاريخ، ولم يجنح إلى التغيير إلا بقدر ضئيل وبخاصة فيما يتعلق بالروابط العاطفية وسيرة السخاص الذاتية التى لم تشر إليها كتب التاريخ بما فيه الكفاية أو إشارت إليها من خلال روايات متعددة ومتضاربة ..بينما لم يلتزم زيدان بهذا المنهج وتساهل فى تعامله مع الأحداث إلى أبعد حد ...

على الجارم شاعرا: 

كان شعره يتميز بإحساس مرهف وذوق رفيع راق انطلق من الشكل الكلاسيكي التقليدي، والذي يعتمد على قافية موحدة، وتعددت الأغراض الشعرية للجارم فقدم في شعر المناسبات، والمراثي، والمديح كما أسلفنا وقد كان لبلدته رشيد قصب السبق فى شعره ونثره، وكتب عنها رواية "غادة رشيد" التى تحدث فيها عن كفاح المدينة وأحوالها زمن الحملة الفرنسية وقال عنها شعرا:

جــدّدي يـــا رشيدُ للـــحـبّ عَهْدَا      حَسْبُنا حســــــبُنا مِطالاً وصــدَّا

جــدّدي يـــا مدينة َ السحرِ أحــلا     ماً وعْيشاً طَلْقَ الأسارير رَغـْـدا

جــدّدي لمحة ً مضتْ مــن شبابٍ     مــثــل زهـر الربا يرِفُّ ويندَى

وابعثي صَحْوة ً أغار عليها الشــ     يْبُ حتَّى غـدتْ عَــنـاءً وسـُهـدا

وتعالَى ْ نــعــيـشُ في جَنَّة ِ الـمـا    ضـي إذا لم نجِدْ مـن العيشِ بـُدّا

ذِكْرياتٌ لــو كــان للــدهـــرِ عِقْدٌ    كـنّ فــي جِيدِ سالفِ الدهر عِقدا

وكانت أولى قصائد الجارم كانت بعنوان "الوباء" عام 1895م، عندما اجتاحت جرثومة "الكوليرا" بلده رشيد وحصدت الأرواح، وقد قال فيها مخاطبًا هذا المكروب اللعين:

أي هــذا الــمـكـروب مــهــلا قليلا     قد تجاوزت في سـراك الـسـبـيلا

لست كالواو أنت كالمنجل الحصاد     إن أحــسـنـوا لك الـتــمــثـــيـــلا

كان الإسلام محورًا لأغلب أعمال علي الجارم، إذ استوحى في رواياته وقصصه وأشعاره العديد من المعاني القرآنية، نقرأ له جزء من قصيدة يشدو فيها حبا للإسلام والنور الذي عم البشرية بسيد الخلق محمد – صلى الله عليه وسلم - تقول :

أطـلـّـت على سُحبِ الظلامِ ذُكـاءُ    وفُـجـِّرَ مـن صـخـرِ التنـُوفة ِ مَاءُ

وخُــبــّرت الأوثـــانُ أنَّ زمانَـهـا    تــولـى ّ وراحَ الـجـهـلُ والجهلاءُ

فما سجدت إلاّ لذي العرشِ جـبهة   ولــــم يَــرتـفـعْ إلاّ إلــيـه دُعـــَاءُ

تبسم ثغرُ الصبحِ عن مولدِ الهُدى   فـــللأرضِ إشــراقٌ بــه وزُهــاءُ

وعادت به الصحراءُ وهـي جديبة    عـلـيـهـا مـن الـدينِ الجـديد رُوَاءُ

ونافـست الأرضُ السماءَ بكوكـبٍ    وضـِيء الـمـحـّيا مـا حَوَتْه سماءُ

لـه الـحـق والإيـمـانُ بــاللّه هــالة    وفـي كـلِّ أجـواءِ الـعـقولِ فَضاءُ

تــألــّق فــي الـدنـيا يُزيـح ظلامَها    فـــزال عـمى ً مــن حولهِ وعَماءُ

وردّ إلــى الـعـُـرْب الــحـَيـاة وقـد    مـضى عليهم زمانٌ والأمامُ وراءُ

ويقول :

