الشيخ محمد الخضر حسين

في مسار التواصل بين المشرق والمغرب

أ.د مولود عويمر*

التواصل بين المغرب والمشرق العربيين من القضايا التي شغلت اهتمامات العلماء قديما وحديثا. ومازالت إشكالية الحساسية الثقافية بين المشرق والمغرب، أو القطيعة أم التواصل في الثقافة العربية مطروحة على منابر الفكر وقنوات الاتصال المختلفة. فهذه المجلة الثقافية القطرية "الدوحة" تفتح ملفا في هذا الموضوع، وتدعو الكتاب للنقاش[1] حوله، وهذه مجلة "العربي" الشهيرة تنظم ندوة دولية[2] تدعو المشارقة والمغاربة للحوار المثمر.

وإذا كان السؤال مشروعا من أجل مراجعة الذات، وبناء مستقبل للتثاقف العربي على قواعد متينة، فإن تاريخ حركة الإصلاح في القرن الماضي قدم نماذج في التواصل بين مشرق العالم العربي ومغربه، لاشك إذا تأملناها ودرسناها بعمق، ستخفف من حدة هذه الحساسيات المفرطة أحيانا، وتدعم كل خطوة نحو التواصل والتعارف والتضامن.

وسنختصر في هذه الدراسة على نموذج واحد، وهي تجربة الشيخ محمد الخضر حسين (1873-1958) في النضال الوحدوي لتحرير مشرق العالم العربي ومغربه من الاستعمار والتخلف.

نبذة عن حياة الشيخ محمد الخضر حسين:

ولد الشيخ محمد الخضر حسين في عام 1873 في نفطة في تونس. ويرجع أصله إلى مدينة طولقة القريبة من بسكرة في الجنوب الجزائري. حفظ القرآن الكريم، والتحق بجامع الزيتونة، وتحصل على شهادة التطويع في عام 1898.[3]

وفي عام 1904، أسس مجلة "السعادة العظمى". وهي مجلة أدبية إسلامية شهرية. صدر العدد الأول في شهر أفريل من العام نفسه. وتعطلت في جانفي 1905. صدر منها 21 عددا.[4] درّس بجامع الزيتونة، وأصبح من أكبر علمائها وأساتذتها. كما اتصل بالطلبة الجزائريين، وحثهم على طلب العلم، وشجّعهم على تنظيم صفوفهم في جمعية طلابية.[5]وفي عام 1906، ألقى محاضرته الشهيرة حول الحرية بالصادقية، تناول فيها تصوره للحرية في ضوء الإسلام. وقد اعتبر بعض الباحثين هذه المحاضرة إسهاما علميا متميّزا في الفكر الإسلامي المعاصر.[6]

وفي سنة 1912، سافر إلى دمشق لالتحاق بأسرته، وفيها تولى التدريس بالمدرسة السلطانية. وقدم دروسا في الجامع الأموي. وفي عام 1916، أدخل السجن بتهمة التعاطف مع الوطنيين الذين قاموا بمظاهرات ضد الحكم العثماني.

عمل الشيخ محمد الخضر حسين ككاتب بالعربية في وزارة الخارجية بآستانة، ثم أرسل في مهمة إلى ألمانيا، والتي تتمثل في الدعاية في معسكر الأسرى المسلمين بألمانيا، وتوحيد الجهود لتحرير شمال إفريقيا من الاستعمار الفرنسي.[7]

بعد الحرب العالمية الأولى، عاد إلى سوريا، وتفرغ لتأليف الكتب، وعيّن عضوا بالمجمع العلمي العربي السوري. وعندما فرض الانتداب الفرنسي على سوريا، هاجر إلى مصر. عمل مصححا بدار الكتب المصرية لمدة خمسة سنوات، وتعرف على أحمد تيمور باشا.

