السيد الشريف محمد خلدون الحسني الجزائري

أيمن بن أحمد ذو الغنى

ترجمة الطبيب الحافظ والفقيه الباحث

السيد الشريف محمد خلدون الحسني الجزائري (1)

أيمن بن أحمد ذو الغنى

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

هو: أبو إدريس، محمد خلدون بن محمد مكي، بن عبد المجيد، بن عبد الباقي، بن محمد السعيد (الأخ الأكبر للأمير عبد القادر الجزائري)، ابن السيد محيي الدِّين الحسني الجزائري.

ولد بدمشق فجر يوم الجمعة 25 من شوال 1389هـ، يوافقه (2 /1 / 1970م).

طبيب أسنان جرَّاح ألمعي، وفقيه مالكي متمكِّن، مجاز بالفتوى على مذهب الإمام مالك، وجامع للقراءات القرآنية العشر، وباحث محقِّق، ومصنف مدقِّق، وخبير في الأنساب عمومًا وأنساب آل البيت خصوصًا.

ومتخصص في تاريخ جدِّه الأمير عبد القادر الجزائري وسيرته وعلى دراية واسعة به.

ذو شخصيَّة علمية بصيرة، رائِدُه الحق والدليل، لا يتعصَّب لمذهب، ولا يقلد إمامًا تقليدًا أعمى، ولا يخرج عن المذاهب الأربعة، متبع للسنَّة، معنيٌّ بدراسة الحديث النبويِّ الشريف، ويتجنَّب الخوضَ في علم الكلام ويُعرض عن كتبه وبحوثه، وهو على طريقة الإمامين مالك وسُفيان في الإمساك عن المسائل التي لم نكلَّف الخوضَ فيها، ولم نؤمَر التعمُّق فيها، وبخاصة ما كان في ذات الله جلَّ شأنه.

متَّقد الذكاء، سريع البديهة، خفيف الظل، حاضر النكتة، مع حدَّة محمودة في الطبع، صريح واضح في أقواله وأفعاله، لا يُداهن ولا يُصانع وأبغض الناس إليه ذو الوجهين.

درس طبَّ الأسنان وجراحتها في جامعة دمشق، ونال منها شهادة الدكتوراه سنة 1993م.

وحُبِّب إليه طلب العلم في وقت مبكِّر، فحفظ مختصر صحيح مسلم للمنذري وهو في الرابعة عشرة من عمره. وأخذ عن غير قليل من العلماء والمشايخ المربِّين، فتخرَّج في القرآن والفقه المالكي بعمِّه الشيخ عبد الرحمن بن عبد المجيد الحسني المتوفَّى سنة (1424هـ/ 2003م)، قرأ عليه القرآن الكريم بسنده إلى شيخ قرَّاء الشام أحمد الحلواني والشيخ محمود فايز الديرعطاني، وأخذ عنه وجهَي السكت الخاصِّ والعامِّ في رواية حفص.

وقرأ عليه كتبَ الفقه المالكيِّ متونًا وشروحًا، وأُجيز بها، وتعمَّق في دراسة المذهب حتى أجازه عمُّه بالفتوى على المذهب المالكي. وقرأ عليه أيضًا بإسناده (الموطَّأ) للإمام مالك، برواية يحيى بن يحيى الليثي، ثم برواية أبي مُصعَب الزهري، بحضور شيخه محمود بن جمعة عُبَيد وقراءته.

وبقي ملازمًا عمَّه ملازمةً حتى وفاته، وتأثَّر به في اتِّباع الحقِّ والدليل، والرجوع عن الخطأ، والتمسُّك بالسنَّة، وسلامة الصدر والتسامح مع الآخرين.

وجمع القراءات القرآنية العشر على الشيخ الصيدلاني والفقيه الحنفي محمود بن جمعة عُبَيد إمام جامع الروضة بأسانيده، وأخذ عنه خلافات رواية حفص (الوجوه الـ21) بسنده إلى الشيخ عبد العزيز عيون السود.

ولازم الشيخ محمودًا سنوات وانتفع به، وهو من شيوخه المحبَّبين المقدَّمين، لتواضعه ولطفه وزهده. وحضرَ معه دروس الفقه المالكي على عمِّه الشيخ عبد الرحمن الحسني في كتابَي (الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القَيرواني)، و(الكافي) لابن عبد البر، بقراءة الشيخ محمود.

