تعلمت من: محمود الجميعي

تعلمت من:

محمود الجميعي

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

الأخ الحاج محمود إبراهيم الجميعي علم من أعلام الإخوان في المطرية دقهلية، وهو داعية بسلوكه وخلقه، قبل أن يكون داعية بالمواعظ، والكلمات، كان يعمل تاجرًا في الأدوات المنزلية، وله دكان قبالة دكان البقالة الكبير الذي يملكه والده، فقد كان من أكبر تجار المطرية.

كنا قرابة ثمانية طلاب من إخوان المنزلة في مدرسة أحمد ماهر الثانوية بالمطرية، وبعد انتهاء اليوم الدراسي من كل خميس نذهب إلى دكان الأخ محمود، ونمكث ساعة في لقاء إيماني مثمر، وكان هادئ الصوت، كأن حديثَه همس، ولكن إذا جالسته تحس أنه قد ملأ قلبك بحلاوة الإيمان، ونور اليقين.

 كما أنه يؤكد مقولاته بوقائع من الحياة رآها أو عاشها، مثال ذلك وهويتحدث عن قوله ـ تعالى ـ على لسان إبراهيم عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء: 80) قال عرضت أبي على طبيب مشهور في القاهرة، وبعد فحصه، وكتابة تذكرة الدواء (الروشتة) قال الطبيب: والدك لازم يغير جو.. خذه لحديقة الحيوان.. امش معه في شوارع القاهرة.

قال الأخ محمود: وكان يوم الثلاثاء، فصحبته إلى المركز العام ليحضر حديث الثلاثاء. وكانت أول مرة يستمع فيها للإمام الشهيد. وبعدها دار بيننا الحوار الآتي:

ـ إن شاء الله غدا سأصحبك إلى حديقة الحيوان بعدها إلى الأهرام.

- لا يا ابني.. خلاص أنا الوقتي كويس جدًّا.. الشيخ حسن شبعني، والحمد لله.

 وكنا ـ نحن طلبة المنزلة - حريصين كل الحرص على حضور جلسة الخميس، ففي كل جلسة نشعر بأنا شحنا بشحنة إيمانية جديدة.

 لقد مضى أكثر من ستين عاما على هذه الجلسات، ومع ذلك ما زال في حافظتي كثير من كلماته كأني اسمعها هذه الساعة . ومنها:

ـ يا إخوان نحن بالدعوة "كل شيء ومن غير الدعوة لا شيء".

ـ حتى نؤمن بقيمة جماعة الإخوان علينا ألا نبحث عما قدمه الإخوان للمجتمع المصري، فهو يمكن حصره وعده، ولكن علينا أن نتصور مصر "بلا إخوان" ... في هذه الحال ستكون مصر "مكشوفة" من غير حصن، ستكون مرعى لجماعات التبشير، والإلحاد، والإباحية.

- الذين يكرهوننا تجدهم في أعماقهم يقدروننا. وقد سعدت بالأمس عندما سمعت واحدًا من عامة الناس يقول لصاحبه "لقد تعاملت مع فلان وزملائه في الشركة، فوجدتهم متعاونين متحابين زي الإخوان المسلمين".

ـ علينا أن نتعلم التواضع من الإمام حسن البنا : إذا زار إحدى شعب البلاد النائية، عرض عليه كل واحد من أعيان البلد أن يبيت في منزله، فيرد الدعوة في أدب، ويؤثر أن يبيت في الشعبة كأحد الإخوان.

***

 وكان في تعامله مع الآخرين يصدق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" . فما رأيته جادل بائعًا في السعر الذي يطلبه، ولا يخاطب البائع إلا بـ "يا عمي". بل إن بعضهم ـ كباعة الفاكهة، والسمك، والطيور ـ كان يخفض له السعر بعد أن يحدده، ويعلنه به، وذلك لذوقه وإنسانيته، كما سمعت من أحد باعة الفاكهة.

***

 وفي سنة 1965م حكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة الاشتراك مع مجموعة لقلب نظام الحكم، وقضى مدة الحكم صابرًا، شاكرًا مستسلمًا لقضاء الله. يرحمه الله .