تحصل على شهادة العالمية من الأزهر، وأصبح أستاذا في كلية أصول الدين. وفي 1933، أختير الشيخ محمد الخضر حسين عضوا في المجمع اللغوي، وفي عام 1952 تولى منصب شيخ الأزهر، فكان بذلك المغربي الثاني الذي تولى هذا المنصب العلمي الرفيع، بعد الشيخ حسن العطار[8]، من المغرب الأقصى.

ألف عدة كتب نذكر منها: -"نقض كتاب الإسلام و أصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق، رسالة في السيرة النبوية، موجز في آداب الحرب في الإسلام،القياس في اللغة العربية، بلاغة القرآن الكريم، محمد رسول الله، رسائل الإصلاح، تونس وجامع الزيتونة، -الرحلات، تراجم الرجال، خواطر الحياة، ديوان شعر...

توفيّ الشيخ الخضر في عام 1958 عن عمر يناهز 85 سنة، ودفن بمقبرة آل تيمور بالقاهرة.

الشيخ الخضر في مخيال الجزائريين:

        لقد قام الشيخ محمد الخضر حسين بزيارة بلده مرتين، في عام 1903، و1904. وفي الزيارة الثانية، طاف حول البلد، وألقى عدة محاضرات، وتعرف على بعض العلماء الجزائريين: عبد القادر المجاوي، محمد بن أبي شنب، وعبد الحليم بن سماية، وحمدان الونيسي، محمد بن مصطفى خوجة، وعلي بن الحاج موسى، والمفتي الحنفي الشيخ بوقندورة. وقد كتب الشيخ الخضر عن هذه الرحلة[9] في مجلته "السعادة العظمى" في حلقتين.

أعادت مجلة "الشهاب" التي كان يصدرها الشيخ عبد الحميد بن باديس نشر مقال كتبه محب الدين الخطيب في مجلة "الفتح"[10] عن العلماء ورجال الإصلاح المغاربيين الذين أثروا فيه كثيرا، وقدموا له يد العون في تحرير وإصدار هذه المجلة.

وقد علّق عليه الشيخ إبن باديس[11]بشيء من الثناء على هؤلاء العلماء، ومنهم الشيخ محمد الخضر الحسين والشيخ طاهر الجزائري. ولم تغفل كذلك "الشهاب" عن نشر صورهم بشكل أنيق يليق بمقام هؤلاء المصلحين. وسيخصص فيما بعد محب الدين الخطيب مقالا مطولا عن الشيخ محمد الخضر حسين في مجلة الأزهر[12]، مؤكدا على ما ذكره في المقال الأول، مضيفا ذكريات أخرى تدل على متانة وعمق العلاقات التي تربط الرجلين.

ولم تفوّت جريدة "البصائر" فرصة توليه مشيخة الأزهر في عام 1952 لتهنئه بقلم الشيخ محمد العيد آل خليفة.[13] وأصبح مفخرة للجزائر بشكل عام وللزبانيين بشكل خاص كما أشار إلى ذلك الباحث عبد القادر قوبع.[14] وأصبحت مؤلفاته متداولة في مدارس وزوايا الزيبان.

ونقلت جريدة القبس لسان حال جمعية شباب الموحدين الحوار الذي أجرته جريدة الأهرام مع شيخ الأزهر محمد الخضر حسين، والذي ركز ّفيه على حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي.[15]

جسر التعارف بين علماء الشرق والمغرب:

        لا نكاد نجد عالما أو مصلحا زار سوريا أو الأستانة أو مصر في الفترة التي ندرسها (1914-1958) لا يتصل بالشيخ محمد الخضر حسين لما يتمتع به من سمعة علمية عالية، وحركة دائمة في سبيل نصرة القضايا الإسلامية. فقد كان همزة وصل بين الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وعلماء سوريا: محمد بهجت البيطار، والشيخ جمال الدين القاسمي.[16] وعرّفه كذلك بالعديد من الشخصيات الإسلامية حينما زار الإبراهيمي مصر في أكتوبر 1952.[17]

وكسب الشيخ محمد الخضر حسين علاقات جديدة مع شخصيات نضالية وإصلاحية مغاربية ومشرقية خلال تواجده في برلين أثناء الحرب العالمية الأولى كالأمير شكيب أرسلان، والشيخ عبد العزيز جاويش، ومحمد فريد، والأخوين محمد وعلي باش حامبة، والشيخ صالح الشريف، والشيخ إسماعيل الصفائحي.