عــجبـتُ لأمرِ القومِ يحمونَ ناقـة   وســاداتـهــم مــن أجـْلـِهـا قُتلاءُ

بدا في دُجى الصحراء نورُ محمدٍ   وجـلجـلَ في الصحراء منهُ نِداءُ

نــبـيُ بـه ازدانـت أبـاطـِحُ مــكـة    وعــزَّ بـــهِ ثــَوْرٌ وتـــاه حِــرَاءُ

ُنادي جريء الأصغريْن بــدعـوة    أكـبَّ لهـا الأصـنـامُ والزُعــمـاءُ

دعـاهـم لـربٍ واحـدٍ جـلَّ شـأنــه   له الأمرُ يولى الأمرَ كيف يَـشاءُ

الجارم ..عروبة حتى النخاع

لقد كان علي الجارم عاشقًا للغة القرآن الكريم، احتفى بها في زمن سعى الاستعمار فيه إلى الحد من قوتها عبر عمليات غسيل مخ لأدمغة أناس، اعتقدوا أن لغتهم تحول دون التقدم، فدعوا إلى إحلال الحروف اللاتينية محل حروفها، وكان يرى أن اللغة العربية هي المدخل الطبيعي لوحدة الأمة العربية، فهو القائل :

نـــــــزل القرآن بالضاد فــــلـــو       لــــــم يـــــكن فيها ســــواه لكفاها

ولعل من أبرز قصائده قصيدة "العروبة" التي جاءت من 77 بيتا، وألقاها في مؤتمر الثقافة العربي الأول الذي أقامته الجامعة العربية في لبنان عام 1947م، وجاء فيها :

تــوحـد حـتتى صـار قـلـبـا تحوطـه     قـلـوب مـن الـعـرب الكرام وأضلـع

وأرسـلـهــا فـي الخافـقـيـن وثـيـقــة    لها الحـب يـمـلـى والـوفــاء يـوقـــع

لقد كان حلما أن نرى الشرق وحـدة   ولـكــن مــن الأحـلام مــا يــتــوقــع

ويقول :

بــــنــــي العروبة إن الله يـجمعـنـا    فلا يفرقنا فـــــي الأرض إنــسـان

لــــــنـــا بها وطـن حـر نـلـوذ بـــه   إذا تنـاءت مــســافــات وأوطـــان

ويقول أيضا :

بــلــغ العـرب بالبلاغة والإســلام     أوجــــا أعــيــا عــلــى كــيـــوان

لبسوا شمـس دولـة الفـرس تـاجــا   ومــضـوا فـي مـغافــر الــرومـان

وجروا ينشرون فـي الأرض هديا     من سنا العـلـم أو ســنــا الــقــرآن 

ونستمع له في افتتاح دورة الانعقاد  الثالث لمجمع اللغة العربية يردد :

جــزيــرة أجـدبـت فـي كــل نـاحـية   وأخصبت في نواحي الخلق والأدب

جــدب بــه تـنـبـت الأحـلام زاكـيـة    إن الـحجـارة قـد تـنـشـق عـن ذهب

تـود كـل ريـاض الأرض لو منحت    أزهـارهـا قـبـلـة مـن خـدهـا التـرب

كان علي الجارم كما وصفه معاصروه شاعر العروبة والإسلام، فقد عايش قضايا أمته وتفاعل معها، وجاءت أروع النماذج الشعرية معبرة عن انتمائه الوطني والقومي والإسلامي، فنجد قصيدته "فلسطين" التي بلغت ثلاثة وسبعين بيتًا، منها :

نفـسـي فداء فلسطين ومـا لقيـت    وهل يناجي الهـوى إلا فلسطيـنا

نفسي فداء لأولى القبلتين غـدت    نهبا يزاحــم فــيه الذئـب تـنـيــنا

ويقول :

ومصرُ والنيلُ ماذا اليْومَ خطبُهما    فــقـد سَرى بحديثِ النيلِ رُكْبان

كنانة ُاللّه حصنُ الشرقِ تُحرســُه   شِيبٌ خِفافٌ إلــى الْجُلَّى وشُبَّان

قالوا عنه:

عملاق الأدب عباس محمود العقاد في تقديمه لديوانه الشعري: "الجارم عالم باللغة، وعالم مع اللغة بفنون التربية وفروعها، وهو الشاعر الذي زوده الأدب والعلم بأسباب الإجادة والصحة، فكان شعره زادا لطالب البيان في عصره، ومثالاً صالحًا للثقافة التي أسهم فيها بأدبه وعلمه".