ودرس الفقه الشافعيَّ وتضلَّع به على يد عدد من العلماء، فلازم الشيخ صادق حبنَّكة رحمه الله، سبع سنوات، سمع منه شرح كتاب (كفاية الأخيار)، وأجزاء كثيرة من كتاب (إعانة الطالبين)، فضلاً عن دروس في التفسير وغيره.

وأخذ عن الشيخ الدكتور مصطفى البُغا، ولازمه خمسَ سنوات، حضر عليه شرح كتاب (المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرميَّة)، وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك)، وفصولاً من كتاب (السراج الوهَّاج شرح المنهاج)، وقرأ عليه شيئًا من علم أصول الفقه.

وحضر مجالسَ الشيخ محمد شقير في (الحواشي المدنيَّة على المقدمة الحضرميَّة)، وشرح مختصر الإحياء لابن قدامة.

وحضر دروس شيخ قرَّاء الشام محمد كريِّم راجح في تفسير القرآن من عشرين سنة، من عام 1989م إلى اليوم، بجامع سيدنا الحسن رضي الله عنه في حيِّ الميدان، وحضر عليه في داره شرح بعض الحواشي الشافعيَّة، وشرح ابن عقيل على الألفيَّة، والمحلَّى لابن حزم بقراءة الشيخ، ولازمه وصار من خواصِّ أصحابه وأحبابه.

ودرس علمَ الحديث ومصطلحه على الشيخ المحدِّث عبدالقادر الأرناؤوط رحمه الله، فحضر دروسَ (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير) للشيخ المحدث أحمد محمد شاكر، و(قواعد التحديث) للجمال القاسمي، وشيئًا من (شرح ألفية الحديث للعراقي) للحافظ السخاوي، فضلاً عن أجزاء من كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد) لابن القيِّم، وله منه إجازة. مع المواظبة على حضور خُطَبه يوم الجمعة في جامع المحمَّدي بحيِّ المِزَّة غربيِّ دمشق.

وكانت صلته وثيقةً بالشيخ، وهو من خواصِّه والمقرَّبين منه، أحبَّه حبًّا جمًّا؛ لفضله ووفور علمه، وترغيبه في الدراسة والبحث وطلب العلم، وتأثَّر به وبأخلاقه الحميدة؛ من استقامة ونزاهة، وصدق وجرأة في قول الحق، وتواضع ولطف، واحترام للآخَرين.

وحضر على الشيخ عبد السلام القصيباتي الشافعيِّ رحمه الله شيئًا من كتاب (كفاية الأخيار).

واختصَّ بالشيخ عبد المجيد بن سعد الأسود التونسي نزيل دمشق، سنوات طويلة، ولازمه ملازمة العين لأختها، وأفاد منه، ووجد فيه ضالَّته؛ فهو عالمٌ موسوعيُّ الاطلاع، معتدل المنهج، قوي الحافظة، خبير بالكتب والمؤلفات وموضوعاتها، ويملك مكتبة ضخمة وغنيَّة بنوادر المصنَّفات مع دراية وإحاطة بفحواها، بل يكاد يحفظها عن ظهر قلب، إلى رغبة جادَّة في البحث والتنقيب، وزهد وتواضع وترغيب في التعلم.

قرأ عليه المطوَّلات والشروح، منها: شرح صحيح البخاري (إرشاد الساري) للقسطلاني، وشرح صحيح مسلم للأُبِّي (مع شرح السنوسي) [وهو جامع لكلِّ شروح مسلم: عياض، والمازري، والقرطبي، والنووي]، وشرح سنن أبي داود (عون المعبود)، وشرح سنن الترمذي (تحفة الأحوذي) و(العارضة)، وأتمَّ عليه (كفاية الأخيار) في الفقه الشافعي بعد وفاة الشيخ القصيباتي، وكتاب (المهذَّب) للشيرازي الشافعي، وأربعة أجزاء من كتاب (الأم) للإمام الشافعي، وجزء ونصف من (إعلام الموقِّعين)، و(مقدمة ابن الصلاح)، و(بداية المجتهد) لابن رشد مع (الهداية في تخريج أحاديث البداية) للعلاَّمة أبي الفيض الغُماري تسعة مجلدات، و(مقاصد الشريعة) للعلامة محمد الطاهر بن عاشور، وفصول كثيرة من كتاب (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقِّ من علم الأصول) للشوكاني، و(حاشية الصبَّان على الأُشموني) شارح ألفية ابن مالك، وكتاب (الكَفاف) في قواعد اللغة للعالم اللغوي يوسف الصيداوي، وغيرها.. وله منه إجازة.