        وتجاوزت شهرته العالم العربي، ووصل صيته إلى العديد من الدول الإسلامية. وهذا ما يؤكده العالم الهندي الشيخ أبو الحسن الندوي، الذي حرص على اللقاء به حينما زار القاهرة في عام 1951: » وكنت أعرفه من مقالاته ورسائله العلمية وبحوثه اللغوية من زمان، وأعرفه كعالم راسخ في العلوم الدينية والأدبية"[18] ولعل الشيخ الندوي يقصد مقالاته في مجلة "المنار" عن الدراسات اللغوية، ومقالاته في مجلة "الفتح"، ومجلة "نور الإسلام" لسان الأزهر التي تولى رئاسة تحريرها منذ العدد الأول الصادر في محرم 1349 هـ، الموافق لجوان 1930.

        أما مؤلفاته التي أشتهر بها في الهند وغيرها من الدول الإسلامية، فنشير هنا بشكل خاص إلى كتابين: "نقض كتاب الإسلام و أصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق، و"نقض كتاب في الشعر الجاهلي" ردا على الدكتور طه حسين.

وقد وصف كتاب "نقض كتاب في الشعر الجاهلي" الباحث الدكتور محمد محمد حسين بهذه العبارات الوجيزة :" كتاب محمد الخضر حسين هو أدنى إلى أسلوب الأزهر المتبع في الحواشي، والذي يتحرى الدقة في تتبع النص كلمة كلمة، فهو يتناول في نقده كتاب طه حسين صفحة صفحة، بل سطرا سطرا. فيقدم بين يدي نقده نص الفقرة أو الجملة التي سيتناولها بالمناقشة، مشيرا إلى رقم الصحيفة التي جاءت فيها، ثم يعقب بمناقشتها، مفيضا في ذلك ما بدا له، في صبر وحرص على الاستقصاء. وكان كتابه أطول ما ألف في الرد على طه حسين، إذ يقرب من أربعمائة صفحة"[19].

جمعية الهداية الإسلامية وقضايا المغرب العربي:

أسس الشيخ الخضر حسين جمعية "الهداية الإسلامية" في جانفي 1928. وكان من أبرز أهدافها: » السعي لتمتين الصلات بين الشعوب الإسلامية وتوثيق الروابط بينها والقضاء على الخلافات بين الفرق الإسلامية المختلفة."[20] وأصدر مجلة تحمل الاسم نفسه "الهداية". وقد سبق أن أشرنا إلى تجربته الصحفية في جريدته السعادة العظمى التي كان متأثرا فيها كثيرا بمجلة "المنار"[21] للشيخ محمد رشيد رضا، والتي سيكتب فيها عدة دراسات، سنتناولها فيما بعد.

وتصل مجلة الهداية الإسلامية إلى الجزائر، فما زالت زاوية طولقة تحتفظ بمجموعة من أعدادها.[22] وكذلك زاوية الهامل ببوسعادة.

ويرى خطأ الباحث المصري الدكتور توفيق الشاوي أن الفضيل الورتلاني كان الأمين العام و"المحرك الأول لجمعية الهداية ومحرر مجلتها."[23]

ويروي الدكتور الشاوي كيف ساهمت هذه الجمعية من خلال رئيسها الشيخ محمد الخضر الحسين أو من خلال تأثير مجلتها الهداية الإسلامية في تكوين صورة حية وواضحة عن الأوضاع المزرية السائدة في المغرب العربي، الذي تحاول فرنسا أن تعزله عن المشرق: » فأول معرفتي بقضيتها (تونس) كانت عن طريق أحاديثي مع الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين ... وقد أسس في القاهرة جمعية تسمى جمعية الهداية الإسلامية... وكانت تصدر مجلة اطلعت على بعض أعدادها في مكتبة المقر العام للإخوان المسلمين ... ورغم أن المجلة كانت إسلامية عامة إلا أنها كانت تعطي أهمية خاصة لأخبار تونس وشمال إفريقيا."[24]

وعمرت الجمعية طويلا بحيث ما زلت قائمة في عام 1951 كما تشير إلى ذلك بعض الشهادات[25]على الرغم من انقطاع مجلتها أثناء الحرب العالمية الثانية.

