خادمة القرآن الكريم

حفصة بنت سيرين رحمها الله

ربيع شكير 

سيدة فاضلة جليلة، نذرت نفسها لخدمة القرآن وعلومه، بعد أن تعلّقت به، وسرت آياته في نفسها سريان الدماء في العروق.

إنها حفصة بنت سيرين، خريجة مدرسة كبرى من مدارسنا الإسلامية، إنها مدرسة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقد نشأت حفصة في بيت تُقى وعلم وورع وزهد، لم تشغلها أمور النساء من اهتمام بزينتهن وجمالهن عن الاهتمام بطلب العلم لتكون من ورثة الأنبياء، فقد تعمقت في فهم القرآن، ودراسة علومه، إذ نضج سوقها في عصر التابعين الذين كان شغلهم الشاغل خدمة علوم الدين على تنوعها، فغاصت في أعماق الكتاب الكريم تستجلي درره، وتشرح آيه، حتى إن أخاها محمد بن سيرين كان إذا أشكل عليه شيء من القرآن، قال: «اذهبوا فاسألوا حفصة كيف تقرأ؟»[1].

وكانت كثيراً ما تخلو إلى نفسها وتنقطع للعبادة فتقيم الليالي الطويلة راكعة ساجدة حتى بدا أثر الصلاح على وجهها وأضاء بنور الهدى والإيمان، وهو زينة أتمها الله على عباده المخلصين تعلو فوق كل زينة وجمال، وهكذا اشتهرت حفصة بعلو مكانتها عند كبار العلماء والمحدثين فقال عنها إمام المحدثين يحيى بن معين:« حفصة بنت سيرين ثقة حجة».

توفيت في السنة الواحدة بعد المئة من الهجرة، عن قرابة السبعين عاماً، وحضر جنازتها جمع كبير من التابعين، وعلى رأسهم الحسن البصري، رحمها الله رحمة واسعة، وجعلها وأمثالها أسوة لبنات هذه الأمة[2] .

               

[1] - وهذا يدل على علمها بوجوه قراءته.

[2] - انظر: ابن حجر: تهذيب التهذيب، 12/410، دار الفكر، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 4/507، مؤسسة الرسالة.