الناقد محمد أبوبكر حميد : كانت شاعريته تكمن خلف وقوفه عند أعلام شعرنا القديم، مثل ابن زيدون في رواية (هاتف من الأندلس) والمعتمد بن عباد في (شاعر ملك) والمُتنبي في (الشاعر الطموح) و(خاتمة المطاف) " .

 والتعليم بالاشتراك مع نفس الزميل وكان هذا الكتاب من أوائل الكتب التي ألفت بالعربية في علم النفس .

الدكتور أحمد هيكل: عميد كلية دار العلوم السابق "أما الرائد الكبير الذي يدور حوله هذا العمل فهو طيب الذكر علي الجارم أحد أعلام الاتجاه المحافظ في الشعر العربي الحديث، هذا الاتجاه الذي راد تاريخه البارودي أولاً ووصل إلى غاياته شوقي فيما بعد، ثم كان الجارم واحداً من الذين تصدروا السائرين في هذا الاتجاه والمتنافسين لملء الفراغ بعد رحيل أمير الشعراء، بل كان بحق السابق إلى ملء هذا الفراغ وخاصة في الجانب المحفلي والرسمي الذي كان من أبرز جوانب إمارة شوقي وديوان الجارم بأجزائه الأربعة هذا العطاء الشعري الوفير والغزير الذي يمثل طبقة سامية من طبقات الشعر المحافظ، تضع صاحبها في مكان المتصدرين من أصحاب هذا الاتجاه الفني الرصين، وجميعهم يشير إلى المدرسة الأدبية التي ينتمي إليها الجارم وهي مدرسة المحافظين".

الدكتور إبراهيم عوض:

 لم يكن الجارم شاعراً فقط بل كان شاعراً وروائياً تاريخياً وباحثاً وكان شعره متينا محكما قوى الديباجة وله ديوان شعر كبير . كتب عنه النقاد فى عصره ويمثل شعره تيارا أصيلا فى مسيرة الشعر العربى الحديث ...أما رواياته فقد تناول فيها بعض فترات التاريخ الإسلامى والشخصيات الأدبية والسياسية المهمة منها: روايتان عن المتنبى (الشاعر الطموح، ونهاية المطاف) وفارس بنى حمدان، وهاتف من الأندلس وغادة رشيد ...ألخ وقد قرأت معظم هذه الروايات ثم أعدت قرءاتها فى الفترات الأخيرة وكان متعتى بها فى الحالتين لا تحد ليس هذا فقط ولقد رايتها مراجع علمية فى بعض الموضوعات التى تشغلنى وهذه الروايات تنم عن باحث كبير فى التاريخ الإسلامى وصاحب اسلوب رصين يمتع عشاق الأساليب الراقية وفنان يقبض على أزمّة فنه بمهارة فائقة بل أننى قد قرأت بعض روايات والتر سكوت فألفيت أن الجارم يفوقه ويعلو عليه كبيرا ..أما مقارنته بجرجى زيدان فتظلمه ظلماً شديدا لأن الفرق بين الروائيين هائل يصب فى مصلحة الجارم ...

ثم أن له بحوثا لغوية وأدبية مهمة فضلا عن ترجمته لـ"ستانلى لين بول" عن تاريخ المسلمين فى أسبانيا وهى ترجمة رائعة الأسلوب وهى ترجمة رائعة الأسلوب جميلته ، وإن لم يلتزم فيها الأصل التزاما تاما .... 