مساهمته في تأسيس "جمعية الشبان المسلمين" بمصر وعلاقتها بالمغرب العربي:

تأسست جمعية الشبان المسلمين في القاهرة في مارس 1927 م. ووضع لائحتها الشيخ محمد الخضر حسين مع صديقيه الأستاذ أحمد تيمور باشا، ومحب الدين الخطيب صاحب مجلة الفتح.[26]

ولعبت هذه الجمعية دورا بارزا في تاريخ الإصلاح والتحرر في العالم الإسلامي. فقامت بتنظيم ندوات وكتابة احتجاجات ضد سياسة الظهير البربري في المغرب الأقصى، وسياسة التجهيل والقمع في الجزائر.

كما احتجت هذه الجمعية على سياسة الإبادة والاستئصال التي تمارسها إيطاليا في ليبيا. كما تستضيف علماء وزعماء سياسيين من المغرب والمشرق لإلقاء المحاضرات حول قضايا المشتركة أو الخاصة.[27] ففي 5 مارس 1951، ألقى الكاتب المصري سيد قطب محاضرة في دار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، انتقد فيها فرنسا التي تتعامل مع الشعوب الإسلامية التي استعمرتها بمنطق القوة والقمع، وهاجم بشكل واضح المعجبين بها والمؤمنين بشعاراتها الثورية والديمقراطية الزائفة:

وقد كتب عن هذه المحاضرة العالم الهندي الشيخ أبو الحسن الندوي الذي حضر هذا اللقاء خلال زيارته للقاهرة: "قرأ سيد قطب كلمة كانت موجهة إلى "عبيد فرنسا"، وكانت كلمة أدبية تهكم فيها بهؤلاء العبيد الذين يسبحون بحمد فرنسا بكرة وأصيلا، ويرون فيها القدسية والجلالة، ويدينون بحبها وولائها، واقترح بأن تغيّر الكتب المقررة في الدراسة التي تتكلم عن ثورة فرنسا، وتأثيرها في تحرير الفكر والمساواة بكتب تاريخ الاستعمار الفرنسي وفظائعه، وكانت الكلمة تقاطع بهتافات صارخة وتصفيقات حارة وكان الجمع يهتف بين حين وآخر "تسقط فرنسا العاهرة".[28]

ومثال آخر يقدمه لنا المؤرخ الجزائري الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي أقام أيضا بالقاهرة في الخمسينات: » وفيها كانت تعقد الندوات والمحاضرات لرجال العروبة والإسلام، ومنها أنشطة حول الجزائر، وفيها قابلت الأمير عبد الكريم الخطابي أول مرة، أكتوبر 1955. وفيها تدربت مع الطلبة الجزائريين على المقاومة الشعبية أيام العدوان على مصر سنة 1956."[29]

كما تفتح الجمعية دارها للهيئات والمنظمات المغاربية لإقامة نشاطاتها، وتنظيم حفلات أو ندوات.[30]

ونظرا لنجاح جمعية شبان المسلمين في زرع الوعي، وتكريس الأخوة بين المسلمين، ونجاعة أساليبها في الدعوة، ونصرة القضايا العربية والإسلامية، دعا الشيخ أبو اليقظان رجال الإصلاح في الجزائر إلى تأسيس فرع لها في الجزائر أسوة بمصر وسوريا وفلسطين وتونس التي تأسست بها فروع لهذه الجمعية.[31]

جبهة الدفاع عن إفريقية الشمالية تناصرها حركة الإخوان المسلمين:

أسسَّ الشيخ محمد الخضر حسين مع الفضيل الورتلاني، وإبراهيم أطفيش، وأحمد بن المليح "جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية". وتضم هذه الجمعية شخصيات مرموقة كالأمير مختار الجزائري، والأمير عبد الكريم الخطابي المغربي. وكان الفضيل الورتلاني أمينا عاما للجبهة.