وقرأ على والده العالم اللغويِّ والدكتور بالفيزياء النووية محمد مكِّي الحسني - الأمين العام لمجمع اللغة العربية بدمشق [صنعت له ترجمة نشرت في موسوعة الأسر الدمشقية] - بعضَ الكتب العلمية الفيزيائية والرياضية والفلكية، وقرأ عليه جميعَ بحوثه ومؤلَّفاته في اللغة العربية، وحصل منه على إجازة عامَّة، وإجازات خاصة في كلِّ ما قرأه عليه.

وتدارس مع قرينه وصفيِّه الشيخ محمد مجير بن أبي الفرج الخطيب: (شرح نزهة النظر في توضيح نخبة الفِكَر) للحافظ ابن حجر، وفصولاً من الجزء الأول من كتاب (طرح التثريب شرح التقريب) للحافظ العراقي.

جمع مكتبة فيها زُهاء 1500 مجلد، قرأ معظمَها قراءة كاملة، حتى المراجعُ الكبيرة مثل (سير أعلام النبلاء) للذهبي أتى على معظمها.

أعدَّ قرابة خمسين بحثًا ورسالة علميَّة.

وصدر له كتابان، أولهما: (إلى أين أيها الحبيب الجفري؟) وهو ردٌّ علمي دقيق على كتاب الشيخ اليمني الحبيب علي الجفري (معالم السلوك للمرأة المسلمة)، قدم للكتاب وقرَّظه العلامة الأصولي الشيخ د. مصطفى الخَن رحمه الله، ومفتي الشافعية وشيخ قراء الشام محمد كريِّم راجح حفظه الله.

والآخَر: (البارق السَّنِي من حياة مكِّي الحسَني) وهو ترجمة مسهبة لأبيه العلامة حفظه الله تعالى.

وأنجز كتابًا نافعًا لمَّا يُطبع بعنوان: (رجال من الأسرة الإدريسيَّة الزكية والعِترَة الحسنيَّة الشريفة)، وله كتاب في الدِّفاع عن جدِّه الأمير عبد القادر الجزائري وتفنيد كثير من الأباطيل الشائعة عنه.

من أهمِّ أغراضه: الاستفادة من العلوم التي تلقَّاها ودرسها في تحقيق المسائل المشكلة، وهذا ما يطغى على رسائله ويشيع في بحوثه، وهو ذو خبرة في تحقيق الآثار والأنساب والتاريخ، والراجح في أخبار الرجال وأحوالهم، والفتاوى الفقهية القديمة.

مثَّل أسرة الأمير عبدالقادر الجزائري في غيرما مناسبة، منها احتفالية مؤسسة البابطين التي دعاه إلى حضورها الرئيس الجزائري شخصيًّا، وكانت في الجزائر العاصمة من 3- 6 من شعبان 1421هـ، (31/ 10 إلى 3/ 11/ 2000م)، وعنوانُها: (مؤتمر شعر أبي فراس الحَمْداني والأمير عبد القادر الجزائري)، وقدَّم فيها بحثًا في النقد الأدبي علَّق فيه على دراسة الدكتور وهب روميَّة (اللغة والصورة في شعر الأمير عبد القادر الجزائري)، ونال بحثه إعجابَ الأدباء والمتخصِّصين الحاضرين.

واستضافته قناة (المستقلَّة) الفضائية، في شهر آذار من عام 2008م، في عشر حَلَقات، مع عدد من الباحثين والمتخصصين بتاريخ الجزائر؛ لتجلية حقائقَ تاريخية وعلمية عن جدِّه الأمير عبدالقادر الجزائري، وذلك ضمن برنامج (ملفَّات مغاربية): سيرة الأمير عبد القادر الجزائري. وكان لمشاركته أعمق الأثر في تصحيح كثير من المفاهيم، وردِّ كثير من الشبهات المثارة على الأمير.

