الزبير بن العوام

محمد عبدالله الخطيب

محمد عبدالله الخطيب

هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي القرشي الأسدي، ويكنى أبا عبد الله.. أمه صفية بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وابن أخي خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، وهو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم "وكلمة الحواري" معناها: هو الذي يصلح للخلافة، وهو الوزير، وهو الناصر، وهو الخالص، وهو الخليل..

تربى الزبير منذ نشأته تربية خشنة، وقد قاتل بمكة – وهو غلام- رجلاً فكسر يده، فكانت أمه تفخر بشجاعته وإقدامه، ولقد مضى به العمر والشجاعة تنمو فيه والإقدام، وتؤهله لتحمل مسئوليات القتال كاملة.. يقول ابن هشام في إسلام الزبير رضي الله عنه:

"كان أبو بكر رجلاً مؤلفاً لقومه محبباً سهلاً، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق ومعروف، فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم بدعائه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة ابن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وصلوا..

كان إسلام الزبير بعد أبي بكر رابعاً وخامساً بين الرجال وهو ابن ست عشرة سنة، فعلقه عمه في حصير ودخّن عليه ليرجع إلى الكفر، فكان يقول: لا أكفر أبداً..

هاجر رضي الله عنه إلى الحبشة الهجرتين، ثم هاجر إلى المدينة وحده، وبدأ صفحة جديدة لجهاده في سبيل الدعوة، وكان من الذين ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على الموت.

مواقفه الإيمانية

1- قال له عمر بن الخطاب: يا أبا عبد الله هل لك في ولاية مصر؟ فقال لا حاجة لي فيها ولكن أخرج مجاهداً في سبيل الله، وللمسلمين معاوناً، فإن وجدت عمراً قد فتحها لم أعرض لعمله، وقصدت إلى بعض السواحل فرابطت معه، وإن وجدته في جهاد كنت معه.

2- وكان رضي الله عنه أحد كبار المهاجرين من أمثال عمر وعلي وعبد الرحمن ابن عوف يؤلفون هيئة شورى أبو بكر، ومن القادة الذين أبلوا بلاءً حسناً في قتال المرتدين، وشهد معركة اليرموك بالشام، وكان أحد قادتها، وحمل على الروم حتى شق صفوفهم، ثم عاد أدراجه بعد أن جرح جرحاً شديداً.

3- وحين قدم على عمرو أثناء فتح مصر، وجده محاصراً حصن بابليون، فلم يلبث أن ركب حصانه وطاف بالخندق المحيط بالحصن، ثم فرق الرجال حول الخندق، وطال الحصار حتى بلغت مدته سبعة أشهر، فقيل للزبير إن بها الطاعون، فقال: "إنما جئنا للطعن والطاعون".

أين شباب الأمة الإسلامية اليوم من هذه البطولات ومن هذا التاريخ المشرف؟ أين هم من هذه القدوات على الطريق حتى يصلوا حاضرهم بماضيهم؟!

4- ومن مواقفه الإيمانية الجهادية أنه حين أبطأ الفتح على عمرو بن العاص قال "إني أهب نفسي لله، أرجو أن يفتح الله بذلك المسلمين، فوضع سلماً وأسنده إلى جانب الحصن من ناحية سوق الحمام ثم صعد، وأمرهم إذا سمعوا تكبيره أن يجيبوه جميعاً، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ومعه السيف، فتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفاً من أن ينكسر، فلما رأى الروم أن العرب قد ظفروا بالحصن انسحبوا، وبذلك فتح حصن بابليون أبوابه للمسلمين، وانتهت بفتحه المعركة الحاسمة لفتح مصر.

5- لقد كان – رضي الله عنه- بمواقفه الإيمانية العظيمة من أجلاء الصحابة، وكان على جانب كبير من الشهامة والأمانة، وكان من أكرم الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ينفق أمواله في سبيل الله، وكان ورعاً تقياً..

يقول عبد الله بن الزبير: قلت للزبير: ما يمنعك أن تحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدّث عنه أصحابه؟ فقال: أما والله لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعته يقول: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".. وكان رضي الله عنه من أصحاب الفتيا من الصحابة، روى ثمانية وثلاثين حديثاً.

رجل بألف

حين أمد عمر بن الخطاب عمرو بن العاص بأربعة آلاف رجل "وهو يفتح مصر" كان على كل ألف رجل منهم رجل يعادل ألفاً.. كتب إليه يقول: "إني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم رجل مقام ألف" وكان الزبير على رأس هؤلاء الرجال، والثلاثة الآخرون هم: المقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد، رضي الله عنهم.

إن شجاعة الزبير كانت مضرب الأمثال.. فقد سئل عنه عمرو بن العاص فقال: "شجاع جسور" وقال علي بن أبي طالب فيه: "أشجع الناس ذاك، وأشار إلى الزبير، الذي يقبض كالنمر، ويثب وثوب الأسد".. وفي يومي أُحد وقريظة جمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه مرتين قائلاً: "ارم فداك أبي وأمي".

لقد كان جندياً متيناً وقائداً مهيباً يتحلى بكل مزايا المجاهد، فهو صاحب عقيدة راسخة، وعقلية متزنة، وشجاعة لا مثيل لها، وكان مثلاً إيمانياً رائعاً، وهو أحد السابقين إلى الإسلام ولم يتخلف عن أية غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كل غزوة له موقف إيماني بطولي مشرف، رضي الله عنه وأرضاه.