وتهدف هذه الجمعية إلى استقلال بلدان المغرب العربي من سلطة الاستعمار الفرنسي، والانضمام إلى جامعة الدول العربية. وقد شرحت هدفها الأساسي في بيانها الأول الذي قالت فيه أن الجبهة جاءت للرد على السياسة الاستعمارية الفرنسية الرامية إلى مسخ هوية المغاربة: » زادت الوطنيين حماسة لقضيتهم، وقوى اتجاههم إلى العمل لتحرير أوطانهم. وقد عرف صدق عزيمتهم جاليات في مصر من أبناء تلك البلاد، فأنشؤوا جبهة تدعى "جبهة الدفاع عن إفريقية الشمالية" لتكون عونا لتلك الشعوب على بسط قضيتهم للعالم الإسلامي، وتتولى الدفاع عنها بيقظة وحزم، وتعمل لهز العواطف النبيلة في نفوس الأمم الإسلامية، حتى يشدوا أزرنا في العمل لتحرير وإسعاد خمسة وعشرين مليونا من العرب والمسلمين، وإنقاذهم من الاندماج في الجنسية الفرنسية، وانقلابهم إلى الديانة النصرانية، وهما الغرضان اللذان تعمل لهما فرنسا ليلها ونهارها."[32]

وراسلت الدول العربية والأوروبية لمساندتها في نضالها الشرعي. ففي برقية إلى وزراء خارجية الدول الخمس أعضاء مجلس الأمن، المجتمعين بهيئة الأمم المتحدة، ذكرتهم بأن " في شمال إفريقيا ... نحو خمسة وعشرين مليونا من العرب، سيشاركونكم في بناء السلام العام، متى ساعدتموهم على التخلص من الاستعمار الجائر، وأصبحوا يديرون شؤونهم السياسية بأيديهم."[33]

وجندت الجمعية الصحافة المصرية والزعماء السياسيين والمصلحين المسلمين للتضامن مع قضايا التحرر في دول المغرب العربي. وسنشير هنا بسرعة إلى تجاوب أكبر الحركات مع اللجنة، وهي حركة الإخوان المسلمين. فقد أصدرت مجلة "النذير" الإخوانية، عدداً خاصاً للتعريف بالجبهة وأعضائها، وشرح مقاصدها. وقامت رفقة جريدة "الإخوان المسلمون"، بمتابعة نشاطها، والدعاية لها، من خلال كتابات قادتها، وأنصارها، ونشر بياناتها. وجاء في المنشور الأول الذي نشرته "النذير"، أن الجبهة تسعى "بالطرق المشروعة لتحقيق حرية واستقلال شعوب شمال إفريقيا وضمها إلى جامعة الدول العربية".[34]

كان مقر الجبهة مركزا للاستقبال أحرار المغرب العربي كالحبيب بورقيبة وعبد الكريم الخطابي ومحي الدين القليبي… ذكر هذا الأخير أنه وجد بمكتب "لجنة الدفاع عن شمال إفريقيا" خزانة مملوءة بالمقالات والبيانات التي نددت بها اللجنة بأحداث 8 ماي 1945. [35]ويذكر الباحث محمد بلقاسم أن الجبهة أصدرت آخر بيان[36] لها في 24 أفريل 1948. واعتبر بذلك هذا التاريخ هو آخر عمل لها.