الدكتور حلمي محمد القاعود:

على الجارم (1881 – 1949) من رواد الحركة الأدبية في القرن العشرين ، وقد خدم اللغة والأدب والتاريخ والتربية كما لم يخدمها أحد مثله . وقد جمع إلى الثقافة التراثية الثقافة الغربية ، وكان يحمل عاطفة إسلامية عربية مصرية جياشة ؛ عبر عنها في شعره الذي سجل المناسبات القومية المختلفة إلى جانب موضوعات أخرى , وكان الجارم الصورة المقابلة لجرجي زيدان حين كتب مجموعة من الروايات التاريخية بتصور إسلامي خالص ، ووعي بحقائق التاريخ وبطولاته وهزائمه ، فقدم روايات:

"الذين قتلهم شعرهم"، "فارس بني حمدان"، "الشاعر الطموح" عن حياة الشاعر أبي الطيب المتنبي، "خاتمة المطاف"، و"الفارس الملثم"، و"السهم المسموم"،    "مرح الوليد" وهو سيرة الوليد بن يزيد الأموي، "سيدة القصور" أخر أيام الفاطميين في مصر، "غادة رشيد" وتتناول كفاح الشعب المصري ضد الاحتلال الفرنسي 1798 – 1801، "هاتف من الأندلس"، و"شاعر ملك" عن المعتمد بن عباد، "   ابن زيدون"، "نهاية المتنبي" .

لقد قرأ الطلاب المصريون على مدى عقود طويلة  في المرحلتين الإعدادية والثانوية روايات على الجارم وعرفوا منها التاريخ الحقيقي لأمتهم وحضارتها ، وليت وزارة التعليم تعيدها في المقررات الدراسية مرة أخرى .

وتعد مؤلفات الجارم للمقررات الدراسية بالاشتراك مع غيره أو منفردا من أفضل ما عرف طلابنا على مدى زمن طويل . لقد ألف النحو الواضح في أجزاء والبلاغة الواضحة و المجمل من الأدب العربي، والمفصل، بالإضافة إلى كتب مدرسية أخرى في التربية. كما نشر عدد من المقالات في مجلة المجمع مثل الجملة الفعلية أساس التعبير في اللغة العربية، المصادر التي لا أفعال لها، مصطلحات الشئون العامة.

وقام بترجمة كتاب المستشرق البريطاني ستانلي لين بول "قصة العرب في أسبانيا".

لقد كانت وظائفه في التربية والتعليم من أهم عوامل نجاح التعليم قبل عام 1952 فقد شغل منصب كبير مفتشي اللغة العربية وكان وكيلاً لدار العلوم وبقي فيها حتى عام 1924, واختير عضواً في مجمع اللغة العربية, وشارك في كثير من المؤتمرات العلمية والثقافية.

 رحم الله علي الجارم ، وقيض له من يقدمه للأجيال الجديدة لتعرف قدره ومكانته . 

الدكتور خالد فهمى:

علي الجارم نمط من رجال جيل الرواد،وهو ما يعني عدة أمور هي: ١-الانتماء لمحددات الهوية العربية الإسلامية ، واتخاذ موقف إيجابي مقاوم للتغريب. 2-إعادة الإيمان بقدرة الأمة على العودة ، وهو ما يفسر كتابته الشعر من منظور ،إحيائي. ويشهد نشاطه المجمعي إيمانا حقيقيا بقيمة اللسان العربي ، وقدرته على أن يسهم في النهضة المرجوة ،لقد كان إيمانه بقدرة اللسان العربي على الإسهام في التقدم الحضاري قويا.

 وقد توزع نشاطه في خدمة القضية اللغوية في رءوس الموضوعات التالية: ١-التخطيط للنهوض اللغوي من خلال تنشيط المجمع اللغوي. ٢-الكتابة العلمية في القضايا اللغوية ،بحثا وتيسيرا وتجديدا. ٣- تطوير التشريعات اللغوية، وتفعيل الدور اللغوي في التعليم العام. وسيبقى البارودي مثالا فريدا على حب العربية ، والمشاركة في الارتقاء بها من منظور ديني ووطني.