قال عنه فضيلة الشيخ د. مصطفى الخَن رحمه الله: فدماثة الكاتب [أي: المترجَم] وحسن خلقه لم تقف حاجزًا له عن الصدع بالحق.. ثم إن نشأته العلمية وتلقيه العلم عن أكابر العلماء واستشارته إياهم فيما يعترضه، مع ما وهبه الله من جرأة في الحق وغيرة على شرع الله وسنة نبيه ، إضافة إلى أنه سليل بيت النبوة، وحفيد أمير المجاهدين الأمير عبدالقادر الجزائري، كل ذلك جعله أهلاً ليكون من النَّصَحَة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

وقال عنه فضيلة الشيخ محمد كريِّم راجح: هو فقيه مالكي جيد، مطلع على كتب المالكية، ومستحضر للأحكام الفقهية فيها، ثم تفقَّه بعد ذلك وأطال النظر في مذهب الشافعي عليه رحمة الله، ثم له اطلاع جيد جدًّا على علم الحديث ورجاله وأسانيده، وهو جامع للقراءات العشر، ثم هو لا يكاد يقرأ المسألة إلا ويعود للأدلة؛ ذلك أنه مستمسك بالدليل، ولا يرى حكمًا إلا ودليله معه.

تزوَّج السيدة: بسمة بنت عماد الدين الروَّاس المَدَني، وله منها سبعة أولاد، ذكران: عبدالله، ومكِّي، وخمس إناث: فاطمة، وصفية، وزينب، وميمونة، وسميَّة.

وأمه: السيدة الفاضلة هالة بنت عبد الحميد بك المتولي العَلَمي، وهي من مواليد دمشق في الثالث عشر من ذي القعدة 1364هـ (19/ 10/ 1945م).

وله شقيقة وشقيقان:

أما شقيقته فهي: السيدة بارعة بنت محمد مكي، ولدت في دمشق في الرابع من شعبان 1388هـ (26/ 10/ 1968م)، وحصلت على إجازة في التجارة والاقتصاد من جامعة دمشق، وتابعت دراسة اللغة الفرنسيَّة إلى مراحل متقدِّمة، والتحقت بعدة دورات علميَّة، لها رغبة في تحصيل العلوم الشرعية وحضور مجالس العلم. متزوجة السيدَ المهندس إياد الحافظ، ولها منه ثلاثة أبناء وبنت.

وأمّا شقيقاه فهما: السيد وائل بن محمد مكي، وُلِدَ في الجزائر العاصمة، يوم السبت صباح عيد الأضحى العاشر من ذي الحجة سنة 1395هـ (13/ 12/ 1975م): طبيب أسنان لامع متقنٌ لعمله، وله بعض الإسهامات العلميَّة، ونشر مقالات في علوم طبِّ الأسنان، وله اهتمامات شرعيَّة وأدبيَّة. تزوَّج السيدةَ آلاء بنت ياسر صفر الحلبي، ورُزق منها بنتًا اسمها هالة.

والآخر: السيد هاني بن محمد مكي، وُلِدَ في دمشق، في الأول من ربيع الآخر 1403هـ (15/ 1/ 1983م): حصل على إجازة في الاقتصاد من جامعة دمشق، ويحضِّر لنيل شهادة الماجستير في الإدارة المالية من الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية. ويعمل في قسم المحاسبة في أحد أكبر معامل الأدوية السورية. يُحسِن الإنكليزية، واشتغل بأعمال الترجمة إلى العربية لبعض الشركات. جميل الخط، ويحفظ أجزاء كثيرة من القرآن.

من اليمين: د. خلدون الحسني، وشيخ قرَّاء الشام محمد كريِّم راجح، وكاتب الترجمة

               

([1]) اعتمدتُّ في إنشاء هذه الترجمة على مشافهة الأخ المترجَم، وعلى مراسلات كثيرة معه، وعلى معرفة شخصية عميقة، وأخوَّة صادقة، وصحبة وثيقة، مضى عليها زهاء أربعة عشر عامًا.