وقام الكاتب العام لهذه الجمعية الفضيل الورتلاني في جويلية 1946 بجولة في سوريا ولبنان "لإثارة الرأي العام فيها لقضية المغرب العربي بواسطة المحاضرات والصحافة والاتصال برجال الحكم والنواب والزعماء والهيئات."[37] وألقى محاضرة بدار الإخوان المسلمين بدمشق، وشارك فيها مصطفى السباعي، المراقب العام للإخوان المسلمين ببلاد الشام.[38]

الخاتمة:

وفي ختام هذه الدراسة، نأمل أن نكون قد ساهمنا في الكشف عن صفحات مشرقة من سجل التواصل بين المغرب والمشرق، صنعها أبطال وعمالقة من المصلحين والزعماء السياسيين، وإذا ركز هذا البحث بشكل واضح على الشيخ محمد الخضر حسين لما قدمه من نضال كبير في سبيل توحيد الجهود، فذلك لا يجحد أعمال مصلحين وقادة آخرين، حملوا نفس الهم، وناضلوا بنفس القوة والإصرار والعزيمة.

ونأمل أكثر أن تتاح لنا فرصا أخرى للتعمق في هذا الموضوع، الذي نعتبره أساسيا في مسيرة بناء علاقات متينة بين مغرب العالم العربي ومشرقه، وذلك من خلال متابعة واسعة لنشاطات الهيئات والجمعيات التي أسسها الشيخ محمد الخضر حسين أو ترأسها، وقراءة نقدية للصحف والمجلات التي أصدرها (السعادة العظمى والهداية الإسلامية) أو أشرف على تحريرها (نور الإسلام).

*أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر 2

               

[1]محمد جابر الأنصاري. الحساسية المغربية والثقافة المشرقية. الدوحة، العدد 122، فبراير 1986؛ محمد العربي الخطابي. قنوات الثقافة بين المشرق والمغرب. الدوحة، العدد 124، أبريل 1986؛ وأنظر أيضا مقال فهمي هويدي. عريضة اتهام مغربية ضد المشارقة. العدد 123، مارس 1986، ص 10-13.

[2]مجموعة كتاب. حوار المشارقة والمغاربة. كتاب العربي 65 و66، ج1 و2، جويلية 2006 و أكتوبر 2006.

[3]محمد مواعدة. الخضر حسين. حياته وآثاره. الدار التونسية للنشر، تونس، 1974، ص 38.

[4]مجلة "السعادة العظمى"تحتوي على 16 صفحة، ومعدل سحبها 500 نسخة. أنظر: حبيب حسن اللولب. دور الصحافة العربية بتونس في تفعيل الوعي الوطني (1860-1914). رسالة ماجستير التاريخ المعاصر، 2001، قسم التاريخ ، جامعة الجزائر، إشراف الدكتور جمال قنان، ص 47.

[5]خير الدين شترة. الطلبة الجزائريون بجامع الزيتونة (1919-1939). مجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، العدد 20، أفريل 2006، ص 220.

[6]بسام البطوش. الحرية في الخطاب الإسلامي الحديث: الشيخ محمد الخضر حسين نموذجا. إسلامية المعرفة، العدد 31-32، شتاء 2002، ربيع 2003، ص 201-228.

[7]محمد الخضر حسين. مشاهد برلين. الدار الحسينية للكتاب، 1998، دمشق، إعداد وضبط علي الرضا الحسيني، ص 41.

[8]فهمي هويدي. الأزهر العمارة والمنارة. العربي، العدد 295، جوان 1983، ص 82؛ محمد العربي الخطابي. قنوات الثقافة بين المشرق والمغرب. الدوحة، العدد 124، 1986، ص11.

[9] محمد الخضر الحسين. الرحلات. المطبعة التعاونية، دمشق، 1976، جمع وتحقيق علي الرضا الحسيني، ص 25-41.

[10]أسس محب الدين الخطيب مجلة الفتح في تشرين الثاني 1926. ولم تتوقف الفتح إلا في عام 1951. وهي مجموعة في 25 مجلدا تضم نحوا من عشرين ألف صفحة. وكتب أيضا في هذه الجريدة الشيخ عبد الحميد بن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، وإبراهيم أطفيش، وحمزة بوكوشة، وأحمد توفيق المدني من الجزائر، عبد العزيز الثعالبي، ومحي الدين القليبي من تونس، وتقي الدين الهلالي وأحمد بلفريج من المغرب، وسليمان الباروني من ليبيا.

[11]عمار الطالبي. آثار إبن باديس. الشركة الجزائرية للنشر، الجزائر، 1997، ج 4، ص 149.

[12]محب الدين الخطيب. محمد الخضر الحسين. مجلة الأزهر، ج 8، مج 29، فبراير 1958، ص 736-744.

[13]البصائر، العدد 208، 1 ديسمبر 1952.

[14]عبد القادر قوبع. الحركة الإصلاحية في منطقتي الزيبان وميزاب 1920 -1954. رسالة ماجستير التاريخ المعاصر، 2007، قسم التاريخ ، جامعة الجزائر، ص 47.

[15]مولود عويمر. حركة شباب الموحدين من خلال جريدة القبس. البصائر، ع 86 ، 4-11 مارس 2002.

[16]البصائر، العدد 64، 24 جانفي 1949.

[17]البصائر، العدد 208، 1 ديسمبر 1952.

[18]أبو الحسن الندوي. مذكرات سائح في الشرق العربي. دمشق. دار ابن كثير، 2001، ص 103.

[19]محمد محمد حسين. الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر. بيروت، مؤسسة الرسالة، 1986، ص 302.

[20]مواعدة، الخضر حسين، ص 99.

[21]يوسف مناصرية. الشيخ صالح الشريف المفكر الإسلامي. حولية المؤرخ، العدد 1، 2002، ص 234.

[22]قوبع، الحركة الإصلاحية، ص 47.

[23]توفيق الشاوي. مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي 1945-1995. القاهرة، دار الشروق، 1998، ص 11.

[24]الشاوي، المرج السابق، ص 11.

[25]الندوي، المرج السابق، ص 102 و235.

[26]صالح خرفي. مذكرات محب الدين الخطيب. الثقافة، العدد 16، أوت 1973، ص 88-89.

[27]رابح تركي. محمد البشير الإبراهيمي في المشرق العربي. الأصالة. العدد 8، ماي-جوان 1972، ص 255-261 .

[28]الندوي، مذكرات، ص 136.

[29]أبو القاسم سعد الله. مسار قلم. دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2005، ج1، ص 71.

[30] الرشيد إدريس. ذكريات عن مكتب المغرب العربي في القاهرة. تونس، الدار العربية للكتاب، 1981، ص 112؛ أبو القاسم سعد الله. كلمة الطلبة الجزائريين بالقاهرة في الذكرى الثالثة للثورة. الثقافة، العدد 83، سبتمبر- أكتوبر 1984، ص 243.

[31]محمد ناصر. أبو اليقظان ونضال الكلمة. المؤسسة الوطنية للكتاب، 1983، الجزائر، ص 120.

[32]محمد الخضر حسين. جبهة الدفاع عن إفريقية الشمالية. الدار الحسينية للكتاب، 1998، دمشق، جمع وتحقيق علي الرضا الحسيني، ص 25.

[33]حسين، نفس المرجع، ص 53.

[34] مولود عويمر. الإمام حسن البنا وحركات التحرر المغاربية. المجتمع، العدد 1490، 23 فبراير 2002، ص 43.

[35]محي الدين القليبي. أبطالنا في الميدان: الفضيل الورتلاني. البصائر. العدد7, 5 ديسمبر 1949.

[36]هذا البيان منشور في كتاب عبد الرحمان بن إبراهيم بن العقون. الكفاح القومي والسياسي من خلال مذكرات معاصر. المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1986، ج3، ص60-61.

[37]محمد بلقاسم. الاتجاه الوحدوي في المغرب العربي 1910-1954. رسالة ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر، 1994، ج2، ص 326.

[38]بلقاسم، نفس المرجع، ص 326.